الطاووس
بقلم/محمد جبريل
أعجب لمن يفسد الأمور. ثم يبدي أسفه لفسادها. الرجل الطاووس أفسد الثقافة المصرية. والشواهد كثيرة علي ما فعل. بداية من نصرة الشلة. وتغليب الصداقة علي الموهبة الحقيقية والثقافة الجادة. وتقسيم المثقفين إلي ثقيلي الظل. مغضوب عليهم. فهو يقذف بهم خارج جنته. وأصدقاء يسعد بمجالستهم. وإبداء الإعجاب -في كتاباته- بقدرتهم علي ثرثرة الحكي. وإجادتهم صنع القعدة الطرية. والنكتة. والدعابة. والتحليق في الضبابية الحالمة. والتصرف في أحوال الثقافة كأنها ميراثه الشخصي.
هذا الطاووس هو نفسه الذي طالعنا -مؤخراً- باتهام ثقافتنا أنها بلا ديمقراطية. ولا حقوق إنسان. ولا تسامح. وزاد فطالب بتشكيل جبهة إنقاذ وطني لإنقاذ الثقافة المصرية. تضم جميع التيارات الفكرية. لأن الثقافة المصرية -علي حد قوله- ليست حكراً علي حزب أو فئة بعينها!
تذكرني الكلمات بالمثل الشعبي: "أسمع كلامك يعجبني.. أشوف أمورك أستعجب". فالرجل هو عراب الثقافة المصرية في عهد الوزير فاروق حسني. تنقل بين أكثر من موقع مهم في هيئات وزارة الثقافة. وكان مجموع الفترات يكفي لصنع الاستنارة التي يلوكها في كتاباته دون أن يبين في حياته وتصرفاته ما يبين عنها. لكن النتائج -والقول له هو نفسه- انتهت إلي الفساد الذي أدانه. كأنه لم يكن أحد أهم صناع تلك المرحلة في ثقافتنا المعاصرة. وأنه هو الذي أظهر. ونحي. وقرّب. وفرض هواه الشخصي علي كل ما حوله. ومن حوله.
كان بوسعه أن يصمت أو أن يشير إلي إيجابيات الفترة -وفيها إيجابيات لا ننكرها- ثم يعتذر عن السلبيات التي صنعها بجدارة لا يحسد عليها!
الثقافة المصرية في مأزق. حقيقة لا يختلف فيها اثنان. ومن ثم جاءت المحاولة من سيد البحراوي ومثقفين آخرين لإقامة مؤتمر للمثقفين يضع استراتيجية جديدة. حقيقية. لإعادة رسم خريطة مستقبلنا الثقافي.. لكن الرغبة في السيطرة والاستحواذ. والوجود في الصورة. والقفز علي المعاني السيئة.. ذلك كله أملي علي صاحبنا كلماته المزايدة. فما حدث إذن لم يكن جيداً. ويحتاج إلي جبهة إنقاذ تعدل المائل. وتعيد لفعلنا الثقافي ريادته وقيمته ومكانته. ليس علي المستوي العالمي. فذلك طموح وأده فعل فاعل. وإنما علي المستوي العربي الذي يموج بالإبداعات الحقيقية والدراسات الجادة. والمطبوعات التي تستحق الاقتناء. والمسابقات التي لا تمنح في الغرف الشاحبة الضوء.
بصراحة. لو أن الرجل الطاووس شارك في أي مؤتمر لإنقاذ الثقافة المصرية. فسأتذكر بيت الشعر الذي بشر مربعاً بطول سلامة من وعيد الفرزدق!
هامش :
يقول ميشيل بوتور: إن الفرق بين حوادث الرواية وحوادث الحياة. ليس في أننا نستطيع التثبت من صحة هذه. لا نستطيع الوصول إلي تلك إلا من خلال النص الذي يظهرها فحسب. بل هي -حوادث الرواية- إلي ذلك أكثر تشويقاً من الحوادث الحقيقية.
م. ج
mlg_38@hotmail.com
نقلا عن جريدة المساء صفحة قضايا أدبية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق