أدباء مغاربة للعربية نت : الكاتب المغربي يعيش مفارقة الحرمان المادي وغزارة الإنتاج
الرباط ـ حسن الأشرف
أكد أدباء ومثقفون مغاربة أن الوضعية الاجتماعية والمادية للعديد من الكُتَّاب والمبدعين المغاربة "مأساوية"، وبأنهم محرومون من أبسط الحقوق بالرغم من ارتفاع وتيرة إنتاجهم الأدبي والثقافي.
وعزا هؤلاء التباينَ بين ما ينتجه الأديب من إبداعات أدبية وثقافية ووضعه المادي المجحف إلى طغيان الأمية وضعف نسبة القراءة، وتهميش المسؤولين لفئة الكتاب والأدباء.
واعتبروا أنه لا يوجد في المغرب كاتب يعيش من مداخيل كتبه إلا في حالات نادرة جداً، الأمر الذي يتطلب تدخل الدولة لتحسين أوضاع هؤلاء الأدباء ومنحهم حقوقهم التي يستحقونها.
إنتاج غزير
في البدء، اعتبر الأديب عبدالله المتقي، عضو اتحاد كُتاب المغرب، أن الإنتاج الأدبي بالمغرب يسير بوتيرة شبه ماطرة على مستوى التأليف والنشر والتوزيع، مقارنة مع سنوات الستينات والسبعينات، وذلك بفضل انتشار التعليم بمختلف أسلاكه، وتزايد دور النشر ومساهمة وزارة الثقافة بسلسلتيها "إبداع والكتاب الأول".
وأرجع المتقي هذا الإنتاج المرتفع أيضاً في حديث لـ"العربية.نت" إلى أنشطة بعض الجمعيات من قبيل مجموعة البحث ومختبر السرديات، بالإضافة إلى المعارض الجهوية والمعرض الدولي للكتاب وكذا اكتساح العالم الرقمي.
وأضاف المتقي أن هناك سبباً آخر يتمثل في مغامرة الملسوعين بحمى الإبداع للتعبير عن أحلامهم لأن "الأرض ضيقة وأحلامهم واسعة جنونية، ولأن قدرهم الاعتقال في محراب الكلمة لكون الكلمة هي ما تبقت لهم كواجهة".
وبالتالي، يخلص المتحدث، يمكن الحديث عن إنتاج إبداعي أدبي تطور على مستوى الكيف والكم، لكن يبقى العزوف عن القراءة عائقاً رغم انتماء المغرب لأمة اقرأ، بحسب تعبير المتقي.
حركية مخادعة
وسار الروائي مصطفى لغتيري، رئيس الصالون الأدبي بالمغرب سابقا ، على نفس المنوال حيث اعتبر أن المغرب الأدبي يعرف في المدة الأخيرة طفرة نوعية على مستوى الإنتاجات الإبداعية، وطال ذلك جميع الأجناس الأدبية بما فيها الشعر والقصة القصيرة والرواية.
وقال لغتيري لـ"العربية.نت" إن هذه الفترة عرفت إصدار أكثر من 200 رواية، وهو رقم دال جداً خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه يوازي ما أنتجه المغاربة منذ البواكير الأولى للرواية في أربعينات القرن الماضي. وتصدق هذه الحركية ـ بحسب لغتيري ـ كذلك على إصدارات القصة القصيرة التي تعززت بمولود جديد حل حديثاً على المشهد القصصي المغربي وهو القصة القصيرة جداً التي شغلت كثيراً من الأدباء، فأصدروا فيها عدداً من المجاميع القصصية التي تناسلت كثيراً منذ بداية القرن 21.
ولفت الأديب المغربي إلى أن هذه الحركية تبقى مخادعة ولا تعبر بصدق عن حال الثقافة في البلاد، خاصة أن الكاتب الناشر يحتل صدارة الإصدارات في المغرب، بما يعني أن الكاتب في المغرب لايزال يتحمل نفقة إصدار كتبه، وهذا وضع مشين وغير سويّ.
وتابع الغتيري: تأتي دور النشر في المرتبة الثانية من حيث عدد الإصدارات، وهي تهتم في المقام الأول بالكتب النقدية والروائية، وتقصي القصة القصيرة والشعر من اهتماماتها، كما أنه يسجل تدخل وزارة الثقافة باحتشام في هذا الميدان، بيد أن ما تقوم به لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب.
مجموعات متفرقة
ويسجل هؤلاء الأدباء وغيرهم المفارقة بين الإنتاج الإبداعي المتزايد للكتاب والمبدعين المغاربة وبين وضعهم الاعتباري والمعيشي الذي يستوجب أكثر من وقفة تأمل ومساءلة.
الكاتبة وفاء الحمري لها رأي خاص في هذه القضية، حيث ترى أن الأدباء المغاربة عبارة عن مجموعات؛ مجموعة المثقفين الرسميين، وهم محسوبون على وزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب ومن دار في فلكهما الحزبي السياسي والثقافي.
وتضيف الحمري في حديث لـ"العربية.نت" أن هناك أيضاً مجموعة "الأحرار" الذين خرجوا من جلباب الحظر والإبعاد، وخلقوا لأنفسهم فضاء ثقافياً خاصاً لا تموله القطاعات الرسمية.
وبحسب الحمري فإن المجموعة المثقفة الرسمية تنقسم إلى مجموعتين أيضاً: صنف مثقف حقيقي استفاد من نسبه الرسمي لوزارة الثقافة واتحاد كتاب المغرب ودار في محيطهما السياسي والثقافي، فاغتنى بمعارفه العالمية وحضوره النوعي للمتلقيات الرسمية واستفادته من الترشيحات لجوائز عالمية.
وتابعت القاصة المغربية: الصنف الآخر من أنصاف المثقفين استفادوا بمحاباتهم للفئة الأولى وتواجدهم الخدماتي الدائم لصالحه، أما المجموعة المثقفة الثانية غير الرسمية من الكتاب المغاربة فقد عانوا من الإقصاء والتعتيم، فجاء النشر الإلكتروني ليُخرجهم للعالم ونشروا وانتشروا، مردفة أنهم لم يحظوا بالغنيمة المادية لأنها محتكرة من طرف مجموعة وزارة الثقافة واتحاد الكتاب المغاربة ومحيط دائرة أحزابهم السياسية.
وعادت الحمري لتقول: حتى لا نبخس الناس أشياءهم هناك مثقفون مغاربة كثيرو العطاء ولا ينتسبون لا إلى المجموعة الأولى ولا إلى الثانية، لكونهم اعتمدوا في النشر على أموالهم الخاصة لأنهم أغنياء، ومنهم من استثمر أمواله في مشروعه الثقافي والعلمي، وهم قلة بطبيعة الحال". عراة حفاة
وبالنسبة للأديب مصطفى لغتيري، فإن الوضع الاعتباري للكاتب المغربي من الصعب الحديث عن تحققه حالياً ولا في المستقبل المنظور، خاصة إذا ما وضعنا نصب أعيننا كثيراً من المعضلات التي تواجه الكاتب في المغرب.
ويشرح المتحدث: لازالت معضلة القراءة تلقي بثقلها على سوق الكتاب في المغرب، فإذا كنا قد عرفنا انتعاشاً على مستوى الإصدارات، فإن ذلك لم يصاحبه انتعاش على مستوى القراءة، فمعادلة الكتاب لا تستقيم دون وجود قراء.
وأكد لغتيري أنه لا يوجد في المغرب لحد الآن كاتب يعيش من مدخول كتبه، باستثناء تجربة الأديب الراحل محمد شكري الذي حققت له ترجمات كتبه خاصة كتابه الشهير "الخبز الحافي" دخلاً مستقراً ومتنامياً، مضيفاً أنه ما دون ذلك كل الكتاب يضمنون عيشهم من مجالات عمل مختلفة، وأهم هذه المجالات التدريس فيما يعاني كثير منهم من الفاقة حقيقة لا مجازاً.
وبحسب الغتيري، هذه الفئة من الكُتاب تعيش في أوضاع مأساوية، ما يحتم تدخل الدولة أو وزارة الثقافة لتضمن لهم على الأقل تغطية صحية تسهل استفادتهم من التطبيب والحصول على الدواء.
ويخلص الأديب إلى أن وضعية الكاتب المغربي لا تبعث أبداً على الارتياح، وهو بمثابة القابض على الجمر ليواصل أداء رسالته الأدبية والجمالية النبيلة، مشدداً على أنه لابد من الالتفات إلى همومه ومشاغله، والانكباب على معضلة القراءة التي من دون حلها لا معنى لما ينتجه الكاتب أو يصدره من إبداعات.
أما الأديب عبدالله المتقي فيرى أنه من الطبيعي في مجتمع تتجاوز فيه نسبة الأمية 60% ولا تؤمن غالبيته سوى بالربح المالي، أن لا يحظى مبدعوه وأدباؤه بالاعتراف الذي ينبغي أن يكون.
ويضيف المتقي: لا غرابة أن يكون مغنٍّ شعبوي أكثر نجومية من مبدع أو أديب يحرق أعصابه في كتابة نص إبداعي، وهذا الموقف ساهم فيه المسؤولون عن الشأن الثقافي الذين همشوا الإبداع لأسباب أيديولوجية.
وقال المتقي إن العديد من المبدعين والأدباء المغاربة "عراة حفاة" من أبسط الحقوق من قبيل الاستشفاء والمشاركة في وضع السياسات الثقافية، مضيفاً أنهم يعانون أحياناً من المضايقة والجوع والحرمان مقارنة بالدول التي تحترم الفعل الإبداعي كقيمة جمالية