2016/01/19

فلسطين في الشعر الـجزائري الحديث بقلم: د. محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــة



 فلسطين في الشعر الـجزائري الحديث
بقلم: د. محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــة
      تعد القضية الفلسطينية واحدة من أبرز القضايا التي اهتم بها شعراء الجزائر،فقد رافق   الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي، وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها، وقد تابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان » وعد بلفور«   سنة: 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات، ثم رفضه  قرار التقسيم، وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب:  1948 م، ونكسة: 1967 م، ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين، وأبطال المقاومة، وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم،فمن يطلع على النتاج الأدبي الجزائري يلاحظ أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية، على الرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي   منذ  الاحتلال  سنة:  1830 م،  وحتى الاستقلال  سنة  :1962 م،  لأنَّ صلة  الشاعر  الجزائري  بالمشرق  العربي  وقضاياه  ومشاغله  صلة  وطيدة  وعريقة، وتأتي قضية فلسطين في الصدارة، بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري،شعرا ونثرا، في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور : الوطنية،  والعروبة، والوحدة العربية ، وفلسطين،
 ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن، كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع  فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية، وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي،فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني، وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله، وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة، بل عرف أخطر من هذا، محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود، وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين بنكبة فلسطين، وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي)  للتوسع ينظر:د. عبد الله ركيبي : فلسطين في النثر الجزائري الحديث، مجلة الثقافة الجزائرية، العدد : 27، جوان – جويلية، 1975 م، ص : 37 ( .
        ويجيء هذا الكتاب:«فلسطين في الشعر الجزائري الحديث»للباحثة فاطمة الزهراء بن يحيى ،ليؤكد على أن الشعر الجزائري ركز بشكل كبير على القضية الفلسطينية منذ العشرينيات من القرن المنصرم،ومازال يتفاعل مع تطوراتها إلى أيامنا هذه.
      يتضمن الكتاب ثلاثة فصول مع مقدمة،وتمهيد،وخاتمة.
       في مقدمة الكتاب شرحت المؤلفة أهمية موضوعها وإشكاليته،فأشارت في البدء إلى أن قضية فلسطين تعد أهم قضية على الساحة العربية،ولا تجاريها أية قضية أخرى في الوطن العربي،فقد ظلت هذه القضية منذ بدايتها المحك الرئيس لالتزام أبناء الأمة العربية بمدى قضايا أمتهم،كما أنها ما تزال الملهم الأساس لكتابها وشعرائها الذين هبوا للدفاع عنها،ولإظهار الأخطار الصهيونية المحدقة بها،وبالأمة العربية جمعاء.
       وفي توضيحها لإشكالية البحث تقول الباحثة بن يحيى: «لقد دفعتنا هذه الأهمية إلى جانب ما تمر به الأمة العربية في مرحلتها الحالية من تمزق وتشتت وصراعات،وما يمر به الشعب الفلسطيني من تشريد وتهجير وتقتيل،وتقطيع أوصال أرضه وتهويدها،يهدف بالدرجة الأولى إلى تصفية مقاومته المسلحة وإخراجها من معاقلها الأمامية،ونزع البندقية من يدها أمام صمت عربي فاضح،وتهريج صاخب باسم السلام ومشاريعه، إلى طرح إشكالية البحث المتمثلة في:إذا كان الشعراء العرب الذين عاصروا القضية الفلسطينية-منذ وعد بلفور إلى الآن-قد تصدوا وبدرجات مختلفة إلى كل المؤامرات الداخلية والخارجية التي كانت سبباً لكثير من النكبات،فإن شعراء الجزائر وعلى الرغم من الحصار الذي ضرب عليهم قبل الاستقلال،وعدم الاهتمام بإبراز دورهم في معالجة القضية،قد لعبوا دوراً فعالاً ورائداً على الساحة العربية وهو ما يحث على التطرق إليه لإبرازه»( ص:02).
         خصصت المؤلفة الفصل الأول من الكتاب لرصد«القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري الحديث قبل الاستقلال»،فتوقفت في البدء مع وعد بلفور ونتائجه،وأشارت إلى ما كتبه الشاعر عبد الرحمن بن العقون عن هذا الوعد،كما أشارت إلى تعريض الشاعر محمد العيد آل خليفة بغدر الانجليز وتآمرهم مع الصهاينة في أسلوب كله سخرية واستهزاء،وتنبه المؤلفة حينما رصدت الشعر الجزائري الذي كُتب عن فلسطين في الفترة الممتدة ما بين( 1930-1948م)إلى أن الكثير من الشعراء الجزائريين لمسوا خيوط المؤامرة على فلسطين ففي سنة:1930م كتب أحد الشعراء الناشئين-لم يذكر اسمه- قصيدة تزخر بالمشاعر النابضة والإيحاءات النافذة،وقد سعى في تلك الفترة عدد كبير من الشعراء  إلى توعية الجماهير بالمخاطر المحدقة بفلسطين،وبعد الأحداث التي وقعت سنة:1929م ،نتيجة لازدياد النفوذ الصهيويني في القدس كتب الشاعر عبر الرحمن العقون قصيدة اشتهرت فيما بعد أيما اشتهار وسمها ب«آه على أمة القدس التي بسطت للجار إحسانها»،حيث يقول في مطلعها:
أمن الكوارث أزمات نعانيها   أم من تذكر من تهوى معاليها
أرقت حزناً ومنك البال مضطرب   والقلب خاض بحاراً لا يُجاريها
       كما قام الشاعر بتوضيح مساعي الصهاينة التي ظهرت في المؤتمر اليهودي سنة:1929م،والتي تعهد فيها عدد كبير من الصهاينة بالتبرع بأموال ضخمة لإقامة وطن يهودي على أرض فلسطين،ومن بين ما قاله في هذا الشأن:
قامت لصهيون ثلة طغت بثرى   تبتاع من أمة الهدى أراضيها
تنوي إقامة لدولة ومملكة   وما درت أن ذا مضى بماضيها
         ومن بين الشعراء الذين تفاعلوا مع التطورات التي وقعت في فلسطين في تلك المرحلة بشكل كبير   محمد العيد آل خليفة الذي عبر عن رفضه للتقسيم،إضافة إلى الشاعر أحمد سحنون الذي كتب الكثير عن مأساة فلسطين وجراحها،وفي تعليقها على الخصائص الفنية التي طبعت الشعر الجزائري الذي كُتب عن فلسطين في تلك الفترة تذكر المؤلفة أن شعرهم اتسم بالحماسة والرفض في تناولهم للصراع وما نتج عنه من تطورات خطيرة،كما تميزت بعض الأشعار بالضعف من ناحية الشكل والجودة والمضمون.
      وترى المؤلفة أن التطورات التي وقعت سنة:1948م بعد النكبة أعطت الشعراء الجزائريين نفساً جديداً للخروج من الدائرة التي كانوا يدورون فيها،وجعلتهم أكثر التزاماً وأكثر واقعية في توعدهم بالأخذ بالثأر والانتقام لفلسطين التي اعتبروها قضية كل العرب الأولى.
       ومن أبرز الشعراء الذين كتبوا عن فلسطين في تلك الفترة الشاعر عبد الكريم العقون الذي كتب الكثير قبل النكبة وبعدها،وكان ينادي قبل وقوعها إلى ضرورة توحيد الصف وتحقيق الوحدة العربية ونصرة الشعب الفلسطيني،كما تأثر الشاعر عبد الوهاب بن منصور بما وقع لفلسطين وكتب مجموعة من القصائد التي يطبعها الحزن والألم الشديد على ما وقع لفلسطين الحبيبة،من بينها قصيدة موسومة ب«قم في الحشود» كتبها سنة:1949م،مطلعها:
قم في المحافل منشداً    شعراً يذيب الجلمدا
         وقد عاصر الشاعر محمد جريدي مأساة فلسطين،وكتب أشعاراً كثيرة شرح فيها أسباب الهزيمة وفق رؤيته الخاصة للتطورات التي وقعت مع بداية العشرينيات،أما الشاعر صالح خرفي فقد كتب الكثير من القصائد عن فلسطين وربطها بواقع الجزائر،وأكد على ضرورة الوحدة بين مختلف الأقطار العربية في وجه أعداء الأمة.
           ومن أهم ما أكدت عليه المؤلفة في ختام هذا الفصل أن الشعر الجزائري الذي كُتب عن فلسطين في تلك الفترة أصبح شعاراً للوحدة العربية،وقد تجاوب بشكل كبير مع الأحداث التي وقعت في فلسطين على الرغم من الحواجز التي وضعها الاستعمار الفرنسي لعزل الشعب الجزائري عن قضايا أمته العربية.
       في الفصل الثاني من الكتاب تناولت المؤلفة«القضية الفلسطينية في الشعر الجزائري الحديث بعد الاستقلال»،أي استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي سنة:1962م،وقد افتتحت هذا الفصل بالإشارة إلى أن شعراء الجزائر أدركوا بعد استقلال الجزائر أن المشوار لم ينته،حيث ظلوا يؤكدون على أن اكتمال استقلالهم مرتبط بتحرير الأراضي الفلسطينية،فمهمتهم على درب النضال لم تنته،فعلى سبيل المثال أن الشاعر والمناضل الكبير(أبو القاسم خمار)كتب سنة:1962م قصيدة وسمها ب«هتاف الجزائر» عبر فيها عن فرحته باستقلال وطنه الجزائر بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها أبناء الشعب الجزائري،غير أن فرحته الكبيرة بانتصار وطنه،لم تنسه الآلام التي يعانيها الشعب الفلسطيني،ولاسيما الذين هجروا منه إلى خارج ديارهم،حيث يقول:
أيها النازحون في الليل صبرا     إن آلامكم ستبدع فجراً
ما فلسطين للعروبة إلا          أمل يلهب الجوانح جمرا
أي نصر كسبته في بلادي         ليس نصراً ما دمت أحمل ثأراً
فانهمر يا دم الكفاح بأرجائ         ي ولون شبرا فشبرا
        ومن بين الشعراء الذين أكدوا في الكثير من قصائدهم على عودة الشعب الفلسطيني إلى أراضيه التي هجروا منها الشاعر محمد الأخضر السائحي،ولعل أشهر قصائده التي أنشدها الكثير من أبناء الشعب الجزائري قصيدة«حلفنا سنعود»التي كتبها سنة:1963م.
       كما كتب الشاعر الدكتور صالح خرفي جملة من القصائد التي أظهر فيها حزناً شديداً على ضياع فلسطين،وعلى زرع نبتة خبيثة في قلب الأرض العربية،وظل يؤكد في جميع قصائده على الوحدة العربية لتحقيق آمال الأمة.
      ومن بين الشاعرات اللاتي كتبن الكثير عن فلسطين الشاعرة مبروكة بوشامة،ولعل الطابع العام الذي تميز به الشعر الجزائري بعد الاستقلال في معالجته لقضية فلسطين هو رفض الاستسلام والخنوع،والدعوة إلى الاتحاد والتضامن لمواجهة العدو الأول للأمة العربية المتمثل في الكيان الصهيوني،ومن بين الشعراء الذين رفضوا الهزيمة بشدة الشاعر أحمد هويس،ومفدي زكرياء،وخمار ومحمد ناصر و أزراج عمر وعبد العالي رزاقي.
          كرست الباحثة فاطمة الزهراء بن يحيى الفصل الأخير من الكتاب لتسليط الضوء على الخصائص الفنية التي ميزت الشعر الجزائري الذي اهتم بالقضية الفلسطينية،وقد بدا لها أن الشعر الجزائري قد عالج القضية الفلسطينية انطلاقاً من نظرة دينية وقومية وإنسانية،ولم يقتصر على الشعر العمودي فحسب،بل انفتح على الشعر الحر أيضاً،وقد كان في مجمله ذا دلالات ثورية وروحية خالصة،وقد حفل الشعر الجزائري بمضامين عميقة،وواكب تطورات القضية الفلسطينية بدقة،وهاجم بعض الحكام المتخاذلين،وصب  غضبه على الجرائم الصهيونية المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني المقاوم والصامد في وجه المظالم،كما أنه لم ينطلق من نظرة عنصرية وعصبية،بل كان هادفاً  وواقعياً في طرحه للقضية الفلسطينية وطرائق حلها من خلال انطلاقه من أسس واقعية يمليها على الشعراء التاريخ والحقائق التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تحرير كامل أراضيه المغتصبة.
       وقد ذهبت المؤلفة في رصدها للأبعاد الإنسانية التي ميزت الشعر الجزائري الذي كُتب عن القضية الفلسطينية إلى أنه مثل ظاهرة إنسانية واحدة وهي المناداة بالحرية والتحرر،كما مزج بين القضية الفلسطينية والقضايا التحررية في العالم،وتميز برؤيته المقاومة والواقعية الدقيقة،ومن أبرز الظواهر الفنية التي لاحظتها المؤلفة في الشعر الجزائري الذي تناول القضية الفلسطينية التعبير عن المعاني بأسلوب صريح ومباشر،واستعمال أساليب السخرية في تصوير بعض الظواهر،والاقتباس من التراث الديني ولاسيما من القرآن الكريم والتراث الشعري العربي القديم.
عنوان الكتاب:فلسطين في الشعر الجزائري الحديث.
اسم المؤلف:فاطمة الزهراء بن يحيى.
مكان النشر وتاريخه:منشورات طاكسيج،الجزائر،2012م.
عدد الصفحات: 216.


ليست هناك تعليقات: