خصائص ومضامين خطبة الوداع
بقلم: د. محمد مبارك الشاذلى البندارى
تمتاز خطبة الوداع
بأنها خطبة عالمية ألقيت فى حجيج المسلمين الذين تجمعوا من جميع الجزيرة العربية
على اختلاف ألوانهم وألسنتهم " وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر
يأتين من كل فج عميق " ( الحج / 27) ، وأنها كانت آخر خطبة خطبها الرسول _
صلى الله عليه وسلم _ فى جموع الحجيج ، وبدأت بحمد الله والثناء عليه ، وهى مقدمة
درج عليها صدر الإسلام ، ثم بمقدمة شديدة
التأثير والاستمالة وفيها تشويق إلى الاستماع ، وحثّ على الفهم والوعى : "
أيها الناس : اسمعوا منى أبين لكم فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا " ، ونجده _ صلى الله
عليه وسلم _ يشد انتباه السامعين عند
الانتقال من معنى إلى آخر بندائه لهم " أيها الناس " .
وقد أودعها - صلى الله عليه وسلم - قواعد وأسس الدين ، وعرضها عرضًا وافيًا مؤيدًا
بالدليلِ والحجةِ ، فذكر خمسة أصول من أهمّ
أصُول الدين ومبادئه السامية ، وهى :
-
الإعلان عن حفظ حق النفس وحرمة قتلها .
-
الإعلان عن حق تملك المال وحرمة اغتصابه .
-
الإعلان عن حق الأمانة والمحافظة عليها وردها إلى أهلها .
-
الإعلان عن حق الأصل الواحد وأن المؤمنين أخوة .
-
الإعلان عن حق
المساواة لاتحادهم فى الخلقة .
كما تضمنت الإعلان عن
ثلاثة وصايا شديدة الأهمية فى حياة المسلم هى :
-
الإعلان عن التمسك بالدين
وألا يعتدى المسلم على أخيه ، والإعلان أن
يتخذ المسلمون القرآن دستورا يسيرون على
نهجه .
ثم تضمنت الخطبة الإعلان
عن طائفة من التشريعات الإسلامية التى
أقامها الدين الحنيف حدودا بين حياة العرب فى الجاهلية وحياتهم فى الإسلام ، ومن
ذلك :
-
الإعلان عن رد دم
القتيل للدولة وعدم الأخذ بالثأر ، فالدولة هى التى تعاقب عليه " العمد قود
وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية
" ، ونرى بعض الناس فى بلداننا يصرون على أخذ الثأر دون الرجوع إلى الدولة ،
وهذا مخالف لما أقرته خطبة الوداع ضمنا ، حفاظا على هيبة الدولة واستقرار المجتمع ،
وبهذا قضى النبى - صلى الله عليه وسلم - على حروبهم الداخلية .
-
تحريم النهب والسلب :
" وأن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية " ، ولا بد من الرقابة
الذاتية خاصة بعد هذه الثورات المتتالية ، فقد خرج بعض الناس ينهبون المال العام
دون وجه حق .
-
تحريم الربا :"
فلا يأخذ المسلم من أخيه المسلم شيئا إلا
بالحق " " وإن ربا الجاهلية موضوع " .
-
تحريم التلاعب
بالأشهر الحرم والأمر باتخاذ التقويم القمرى الذى يتألف من اثنى عشر شهرا منها
أربعة حرم " إنما النسئ زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما
ويحرمونه عاما ليواطئوا عدم ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله " " إن عدة
الشهور عند الله اثننا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة
حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم " ، ثلاث متواليات وواحد فرض ذو القعدة وذو الحجة
والمحرم ورجب الذى بين جمادى وشعبان .
-
تقرير حقوق المرأة
لدى زوجها وأن لها رزقها وكسوتها بالمعروف وحقوق الزوج لدى زوجته وهى ألا توطئ فرشه غيره ولا تدخل أحدا يكرهه فى بيته
إلا بإذنه ولا تأتى الزوجة بفاحشة مبينة ، ثم الإعلان عن معاقبة الزوجة التى تأتى
بفاحشة مبينة بالتضييق عليها وهجرها فى المضجع وضربها ضربا غير مبرح :
" أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حقا ، لكم عليهن أن لا يطئن
فرشكم غيركم ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشة مبينة
فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن فى المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن
انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " .
-
تنظيم العلاقة بين
الفرد وسائر أفراد الأمة الإسلامية ، والإعلان بأن المؤمنين أخوة فلا بطش ولا ظلم
ولا نهب للأموال ولا حرب ولا سفك دماء ثم الإعلان عمن نقض هذا العهد باعتباره
كافرا آثما قلبه : " أيها الناس إنما
المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مسلم مال أخيه إلا عن طيب نفس منه " .
-
انتهاء عهد حياة
القبلية وكل ما يتصل بها من تنابز وتفاخر " فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم
رقاب بعض " ، " إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب
" .
-
أصبح التفاضل ليس
بالنسب وإنما بالتقوى ، " أكرمكم عند الله أتقاكم ، إن الله عليم خبير ، ليس
لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى " .
-
لفت نظر السامعين إلى
ما قرره القرآن فى الميراث وأنصبته : " أيها الناس إن الله قسم لكل وارث
نصيبه من الميراث فلا تجوز وصية لوارث فى أكثر من الثلث " .
-
إرساء قاعدة مهمة فى
شرعية الأبناء وخاصة هؤلاء الذين تلدهم العواهر فينسبهم إلى أصحاب الفراش ،
والإعلان عمن ادّعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه عليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين ، والإعلان عن عدم قبول توبة منه ولا فدية : " والولد للفراش وللعاهر الحجر ، من ادعى
إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل
منه صرف ولا عدل " .
وعلى هذا النحو كان
الرسول صلى الله عليه وسلم يبين فى خطاباته حدود الحياة الإسلامية وما ينبغى أن
يأخذ به المسلم نفسه فى علاقاته الكبرى مع أفراد أمته وعلاقاته الصغرى مع أسرته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق