2013/03/12

"قيلولة أحد خريفي" لهشام بن الشاوي : العولمة تمزق العالم الثالث


"قيلولة أحد خريفي" لهشام بن الشاوي :
العولمة تمزق العالم الثالث
إبراهيم إسحق إبراهيم  (السودان)

في الصفحة الأولى من هذه الرواية القصيرة، يشير راويها إلى أن حياته صارت بلا طعم، وأنه يكابد الخواء ليخلص إلى كون التبطل والعطالة في المغرب وسائر بلدان العالم الثالث، يجعل محاولات الإبداع مفسدة للحياة.
 استحضرتُ على الفور رواية "الغريب" للفرنسي الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1957، ألبير كامو (1913-1960)، فمسرح رواية كامو، حول المزاج الكلي لحياة الشاب الفرنسي في مستعمرة الجزائر عقب الحرب العالمية الثانية، وهو أن التوازن النفسي للإنسان صار من المحال أو العبث   . Absurd
بعد سبعين عامًا من أجواء رواية كامو، يخيل إلي أن العولمة تسوق المجتمع المدائني والريفي بالمغرب - حسب هذه الرواية-  إلى تمزق نفسي مشابه تمامًا لما في رواية "الغريب".
ولأترك الرواية تخبر عن نفسها. الشكل الفني هنا أعتبره ابتكارًا وتجريبًا يخضع لمحاسبة القراء والنقاد، والفصول الإحدى عشر، تأتي عناوينها من جمل داخلها، والأحداث تتقدم وتتأخر، والرواي نفسه يصف سرده بأنه مونولوج، ومن النادر جدًا أن يقابلنا حوار بين الشخوص، وكل الحيوات الأسرية تبدو في غاية من الهزال والتفكك، وكأن الجميع، حتى داخل الأسرة الواحدة، لا يثق أحد منهم بالآخر. في الفصل الخاتم يقول الراوي :" غرقت في أفكاري الصباحية السوداوية.. لماذا نأتي إلى هذه الحياة؟ ألكي نتعذب فيها فقط؟ ما أتعس من أطال الله أعمارهم !. أحس بأنني صرت أكابد قلقًا وجوديًا".
هذه الأجواء من القرف، واليأس واللامبالاة، والشعور بالانزلاق والدحرجة في الحياة، دونما إرادة أو قصد، تمنحنا انطباعًا عن مجتمع مأزوم، لا يعبأ فيه أكثر شخصيات الرواية بالصحيح و الخطأ، ولا بمصير فلان أو علان. الراوي كان قد كتب روايته الأولى، ولم ينسخ منها في بريده أو في أية حافظة أخرى، وظلت في حاسوبه المتنقل معه.. وفي مشوار بعربة الأجرة يصر السائق عليه ألا يضايق الركاب بالجهاز وأن يودعه في مقار عفش الركاب، فلما ينزل الراوي في نهاية الخط يجد أن أحد النازلين قد غادر ومعه حاسوبه.
هكذا، وفي أجواء الإحباط واليأس، لا يملك الراوي خيارًا آخر غير أن يصطنع رواية جديدة تدور حول الأجواء التي واكبت فقدان الرواية الأولى.
أثر العولمة في تمزيق هذا المجتمع هو أظهر ما يبقى في ذهني من رواية هشام بن الشاوي، وكأنما هذا المجتمع يدير فيه الأفراد حياتهم بلا دليل آخر قط غير ضمان المأكل والمشرب والمأوى وتحصيل الثروة، ثم اغتراف أية ملاذ طائرة في الأجواء، ما استطاع المرء إلى ذلك من سبيل.
من فصل إلى آخر، تتوارد حالات التعيش على الدعارة، وارتكاب الخيانات الزوجية، وأصناف أخرى من العلاقات الجنسية خارج عقود الزواج، وظهور ممارسات المثليين حتى في الأحياء الشعبية، ويمكن تلخيص الأمر لحد ما، في أن الآثار السلبية للسياحة تطغى. تأجير كل المحال لأي فعل يدفع راغبه، ضرورة الابتهاج بالمشروبات الكحولية في المطاعم والجلسات، وتحصيل المال بأي درب يجيء.
إن كان موضوع هذه الرواية زاوية للنظر إلى المجتمع المغربي بطريقة غير تقليدية، فإن هشام الشاوي يحقق في روايته أسلوبًا في النثر العربي يستحق الإشادة، فالعامية المغربية في الحوار الوجيز تتعايش مع المسميات العصرية الأجنبية للمستورد من مكونات الحياة المعولمة، لكن الفصاحة العربية تظل سيدة الموقف.

ليست هناك تعليقات: