د.ماجدة الغضبان
البئر أظلم عميق..
سمعت صراخهم..
_أتسمعون يا رفاق؟، هنالك من
يصرخ..
_عاد لما كان عليه..
_أنت تسمع ما لا نسمع، و ترى
ما لا نرى..
_عدت الى جنونك من جديد..
_الدليل اننا خمسة افراد، و
لم نسمع شيئا..
حطمت دائرة الأذرع المغلقة،
المبطنة بضحكات السخرية و الاستهجان..
_الى أين ذاهب؟
تدلت اصواتهم في الهواء كثمار
مجوفة..
_الى البئر حيث يصرخون..
_دعه انه مجنون..
_لن يجد البئر، و سنكون في
استقباله بنكات لاذعة..
_سيكون تسليتنا الوحيدة هذا
المساء..
غادرتهم مسرعا، و انتهى لغطهم
عند الخط الفاصل بين الشمس و حمرة البحر الهاديء حتى ذاب كعدم لم يكن..
الى الأمام، و على بعد بضعة
خطوات انفجر بركان الصرخات..
تناثر الزعيق و كلمات الغوث
كالحمم من فوهة بئر يقذف ما فيه نحوي بغضب و قوة..
بخار و دخان و عواء بشري مرعب
لامس جلدي دون أن أشعر بحرقة أو ألم..
_من هناك؟..
_نحن هنا في الأسفل..
بدا التشابه بين الأصوات التي
ودعتني بسخريتها قبل قليل و بين بوق الاستغاثة الجماعي واضحا..
_من انتم؟
_ من سخر قبل لحظات منك..
_كيف سقطتم في البئر، و قد
تركتكم خلفي؟..
_لا ندري.. هات لنا بحبل، و
اربطه بصخرة لعل احدنا يخرج و يعين من بقي على الخروج أيضا..
_لا أملك حبلا..
_مد لنا يدك..
_البئر ليس عميقا..
_لكنه شديد اللزوجة..
_لا نستطيع التسلق نحو
الأعلى..
تدلت ذراعي صوب عتمة شديدة..
_هل ترون يدي؟
_اني ارى سبابتك
_انا لا ارى سوى ابهام..
_لا ليس هناك سوى الخنصر..
_كلا انه بنصر فحسب
_ايها الحمقى هذا اصبع الوسطى
و لكنه شديد الضخامة..
شعرت بابهامي يكاد ان يتحطم
تحت ضغط يد هائلة الحجم..
_اترك ابهامي و امسك بيدي
كلها..
_الظلام شديد لا ارى سوى
الابهام..
_انا سأتعلق بالخنصر فهو واضح
امامي جدا..
_انا سأمسك الوسطى الضخمة..
_و انا لدي السبابة..
_و هذا البنصر يبدو لي كعمود
كبير..
_ايها الاغبياء اتركوا
أصابعي.. انكم تسحبونني نحو الظلام، اتركوا أصابعي، ليمسك أحدكم بيدي كلها، لا
يمكن ان اخرجكم جميعا..
كادت أصابعي ان تغادر
أماكنها، و الايادي تطبق عليها و باصرار شديد..
أصبح نصف جسدي في عتمة
الهوة..
رفست الارض بساقي و انا اقاوم
السقوط..
_اتركوا يدي..
تمادت صرختي برفرة نحيلة
مغتالة سكون خمد بين أرض و سماء.. الا انها كانت متأنية بموازاة سرعة التهام الهوة
لي..
أحاط بي الظلام و اللزوجة
معا..
سمعت قهقهة أحدهم في الأعلى
حيث لم يعد بامكاني ان ارى أي شيء..
_انظر الى هذا الغبي، قد رمى
نفسه في بئر عميق لا قرار له..
_قد صدق حقا ان هنالك أناسا
في البئر..
_صدق الاصوات التي ضجت في
رأسه..
_هذا الجنون بعينه..
_اتركوه في البئر، انه يستحق
البقاء هناك..
ابتعد ضجيجهم.. ساد الصمت بعد
رحيل آخر خطوة..
أحاط بي طوق هائل من أشواك
الوحدة و اليأس و بدا كأنشوطة مشنقة معدة لقتلي..
لا أظنهم سيسمعون صراخي.. ،
فهم لا يسمعون ما أسمع..
و إن سمعوا.. فلا أظن ان
لديهم رغبة برؤيتي على وجه الارض مرة اخرى..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق