احتضار
محتمل
ابتهال الشايب*
من بعيد أرى صديقي سائراً
نحوي، رأسه انقسمت إلى زوجي حذاء يبتسمان لي، يقترب مني لكي يصافحني، يعطي لي يده
التي نمت بالقرب من رأسه من أسفل، ارتبكت كيف يكون هذا؟ يحدثني وكأنه لا يلاحظ
وضعه الغريب، طويت اندهاشي في جوارحي، يتركني ويسير أمامي، مؤخرة رأسه مؤخرة حذاء
تصطدم بالسقف الذي احتلّ مكان الأرضية التي تحمله، المقاعد من حولي تقف على رؤوسها
بينما أرجلها تتّجه إلى أعلى، أحاول أن أصفح عن تلك الخيالات لألملم بقايا تركيزي
داخل أوراقي حتى أستكمل صناعة خطوطي الهندسية، أمسك قلمي لكي أرسم لكنه لا يستطيع
فبدايته هي نهايته، أحاول أن أغير تلك الاتجاهات لأماكنها الصحيحة فأجد نفسي أحاول
الرسم بمؤخرة قلمي، العمارات المستطيلة التي نجحت مؤخرة قلمي في تخيلها اتّجهت
أبوابها إلى أعلى، يتوقف فكري عن الفهم، لا أدري لعلها الخيالات، تداعب عقلي
المتعة، أهرول في الطريق، تجتاحني اللا إرادة، يندّس جسدي بداخل سيارتي بطريقة
معكوسة، لم تلبث أن سارت على رؤوسها الأربعة بطريقة بهلـوانية، لا أفهم شيئاً ولا
أدري ماذا أفعل أو ماذا أصابني؟!
السائرون في الطريق جميعهم أحذية
سوداء أو حمراء أو بيضاء، الجميع ملتصق بالإسفلت الذي يمتد في أعلى الحياة من كل
اتّجاه محتلاً مكان السماء التي هبطت إلى أسفل، تطير عقولهم في السماء حيث يسيرون
برؤوسهم على شوارعها الواسعة. اقتربت من منزلي، الأشجار التي تقطن بجواره دفنت
رؤوسها في الطبقات الطينية واضعة سيقانها الخضراء في بحور السماء، تركت سيارتي لأسبح
في تأمل هذا العالم الغريب، أين أنا الآن؟! هل أنا حذاء مثل باقي السائرين؟! هل
تراني الأشياء مثلما أراها؟! أين الغموض الذي كان يتفتّت أمام فكري؟! مالي أراه
الآن متحجراً لا يلين ولا يهدأ؟! أحاول أن أصعد سلالم منزلي التي تجعلني أهبط إلى
أسفل وليس إلى أعلى، أركان منزلي معلّقة بسقف شقتي بتبعثر، فراشي أيضاً مثبت
بعيداً كأنه مصباح كهربائي، طيوري التي كانت تعيش في شرفتي باتت تطير متكئة على
رأسها، كتبي التي كانت تفتح صفحاتها لي اتجهت مثل كل شيء آخر نحو المجهول، لماذا
تبدّل كل شيء؟! التعجب يحاول قتلي.. والخوف أيضاً.
تأملتني قطتي الصغيرة في سكون من
على بعد، اقتربت منها شيئاً فشيئاً، مجرد أربعة أقدام تقف بجواري، لم تخف مني
كالمعتاد، لم تذعر ولم تختبئ كما كانت تفعل، بل جلست بجواري صامتة مستعرضة وضعها
الجديد، الشمس والبحر اللذين يلوحان لي عن بعد عبر نافذتي صامتين أيضاً فالشمس لم
تشرق بل ظلت بقعة مضيئة تنير ما يسيروا عليه في أزقة الشيء الأزرق الذي يبدو كطيف
رقيق، على عكس الإسفلت الذي يرتبطون به، تجده ساخناً حاداً، البحر تشبّث في العلو
ومياهه رفضت أن تمرح على صفحات السماء بل أخذت مكان الإسفلت نفسه .
كل شيء جعل نفسه مبهماً أمامي، بل
كل شيء أخفى عني حياته، تلك الطبيعة التي كانت لوحة مكررة تماماً تمرّدت وثارت،
نقطة النقاء التي كنت أقف فيها خالياً من أي قطرة وعي ذابت ثم ماتت، يكف ذلك الشيء
الذي يأكل ثنايا أفكاري بعنف، لأجد رأسي تتجه –مع كل شيء- نحو السماء.
الأقصر *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق