2015/03/03

سليمان فياض وابتسامته الرائقة بقلم: سمر إبراهيم



سليمان فياض وابتسامته الرائقة
سمر إبراهيم
في حفل تكريم الكاتب سليمان فياض الأخير بمؤتمر القاهرة الكبري وشمال الصعيد الثقافي الرابع عشر بالفيوم 2013م، اختلف الباحثون والحاضرون فيما بينهم، فكان البعض يرى أن رواية أصوات عملا رائعًا لروائي كبير القامة كان يجب أن يخلص لكتابة الرواية فقط ولا يهتم باللغة أو غيرها، في حين كان يعترض البعض الآخر فيرى أنه كان يجب أن يخلص للأبحاث اللغوية، فهي أكثر فائدة وأعم، وليس هناك من هو أحق منه بمثل هذه الأعمال وخاصة لحسه اللغوي الخاص، وهناك من آخرون قد رفضوا تلك الأقوال متعللين بأن كتاب الوجه الآخر للخلافة الإسلامية وكذلك كتاب أئمة الإسلام الأربعة يدلان على باحث في تاريخ الإسلام ليس له نظير، وكان يجب أن يبدأ حياته بهذا الطريق، وهنا استوقف الحديث آخرون يرون أن كتابة سير علماء العرب طريق خاص ليته استمر وحده فيه دون غيره.
كنت أنظر إليهم في دهشة، فقد كانت هذه الحوارات رغم الخلاف بين الحاضرين حول رؤية ما يتصورونه عن أعمال سليمان، وعن الطريق الذي كان عليه يسلكه خلال مشواره الطويل، إلا أن تلك الحوارات كانت تعكس حب وإعجاب كل فريق بإنجاز سليمان لما يتحيز هو له. والحقيقة أن سليمان كان يرى أنها ليست طرقًا مختلفة بل طرقًا مكملة بعضها البعض، حتى بورتيهاته القصصية كانت حروبًا ضد سلطة المثقف المزودج الانتماء، وكانت كل أعماله وأفكاره طرقًا لحروب كان يرى أنها يجب أن تخاض ضد الديكاتورية والتسلط والسيطرة بجميع مستوياتها المختلفة. كان يرفض كهانة القيم الاجتماعية أو السياسية أو المفاهيم القبلية المسبقة بكل مستوياتها. بعض هذه الحروب التي خاضها بالفعل في كتاباته المتنوعة، وبعضها الآخر كان يحلم أن يكملها كحلمه بكتاب جديد كتب بذرته في نهاية كتابه النحو العصري تحت عنوان: الخلاصة الإعرابية، حلم بتخليص النحو العربي من تعقيداته العديدة وإيجاد وسيلة رياضية بسيطة، تجعل الجميع الصغير والكبير ومحترف الثقافة والمتلقي بكافة مستوياته يستطيع القراءة والكتابة الصحيحة بل الإعراب أيضًا.
كنا نجلس سويًا لساعات طوال يحدثني عن أحلامه عما يريد كتابته من مشاهد قصصية قصيرة، كان يتمنى تسميتها: "ألاعيب الذاكرة"، مشاهد دالة لأناس ومواقف وأحداث تعكس أحلامه وآماله المجتمعية، بعضها ينتمي إلى قريته، ثم حياته في المنصورة، وصورًا لشخصيات كانت من وجهة نظره نمطية، ولكن الأعمال القصصية لم ترصدها بدقة، حكايات كثيرة، منها: أن إحدى نساء قريته طُلقت من زوجها، لأن زوجها عندما عاد من عمله ووجدها نائمة أكل "فتة" وجدها في المطبخ، وعند يقظتها من النوم شكرها على هذه الأكلة العظيمة، ولكنها لم تطبخ في هذا اليوم، واكتشفت أنه وضع العيش في ماء وصابون، وليس شوربة كما تخيل. أعلم أنني حكيتها الآن بشكل سيئ؛ ولكنك حين تسمعها من سليمان بتفاصيلها السردية الدقيقة في الوصف وابتسامته الرائقة، وضحكته المجللة في نهاية القصة تندم أن سليمان لم يكتبها إلى الآن، حكايات وحكايات كان يرويها فقد كان الحكاء الجميل.
أحاديث طوال وحكايات كثيرة كانت بيننا، وتفاصيل يومية لا يتسع المجال لذكرها، كنت أجالسه ساعات طويلة، أشعر خلالها بالأمان، كان ينظر إليّ فيدرك ما في نفسي دون كلام، وأجده يطرح ما أفكر فيه، ويبدأ في تحليله فتذوب همومي، وتنتهي أسباب توتري أو قلقي. كان يتنابني كثيرًا لحظات من اليأس والعدمية، أما هو حتى آخر لحظة كان مبتسمًا متفائلا لا ييأس، ولا تفارقه آماله في الناس. فاعترض بأن كل كتاباته ترصد قسوة حقيقية تتجلى في كل أعماله القصصية، فيبتسم ويقول: لا. ثم يستشهد بشخصيات من أعماله تتحدى الواقع والظروف وتصمد. فاصمت ولا أجد ما أجيب به، واستمتع إليه وهو يرصد حكايات جديدة لم يكتبها.
وأخيرًا أقول لك يا سليمان أن حربك الأساسية التي كسبتها هي: أنا. فقد علمتني الكثير وأرشدتني إلى طريق الكتابة، وأسعدتني بصحبتك، وأغمرتني بحنانك، فلولاك لم أكن أستمر حتى الآن. سأنفذ وصيتك الأخيرة يا سليمان وصيتك بالمقاومة والاستمرار والعطاء والحب. وصيتك ألا أحمل نقطة حقد في قلبي فالحقد في رأيك هو الموت، سأستمر على دربك، وأنفذ كل وصاياك في الحياة والعمل، وسأنفذ وصاياك بكتب كنت تتمنى أن أكتبها سأكتبها يا سليمان، وستظل كلماتك، دائمًا، تتردد داخلي حتى النهاية.     

ليست هناك تعليقات: