هيا اندهش ، و تلثّم..
بقلم: عبد القادر صيد
بدأت تغزوه هذا الصباح عواطف مبهمة لا دافع لها و لا سبب ، كما يسمع الهائم في الصحراء أحيانا اسمه يتردد بغمغمة مبهمة ، أو كما يفزع الماكث وحده في منزل وقت السكون أو حتى في جماعة لسماع شخص يناديه.. هي الضفة الأخرى تحن إليه ..سميك هو الجدار الذي يفصل بينها و بين بعض الأشخاص ، هو من الإسمنت المسلح ، و هو شفاف لأشخاص آخرين حتى يصير زجاجا رقيقا يرى من خلاله تبرج الحروف في انحناءاتها المغرية، بل أحيانا تتمزق قطعة منه فتتسرب منها نسائم عرائس الروح ، ثم ما تلبث أن تصلها إشارة لرتقه و إصلاحه ،فيتوقف غزو الإبداع من العالم الحقيقي إلى عالمنا الافتراضي..بعض المشدوهين الجدد يخدشون الزجاج بأظافرهم ، و تسمع هذا الأزيز في حروفهم المخدوشة ..
هي مشاعر مجهرية و غير مفهومة ،كحكة غير معلومة المركز.. تدعوه إلى أن يحب .. أن يكره ..أن يضحك أو يبكي .. أن يفعل أي شيء غير معهود ، لسان هذه العواطف يشترط طعما جديدا لم يكتشفه الناس و لم يسمّوه بعد.. و رياح هذه المشاعر تصله متقطعة تتداول على قلبه بين الفينة و الأخرى من أمكنة سحيقة في نفسه كأصوات مؤذني صلاة الفجر التي تتقاذفها الرياح إلى أذنيه من بعيد ..
ـ خير إن شاء الله..
هكذا تمتم ، و هو يفتح باب نافذته لتقابله قمم الجبال الرمادية التي تشبه شيوخا جالسين متأزرين يشاهدون ما يحدث تحتهم ،ربما هي أرواح أجداده التي ما زالت تحن إلى هذا الشموخ ،له أن يتصور ما يشاء ،فهو اليوم أمام قالب عاطفي يجب ملؤه ، قد تصلح أي عاطفة ، ترى ماذا سيتقمص؟ ما أبسط غسيل المخ إذا ما قورن بغسيل العواطف!النهر الذي تضطرب على جنبيه ملايير الارتطامات المائية حين يجف يحسد المستنقعات ..
لا يليق بشخص أنيق المظهر أن يخرج من بيته دون طلاء داخلي، لذلك كان لابد له أن يبحث عن جيوب لنقوده..أن يجد لهذه الشهقة الصوفية صدرا و حلقا يليقان بها.
ـ هيا انتعش ، و دعك من هذه التأملات، لا تتحير ، حتى لا تفشل هذا اليوم ، لقد دخل الحلزون إلى قوقعته فاندهش منها فأصيب بوصمة البطء و التثاقل.. لذلك أريدك أن لا تندهش حتى تستطيع أن تواصل الحياة..
قال هذا لنفسه و هو يدرك أنه لا شيء يُدهش أكثر من عدم الدهشة فالاندهاش غذاء الروح،و كساء الحروف..
ـ هيا اندهش ، و تلثّم..
هكذا سمع صوتا رمت به جبال أجداده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق