لوحة
للفنانة سحر عزام
بقلم: زياد
جيوسي
في لوحة الفنانة سحر العزام، نجد أمامنا عملاً
فنياً بسيطاً، ولكنه من جانب آخر يحمل فكرة كبيرة، فلو نظرنا للوحة، وهي لوحة
مرسومة بشكل طولي، لوجدنا أن موضوع اللوحة والجانب الوصفي العام يتركز على
فكرة واحدة هي الرجاء، وهي عملية قائمة على الدعاء لله سبحانه وتعالى، وعلى مجموعة
من المكونات الرمزية التي تنقل للمشاهد الفكرة ببساطة، مكونات تنقلنا بين العتمة
والنور والرجاء والقيد الذي يشد الفتاة سيدة اللوحة من يديها ويربطها بالأرض.
استخدمت الفنانة في اللوحة الخصائص التقنية
القائمة على استخدام ألوان الزيت سريع الجفاف "أكليرك" على قماش الرسم
المعالج "كونفس"، ويلاحظ بشكل عام التوجه لدى الفنانين، وأيضاً لدى
الرسامين، لهذا النوع من الألوان بسبب توفرها ورخص أسعارها مقارنة بالألوان
الزيتية المستخرجة من المواد العضوية، لكن بالتأكيد أن قدرات اللون الزيتي العضوي
على التعبير والبقاء أكبر بكثير من المواد غير العضوية، والتي تدخل الكيماويات في
تركيبها ما يقلل من عمرها الافتراضي إن لم تتم المحافظة عليها بشكل جيد، واللوحة
بحجم 50/70 سم، وقد استخدمت الفنانة أسلوب الريشة وأسلوب الكشط بالسكين معاً في رسم
اللوحة وفرش الألوان.
الفنانة سحر العزام اهتمت كثيراً بفضاء
اللوحة، فقسمت الامتداد البصري إلى أربعة أقسام متفاوتة الحجم، ومتداخلة
بالفضاء العام بتوزيع المساحات البصرية بما بخدم الفكرة للوحة، فنجد على الزاوية
اليمنى في أعلى اللوحة بالنسبة لرؤية المشاهد المنطقة المعتمة، بينما يقابلها
وبمساحة أكبر المنطقة المضيئة في الزاوية المقابلة للوحة، وهاتان المنطقتان مثلتا
ثلث اللوحة العلوي، بينما نجد مساحة جيدة موشحة بالأخضر، وفي أعلاها التلال تمثل
القاعدة التي تعكس فكرة الغد، بينما قاعدة اللوحة عبارة عن صخرة صماء داكنة اللون
تمثل ثلث اللوحة كما التي سبقتها بالمساحة، وبذلك نرى أن الفضاء العام في اللوحة
استخدم بشكل جيد، وأعطى مساحة واسعة للرمزية في اللوحة.
اهتمت الفنانة بالدلالات النفسية في
اللوحة من خلال ملامح الوجه البشري الوحيد وهو لفتاة، فنلاحظ رغم أن الوجه بمساحة
صغيرة إلا أن الفنانة أظهرت فيه حجماً من الألم، وفي الوقت نفسه لم تغفل الأمل
بانقطاع الحبل رغم بقاء القيد، وجثو الفتاة على ركبتيها وهي تنظر للسماء تناجي
خالقها، وهي تضع يديها على صدرها ولا تستطيع فتح الكفين كما العادة في الدعاء بسبب
القيد في يديها يوحي بلمسات صوفية، فالأمل قائم فقد تقطع الحبل، ولكن لا تزال
تعاني ولا تكف عن الرجاء.
من يتأمل اللوحة يجد أن الفنانة اهتمت بالبنية
والتكوين العام لها، فهي لم تترك فراغات بدون معنى، فكانت مهتمة أن لا تكون
هناك مساحات فارغة لا تعطي معنى، فالامتداد الفضائي متناسق مع أهداف ورمزيات
اللوحة فنجد أن الرمزيات المستخدمة في اللوحة مثل: المرأة، الشمس، مساحات العتمة،
الفضاء العام، الأرض.. كانت متوازنة بشكل جيد، فلم تظهر إشارات تهز مكانة تموضع
الرموز والأشكال المستخدمة، وكان التمازج بين الفضاء المنير والفضاء المعتم
متواصلاً مع انقطاع نسبي لا يثير النفور بمقدار ما يثير الاستغراب حين تتحرك العين
المراقبة بين جانبي اللوحة، والشجرة العارية التي تهزها رياح العتمة كانت نقطة
الوصل بين الجانبين فأعطت تواصلاً، لكن مع انقطاع نسبي باختلاف اللون، وأيضاً لو
نظرنا من الأسفل للأعلى وبالعكس كان المنظور العام جيد.
من المسائل المهمة في أية لوحة فنية، هي كيفية
تطويع واستخدام الألوان والإنارة، فهي مسألة مهمة، وتعطي للوحة مفهومها،
وأيضاً تعطي المشاهد فكرة عن القدرات الفنية للفنان، فقد سبق لي أن شاهدت لوحات
لفنانين لهم حضورهم، ولكن الخطأ بتقدير كيفية استخدام الإنارة وانعكاسها على
اللوحة أدى إلى خلل فاضح في لوحاتهم، وهنا في هذه اللوحة للفنانة سحر العزام نجد
مصدر الضوء يتركز في أعلى الزاوية اليسرى بالنسبة للمشاهد، ويضيء جوانب اللوحة
باستثناء الزاوية المعتمة على أعلى يمين اللوحة للمشاهد حيث الشجرة العارية التي
تدفعها الرياح باتجاه الشمس تحجب النور، وهناك شمس أخرى رمزية تقع في منتصف اللوحة
في الجهة المواجهة لرأس المقيدة التي تحلم بالرجاء، وهنا نجد الفنانة وقعت ببعض
الأخطاء بالإنارة، فنجد انعكاس النور على شعر الفتاة من الواجهة الأمامية، وعلى
جذع الشجرة من الناحية الخلفية، بينما الظلال موجودة على خلف ومقدمة الرداء الأبيض
الذي ترتديه الفتاة، بينما تدرجات الألوان كانت جيدة نسبياً، وهذا يظهر جلياً في
المنطقة السهلية تحت الشمس حيث تمازج الأخضر مع لون الأرض البني.
اهتمت الفنانة بمجموعة من الرمزيات في
اللوحة حتى توصل الفكرة التي تسعى إليها، فنجد أن الفتاة تجثو على ركبتيها على
صخرة صماء معتمة اللون، والصخرة إشارة رمزية واضحة للمجتمع الذي تعيش فيه، فهو هنا
مجتمع يقيد المرأة بقيود قوية وكثيرة، ولهذا رمزت بذلك إلى القيد الذي يربط يديها
وهو مرتبط أيضاً بالصخرة/ المجتمع، والفتاة تجثو على ركبتيها بحالة رجاء ونظراتها
للسماء وللشمس التي ترمز هنا لفجر قادم بالحرية والنور، لذا نجد القيد قد قطع من
منتصفه، لكنه لا يزال يقيد يدي الفتاة، فرحلة التحرر طويلة، والمجتمع جامد
كالصخرة، وفي الوقت نفسه نجد الفتاة ترتدي الثوب الأبيض في رمزية واضحة للطهارة.
نلاحظ أن الفنانة رسمت السماء المعتمة بمساحة
أقل من المنيرة في إشارة واضحة إلى أن النور سيتغلب على الظلام، كما رسمت شجرة
عارية من كل الأوراق تقف في مهب الريح فتميل باتجاه النور في مواجهة قوة الريح
القادمة من العتمة، لكنها عصية على الاقتلاع فجذورها راسخة وهي تصر أن تقاوم وتصمد
في وجه ريح العتمة، في إشارات رمزية إلى دور القوى الظلامية في تخريب المجتمع
ومحاولات اقتلاعه وإعادته للخلف بدل أن يتجه للغد، لكنه يميل إلى الشمس والنور.
يلاحظ في اللوحة وجود شمسين وليس واحدة،
الأولى في السماء وتبعث نورها بقوة فتجعل الأرض تتمازج بين الأخضر والبني، وهي رمز
واضح يشير للغد الذي سيفك القيود والذي تنظر إليه الفتاة وتتمناه، وشمس صغيرة
كأنها مشرقة من عقل الفتاة وحلمها بغد منير وجميل، وسهل جميل يقع بين الصخرة/
المجتمع والأفق البعيد على مرمى نظر الفتاة المقيدة يرمز للخصب القادم وتحقق
الحلم.
مسألة أخرى لا بد من الإشارة إليها في اللوحة
وهي يديّ الفتاة، فرسم الأصابع به خلل تشريحي، فهي طويلة ومقوسة أكثر من الطبيعي،
وهي أشبه بالمخالب، وهذه نقطة كان يجب معالجتها قبل عرض اللوحة، وأعتقد أنه لو جرى
إخفاء قوس الشمس والاكتفاء بشلالات النور لكان أجمل، وابتعد عن التقليدية في بعض
مناحي اللوحة.
وهكذا نجد بعد هذا التجوال في اللوحة أن
الفنانة قد تمكنت رغم بعض الهنات ونقاط الضعف من التعبير عن آلام وظروف المرأة
العربية تحت ضغوط المجتمع والجهل الذي يسوده، والعتمة التي تحيط به من خلال
الممارسات الخاطئة تجاه النساء والنظرة إليهن، والفنانة تعيش في بلدتها في شمال
الأردن، وبالتالي شاهد على طبيعة المجتمع وما يحكمه سواء من درجة الوعي وصولاً
للعادات والتقاليد، وقد تمكنت من استخدام اللون بشكل جيد للتعبير عن الفكرة، إضافة
إلى الرمزيات سواء المرسومة أو الرمزيات التقنية اللونية.
الفنانة سحر العزام درست الفنون الجميلة وحصلت
على الدبلوم فيها في كلية بنات إربد، لكنها أكملت دراستها الجامعية لاحقاً في مجال
إدارة الأعمال في جامعة إربد الأهلية، والفن بعض من تركيبتها النفسية منذ الطفولة،
فهي فنانة بالفطرة، وكانت تهتم بداية بالرسم والرصاص، وعبر مراحل زمنية انتقلت إلى
استخدام الزيت منذ العام 2015، وشاركت في العديد من المعارض، وكانت أول مشاركة لها
في سمبوزيوم أم قيس، وشاركت أيضاً في مهرجان برقش الدولي، وفي ملتقى الرواد، وفي
سمبوزيم النهر والليمون برعاية وزارة الثقافة الأردنية في العام 2017، وتهتم في
لوحاتها بشكل عام بالخيول، وتعتبرها تمثل أصالة المرأة العربية والتراث باعتباره
رمز للأصالة والطبيعة لأنها رمز للحياة وبخاصة الطبيعة الصامتة تاركة إياها تتحدث
عن نفسها.
"جيوس 24/1/2018"