كرّاستي
القديمة 05
بقلم: عبد
الله لالي
كنزُ علي بابا هي كرَّاستي
القديمة..لا تكاد تنفد خباياها وتنتهي أسرارها الدفينة.. أمسكتها بالأمس ورُحت
أتصفّحها من جديد وإذا بي أقرأ فيها عبيرَ الذّكريات الجميلة والأيّامِ السنيّة..
ووجدت هذه الأسطرَ المتفرّقة التي كتبتها في أيّام خالية من حياتي، حول بعض الكتب
التي كنت أقرأها أو فرغت من قراءتها:
– الظاهرة القرآنيّة:
عرفت في المعهد التكنولوجي
للتربيّة أخًا لطيفا ومثقفا؛ فُتِن بكتب مالك بن نبيّ وفكره فشدّني إليه وشوّقني
إلى دراسة فكره، وكان له الفضل في أن قرأتُ الكثيرَ من كتب مالك بن نبي وتعرَّفت
على عالمه الجميل الماتع، مع ما فيه من صعوبة وقوّة في الفكرة والأسلوب لا يتأتى
لأيِّ أحد من النّاس فهمُها واستيعابها..
وقد وجدتُ في كراستي هذه الكلمات
يبدو أنّي دوّنتها بعد قراءتي لكتابه الرّائع ( الظاهرة القرآنيّة )، وأنا أكتبها
كما هي لا أزيد فيها ولا أنقص إلاّ ما كان من تصحيح خطإٍ لغويّ:
" وقع مالك بن نبيّ في خطإ
كبير، هو قوله: أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم بدأ مدّة اعتكافه في غار حِراء
بعد زواجه من خديجة مباشرة ! رغم تصريحه بأنّ المصادر
التاريخيّةَ سكَتَت عن هذه الفترة.
وليؤكّد صحّةَ ما يدّعي يستدلّ
بالحديث الذي يوجّه فيه الرّسول صلى الله عليه وسلّم المؤمنَ إلى تقسيم وقته:
" وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله؛ أن يكون له ساعاتٌ، ساعة يناجي
فيها ربّه وساعة يحاسب فيها نفسه.."
ومن هنا يستدلّ مالك بن نبي – رحمه
الله – على أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلّم اعتكف مدّة خمس عشرة سنة بعد زواجه
مباشرة، في غار حراء وقسّم وقته للعبادة والتأمّل واعتبره بذلك أنّه من
الحنفاء !! وهذا نظرٌ في حياة الرّسول صلى
الله عليه وسلّم غريبٌ."
لم أكتب تاريخ هذه الخاطرة أو
الملاحظة ولعلّها تكون خلال سنة 1987 م العام الذي اكتشفت فيه مالك بن نبي وشرَعت في قراءة
كتبه، والاطلاع على فكره، ولا أدري إن كنتُ ناقشت في هذه الملاحظة أحدًا من
الأصدقاء – وكثيرا ما كنت أفعل ذلك – أم لا.. ؟!
غير أنّ الملاحظة تبدو وجيهة، لأنّه لم يوجد في أيّ مصدر من المصادر حسب علمي؛ من
روى أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم اعتكف في غار حِراء أكثر من ستة أشهر،
وربّما ذكرت بعض المصادر المبالِغة سنةً كاملة، إن لم تخنّي الذاكرة، أمّا خمسة
عشر عاما فهذا افتراض بعيدٌ جدّا.
ووجدت في الكرّاسة أيضا ملاحظتين
أخريين أولاهما عن ( ظلال القرآن) لسيّد قطب – رحمه الله - قلتُ فيها:
" وصلت في ظلال القرآن إلى
صفحة 260 من الجزء الأوّل سورة البقرة عند بداية الآية 243 يوم
الأحد 08 مارس 1987 م "
وأذكر أنّني قرأت تفسير ( في ظلال
القرآن ) لسيّد قطب – رحمه الله – في عطلة الرّبيع من هذه السّنة، وذكرت ذلك في
حديثي عن هذا السِّفر العظيم، ولا أدري لماذا كتبتُ هذه الملاحظةَ، وقد يكون
السّببُ أنّني استعرت الكتاب من أحد الأصدقاء، وهو الزميل عزّل الدّين ميموني، وكان الكتاب في ستة
مجلّدات فكان يعيرني المجلّد، حتى إذا أنهيته يعطيني الثاني وذلك احتراما لصرامة
أبيه وحزمه في إعارة الكتب خوفا من ضياعها، وكان في ذلك محقا كلّ الحق، فلطالما
ضاعت منّا كتب قيّمة؛ بسبب التساهل في إعارة الكتب ثم نسيانها من المعير والمستعير
أو إعارته لشخص ثالث فلا نعرف مكانها بعد ذلك وقد صدق من قال:
ألا يا مُستَعِيرَ الكُتْبِ
أَقصِرْ ** فإنَّ إعارَتي للكتْب عارُ
فمحبوب من الدنيا كتابٌ ** وهل
أبصرت حبيبا يُعار
أو كما قال الشاعر.. وقد سمعت هذين
البيتين من الصديق العزيز الأستاذ عبد الحليم صيد؛ منذ سنين طويلة أخبرني أنّ
الشيخ عبد المجيد حبّة كان يرددهما وقد نُكِب بمثل ما نُكبنا به من ضياع الكتب من
قَبْلنا، وظننت في أوّل الأمر أنّ البيتين للشيخ عبد المجيد – رحمه الله – إلاّ
أنّ الصديق عبد الحليم قال لي فيما بعد أنّهما ليسا له وإنّما هما بيتان من قديم
الشعر..
أمّا الملاحظة الثانية فجاء فيها:
-
ملاحظات على العقّاد:
بالأمس تصفّحت كتاب العقّاد "
ساعات بين الكتب " وقرأت مقالته التي بعنوان ( أزياء القدر )، فلم يرقني فكرُ
العقّاد، ولم يعجبني تحليله للمجموعة الشعريّة لـ( توماس...) فقد بدا لي كأنّها
فكرة لاهوتية أوربيّة مشكّلة في العقّاد يصبّها بقلمه في هذه الأسطر القليلة، حيث
يحلّل القدر وصفات القدر وتقلّبات القدر والصراع بين القدر والإنسان كأنّه غربيّ
مُغربٌ في الغربيّة. 08 مارس 1987 م "
وهذه الملاحظة كتبتها بأسلوب فيه
اضطراب ونوع من الركاكة، لا أستسيغها اليوم وتركتها كما هي لأنّها مجرّد ملاحظة
عابرة يبدو أنّني كتبتها على عجل وجاء الوقت لأعلّق على الموضوع بشيء من التفصيل..
كان العقّاد يُعتَبر جبّار عصره في
الكتابة لا يكاد يقف له أحد، وزاده انتماؤه إلى حزب الوفد قوّة إلى قوّته وجبروتا
إلى جبروته الأدبيّ، إلاّ أنّ أسلوبه لم يبهرني، وكذلك فكره وإنّما أعجبت بغزارة
اطلاعه ومنهجه العلميّ الدقيق، لكنّ الثقافة الغربيّة غلبت على فكره وصبّته في
قالب فيه نوعُ هُجنة، يأنف منه من تشبّع بالتراث الأدبي العربي الإسلاميّ.
وقد قرأت من كتبه عددا معتبرا..
وهو المكثر في الكتابة إلاّ أنّ واحدا من تلك الكتب لم يلامس روحي، ولا سلب فكري
أو اجتذب نفسي، وقد كنت أرغم نفسي على قراءته إرغاما، حتى كأنّي – وشعرت بذلك
مرارا – أتحدّاه في قوله:
" أنا لا أجعل أدبي مروحة
للكسالى " فأنا بقراءتي لكتبه كأنّما أنفي عن نفسي الكسل، وتلك من حسنات
العقّاد عليّ.. !
-
حماري قال لي:
وكتبت ملاحظة أخرى حول كتاب توفيق
الحكيم ( حماري قال لي )، جاء فيها:
قرأت منذ سنةٍ تقريبا كتاب توفيق
الحكيم ( حماري قال لي )، وكنت أقرأ فيه على فترات فآخذه أحيانا معي إلى
الثانوية.. ووافق أن درسنا نصّا من نوص الكتاب في البرنامج المقرّر في الأدب،
وتأثر أحد أصدقائي بعبارة جاءت في هذا النصّ وتأثرت بها أنا من قبل عندما قرأت ذلك
الكتاب..
وتمرّ الأيّام وندخل المعهد
التكنولوجي ويحدث أن يضحك أحد الأصدقاء بطريقة لا أخلاقيّة، ومنافية للأدب، فردّ
عليه صاحبي – لزهاري دريدي – قائلا ومردّدا عبارة توفيق الحكيم في نفس الوقت:
" أليس أنت الذي ذكرك الله في
القرآن.."، ويعني الحمار حيث يقول الله تعالى: " إنّ أنكر الأصوات
لصوت الحمير " ويعني أنّ صديقنا المقهقه حمارٌ مثل حمار الحكيم. السّبت 31 / 01 / 1987 م "
وأزيد فأقول أنّ حمار الحكيم كان
حمارا على كلّ حال، وهو مع ذلك كان ظريفا ومثقفا ومحاورا جيّدا، وكان سببا في شهرة
الحكيم وكذلك في تأثر كثير من الكتاب بهذا الكتاب وتأليفهم لكتب على شاكلته، ومنهم
الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو في كتابه ( مع حمار الحكيم ) والشاعر الجزائري الشهير
عمر البرناوي
- رحمه الله – الذي ألّف كتاب ( حوارات في الثقافة والسياسة مع جحش )، أمّا صاحبنا
هذا فهو أسخف وأحمق من ذلك الحمار الشهير.. !