بحث
الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى
للدكتور مصطفى عطية
المقدم إلى مؤتمر مكة المكرمة الخامس
عشر وعنوانه
( الثقافة الإسلامية بين الأصالة
والمعاصرة )
( 28-30 / 9/2014م )
ملخص البحث :
إننا نمتلك ثقافة إسلامية عظيمة وراسخة وقوية
، وهذه هي الحقيقة التي لا مراء فيها ، ومن العبث أن ينظر البعض إلى ثقافتنا نظرةً
يائسة ، فيراها ضعيفة خائرة ، ويتخيل النهضة الإسلامية القادمة بمقاييس الحضارة
الغربية ، وينادي علنا أو مستترا بأن يحذو حذو الأوربة أو الأمركة . إنه إحساس
بالهزيمة المعنوية / الفكرية ، التي تنتقص ما عنده من حضارة وثقافة راسختين ، ثم
يتعلق بوعي أو بسذاجة بما عند الآخر القوي الغالب ، ولعل هذه كانت مشكلة الجيل
المثقف النخبوي الذي درس في الغرب أو على نهج الثقافة الغربية ، ولم يكلف نفسه عناء
التأمل في نهج الثقافة الإسلامية في حاضرها وتاريخها.
صحيح أن الشعوب الإسلامية تأخرت عن اللحاق
بركب الحضارة المعاصرة ، كما يبدو للوهلة الأولى ، ولكن الواقع يشير إلى آلاف
مؤلفة من العقول المسلمة التي تنتشر في جنبات الأرض ، تخترع وتنجز وتبتكر وتضيف ، فما
ينقصنا هو الإرادة الحقيقية التي تستبدل الانبهار بما عند الآخر ، إلى الاعتزاز –
أولا - بما عندنا ، ثم تأتي النظرة الفاحصة الدارسة لما عند الآخر ، قبل أن تأخذ
منه، وتنهل مما يصدره . وبعبارة أخرى : إننا نعاني من هزيمة نفسية ، تنعكس على
واقع سياسي متأزم، وشعوب فقدت بوصلتها، وأفراد ينشطون لأنفسهم وليس لغايات أسمى
ترتبط بدينهم وثقافتهم وأمتهم.
في ضوء هذا ، تأتي هذه الدراسة ، ساعية إلى
الإجابة عن أسئلة عديدة ، تتصل بثقافتنا الإسلامية وعلاقتها بالثقافات الأخرى ، لا
تسعى إلى تقديم خطاب عقيم يرفض أي ثقافة أخرى ما دام عقله وهواه لا يتقبله ، على
غرار رفض الجديد ، خوفا من كونه جديدا عليه ، دون درس لما فيه من إيجابيات وسلبيات ؛ ولا لإظهار انفتاح عقلي وثقافي ،
يستوعب دون غربلة ، خوفا أن يُتهم بالجمود .
إننا نسعى في هذه الدراسة إلى عرض مفاهيم
ومكونات تتصل بالثقافة الإسلامية وحضارتها الزاهرة التي سادت العالم قرونا ، ولم
تكن جسرا معرفيا لحضارات أخرى ، وإنما أنتجت دعائمها العلمية ، وأخذت من الآخرين
ما يفيدها ، وتركت ما يضيرها ، فاستحقت تميزا في شجرة الحضارات الإنسانية . ومن ثم
عمد الباحث إلى استعراض علاقة الثقافة الإسلامية بالثقافات الأخرى ؛ منذ تكوينها ،
مرورا بحقب تفاعلها بالسلب والإيجاب مع الثقافات الأخرى تاريخيا ، وصولا إلى
عصرنا، متوخيا نظرة أشمل، تدرس كيف تعامل أسلافنا العظام مع الوافد من ثقافات
الشعوب والحضارات السابقة عليهم أو المعاصرة لهم ، فالقناعة الثابتة ، أن ما صلح
به أوّلنا ، سينصلح به آخرنا، ولا يمكن القفز على تاريخ عظيم وثقافة متجذرة ،
وتجاهل معطياتها ، تحت دعاوى اللحاق خوفا من فوات الأوان، لأن القضية ببساطة أن
التقدم لا يتم في سنوات ولا عقود ، وإنما يحتاج إلى أن يأخذ مكانه ضمن دورة
التاريخ . فالثقافة الإسلامية تجري في ذواتنا الفردية والجمعية، وتمتزج بدمائنا،
وتلتصق بمسامنا ، فلا يعقل أن نغيّر جلدنا ، ونلتمس من الآخرين سبلا تقودنا ، ونحن
نعلم يقينا أن ديننا وحضارتنا وتراثنا فيه عصمة وهداية لنا.
والله
من وراء القصد ،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق