بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــة
-جامعة عنابة-
يتناول كتاب«الثورة الجزائرية في مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي(1954-1962م)-دراسة
سياسية تاريخية-» للباحث أمجد جرجيس سليمان خندي، موضوعاً لم تتم معالجته من
قبل،ويكتسي أهمية بالغة من خلال رصده الجهود الكبيرة التي بذلها حزب البعث العربي
الاشتراكي لمساندة وتأييد الثورة الجزائرية على مختلف الأصعدة،فلا يختلف اثنان في
أن حزب البعث العربي الاشتراكي،وانطلاقاً من إيمانه بالوحدة العربية،فقد أولى
عناية خاصة لمختلف قضايا التحرر العربية،وهذا
ما عبر عنه الباحث الدكتور مصطفى نويصر في تقديمه للكتاب بقوله: «أولى حزب البعث
العربي الاشتراكي منذ ولادته في مطلع الأربعينيات من القرن العشرين اهتماماً خاصاً
بمنطقة المغرب العربي،وذلك انطلاقاً من فلسفته القومية الوحدوية ومنطلقاته الفكرية
المبدئية التي تدين التجزئة وتعتبرها حالة طارئة فرضت على الأمة العربية بهدف
تفتيتها وإضعافها وتأخير نهضتها من جديد...فمثلما كان الحزب ومناضلوه في طليعة
حركة النضال العربي في أقطار المشرق العربي ضد الاستعمار وأحلافه وقواعده وضد
الأنظمة المرتبطة به،كان الحزب ومناضلوه أيضاً في طليعة المؤيدين والمساهمين في
كافة النضالات الشعبية والجماهيرية التي شهدتها ساحة المغرب العربي خلال
الخمسينيات والستينيات.
وإن المتصفح للتراث التحرري
والنضالي لهذا الحزب القومي الكبير يجد بياناته وأدبياته الكثيرة حافلة بالعديد من
المواقف الحازمة والثابتة والحضور القوي في مختلف الأحداث التاريخية التي عرفها
المغرب العربي عموماً والجزائر على وجه الخصوص»(ص:07).
ويشير الدكتور مصطفى نويصر إلى أن حزب البعث
العربي الاشتراكي سارع بوضع الثورة الجزائرية مع اندلاعها في الفاتح من نوفمبر
سنة:1954م في منزلتها القومية الصحيحة،وقاد نضالاً شعبياً واسعاً في مختلف الساحات
التي كان يتواجد فيها،ونوّع في الأساليب من تسيير المظاهرات وإقامة المهرجانات
الشعبية الحاشدة وتنظيم الإضرابات فضلاً عن فتح باب التطوع والالتحاق بصفوف
الثوار،وقد كان هدفه الرئيس هو إحاطة الثورة بسياج شعبي عربي واسع من جهة،ومن جهة
أخرى كان يهدف إلى تثمين الوحدة النضالية الشعبية في أقطار المغرب العربي بينها
وبين مشرق الوطن العربي.
مضمون الكتاب:
يتألف الكتاب من أربعة فصول ومقدمة وخاتمة.
في
مقدمة الكتاب يشير الأستاذ أمجد جرجيس إلى أن حزب البعث العربي الاشتراكي كان في
طليعة الأحزاب والحركات السياسية على المستوى الشعبي في الوطن العربي ،فقد وقف مع الثورة الجزائرية مسانداً ومجنداً لها كل طاقاته،وذلك
لحرصه على أن تحتل الفكرة القومية موقع الصدارة في نضاله اليومي وفي سائر
الميادين،وذلك تمشياً مع الأهداف القومية التي جاء من أجل تحقيقها:الوحدة والحرية
والاشتراكية.
فقد
وقف حزب البعث العربي الاشتراكي مع جميع القضايا القومية وحركات التحرر العربية
التي سبقت الثورة الجزائرية،نظراً لإدراكه العميق بضرورة توحيد النضال العربي لدفع
الثورة العربية إلى الأمام وصولاً إلى تحرير الأمة العربية من براثن الاستعمار
وهيمنته ومظالمه.
اعتمد المؤلف في مادة كتابه على مجموعة من الوثائق
والمصادر والمراجع المتنوعة،من بينها:
وثائق الحزب التي لم يُسبق أن نُشرت من قبل،وقد
تحصل عليها بالعودة إلى أرشيف القيادة القومية،ومدرسة الإعداد الحزبي،كما استقى
الأستاذ أمجد جرجيس الكثير من الشواهد من وثائق الحزب المنشورة وبالأخص منها
البيانات والنشرات التي نشرها الحزب في مرحلة الدراسة،كما اعتمد كذلك على صحافة
الحزب السرية والعلنية التي عايشت أحداث ثورة التحرير الجزائرية،ولاسيما منها
صحيفة«البعث»السورية،و«الاشتراكي»العراقية كونهما احتويتا على معلومات غزيرة تبرز
بجلاء مواقف الحزب من ثورة التحرير
الجزائرية.
أما
الكتب والمراجع فهي كثيرة ومتنوعة،وقد ذكر المؤلف لدى حديثه عنها أنها«تأتي في
مقدمتها مؤلفات الأستاذ ميشيل عفلق عامة وكتاب(في سبيل البعث)خاصة،لما احتواه من
آراء للقائد المؤسس في القضايا القومية وثورة الجزائر،وكان مصدراً أساسياً في أغلب
فصول البحث،إلى جانب كتاب الأستاذ شبلي العيسمي(تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي)بأجزائه
الثلاثة،لما تضمنه من معلومات ومواقف للحزب من ثورة الجزائر،أما الكتب التي
استخدمها البحث عن ثورة الجزائر،فهي مختلفة أبرزها كتاب محمد حربي(جبهة التحرير
الوطني الأسطورة والواقع)لما تضمنه من معلومات قيمة عن طبيعة ثورة الجزائر من
اندلاعها حتى الاستقلال،وكتاب مسعود مجاهد(أضواء على الاستعمار الفرنسي في الجزائر)الذي
كشف عن سياسة فرنسا في الجزائر عبر مراحل احتلالها،بالإضافة إلى كتاب جلال يحيى(المغرب
العربي الكبير)وكتاب صلاح الدين العقاد(الجزائر المعاصرة)وكتاب فرحات عباس(الثورة
الجزائرية أو ليل الاستعمار)،ولا يخلو هذا البحث من بعض الكتب الأجنبية المترجمة
كان أبرزها كتاب جوان جيلسبي(ثورة الجزائر) لتناوله معظم جوانب ثورة الجزائر
بالإضافة إلى كتاب جان دولف(يقظة العالم العربي)لاحتوائه على معلومات غزيرة عن ثورة
الجزائر »(ص:13-14).
خصص المؤلف الفصل الأول من الكتاب لإبراز «موقف
حزب البعث من أبرز القضايا القومية» وفي مقدمتها الوحدة العربية وقضية فلسطين،وقد
أكد المؤلف في مستهل هذا الفصل على أن حزب البعث العربي الاشتراكي انطلق في نظرته
إلى الأمة العربية من أنها حقيقة مطلقة موضوعية تاريخية نضالية وحضارية،وكان يؤمن
بوحدة المصير العربي والنضال المشترك،ويسعى إلى إيقاظ مشاعر الجماهير العربية تجاه
القضية القومية،فهو أول من دعا إلى نضال الوحدة وجسدها فكراً وتنظيماً،ولم تكن
نظرة الحزب إلى الوحدة العربية تقتصر على أنها الجمع والربط بين أجزاء الوطن
العربي،بل كانت رؤيته تنبني على أنها تتجسد في العمل والفكر والثورة في خلق
التفكير والنضال الذي يناقض حالة التجزئة،كما توقف المؤلف مع موقف الحزب من
المشاريع الوحدوية قبل عام:1954م،وناقش الرؤى والأفكار التي قدمها الحزب عن جامعة
الدول العربية.
في
الفصل الثاني من الكتاب ركز المؤلف على إبراز«موقع الثورة الجزائرية في حزب البعث
العربي الاشتراكي-فكراً وممارسة-»،فقدم في مستهل هذا الفصل لمحة عن تاريخ
الجزائر،وعن خلفيات اندلاع ثورة التحرير الجزائرية سنة:1954م،وتحدث عن أهم الأسباب
التي أدت إلى قيامها،ومن أهم ما أكد عليه الأستاذ أمجد جرجيس في هذا الفصل أن حزب
البعث العربي الاشتراكي نظر إلى ثورة الجزائر نظرة اعتزاز،كونها أكدت حقيقة
انتمائها القومي وجدية النضال الشعبي الذي فاجأ العالم،وهذا ما عبر عنه ميشيل عفلق
بقوله«قد تخرج من الجزائر الصورة المثالية لعروبة المستقبل،ذلك لأن شعب الجزائر قد
عرف الألم النفسي ما لم يعرفه شعب في العالم،ونضال الجزائر هو مقياس حيوية الأمة
العربية وقدرتها على التجدد والإبداع،فلقد ظهرت في هذا العصر حركات وثورات كانت
بالنسبة إلى العالم مفاجأة ومثار دهشة،أما ثورة الجزائر فكانت مفاجأة العروبة
نفسها».
وقد اعتنى المؤلف في هذا الفصل بإيضاح موقف
القيادة القومية التي كانت تسعى دائماً إلى توضيح المعاني والدلالات التي أفرزتها
الثورة الجزائرية التي أغنت الحركة الثورية العربية،وأدت دوراً بارزاً في تعميق
الوعي الثوري لدى الشعب الجزائري.
الفصل الثالث من الكتاب وسمه المؤلف ب«حزب
البعث العربي الاشتراكي وثورة الجزائر:دعم وتأييد»،وقد استعرض فيه الدعم
المادي،والتأييد السياسي الذي قدمه الحزب إلى ثورة التحرير الجزائرية،فكما هو
معروف أن حزب البعث أدى« دوراً مؤثراً في تصعيد الشعور العربي تجاه ثورة الجزائر،واستطاع
من خلاله استقطاب قدر من الإمكانات المتوفرة للإسهام في دعم الثورة ومساندتها،وله
مواقف ومؤشرات بارزة ضمن الحركة الثورية العربية المعاصرة»،وقد كان الحزب يحرص على
دعوة أبناء الشعب العربي إلى تقديم الدعم والتبرع لمساندة الثورة الجزائرية،وجعل
الدعم العربي متناسباً مع أهدافها العظيمة.
وقد قدم المؤلف مجموعة من الأدلة التي تؤكد
الدعم الكبير الذي قدمه الحزب إلى الثورة الجزائرية،من بينها: إصدار الحزب لمنشور
في العراق سنة:1956م دعا فيه أبناء الشعب إلى دعم ثورة الجزائر بتقديم المال
والمساعدات الطبية،و طلب من الحكومة مقاطعة فرنسا دبلوماسياً واقتصادياً استنكاراً
للمجازر الوحشية التي ترتكبها في الجزائر.
وعندما أعلن قادة الثورة الجزائرية عن حاجتهم
إلى متطوعين من الأطباء سارع الحزب إلى إرسال ستة من الأطباء البعثيين الذين تخلوا
عن عياداتهم وانخرطوا في الثورة منهم:خليل سمارة وإبراهيم ماخوس ونور الدين
الأتاسي وغيرهم.
وفي
لبنان أصدر الحزب بياناً في أوائل نيسان سنة:1956م حث فيه الشعب اللبناني على
تكثيف دعمه لثورة الجزائر،وطلب من الحكومة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا
وإلغاء مختلف الاتفاقيات والامتيازات الممنوحة للشركات الفرنسية،وعندما أقدمت
فرنسا على اختطاف قادة ثورة الجزائر دعا الحزب إلى الإضراب العام استجابة للدعوة
الموجهة من لجنة الاتصال الشعبي،وفي العراق وجه الحزب نداءً إلى الطلبة دعاهم فيه
إلى الإضراب العام لإطلاق سراح القادة الذين اعتقلوا،كما دعا إلى دعم حركة التحرر
ومقاطعة فرنسا.
في الفصل الأخير من الكتاب تناول المؤلف موقف
الحزب من سياسة الفئات الحاكمة، وتوقف مع رؤيتها للثورة الجزائرية بالدراسة والتحليل،وقد جاء هذا
الفصل تحت عنوان:«حزب
البعث العربي الاشتراكي وسياسة الأنظمة العربية الحاكمة تجاه ثورة الجزائر وسياسة
الاستعمار الفرنسي في الجزائر» ،ومن أهم ما أشار
إليه الأستاذ أمجد جرجيس في هذا الفصل أن حزب البعث عبر مراحل نضاله عرف بالتصدي
دوماً لسياسة الفئات الحاكمة في الوطن العربي عندما تُخل في مواقفها الوطنية
والقومية،فالقضية القومية ومصلحة الأمة العربية كانت المقياس الرئيس لجميع مواقفه
من هذه الفئات الحاكمة،ومن بين ما أكد عليه المؤلف في هذا الفصل أن الحزب كان يربط
بدقة بين أي انتصار تحققه الجماهير العربية في كل مكان،وبين وصول الثوار
الجزائريين إلى هدفهم،فعندما أقدمت حكومة مصر على تأميم قناة السويس
في:26تموز1956م أصدر الحزب في العراق بيانا يوم:29تموز1956م أشاد فيه بهذا
القرار،وعدها خطوة تقدمية وحازمة وجريئة شكلت ضربة قاصمة للاستعمار الغربي في
العالم،كما اعتبرها الحزب نصراً لمعركة العرب في الجزائر ضد الطغيان الفرنسي.
فذلكة:
إن
هذا الكتاب يمكن أن ندرجه ضمن الدراسات السياسية والتاريخية المتميزة التي سلطت
الضوء على مختلف العلاقات والصلات التاريخية التي جمعت الثورة الجزائرية بحزب
البعث العربي الاشتراكي، فقد أكد المؤلف من خلاله على أن حزب البعث اختلف
عن بقية الأحزاب الأخرى في الوطن العربي،و تميز بإدخاله ممارسات جديدة في ساحة
النضال العربي،حيث إنه لم يكتف بإصدار البيانات،بل أرسل مجموعة من المتطوعين من
أعضائه،كما قاد حملات كبيرة للتطوع بالمال لصالح ثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار
الفرنسي،فلا يختلف اثنان في أن الحزب قد تفاعل مع الثورة الجزائرية تفاعلاً
إيجابياً، والجدير بالذكر أن الباحث أمجد جرجيس دعم كتابه
بذكر المصادر والمراجع بدقة
وتفصيل ، وهو ما جعل الكتاب يكتسي قيمة علمية وأكاديمية ، فهو صالح سواء لعامة
القراء ،وكذلك للباحثين المتخصصين .
ويمكن القول إن هذا الكتاب،يعد واحداً من أهم
الكتب التي ناقشت موضوعاً غير مستهلك من قبل، وأحاط بموضوع الثورة الجزائرية في
مبادئ حزب البعث من جميع الجوانب،فهو يعدّ موسوعة حقيقية،ومن أهم ما يتميز به هذا
الكتاب طريقته المنطقية والمنهجية في طرحه لمختلف القضايا المعالجة،فكلما غصت فيه
أكثر،ألفيت بأن أهميته ليست حكراً على موضوعه وحسب، بل فيما يُقدمه إليك من دعوات
للتعمق، والبحث ، والتأمل بين دفتيه،فأنت تقبل عليه ، وتستوقفك فيه خصال عدة.
عنوان الكتاب:الثورة الجزائرية في مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي(1954-1962م)-دراسة
سياسية تاريخية-.
اسم المؤلف:أمجد جرجيس سليمان خندي.
مكان النشر وتاريخه:دار الأمة،الجزائر،2011م.
عدد الصفحات: 239.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق