2016/01/25

"همس الغياب "قصة بقلم: بشرى المعلوم



"همس الغياب   "

 بشرى المعلوم


 أمام بيت منسي وغرفة مهجورة تقاوم النسيان وقف حائرا مترددا كعادته، ففي كل مرة كانت تخونه شجاعته ولا يقتحم ثم يعود من حيث أتى.

  هذه المرة أمعن النظر في الباب وعلى مقبضه كان التركيز أكثر، اتسع محيط عينيه وشع منهما بريق عزم مقاوم لكل لحظات الانكسار والتردد السابقة.

وفجأة، حملته أقدامه قسرا، ومن غير شعور فأسرع الخطى نحو الباب كطفل هارب حتى لا يغلبه تردده فيثنيه.

فتح الباب بخوف ورعشة وعلى مهل، ومع ذلك سُمع للباب صرير مؤلم أثار في داخله  ذكريات الماضي وعمق لديه كل مشاعر الحزن والشجن.

اهتزت أرضية الغرفة المهترئة على وقع خطوه المتثاقل، وتحرك كل ركن من الغرفة وحتى المصابيح المعلقة والسجاد المغبر والأرائك التي ضربت عليها العنكبوت بنسجها، كل ما في الغرفة انتفض متثائبا من سبات عميق يتساءل: من الطارق وما سر هذا القدوم المُختلس القادم من عمق الزمن.

كان شوقه العارم في داخله يتفحص كل قطع أثاث المكان، وينفض عنها بقلبه وبلمسة يده المرتعشة بشوق غامر ما تراكم عليها من غبار النسيان، قطعة قطعة  تأخذ حقها من لمسه وتفقده...حتى جاء الدور على السرير وعلى فراشه الذي ظل على حاله صورة أنثى شاحبة .

حملها بيد من يحمل روحه، لأن فيها بقايا ملامح وجه ملائكي مسجى تحت الغبار..

استجمع كل قواه ولم يجد غير كلام ينثره بين يديها، وكأنما ادخره لهذه اللحظة: وهمس قائلا

في ثغرها لهفة بوح
 
تهمس لي: بعنفوان صامت
 
تعال
ألا تلمح بريق العين يناديك
نشرد سويا
 
نقتسم لأحلام
 
أخبرك عما في القلب
 
من مقام
 
تعال
 
مادمت لي
 
فما همنا من القيل والقال
 
تعال
نحيا سويا
نرسم طريقا بين الجبال
فلتجعل صدرك وسادتي
 
فقد ناولتك دفئي
 
فراشا مدى الزمان
هل لقلبك آن يصغي لي
 
لحظة من زمان

أخبرك بأن عيناك
تغرقني في بحور من الهيام.


 
ألقى بالصورة وخرج مهرولا من الغرفة دون أن يغلق الباب وكأنه يهرب من شيء ما أو ربما سيذهب لمكان ما .


مراكش المغرب

ليست هناك تعليقات: