مثقفون مصريون يقرأون مشهد صعود الإسلاميين
أشرف الصباغ: فوز تيار الإسلام السياسي الساحق في الانتخابات البرلمانية لا يعني أي شيء على خلفية تشابك الخريطة السياسية في مصر الآن.
انتصار عبدالمنعم: الاخوان استدعوا تاريخهم في سجون النظام السابق ليستدروا عطف المواطن البسيط، وليثبتوا أحقيتهم في الحصول على أصوات الناخبين.
ميدل ايست أونلاين
كتب ـ محمد الحمامصي
يشكل صعود القوى الإسلامية تهديدا مباشرا للحرية والعلم والحقوق الإنسانية بما فيها تلك التي كفلها الإسلام، فالتفسيرات المتطرفة والمتشددة التي ينطلقون منها تتنافى مع رحابة أفق صحيح الدين الذي يدعو الناس إلى التفكر والتدبر والتطلع لما يصلح شئون حياتهم، بل تتجرأ على سماحته وأخلاقه وسلوكه، حتى لقد وصل الأمر ببعضهم للتدخل في الملبس والمأكل والمسكن، ناهيك عن السياحة والأدب والفن والفكر، بل نجدهم الآن فيما بينهم منقسمين، يكيلون لبعضهم البعض الاتهامات.
الانتخابات التي شابتها الكثير من الفضائح بدءا بشراء أصوات الفقراء والجهلة والمحتاجين والكثير من محدودي الدخل واستخدم النقاب كوسيلة للتزوير ووصول الدعاية الانتخابية للإخوان المسلمين والسلفيين إلى داخل اللجان وليس أمامها فقط، كشفت عن كثير من عورات ما هو قادم في مصر.
على أية حال وحتى لا يكيل لنا البعض تهم الكفر والخروج على الملة وما شابه ذلك مما يريد من تعليقات سألنا مثقفين من مختلف التوجهات: كيف يقرأون النجاح الكبير الذي حققته القوى الإسلامية في الانتخابات البرلمانية المصرية؟ مؤكدين على أهمية الحيادية في القراءة، فكانت هذه ردودهم.
• ثورة جديدة أكثر خبرة
الكاتب والمترجم أشرف الصباغ أكد على فوز تيار الإسلام السياسي الساحق في الانتخابات البرلمانية (سواء المرحلة الأولى أو وفقا للنتائج النهائية للانتخابات) لا يعني أي شيء على خلفية تشابك الخريطة السياسية في مصر الآن. وأضاف "المعروف أن نجاح أي طرف، حتى ولو كان الليبراليون أو اليساريون، في ظل اصطفافات ومخاضات وتحديد مواقف غير مكتملة لا يمكن أن يضيف جديدا أو يؤثر على الأوضاع الحالية، لأنها أوضاع استثنائية في مجملها".
ورأى الصباغ أن "تيار الإسلام السياسي في مصر يختلف جذريا عنه في تركيا وفي تونس. فالتياران الأخيران في دولتين علمانيتين. الأولى برلمانية والثانية رئاسية. إضافة إلى أن الأولى راسخة بالمعنى الدستوري، بينما الثانية تصيغ دستورها. وفي كل الأحوال هناك علاقات وطيدة بين راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة في تونس وبين حزب العدالة والتنمية في تركيا، لأن الغنوشي أحد منظري الحزب التركي. أما الإخوان المسلمون فهم ينتمون بدرجات ما إلى التيارات الإسلامية – النفطية في دول الخليج. ولا يمكن أن نتجاهل علاقات الإخوان بكل من قطر والسعودية الرسميتين، وتيار الوهابية في الخليج العربي، وبالذات في السعودية. وبالتالي لا يمكن أن ننتظر من الإخوان المسلمين دستورا علمانيا يفصل الدين عن الدولة ويحافظ على حقوق المواطنة والحريات الشخصية، والسبب يعود إلى جوهر أيديولوجية الإخوان وأية أحزاب يمكن أن تخرج من معطفهم".
وقال: "الكثيرون تنبأوا بصدامات بين العسكر والإخوان على الرغم من شهور العسل المتكررة في علاقاتهما. ومن الواضح أن كل طرف يفهم الآخر جيدا، ولكن ليس إلى النهاية في بعض الأحيان، وهو ما يعجل أحيانا بالتصادم. فالمجلس استخدم الإخوان جيدا في ضرب الثورة بالدرجة الأولى وتحويلها عن مسارها، وكذلك في ضرب التيارات والقوى السياسية الأخرى طوال فترة ما بعد 25 يناير 2011. الإخوان وافقوا على ذلك من منطلقات سياسية برجماتية. ولكن العسكر من جانبهم أكدوا بما لا يدع مجالا للشك أنهم لن يتخلوا إطلاقا عن السلطة حتى لو عادوا إلى ثكناتهم وسلموا السلطة إلى حكومة (مدنية!). الآن ينادي الإخوان بما رفضوه في السابق، وهو أمر مسموح به في السياسة. ولكن من قال إن العسكر والقوى السياسية الأخرى لن تستخدم هذه الخطوة ضد الإخوان، وهذا ما يحدث بالضبط الآن؟".
ونبه الصباغ إلى أنه "في اللحظة الراهنة يحاول الإخوان إعادة الحصان أمام العربة بعد أن شاركوا في خلط الأوراق ووضع العربة أمام الحصان، وذلك من أجل مكاسب تكتيكية بالمعنى السياسي. ولكنها انتهازية في الأساس. ولا مفر من صدام هائل بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين، وكلها مسألة وقت".
وأشار الصباغ إلى أن "المجلس العسكري يحاول استخدام منهج مبارك في ضرب الإخوان بالقوى السياسية الأخرى. ينجح أحيانا ويخفق أحيانا وفقا لسقف الوعود التي يمنحها لهذا أو ذاك الطرف أو طموحات هذا الطرف أو ذاك من القوى السياسية العتيقة المتهافتة على السلطة أو حتى الحصول على أي قطعة من الكعكة. أما القوى السياسية والحركات الثورية الجديدة فهي واعية تماما للعبة القديمة التي يكررها المجلس العسكري. وبالتالي لا تشارك إطلاقا في أي من المناورات السياسية الجارية ومصممة على مطالبها التي تم الإعلان عنها منذ 25 يناير. وكل الاحتمالات ما زالت مفتوحة، لأن كل الظروف استثنائية فيما يتعلق بوجود المجلس العسكري وحكومة الجنزوري وميدان التحرير واعتصمات مجلس الوزراء، بل وحتى بوجود مجلس الشعب بعد الانتخابات.. ظروف استثنائية تعني أن لا شئ ثابت أو قائم أو فعال إلى الآن".
"البرلمان المصري لا يمكن أن يشكل أي حكومة وفقا للدستور، وللتعديلات الدستورية التي رحب بها الإخوان والسلفيون. لقد تراجع الإخوان عن ذلك بمجرد أن شعروا أنهم وضعوا أنفسهم في مأزق. لقد كانت مجرد مناورة سياسية من جانبهم لإحراج المجلس العسكري والقوى السياسية الأخرى، استنادا لما حققوه في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية. والآن يجري تسطيح الصراع مع الإخوان وقصره على الحجاب والمايوه واحتساء الخمور والسياحة. ويبدو أن هذا التسطيح مطلوب الآن علما بأن أكثر من 80% من المصريات محجبات. و99% من المصريات لا ينزلن البحر بالمايوه. ومعروف أن المصريين على مدى السنوات الأربعين الماضية تحولوا إلى "حشاشين" وليس "خمورجية". فأين المشكلة بالضبط. إن الإخوان من جانبهم يسهمون في حملة التسطيح هذه لأنها تبعد الأنظار عن قضايا جوهرية يضعونها نصب أعينهم في حال تمكنوا من إدارة شؤون مصر".
وخلص الصباغ إلى أن "جميع الاحتمالات لا تزال مفتوحة، بما فيها الإطاحة بالمجلس العسكري، وانهيار المنظومة التشريعية، وقيام ثورة جديدة أكثر خبرة وحكمة وقوة. الاحتمال أيضا مفتوح بتلقي الإخوان المسلمين ضربة قوية لا من المجلس العسكري فحسب، بل من القوى السياسية العتيقة المتحالفة مع المجلس. ولا يمكن استبعاد أن يتحول المجتمع تدريجيا عن الإخوان لأسباب تخص الإخوان ومواقفهم ومنهجهم السياسي والحملات السياسية والإعلامية ضدهم".
• التواطؤ سيد الموقف
ورأى الشاعر والناقد جمال القصاص أن التواطؤ، كان اللاعب الرئيس في الجولة الأولى لأول انتخابات برلمانية تجرى بعد ثورة 25 يناير والتي جرت وقائعها منذ أيام، وأسفرت عن اكتساح أخواني وصعود سلفي وحضور ضعيف وهامشي لبقية الأحزاب والتيارات السياسية.
وقال القصاص: "تحت مظلة هذا التواطؤ الذي نسج خيوطه بغباء المجلس العسكري الحاكم في البلاد، تم اغتيال شرعية الثورة، وتحولت إلى غنيمة سياسية، يمكن التفاهم حول أنصبتها وحصصها تحت ذريعة الاستقرار والتوازن واستعادة الأمن المفقود، واستطاع التيار الإسلامي بقيادة الإخوان المسلمين أن يلاعب المجلس العسكري ، تارة بمنطق الـ مع، وتارة بمنطق الضد، حتى وصل معه إلى نوع من التفاهمات السياسية، استند إليها في الاستئثار بالغنيمة، وأن يفرض قوته وسطوته على مشهد رخو، وأفق ثورة، لم يشتد بعد عودها، ولا تزال تبحث عن تربة نقية وصالحة للنمو".
وأضاف "اتضحت خيوط هذا التواطؤ بشكل سافر في تحديد الشكل القانوني والهيكل التنظيمي الذي سيحكم مسرح العملية الانتخابية، بالجمع بين النظامين الفردي والقوائم، وبنسب قررت الثلث للأول والثلثين للثاني، ورغم ما يفرزه هذا الخلط من عشوائية، خاصة مع اتساع خريطة الدوائر الانتخابية، إلى أن شرط عدم جواز ترشح الحزبيين على قائمة النظام الفردي والذي شكل نوعا من الأمان، سرعان ما تبخر تحت ضغوط جماعة الإخوان على المجلس العسكري، ولو تم العمل بهذا الشرط ما كسب الإخوان 30 مقعدا فرديا في الجولة الأولى مرشحة للتزايد في دوائر ثلاث ألغيت فيها الانتخابات، بل لو كانت الانتخابات كلها بنظام القائمة كان من الصعب أن يحققوا هذا الاكتساح، الذي لم يكن مفاجئا بالنسبة لي وللكثير من المراقبين، وأيضا كنا تجنبنا هذا المشد العبثي في جولة الإعادة التي تمت في المرحلة الأولي، ودارت معظمها بين متنافسين من الإخوان والسلفيين".
وأكد القصاص أن التواطؤ عززه مناخ سياسي متخبط انقلب فيه الهرم التقليدي للسلطة، وانحسر في مربع ضيق، تتنازعه من ناحية سلطات المجلس العسكري الحاكم ، وحكومة هشة بصلاحيات منقوصة، ومجلس استشاري مستحدث، وقضاء بطيء ورخو، وبرلمان عبثي في كف الغيب، ومن الناحية الأخرى، شرعية ثورية مفتقدة أو سرقت، وضللت، وثوار لا يحكمون، ويتمردون على دور المراقب الخانع".
"في هذا المناخ كان طبيعيا أن يستثمر الإخوان المسلمون الظرف الانتخابي الهجين في استثمار رأس المال التنظيمي والاجتماعي الذي أسسوه منذ عقود، والاستفادة من تراكم خبراتهم التنظيمية والانتخابية والسياسية، في تحقيق التفوق والصعود المدوي على حساب قوى سياسية وأحزاب نمطية تكلست وشاخت، وهمشت تحت وطأة سنين طويلة من التشرذم والتفتت والجمود والعسف الأمني، بشكل أدى إلى إفقار الحياة السياسية في مصر".
"أيضا كان طبيعيا أن يلعب الإسلاميون على وتر شرائح طبقية فقيرة كبيرة في المجتمع، فقدموا لهم الخدمات المختلفة لكسب أصواتهم، وهذه الشرائح للأسف لم تمتد لها أيدي الثورة، كما لم يبالي بها نظام مبارك".
• فساد أربعين عاما
وقال الشاعر محمد فريدة أبوسعدة إن هذا الصعود يعود - في ما أرى - إلى فساد الحكم خلال أربعين عاما، أي منذ تصفية المشروع القومي الناصري، والتحالف مع خصوم هذا المشروع في الغرب وفى المنطقة العربية، الأمر الذي أدى إلي بيع القطاع العام، وتبنى الاقتصاد الحرّ في مرحلته المتوحشة، وسيطرة رأس المال على الحكم (أي الرجوع عن أحد أهم أهداف ثورة يوليو!) فتفشى الفساد وعادت الأمور إلى ما يشبه الوضع الاقتصادي قبل 1952، "أقلية تملك كل شىء وأغلبية لا تملك أي شيء، لقد صار أكثر من 40 % من المصريين تحت خط الفقر، كانت مصر حبلى بالثورة، وكانت بروفتها الأولى في أحداث يناير 77، لكن أحدا من الذين يحكمون لم يفهم وتمادوا أكثر، في ظل هذا الوجع الذي لم يعد يكفيه المسكنات التي أخذت شكل التسول من جهة والرشوة من جهة أخرى (كما في الصياح في عيد العمال: المنحة يا ريس!) كان الشعور بأن النظام الذي يدّعى انه ديمقراطي، ويضع في دستور 71 المادة الثانية (التي تقول إن مصر دولة إسلامية، وأن الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع)، هذا وغيره كثير كان يصنع مفارقة هائلة مع اضطهاد هذا النظام للإخوان المسلمين!
وكان رد الفعل هو تنامي شعور بقبول فكرة أن تجرب مصر هؤلاء المضطهدين من نظام فاسد، والذين كانوا - خلال الأربعين عاما - يعملون بصبر ودأب على تقديم الأعمال الخيرية للفقراء والمحتاجين الذين يزدادون مع تزايد الفساد والمفسدين. كان هذا الفوز متوقعا، ولم يكن ما سقط سوى نظام فاسد وحكم غير رشيد، ولعل أهم ما أرسته الثورة هو تداول السلطة عبر بطاقة الانتخاب، وهو مكسب جوهري، إذا أردنا أن نستعيد دور مصر الرائد في إقليمها.
• الهدف .. مصر دولة إسلامية
وأكد الكاتب الروائي أحمد أبو خنيجر أن فوز الإسلاميين لم يكن مفاجئا، وذلك لعدة أسباب، لعل أهمها القدرة التنظيمية والخبرة السابقة لدى تيار الإخوان، وتزايد أعداد السلفيين في مصر طوال العقود الماضية بسبب انسداد الأفق أمام الشباب المصري، مما دفع بالكثير منهم لاعتناق أفكار بعيدة عن السماحة والوسطية المصرية، كما أن الغالبية العظمى من المصريين، من يطلقون عليهم الكتلة الصامتة مشوشة بخصوص ما جرى في مصر من أحداث، ثورة ومحاولة إجهاضها وتحويلها لمجرد تغير وفي أعظم التقديرات مجرد انقلاب، وبالتالي لم تتعرف هذه الجماهير وسط الألعاب والخداع على القوى الجديدة الناشئة في مصر، أو حتى اختيار من قاموا بإحداث هذه النقلة في التاريخ المصري، وبالتالي تغلبت على اختياراتهم العاطفة الدينية، والمشحونة بالدعاية الهائلة للتيارات الإسلامية واستخدامها بشكل تحريضي سلبي، يعد الناس باستعادة الأمجاد القديمة لتاريخ الأمة الإسلامية فى مقابلة فاضحه لكل التيارات اللبرالية ودعاة العلمانية والاشتراكية الكافرة.
وأضاف "الغرض هنا هو تحويل مصر لدولة إسلامية، وكأنها كانت من قبل كافرة، وهو ما جرى يوم الاستفتاء، والذي أطلق عليه واحد من مشايخهم غزوة الصناديق في حينه، هو نفس الأداء والزهوة التي يتحرك بها من يستغلون الدين، وهو في ظني ما أصاب الكثير من التيارات الأخرى والقوى الثورية بالإحباط؛ وأعتقد إن ذلك ليس صحيحا، فالكثير أيضا يقع على كاهل القوى الليبرالية والنخب المثقفة، التي أكتفت بالفرجة والنقاشات المتشنجة في الفضائيات والاختلاف داخل ميادين التحرير، ولم تسع جادة للتواجد على الأرض بين الناس بشكل حقيقي وملموس، ومن الصحيح أيضا أن الوقت لم يكن فى صالح هذه القوى، على أي حال فالمصريون الذين ظلوا طوال تاريخهم ينتهجون منهجا بعيدا عن الحنبلية والوهابية وغيرها من الأفكار المتشددة لن يقبلوا من أحد، أيا كان أن يغير ومن وسطيتهم تلك، فقط يجربون ويتعلمون، ثم يقولون كلمتهم ويعلنون اختياراتهم".
• استبداد النظام السابق
ورأى الروائي محمد العشري أن قراءة المشهد الانتخابي في مصر لا يحتاج إلى الكثير من التحليلات والآراء السياسية، ويمكن ببساطة تلخيصه في اعتماد الكثير من الأحزاب السياسية القديمة مثل الوفد وغيره على إعلان تليفزيوني يبث من وقت لآخر، دون التعامل والتواجد الحقيقي في الشارع، ومناقشة البرامج الانتخابية مع الناس، على العكس من الأحزاب الدينية حتى الوليدة منها، وهو ما ظهر بوضوح في نتائج المرحلة الأولي. كذلك يمكن أن نرى أن فترة الحظر الطويلة للتيار الإسلامي في مصر جعله ينظم نفسه، ويتواجد في الشارع، ويتعامل عن قرب مع الناس، من خلال دور العبادة، والخدمات الميدانية التي يحتاجها البسطاء والمطحونين من الشعب المصري، وهم الأكثرية ممن اندفعوا للمشاركة في الانتخابات للمرة الأولى، ولم يجد هؤلاء غير الدين، يحتمون به من استبداد النظام السابق، وسرقته الواضحة لأموال وحياة الناس، مما دفع الكثيرين إلى التصويت للأحزاب الدينية في محافظات مثل القاهرة والإسكندرية وهي المحافظات التي لم يكن التيار الديني يتوقع أن يحصد منها ذلك العدد الكبير من التصويت، وذلك لعدم وجود بديل يمكنه أن يثق به الناس في أنه سيعمل لصالح الناس وليس لصالحه الشخصي، كما كان يحدث من قبل.
وأشار العشري إلى وجود أسباب أخرى "مثل وجود "نجيب ساويرس" على رأس "الكتلة المصرية"، بتصريحاته المستفزة أحياناً، جعل الأمر يبدو للكثيرين أنها مواجهة ما بين الإسلامية والمسيحية، وهذا في غير صالح العملية الانتخابية وأثر بالسالب على الأحزاب الأخرى المشاركة في قائمة الكتلة، وجعل الكثيرين يبتعدون أن اختيار "الكتلة المصرية" ممن ساندوها في البداية، واستفاد من ذلك تيار وليد قبل الانتخابات بوقت قصير جداً مثل "الثورة مستمرة".
• لم يفوزوا بعد
ولا يرى الفنان التشكيلي والكاتب مجاهد عزب أن التيار الإسلامي قد حصد فوزا كبيرا في الانتخابات البرلمانية رغم أن مؤشرات المرحلة الأولى تنبئ بذلك، وقال: "لكنها منافية للحقيقة وسرعان ما تنكشف اللعبة والتي سيدركها المصريون الطيبون المحبون لإسلامهم وتدينهم. وتشير الأرقام أن ائتلاف الحرية والعدالة قد حصل على 80 مقعدا من مجموع مقاعد المرحلة الأولى (166 مقعدا) أي بنسبة 48% تقريبا، كما حصل حزب النور السلفي على 28 مقعد بنسبة 21% تقريبا، نعم هي أرقام عالية تفوق ما كان متوقعا من قبلها، لكن الناس تتناسى أن الحرية والعدالة مكون لمجموعة أحزاب (11 حزبا) منهم أصحاب الميول الناصرية واليسارية والقومية، ولا أعتقد أن حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي لجماعة الإخوان) قد نال أكثر مما هو متوقع.
ومع الاستعانة باستطلاع مركز جالوب يسهم في فهم الصورة بشكل أدق، إذ لا يتجاوز إجمالي المؤيدين للإسلاميين (أي القوى التي تؤمن بالإسلام كأيديولوجية سياسية) 27% من المصريين (15% للإخوان، و7% للسلفيين، و5% للوسط)، بينما يدافع 83% منهم عن دور للدين في الحياة العامة، أى أن أغلبية المصريين تؤمن بالإسلام كإطار مرجعي عام وليس كأيديولوجية سياسية، وهم بالتالي أقرب ـ إن دارت المعركة الانتخابية حول أسئلة السياسات لا الهوية ـ أن يصوتوا لأحزاب ذات توجهات مختلفة تشترك فى احترامها للمرجعية الإسلامية، ولكن سؤال الهوية والاستقطاب الناتج عنه يدفعهم باتجاه الإسلاميين" .
وأضاف عزب "إن ردود الأفعال والمخاوف من تقدمهم لا تعدو عن كونها استباقا لا معنى له ولا محل لها ومن الواجب عدم التوغل فيها قبل أوانها، حيث أنها فقط المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية بشقيها (الشعبي والشورى) وعلينا انتظار بقية النتائج لنحكم حكما نهائيا عن تقدمهم من عدمه وعن الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج. أو هكذا أرى".
• ضد قيم التقدم
وقال الشاعر علي عطا "فوز الإسلاميين الكبير في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية في مصر هو أمر مقلق بالتأكيد، لكنه مقبول لكونه نتاج عمل ديموقراطي، هناك شبه إجماع على نزاهته وشفافيته. هو أيضا أمر متوقع، في ظل شعبيتهم التي لا مجال للشك في رسوخها على الأرض، وفي الفضاء أيضا، والمقصود هنا هو الفضاء التلفزيوني، وهو كذلك دليل دامغ على مدى وقاحة سلطة الحزب الوطني المنحل عندما زورت انتخابات العام 2010 فخلت نتيجتها من فوز أي من الإسلاميين، ولا يخفى على أي مراقب الدور الذي لعبه ذلك التزوير الفاضح في إشعال ثورة الخامس والعشرين من يناير.
والأمر المتعلق بفوز التيار الإسلامي بالمرحلة الأولى في الانتخابات البرلمانية في مصر يتسق تمام الاتساق مع ما حدث في محيطنا. هم فازوا أيضا في تونس وفي ليبيا وفي المغرب، ولو جرت الآن أو في وقت انتخابات نزيهة في الجزائر لفازوا بها أيضا كما فازوا من قبل وانقلب عليهم الجيش. التيار الإسلامي هو الفاعل الأساسي بين التيارات السياسية المختلفة في غالبية بلداننا العربية وفي إيران وتركيا، ومن ثم فلا غرابة في ان يفوز بانتخابات نزيهة في بلد مثل مصر. ولكن لماذا يظل هذا الواقع مقلقا؟ هو مقلق لأنه يعيد إنتاج استفراد حزب واحد بالسلطة في مصر وان تحت مسميات مختلفة كما حدث منذ عام 1952 وحتى إجبار حسني مبارك على التنحي. هو أمر مقلق لأنه ضد قيم التقدم، في ظل إقصاء الإسلاميين لمخالفيهم في الرأي وتضييقهم على حرية التعبير وموقفهم المخجل من الأقباط، وغير ذلك كثير مما قد لا يتسع له المجال هنا. نعم هو أمر مقلق ومفزع أيضا، ونتيجة طبيعية لتدهور التعليم في بلدنا، من ناحية ولفشل الليبراليين بمختلف أطيافهم في التواصل مع الناخبين من ناحية أخرى".
• الهروب إلى المجهول
ورأى الشاعر مأمون الحجاجي أن الفوز الساحق للتيار الإسلامي هو نتاج أمرين لا ثالث لهما الأول ما خلفه العهد البائد خلال أكثر من ثلاثين من فساد يرى البسطاء أنه من الممكن أن يعود فى أية لحظة، وقد لعب التيار الإسلامي على هذا الوتر وقدم السلع بأسعار رخيصة بل وقدم لهم الوعد البراق بدخول الجنة من باب الدين الذي لا بد من دفع تذكرة الدخول ما مثله في الأصوات الانتخابية وفى سبيل ذلك رفض التيار الإسلامي الدخول إلى صف الشهداء والجرحى فى موقعة محمد محمود، والسبب الثاني المجلس العسكري عن عمد أو عن غير عمد بتسويفه ومماطلته وقراراته المتخبطة، وعلى ذلك فإن فوز التيار الإسلامي يسدد ضربة قاضية لبقية الأطياف السياسية التي فشلت في التعامل مع معطيات الواقع، وتفرغت فقط للبكاء على اللبن المسكوب فقط وليس مستغربا أن بهرب البسطاء إلى المجهول بانتخاب التيار الإسلامي السياسي.
• ملامح الثورة المضادة
وقالت الشاعرة علية عبدالسلام: نقع في هوة واسعة ممتلئة عن آخرها بالأكاذيب منذ التاريخ العظيم الحادي عشر من فبراير إلى اليوم كذبنا على أنفسنا وصدقنا العالم قلنا الجيش والشعب يد واحدة قلنا أسقطنا نظام دولة الفساد بسقوط الطاغية وبعض من أعوانه مرت شهور قليلة وتكشفت لنا ملامح الثورة المضادة وبعدها بشهور اكتملت الصورة وأدركنا أن المجلس العسكري يدير الفوضى ويقود الثورة المضادة قتل الثوار بيد الجيش والشرطة في الميديا تشاهد وتسمع أحداث وتطورات الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية فلا ترى فرقا بين قبل او بعد 25 يناير اللهم إلا زيادة مستوى الجريمة والفساد بشتى أنواعه ماذا كنت تتوقع من انتخابات ليست شرعية في الأساس نظرا لغياب الشرعية منذ التنحي ونقل المخلوع المسئولية إلى المجلس العسكري وقصة التفافه الشهيرة على الدستور أولا بالطبع كان لا بد وان يتقدم التيار الديني والسلفي نحن ننسى أننا أكثر من 85 مليون مجمل من نعدهم أصحاب وعى ورؤية ربما لا يتجاوزوا 2 مليون، 65 % نسبة الأمية بين النساء و45% بين الرجال ماذا تتوقع من نظام تعليمي كما الذي تشهده مدارسنا وجامعاتنا؟
ماذا تنتظر من مجتمع ذاب فى منظومة شديدة التعقيد من الفساد أحدثت الانتفاضة المصرية هزة بل هزات عنيفة فى نظام الدولة وهيكلها بينما لم يتغير الناس ولا نية لديهم يساعد على ذلك جهاز إعلامي فقير متواطئ كما الذي يقدمه لنا المجلس العسكري. ليست مفاجأة لأحد أن يفوز التيار الإسلامي بل هي أولى مراحل اندحاره تماما من مصر والمنطقة كلها التيارات الإسلامية تحصنوا بالسجون والشقوق تحت الأرض لعقود طويلة الآن يظهروا للسطح للعمل السياسي المشروع وسط غياب شرعية دستورية لكل الإدارة القائمة الآن في مصر وسط دماء شارع العيون بالتحرير وسط ملايين من الفقراء بجيوب خاوية ودولة كمصر مفترض إنها تملك إمكانيات بشرية واقتصادية تؤهلها لأوضاع أفضل لولا سوء الإدارة والتخطيط ماذا سيقدم لنا التيار الإسلامي؟ لا شيء لديه لا حلول ولا فكر ولا رؤية يفضحون أنفسهم يوما بعد يوم حتى الملايين الطيبة أدركت حجم لعبة إقحام الدين في السياسة تذكر بالطبع يوم الجمعة التالي لكارثة الهجوم الإجرامي لقوات الداخلية والأمن المركزي على ثوار محمد محمود ماذا اقترح الإخوان لهذه الجمعة من شعار ومطالب؟ تذكر أنهم قالوا "جمعة الأقصى" هل عيون شباب مصر ومستقبل وأحلام هؤلاء الشباب أقل أهمية من الأماكن المقدسة؟ هل يجوز أن يقبل منهم هذا الاستخفاف الغبي بمقدراتنا من أجل أوهام زمن برزوا فيه مضى عليه تقريبا قرن من الزمان هذا مثال بسيط يدلل على قصر المدة التي يستطيع التيار الإسلامي ان يصمد فيها امام شباب الثورة اللذين ماتوا وفقدوا عيونهم من أجل دولة العدالة والحقوق الاجتماعية وليس من أجل دولة دينية إذن دعهم يمروا فلن يفلت أحد من مقبرة الثورة إلا أصحابها المستقبل لنا.
نواصل طرح قراءات المثقفين المصريين لصعود القوى الإسلامية وتسجيلها نجاحا كبيرا في الجولة الأولى من الانتخابات البرالمانية المصرية، الأولى بعد ثورة 25 يناير، وهو الأمر الذي تلقته الكثير من الأوساط ليست فقط الثقافية والاقتصادية والسياسية والنسائية ولكن أيضا في أوساط عامة الناس بترقب حذر وقلق شديد، وذلك نتيجة التاريخ الطويل من التشدد والتطرف الذي مارسته تلك القوى وبخاصة الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعة الإسلامية، بدءا من مواقفهم من المرأة وانتهاء بالأدب والشعر والفكر.
لقد لعب الفقر والأمية والجهل كما كشف المثقفون في الجزء الأول من هذا التحقيق دورا بارزا في هذا الصعود، حتى تساءل البعض عن قيمة الديمقراطية مع شعب يعاني أغلبه من تلك الآفات، بينما رأى البعض أن المجلس العسكري يتحمل جزءا كبيرا من المسئولية حيث استخدم نفس منهج النظام السابق في رفع فزاعة الإسلاميين في وجه الغرب، فجاء رد الغرب ليكشفه، ووسط كل هذا الصراع سواء ما ظهر منه وما خفي يدفع دائما الشعب المصري الثمن.
• عقم النخب المثقفة
أكد الشاعر والكاتب أحمد زرزور أن فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية المصرية لم يكن مفاجئا بالمرة لأحد، لا من الإسلاميين أنفسهم، ولا من غيرهم، وذلك لجملة من الأسباب التى يمكن إجمالها على هذا النحو:
أولا: استمرار النخبة المثقفة من دعاة الدولة المدنية، في انتهاج نفس الأساليب العقيمة، التي لم يتوقفوا عنها من زمن طويل، والتي يمكن تلخيصها فى الاكتفاء بالندوات في منتدياتهم العاجية، وسط تلاميذهم وزملائهم الذين هم ليسوا فى حاجة الى ما يعرفونه أصلا، بعيدا عن الجماهير الشعبية بالقرى والأحياء الشعبية، تاركين إياهم للحركة المنظمة والدوؤب للتيارات الدينية، تلك التيارات التى تقترب حثيثا من الناس، وتقدم لهم الخدمات والمساعدات، وتخاطبهم باللغة المناسبة، فيما يكتفي المثقفون السياسيون برطاناتهم النخبوية المتفذلكة، والتي تظل أيضا: حبيسة أبراجهم المتعالية، مما يزيد الهوة الفكرية والإنسانية بينهم وبين مواطنيهم، المتروكين فريسة للتوغل السلفي بجناحيه المعروفين للكافة.
ثانيا: إن ما تعرض له التيار الديني من ملاحقات دائمة على يد النظام المباركي البائد، قد أكسب هذا التيار شعبية تعاطفية، ومنحهم جاذبية نضالية لم يحلموا بها، بحيث تحولوا فى نظر الناس إلى مشاريع جاهزة للشهادة فى سبيل الله والشعب، ومن المعروف أن شعبنا المصري يتسم بعاطفية شديدة تنحاز إلى من تضطهدهم السلطة التى يكرهونها، ولم تتمتع سلطة حاكمة مصرية من قبل بهذا القدر من البغض الجماهيري كما تمتعت به السلطة المباركية الفاسدة.
ثالثا: إن التدين الفطري والعفوي والتقليدي الذي تتميز به الشخصية المصرية، مسلمة أو مسيحية، قد لعب دورا كبيرا فى إضفاء مسوح من التوقير والإجلال والثقة فى رموز التيار الديني، باعتبارهم ممن يتقون الله ويراعونه، فى مقابل فساد النظام المباركى الذي بلغ مستوى فضائحيا غير مسبوق.
رابعا: إن انتشار مستويات مروعة من "الأميات" بين السواد الأعظم من شعبنا، ابتداء بالأمية الأبجدية، وصولا الى الأمية الفكرية فيما يتعلق بالفهم الصحيح للإسلام، وتغلغل القنوات السلفية الدينية، وما تطرحه من مفاهيم متخلفة ومناهضة للروح الإبداعية التى تبناها نخبة من المفكرين الإسلاميين التقدميين من أمثال خالد محمد خالد وجلال أمين وطارق البشري ومحمد عمارة وسيد دسوقي حسن وأحمد كمال ابو المجد، وحسن حنفي، ومن قبلهم الشيخ محمود شلتوت، وعبدالعزيز كامل وآخرين، وهم الذين تم تهميشهم في إعلام النظام السابق، باعتبارهم خطرا على مصالحه، لكونهم يقدمون رؤية تثويرية للدين، مما حرم الجماهير من التعرف على هذه الرؤى التنويرية، كل هذا أسهم في تجهيل العقل الجمعي الشعبي المصري، ودفعه الى أحضان الطروحات السلفية الوهابية المتشددة، وهو ما أسهم في ارتفاع نسبة الأصوات التي أحرزها التيار الديني بجناحيه الإخواني والسلفي .
أخيرا: إن الإهمال المتعمد للتعامل مع الروح التدينية المصرية من جانب النخبة الثقافية والسياسية، بل والتعالي الفكري على موضوعة الدين، والهجوم المستمر على هذه الموضوعة الأساسية والتي تحتل مكانة تاريخية فى التكوين الروحي المصري، أسهم في "تنفير" الجماهير من هذه النخبة، وأعطى التيار الديني فرصة ذهبية لاتهام نخبتنا باحتقار الدين بل والكفر الصريح به، مما وضع العلمانيين في موضع لا يحسدون عليه، بالرغم من معرفتنا بعدم صوابية هذه الاتهامات السلفية، فالعلمنة لا تعني احتقار الدين، بل تعني وببساطة عدم اقحامه في الحياة السياسية .
ان ما حدث في الانتخابات المصرية يدعونا جميعا الى مراجعة الكثير من أدبياتنا الفكرية والسياسية إن شئنا حقا: أن ننهض ببلادنا قدما إلى آفاق أرحب من الديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة، وإنقاذ الوعي الجمعي الشعبي المصري مما يتهدده من تشويه لكل من: الدين والدنيا معا.
• فوز على المحك
وقرأ القاص والشاعر سمير الفيل المشهد بطريقة تربط المسببات بالنتائج وقال: "إن الأربعين سنة الماضية من حكم مصر حدثت فيها تحولات عميقة في معايير القيم والقيمة خاصة بعد دخول سياسة الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات، وظهور القطط السمان التي أشار إليها النائب محمد عبدالسلام الزيات في إحدى مداخلاته بمجلس الشعب المصري، وبعد رحيل السادات سارت مصر خطوات سريعة ومقلقة في طريق الخصخصة وهو ما أدى لتجريف الثروة المصرية وظهور قطاع رجال الأعمال بنهمهم الشديدة لكسب المال".
وأضاف: "لقد شهدت مصر تقييدا للديمقراطية وحاول كل من اليسار والتيار الإسلامي والتيارات الليبرالية الإجابة عن سؤال المستقبل كل بمرجعيته للوقوف كحائط صد في مواجهة حالة التردي التي شملت الدولة بمختلف مؤسساتها، وعلى رأسها مسألة تردي التعليم. لقد تم عقد صفقات مزاوجة السلطة بالمال، وصعد نجم جمال مبارك من أجل تمرير صفقة التوريث، وفي هذا الشأن ظهرت قوى شبابية وقوى مدنية وأخرى إسلامية لرفض الفكرة.
لقد كان لتزوير الانتخابات والتضييق على الإسلاميين وانحطاط المؤسسة الأمنية ووضع أغلب الملفات المهمة في يد جهاز مباحث أمن الدولة ما جعل سقوط النظام حقيقة لا تقبل الجدل خاصة بعد انقضاء الشطر الثاني من يوم 28 يناير 2011 حيث انهارت منظومة الأمن كلية، وخلت الشوارع من الشرطة، ووجد الناس بلدهم بلا أمن فنشأت اللجان الشعبية".
وأوضح "أن الفوز حدث لسببن أساسيين، الأول: هو قدرة بعض الفصائل على التنظيم الدقيق لأمورها وهو ما وجدناه عند الأخوان المسلمين، الثاني: هو الطبيعة البسيطة للمواطن المصري في القرى والنجوع وهوامش المدن الذي يرى البسطاء فيها أن الإخوان والسلفيين هم أقرب للتقوى فمنحوهم أصوتهم".
وطرح الفيل مشكلة صعود الإسلاميين في ثلاث عناصر، الأول: أن فعل التمرد أو الرفض لا يحتاج إلى جهد كبير، وفي المقابل فإن المشروعات الاقتصادية بحاجة إلى معرفة كاملة بحقائق وتفصيلات لا يدركها سوى المتخصصين. فهل لدى التيار الإسلامي القدرة للتصدي لهذا الملف؟ الثاني: اكتسب تيار الأخوان المسلمين بعض الدربة على فهم فكرة الجدل والحوار ووضع احتمالات لقضايا شائكة تتغلغل في المجتمع المصري ومع اشتراكهم المرتقب في وضع سياسة البلاد هل يمكنهم قراءة الأوضاع الإقليمية والعربية والعالمية واكتشاف مسارات المستقبل وفض وعقد التحالفات المختلفة؟
الثالث: لا يزال قطاع كبير من يمين التيار الديني يغلب عليه مناقشة قضايا فرعية كحجاب المرأة ومعنى الاختلاط وضرورات السياحة ورفض الفن وتهميش الثقافة أو صبغها بصبغة محددة، وهم في ذلك يتبنون خطابا متشددا يجعل من الصعب الموافقة عما به ناهيك عن وجود ما يقارب 12 مليون قبطي لهم حقوق المواطنة الكاملة. فهل لدى التيار الإسلامي القدرة على معالجة هذه القضايا الأساسية؟
وأكد الفيل أن الانتصار الذي حققه التيار الإسلامي سيوضع على المحك لتبيان قدرة هذا الفصيل على تحقيق وفرة اقتصادية وإصلاح سياسي حقيقي ومقاومة جذرية للفساد وإدراك فن التحالفات والعلاقات الدولية بحيث لا نخسر أرضا كنا كسبناها على مدار تاريخ طويل. لا يمكن صنع قطيعة مع الماضي كلية، ولكن بالضرورة يمكن تجسير طرق للمستقبل بتحسين شروط الحاضر وهو أمر ممكن. أما الشيء الأساسي الذي يضمن نجاح التيار الإسلامي مستقبلا وعلى المدى الطويل، فهو القدرة على قبول التنوع والاختلاف وإجراء تفهمات واسعة بشأن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، وعدم القبول بتهميش الثقافة والأدب والفن لأن هذه العناصر رمانة ميزان للوضعية المصرية في عالمها العربي.
• يستحقون الرثاء لا التهنئة
أكد الشاعر والروائي صبحي موسى أن المشكلة ليس في فوز الإخوان أو غيرهم بالبرلمان، فقواعد الديمقراطية تقتضي أن نحترم صوت الناخبين مهما كانت اختياراتهم مخالفة لما نحبه ونراه، لكن المشكلة في وضع العربة أمام الحصان.
وأوضح رؤيته قائلا "وضع العربة أمام الحصان، هذا ما أراده لنا المجلس العسكري منذ اللحظة الأولى لتوليه إدارة شئون البلاد، فمن البديهي في البلدان حديثة العهد بالانفتاح على التجربة الديمقراطية أن يكون هناك دستور يتوافق الجميع على العمل وفقاً لآلياته، دستور يحكم قواعد اللعبة السياسية، دستور متكامل وشرعي ومعلن كي يعرف الجميع الخطوة القادمة، لا أن ننساق في طريق ثم ما نلبث أن نفاجأ بإعلان دستوري يقول إن علينا العودة إلى الخلف للبدء من جديد، وأن علينا أن نجرب في كل مرة فكرة جديدة لا علاقة لها بقواعد الديمقراطية، وكأن مصير بلد بحجم مصر وثقلها أصبح محل تجريب لاختبارات فاشلة تلو اختبارات أكثر فشلاً.
وأضاف صبحي موسى: "المدهش أن الثورة المصرية على وشك بلوغ عامها الأول، وأننا نعيش أجواء انتخابات يبذل فيها كل فصيل فوق طاقته للفوز بها، لكننا حتى الآن لا نعرف إن كان نظام الحكم الذي سنسير فيه برلماني أم رئاسي، ولا نعرف ما هو مصير كل ذلك الجهد المبذول في الشارع من كل القوى السياسية، وهل سترضى التيارات الدينية التي بذلت كل غال ونفيس من أجل الفوز بالبرلمان أن تكون منزوعة الصلاحيات، ولماذا، إذا كنا لا نرى أهمية لنواب الشعب، دفعنا بالجميع في سباق محموم لا نعرف إلى أين سينتهي، ولماذا إهدار كل هذا المال العام من أجل انتخابات لا جدوى ولا أهمية ولا طائل من ورائها.
العديد من الأسئلة المرجأة لحين انتهاء العملية الانتخابية، والتي لن تنتهي إلا قبيل عيد الثورة (25 يناير)، وهي أسئلة أشبه بقنابل موقوتة لن ينزع فتيلها دون مزيد من الدماء، والمرشحون الأوائل لها هذه المرة هم التيارات الدينية المتباهية الآن باكتساحها لبقية القوى السياسية، فمع وصولها ستصبح ذات الشرعية الحقيقية في البلاد، لكنها شرعية مع إيقاف التنفيذ حسبما يخطط لها العسكر، في حين أن مديري البلاد بدءاً من العسكر وحتى حكومة الإنقاذ لا شرعية لهم، وذلك بالقياس على الأقل لمن وقفت الجماهير بالساعات في الطوابير لاختيارهم، فهل يمكن أن ينصاع الشرعيون لغير الشرعيين، وهل يمكن أن تكون قرارات الأقل شرعية سارية على صاحب الأغلبية، وهل يمكن أن يكون الجنزوري صاحب صلاحيات رئاسية دون الولاء لنواب الشعب المنتخبين بشكل شرعي؟"
وقال موسى: "لا أعتقد أن الإخوان يمثلون لي ولا لغيري بعبعاً، لأنهم فصيل من الشعب المصري، وإن كنت أختلف معهم فكرياً ومنهجياً وتقديراً للأولويات، لكن ذلك لا يعني أن الطريق ممهدة تماماً لهم ولا لغيرهم من التيارات الدينية في الشارع المصري، فالذين صوتوا لهم ولغيرهم يفهمون الله على نحو مختلف عما يفهمه الوهابيون والسلفيون، ومن ثم فأمامهم العديد من الاختبارات القاسية، كالفارق بين النظرية والواقع، والمسافة بين ما يريده منهم الناس وما يريدونه هم من الناس، فضلاً عن أمراض خمسين عاماً من التخلف والجهل وعدم التحقق وانعدام الفرص، وإذا أضفنا على كاهل الإخوان بوصفهم الآن التيار الديني الوسطى وجود شريك لهم أكثر تعصباً ومزايدة وأقل خبرة في العمل السياسي وحتى الاجتماعي وهو السلفيون، يصبح أمام الإخوان معضلة تاريخية، وفي ظني أن الإخوان ليس أمامهم سوى أن يتعاملوا مع بقية التيارات والقوى في المجتمع المصري بوصفهم الأخ الأكبر، الأخ الذي يقدم مصلحة الآخرين على مصلحته، والذي يضع الآخرين بجانبه في الصورة ولا ينحيهم عنها، فهذا قدرهم، وقد انتهي بالنسبة لهم عصر المراهقة السياسية، وبدأ عهد المسئولية التي تبدل الطبائع من قوة إلى لين، ولنا أن نراجع في هذا ما قاله العقاد في كتابه عن "عبقرية عمر"، وكيف حولته المسئولية من القوة إلى اللين، وكيف اختار ألا يعهد بالخلافة إلى رجل تقي كعلي ابن أبي طالب قائلاً: (والله لو وليتها للأجلح لحملن الناس جادة الكتاب)، لذا فأنا أرى أن التيارات الدينية مقبلة على اختبار قوى من كل الجهات، بدءاً من مواجهة العسكر وصولاً إلى كيفية الموائمة بين ما يقولونه للناس وما يميليه الواقع عليهم، وهي في مجملها اختبارات عصيبة تدعو المرء أن يشفق عليهم قبل أن يهنأهم نجاحهم الساحق".
• الفقر والعلمانيون الكفرة
أكد الشاعر والكاتب حمدي عابدين أن النظر للمشهد الانتخابي في جولته الأولي على اعتبار أنه التجربة الديمقراطية الأولي لشعب ظل لسنوات طويلة مهمشا ومتهما بالقصور وعدم الرشاد وغير مؤهل للاختيار الصحيح وتولي أمره بنفسه يؤكد أن المصريين نجحوا بامتياز في اجتياز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخهم مع الديمقراطية بما سبقها من مزاعم حول الانفلات الأمني وما سيصاحبها من ترويع وقتل.
وقال: "ما نزول المصريين بالملايين إلى اللجان الانتخابية واختيارهم من اختاروه إلا نتيجة لمجموعة من المقدمات أولها الحرب الدينية التي سبقت الانتخابات، والتي دارت رحاها في عديد من المساجد ضد دعاة الدولة المدنية فضلا عن كثير من الشعارات التي انطلقت في ميدان التحرير علي لسان البعض ضد (العلمانيين الكفرة دعاتها بما يعني أن تخلع أمك الحجاب). ولا بد في هذه الحالة أن تضع في اعتبارك أن المصريين شعب متدين بطبعه يميلون لتصديق ما يقال لهم دون تمحيص أو بحث أو اختبار, ويجب أن نضع في الاعتبار أن هناك أرضية كبيرة من الأمية تصل إلى 25% من السكان تدعم ذلك، زد عليها غطاء من جهل وسطحية جعله النظام السابق ضمن أولى أولوياته للسيطرة على الشعب وتسهيل مهمة توريث الحكم. فضلا عن فقر يصل حسب تقديرات المجالس القومية المتخصصة في مصر إلى أن 46% من المصريين لا يحصلون على الطعام الكافي ويعانون من سوء التغذية، وتتفاوت نسبة الفقر ما بين المحافظات الحضرية (6.6%) والمناطق الريفية (41.4%). ووفقًا لأحدث تقرير عن "خريطة الفقر" التي أصدرتها وزارة التنمية الاقتصادية فقد بلغ عدد القرى الأكثر فقرًا 1141 قرية".
وأشار عابدين إلى أن أحدث تقرير صادر عن التنمية البشرية بالوطن العربي لعام 2010 أن نسبة الفقر في مصر - التي يقارب سكانها ثمانين مليونا - تبلغ 41%. ويتبين من خريطة الفقر التي تضمنها التقرير أن أكثر من مليون أسرة فقيرة تعيش في الألف قرية الأكثر فقرًا، ويبلغ إجمالي عدد سكانها خمسة ملايين نسمة يمثلون 46% من إجمالي سكان هذه القرى. وتصل نسبة الفقراء في هذه القرى إلي نحو 54% من إجمالي سكان الريف الفقراء في مصر، ونحو 42% من إجمالي السكان في الجمهورية, كما أن ثلاث محافظات بالوجه القبلي (أسيوط والمنيا وسوهاج) تضم 794 قرية يشكل فيها الفقراء 82% من إجمالي عدد الفقراء بالألف قرية الأكثر فقرًا.
وفي ضوء ذلك قال عابدين: "لنضع إذن ما سلف من أرقام ضمن مشهد انتخابي تنافسي به كثير من الأطراف التي تسعي لانتهاز فرصة تاريخية للوثوب على الحكم, فهل يمكن لهذه الأطراف أن تفلت من يدها ما سعت لتحقيقه عبر تحالفات فاضحة وتغاضي عن كثير من الدماء والقفز علي الكثير من الاستحقاقات للوصول إلي السيطرة عبر صناديق انتخابات يدخلها المصريون لأول مرة أملا في التغيير وتحقيق نوع من العيش الكريم يدخلونها وفي رقابهم معلق سيف فقر وجهل وأمية تجعلهم يقعون تحت سيطرة الرشا الانتخابية متمثلة في عبوات الزيت والرز وغيرها من أطعمة هم في مسيس الحاجة لها راحت تقدمها لهم أطراف ضخت في عقولهم مستغلة أمية وجهل البعض دعاوي ومزاعم غير صحيحة اتهمت بها منافسين سعيا للحصول علي ما تصبو إليه. الغريب في الأمر أن أطراف كثيرة شاركت في التنافس علي مقاعد مجلس الشعب لا أستثني منها الأطراف الإسلامية ارتكبت مخالفات فاضحة مثل الدعاية أمام المقار الانتخابية وتوصيل الناخبين عبر وسائل مواصلات يملكونها بما يتيح لهم التأثير علي إرادة الناخبين, هذه الأساليب استخدمها النظام السابق وكان أكثرها فجاجة البطاقة الدوارة وهذه الأخرى لم تتخل عنها الأحزاب الإسلامية وجميعها أثبتته منظمات المجتمع المصري المدني التي راقبت الانتخابات بالوثائق المختلفة وسجلته في وثائق فلميه. وقد كان من نتائج تلك المخالفات الكثير من المطالبات بإبطال نتائج الانتخابات في عدة دوائر مازالت رهن المحكمة الإدارية وهي جميعها جاءت سبباً لتلك المخالفات الفاضحة التي شابت الجولة الأولي.
المهم هنا هو أن هذه الجولة وما شابها من ممارسات لم تكن بريئة, أو مثالية أو حتى طبيعية جاءت في مصلحة الأحزاب الإسلامية التي ظهرت بعيدة عن حسن ظن المصريين بها, بعدما استخدمت نفس أساليب النظام الفاسد السابق في التزوير والتحايل ولعل القبض على إحدى المنقبات داخل لجنة انتخابية وبحوزتها 15 بطاقة رقم قومي صوتت بها جميعا أبلغ دليل على أن الإسلاميين استخدموا أساليب غير نزيهة في الحصول على الأغلبية في الجولة الأولي من انتخابات أراها غير بريئة بدءا من قرار الإعلان عنها حتى جلوس نوابها على مقاعد ملوثة بدماء شهداء راحت تلعنهم تحت القبة.
• حرب دينية
ووضع الكاتب رمزي زكريا قراءته لفوز الإسلاميين في عدد من النقاط أولها أن التنظيم الجيد لهذه التيارات وقدراتها المادية الكبيرة هذا بعكس التيارات الليبرالية الناشئة، وثانيها التغيب الفكري لغالبية الشعب المصري وسيطرة النزعة الدينية على الكثيرين، وثالثها النظام السابق الذي همش كل القوى السياسية وجعل بجانيه فقط التيارات الدينية كفزاعة لمن يريد أو يفكر في التخلص منه والدليل أنه أشعرنا بذلك عندما سمح للإخوان بحصد 88 مقعدا في مجلس الشعب في الانتخابات السابقة، ورابعها الوقت الراهن الذي لعب لصالح هذه التيارات من حيث ضعف الرقابة على الدعاية الدينية وتطلع الناس إلى الاستقرار بعد أن عاشوا فزاعة الفوضى والناس ترى أن الاستقرار لن يأتي إلا عن طريق جماعة منظمة، وأخيرا إيهام الناس أن الانتخابات ما هي إلا حرب دينية لا بد أن يختار فيها المسلم مسلما والمسيحي مسيحيا مما أدى إلى انحياز الناخبين المسلمين إلى المرشحين المسلمين وخير من يمثل هذه الشريحة هي التيارات الدينية.
• الإسلامي في البرلمان
وقالت الكاتبة والروائية انتصار عبدالمنعم لكي نقرأ الفوز الكبير للتيار الإسلامي الذي يمثله الأخوان والتيار السلفي في الانتخابات البرلمانية لا بد لنا من البحث أولا عن أسباب الفوز، وعما إذا كان هذا الفوز دليلا على الالتزام الديني للشارع الذي انتخبهم. أولا، جاء هذا الفوز الكبير نتيجة المشاركة الكبيرة للناخبين وذلك لعدة عوامل منها ما هو قهري مثل التخوف من الغرامة المالية التي أشيع في أوساط البسطاء أنهم سيدفعونها لو لم يذهبوا. ثم جاء الدور المنظم للإخوان والسلفيين في إرشاد هؤلاء البسطاء إلى الرموز التي تمثل "المسلمين" وتدخل الجنة مثل الميزان والبرواز والسماعة دون ذكر أسماء المرشحين وذلك لمعرفتهم أن هؤلاء لا يعرفون القراءة والكتابة، فما كان منهم إلا أن ذهبوا إلى اللجان يبحثون عن الرمز لا الاسم.
وثانيا، جاء التصويت للتيار الإسلامي نتيجة الدعاية السلبية والمنظمة في الحديث عن المنافسين الذين أشيع عنهم أنهم يريدون دولة مدنية بلا دين. فجاء التصويت للإسلاميين كرد فعل ومكيدة في غيرهم من رجال الحزب الوطني ودعاة مدنية الدولة.
وهذا يشبه ما حدث في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 حين حصد الأخوان المسلمون وحدهم 88 مقعدا وهم في خانة المحظور وفي وقت اشتداد التضييق الأمني عليهم، وبقراءة لهذا النجاح وقتها فقد اختار الناخب جماعة الاخوان انتقاما من رجال الحزب الوطني والنظام وكرد فعل لحملات الاعتقالات والتعذيب التي طالت المدنيين في كل مكان. وفي انتخابات بعد الثورة ظهر أمام الأخوان منافس آخر وهو التيار السلفي والتياران استخدما الدين كواجهة انتخابية ضد رجال النظام السابق ومنافسيهم بصفة عامة.
وتخلص انتصار إلى أن الفوز الكبير للتيار الإسلامي لم يأت نتيجة الورع الديني والالتزام بسلوكياته. بل جاء نتيجة غش وتدليس على الشعب من كل الأطراف، فالأخوان استدعوا تاريخهم في سجون النظام ليستدروا عطف المواطن البسيط، وليثبتوا أحقيتهم في الحصول على أصوات الناخبين والمشاركة في الحكم دون غيرهم. والتيار السلفي خوف البسطاء من العري والخمر والرذيلة لو جاء غيرهم إلى مجلس الشعب، أي استخدموا الدين كدعاية للحصول على مكسب دنيوي. ليس المهم الآن أنهم فازوا بأغلبية المقاعد ولكن ماذا هم فاعلون للمواطن البسيط الذي صوت لهم منتظرا منهم جنة أرضية لا تتجاوز رغيف خبز صالح لبني الإنسان وأنبوبة غاز دون أن يفقد روحه؟ أم سينشغلون بمصادرة الكتب وتكسير التماثيل وفرض السواد على الشعب؟
• مقدمات تؤدي للنتائج
أما القاص والروائي أحمد طوسون فقد رأى أن فوز التيار الإسلامي جاء منسجما مع مقدمات سابقة على العملية الانتخابية وممارسات تمت أثناءها. وأوضح "تتمثل المقدمات في قانون انتخابي يخالف المعايير الدولية لضمان نزاهة الانتخابات وبالتالي صرنا أمام دوائر متسعة لا يستطيع تغطية الدعاية الانتخابية فيها إلا أصحاب المال وبالتالي بتنا أمام متنافسين رئيسيين هما التيارات الإسلامية وتيار الكتلة المصرية الذي يدعمه ساويرس بينما غاب عن الترشح الشخصيات الوطنية الأخرى - ومنها شباب الثورة - التي لا تتمتع بذلك النفوذ المادي الكبير، كما تقلص دور العصبيات والقبلية لأن أغلبها ارتبط برموز انتمت للحزب الوطني المنحل وأغلب هذه الرموز واجهت رفضا لدورها في إفساد الحياة السياسية حتى من عصبياتها وتحتاج هذه العصبيات والقبليات إلى المزيد من الوقت لتخرج رموزا جديدة قادرة على دخول الصراع الانتخابي.
أما ثاني هذه المقدمات فيتمثل في انهيار منظومة الأحزاب التقليدية الكبرى كالوفد والتجمع والناصري وامتلاك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لقواعد بشرية كبيرة في كل الدوائر، بينما عجزت باقي الأحزاب والكتل في مجاراتهم، ثالث هذه المقدمات وأهمها غياب الدور الاجتماعي عن الأحزاب المدنية بينما ارتبط تواجد جماعة الأخوان في الشارع المصري بالدور الخدمي الاجتماعي الذي يجعلهم قريبين من المواطن البسيط وجاراهم في ذات النهج التيار السلفي.. رابع هذه المقدمات ارتباك المرحلة الانتقالية الذي حدث بتعمد فيما أظن مما أدى إلى تخوف الكثيرين من مستقبل الوطن وأصبحوا ينظرون بنظرة ارتياب إلى الدعوة لاعتصام أو مليونية جديدة، واستطاعت جماعة الأخوان في خطابها الإعلامي أن تلعب على هذا الوتر عند المواطنين البسطاء وبخاصة في المليونيات الأخيرة التي سبقت المرحلة الأولى من الانتخابات، خامس هذه المقدمات غياب الدور الإعلامي والثقافي في التوعية الانتخابية واكتفائه بحوارات النخب وعدم نزوله إلى الحواري والأزقة والقرى في ندوات كبيرة لنشر الوعي بالحقوق الأساسية وما يحدث في هذا الإطار نمطي وروتيني ولا يتناسب مع ما تمتلكه المؤسستان الإعلامية والثقافية من إمكانيات..آخر هذه المقدمات لعب التيارات الإسلامية عبر التاريخ على وتر الدين وبالتالي ترسخ في ذهن كثير من العامة أن هؤلاء يمثلون الإسلام بينما غيرهم يقفون في الجهة المقابلة بخلاف تنامي الخطاب الطائفي في الشارع المصري قبيل وأثناء الثورة وحتى الآن.
وأضاف طوسون "أهم الممارسات يمكن إيجازها في المخالفات التي ارتكبها التيار الإسلامي وأهمها في نظري حشد غير الراغبين في المشاركة من الأميين وربات البيوت والبسطاء تحت وطأة تهديدهم بالغرامة التي ستوقع عليهم، وخطورة هذا الحشد أنهم حصلوا بموجبه على عدد هائل من الأصوات التي لم تكن لها إرادة في المشاركة وليس عنها خلفية عن المرشحين وكانت تستسلم لهم لمجرد الخلاص من تبعية غيابهم عن الإدلاء بأصواتهم. أيضا الممارسة الإعلامية للفضائيات الخاصة التي أحيانا تعاملت مع التيار الإسلامي كما تعامل التلفزيون المصري معه في انتخابات 95 وأدى إلى نتيجة عكسية وإلى تعاطف كثير من البسطاء معهم.. أيضا من أهم الممارسات التي حدثت أثناء العملية الانتخابية عدم قيام اللجنة العليا للانتخابات بدورها تجاه المخالفات التي حدثت أثناء فترة الصمت الانتخابي وأثناء العملية الانتخابية، كما أن عدم وجود ممثلين للأحزاب بنفس عدد ممثلين التيارات الإسلامية داخل وخارج اللجان أثر بصورة غير مباشرة على الناخبين وأحيانا أثر على إدلاء المواطنين بأصواتهم داخل اللجان.
لكن الأهم في نظر طوسون أن فوز التيار الديني سيضعنا أمام إشكالية كبرى تتمثل في أننا سنجد أنفسنا أمام مؤسسة شرعية منتخبة (البرلمان بمجلسيه)، وأمام ثوار ضحوا بأرواحهم من أجل هذا الوطن ولم يجد الوطن مكانا لهم تحت قبة برلمانه.
• الشخصية المصرية
وكشق الناقد والباحث الأكاديمي د. نادر عبدالخالق عن أن الصراع الحقيقي يكمن في الأيديولوجية النفسية للشخصية المصرية المعاصرة التي تواجه تحديا اجتماعيا وسياسيا كبيرا في هذه المرحلة، وقال: "يمكن تحديد نوع هذه الأيدلوجية وحصرها في العاطفة والعقيدة والطموح، فالعاطفة تتمثل في عملية الخوف من المغامرة السياسية غير المحسوبة، والعقيدة هى الإطار الذي لا تريد الشخصية مغادرته كحصن نفسي وأمان روحي، والطموح لا يبعد عن فكرة التطور والانتقال نحو مرحلة سياسية تعبيرية جديدة مختلفة تضمن ثبات الموقف وعدم الرجوع للخلف مرة أخرى، هذه الأفكار وغيرها كانت وراء انحسار الصوت الانتخابي في دائرة العقيدة دون المغامرة في محاولة التجريب التي قد تفرض أنماطا مختلفة من الفكر الذي يتعارض مع روح الشخصية المصرية المعاصرة التي تخشى بدورها الخسارة السياسية أو الدخول في حسابات أخرى بعيدة عن المنطق".
وأشار عبدالخالق إلى أن هذا يدل على أن الشخصية المصرية مازالت في طورها الأول من الممارسات الديمقراطية الحقيقية، وأنها تنطلق في تعبيرها بحرص شديد ووعى نفسي عقائدي، ومن ناحية أخرى فإن التيارات السياسية الأخرى المتصارعة مثل الليبرالية والتحررية والسلفية وحتى التقليدية التي تتوهم أنها تحمل فكرا ومنطقا مختلفا، لم تكن على مستوى التمثيل القريب من تكوين الشخصية والعقلية المصرية التي تخشى المغامرة، فرأينا وسمعنا في وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت تحذيرات وتهديدات وأفكارا تمثل دعاية سلبية متناقضة تدل على عدم الوعي لدى هذه التيارات بالشخصية المصرية وتكوينها الداخلي، حيث أن الوسطية والاعتدال والتوازن سمات عامة في النسيج المصري بكل طوائفه، حتى وإن بدا غير ذلك في بعض الأوقات، وليس أدل على ذلك سوى الموقف الأخير في هذه الانتخابات نفسها والذي ظهر في عملية الاندفاع الكبير نحو صناديق الاقتراع، وقد أخذ مظهرا حضاريا لم يكن متوقعا في مثل هذه الظروف الصعبة وفى ظل انحسار الأمن.
لهذه الأسباب وغيرها اندفع الناخب المصري نحو العقيدة الدينية والعاطفة والطموح الذي يأمل أن يحقق فلسفة وفكر التيار الإسلامي المتمثل في الإخوان المسلمين، وليس معنى هذا أن الشخصية المصرية تبحث عن الإسلام السياسي أو أنها تتشكل حسب الاندفاعات التأثيرية الدينية، بقدر ما هي تدرك تماما فراغ التيارات المتصارعة الأخرى، وتدرك عملية التدرج في بلوغ الديمقراطية وبلوغ المرحلة الجديدة من الحرية الشخصية والحرية الاجتماعية والسياسية، ومن يبحث في مراحل التكوين الأنثربولوجي للطبقات المصرية على مدار تاريخها المعاصر يمكنه أن يقف على هذه الملامح العامة فى الشخصية المصرية، مما يعنى أن الفوز الكبير للتيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في هذه المرحلة والذي اعتقد أنه سيمتد إلى بقية المراحل بشكل أو بآخر يرجع إلى الخوف وعدم الثقة من التيارات المتصارعة الأخرى وفراغ منهجها وفكرها وغرابته على العقلية الاجتماعية البسيطة التي تمثل الشريحة العظمى في البلاد، ويرجع كذلك إلى أن الدين يمثل في المجتمعات المصرية ملاذا أمناٌ وحصنا روحيا ونفسيا.
• البلطجة والتزوير
وأوضح الكاتب والمحامي أحمد عبدالباقي أن أحدا لم يكن يتوقع هذا الفوز الكبير للإخوان ويليهم السلفيين، والمفاجأة الكبرى أن جميع البلطجية ومثيرى الشغب لم يظهروا ولم يتواجدوا داخل الانتخابات ما هذه الصدفة التي رأيناها أين البلطجية؟ في خلال أربعة وعشرين ساعة تم السيطرة عليهم، كل هذا جعلنا نشك في صفقات بين الإخوان والمجلس العسكري، أن يترك الإخوان ميدان التحرير في مقابل إتمام الانتخابات في موعدها وحمايتها وتدعيمها، جعلنا نشم رائحة صفقات وعود قد تكون قد تمت بين الإخوان والمجلس.
ورأى عبدالباقي أن الأمر قد يكون لعبة من المجلس ليتم تصفية الإخوان مثلما تمت تصفية الحزب الوطني، فكثير من الشعب لن يرضى بهذه الغلبة التي أخذها الإخوان. فأين باقي الأحزاب إن انفرد الإخوان بالمجلس وماذا لو خرجت علينا حالات من التزوير، هل ستكون كل الانتخابات مزورة، وسيكون مصير الإخوان مثل إخوانهم في الحزب الوطني، إن التجاوزات التي رأيناها في الانتخابات كفيلة بأن تلغى هذه الانتخابات المشكوك فى صحتها وشرعيتها .. فلماذا صوت العاملون بالخارج مع أنهم في الأصل لم يصوتوا لصالح الدستور ويشاركوا بالرأي فيه.
كان المجلس يحذر من أي استخدام للشعارات الدينية، واستعمل الإخوان الشعارات الدينية علنا ولم يوقفهم أحدا. كان الإخوان يقومون بالدعاية أمام اللجان مع أن المجلس منع الدعاية قبل الانتخابات بـ 24 ساعة، وكنا نرى الإخوان أمام اللجان يؤثرون على الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالحهم مستغلين بذلك جهل وأمية العديد من الناخبين، ولا أنسى منظر صبحي صالح عندما استفز الناخبات، فمعظم الناخبين قد خرجوا ليس حبا في الانتخابات ولا المرشحين ولكن خوف من غرامة الـ 500 جنيه، والتي لا يستطيع الكثير منهم سدادها. وهنا هو السر الثاني فى اكتساح الإخوان، فماذا لو لم يخرج هؤلاء الناس إلى الانتخابات؟
وقال عبدالباقي: "وجدنا صورة حية وانتهاكا مصورا لشخص من الإخوان يؤثر على سيدتين من غالبية الشعب الجميل الذي لا يعلم شيئا مما يدور حوله وهذا الانتهاك كفيل بإلغاء الانتخابات في هذه الدائرة، إن تأثير الإخوان على الناخبين من رشاوى من زيت وسكر ولحوم جعل أصوات الناس تذهب إليهم. فلا يعقل ان جورج إسحاق مؤسس حركه كفاية الرجل الذي حارب مبارك علنا لم ينجح؟
إن هناك الكثير من علامات الاستفهام تجعلنا نشك في تلك الانتخابات. البعض يقول إن التنظيم الجيد للإخوان هو السبب في ذلك. والبعض الآخر يقول إن ضعف الأحزاب الأخرى هي السبب. والبعض الآخر يشكك في نزاهة تلك الانتخابات، لكن يبقى السؤال لماذا التخوف من سيطرة الإخوان على مجلس الشعب؟ ماذا هم صانعون بهذا المجلس؟ هل سيصنعون دستورا خاصا بهم؟ هل سيقومون بتفصيل دستور على مقاسهم مع الضمانات الكافية؟ لكن الجميع نسى أن هناك أكثر من 80 مليون مصري سيصوتون على الدستور الجديد، أي أن هناك متنفسا للحرية لصنع القرار، الجميع نسى أن هناك ميدانا للتحرير، إن فسد الإخوان أو غيرهم سنغيرهم ونلحقهم بالفاسدين السابقين، فالذين أسقطوا مبارك قادرون على إسقاط من هم أقوى منه، مع العلم أن سقطة مبارك كانت الأقوى حتى الآن.
لقد لعب الفقر والأمية والجهل كما كشف المثقفون في الجزء الأول من هذا التحقيق دورا بارزا في هذا الصعود، حتى تساءل البعض عن قيمة الديمقراطية مع شعب يعاني أغلبه من تلك الآفات، بينما رأى البعض أن المجلس العسكري يتحمل جزءا كبيرا من المسئولية حيث استخدم نفس منهج النظام السابق في رفع فزاعة الإسلاميين في وجه الغرب، فجاء رد الغرب ليكشفه، ووسط كل هذا الصراع سواء ما ظهر منه وما خفي يدفع دائما الشعب المصري الثمن.
• عقم النخب المثقفة
أكد الشاعر والكاتب أحمد زرزور أن فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية المصرية لم يكن مفاجئا بالمرة لأحد، لا من الإسلاميين أنفسهم، ولا من غيرهم، وذلك لجملة من الأسباب التى يمكن إجمالها على هذا النحو:
أولا: استمرار النخبة المثقفة من دعاة الدولة المدنية، في انتهاج نفس الأساليب العقيمة، التي لم يتوقفوا عنها من زمن طويل، والتي يمكن تلخيصها فى الاكتفاء بالندوات في منتدياتهم العاجية، وسط تلاميذهم وزملائهم الذين هم ليسوا فى حاجة الى ما يعرفونه أصلا، بعيدا عن الجماهير الشعبية بالقرى والأحياء الشعبية، تاركين إياهم للحركة المنظمة والدوؤب للتيارات الدينية، تلك التيارات التى تقترب حثيثا من الناس، وتقدم لهم الخدمات والمساعدات، وتخاطبهم باللغة المناسبة، فيما يكتفي المثقفون السياسيون برطاناتهم النخبوية المتفذلكة، والتي تظل أيضا: حبيسة أبراجهم المتعالية، مما يزيد الهوة الفكرية والإنسانية بينهم وبين مواطنيهم، المتروكين فريسة للتوغل السلفي بجناحيه المعروفين للكافة.
ثانيا: إن ما تعرض له التيار الديني من ملاحقات دائمة على يد النظام المباركي البائد، قد أكسب هذا التيار شعبية تعاطفية، ومنحهم جاذبية نضالية لم يحلموا بها، بحيث تحولوا فى نظر الناس إلى مشاريع جاهزة للشهادة فى سبيل الله والشعب، ومن المعروف أن شعبنا المصري يتسم بعاطفية شديدة تنحاز إلى من تضطهدهم السلطة التى يكرهونها، ولم تتمتع سلطة حاكمة مصرية من قبل بهذا القدر من البغض الجماهيري كما تمتعت به السلطة المباركية الفاسدة.
ثالثا: إن التدين الفطري والعفوي والتقليدي الذي تتميز به الشخصية المصرية، مسلمة أو مسيحية، قد لعب دورا كبيرا فى إضفاء مسوح من التوقير والإجلال والثقة فى رموز التيار الديني، باعتبارهم ممن يتقون الله ويراعونه، فى مقابل فساد النظام المباركى الذي بلغ مستوى فضائحيا غير مسبوق.
رابعا: إن انتشار مستويات مروعة من "الأميات" بين السواد الأعظم من شعبنا، ابتداء بالأمية الأبجدية، وصولا الى الأمية الفكرية فيما يتعلق بالفهم الصحيح للإسلام، وتغلغل القنوات السلفية الدينية، وما تطرحه من مفاهيم متخلفة ومناهضة للروح الإبداعية التى تبناها نخبة من المفكرين الإسلاميين التقدميين من أمثال خالد محمد خالد وجلال أمين وطارق البشري ومحمد عمارة وسيد دسوقي حسن وأحمد كمال ابو المجد، وحسن حنفي، ومن قبلهم الشيخ محمود شلتوت، وعبدالعزيز كامل وآخرين، وهم الذين تم تهميشهم في إعلام النظام السابق، باعتبارهم خطرا على مصالحه، لكونهم يقدمون رؤية تثويرية للدين، مما حرم الجماهير من التعرف على هذه الرؤى التنويرية، كل هذا أسهم في تجهيل العقل الجمعي الشعبي المصري، ودفعه الى أحضان الطروحات السلفية الوهابية المتشددة، وهو ما أسهم في ارتفاع نسبة الأصوات التي أحرزها التيار الديني بجناحيه الإخواني والسلفي .
أخيرا: إن الإهمال المتعمد للتعامل مع الروح التدينية المصرية من جانب النخبة الثقافية والسياسية، بل والتعالي الفكري على موضوعة الدين، والهجوم المستمر على هذه الموضوعة الأساسية والتي تحتل مكانة تاريخية فى التكوين الروحي المصري، أسهم في "تنفير" الجماهير من هذه النخبة، وأعطى التيار الديني فرصة ذهبية لاتهام نخبتنا باحتقار الدين بل والكفر الصريح به، مما وضع العلمانيين في موضع لا يحسدون عليه، بالرغم من معرفتنا بعدم صوابية هذه الاتهامات السلفية، فالعلمنة لا تعني احتقار الدين، بل تعني وببساطة عدم اقحامه في الحياة السياسية .
ان ما حدث في الانتخابات المصرية يدعونا جميعا الى مراجعة الكثير من أدبياتنا الفكرية والسياسية إن شئنا حقا: أن ننهض ببلادنا قدما إلى آفاق أرحب من الديموقراطية والحرية والعدالة والمساواة، وإنقاذ الوعي الجمعي الشعبي المصري مما يتهدده من تشويه لكل من: الدين والدنيا معا.
• فوز على المحك
وقرأ القاص والشاعر سمير الفيل المشهد بطريقة تربط المسببات بالنتائج وقال: "إن الأربعين سنة الماضية من حكم مصر حدثت فيها تحولات عميقة في معايير القيم والقيمة خاصة بعد دخول سياسة الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات، وظهور القطط السمان التي أشار إليها النائب محمد عبدالسلام الزيات في إحدى مداخلاته بمجلس الشعب المصري، وبعد رحيل السادات سارت مصر خطوات سريعة ومقلقة في طريق الخصخصة وهو ما أدى لتجريف الثروة المصرية وظهور قطاع رجال الأعمال بنهمهم الشديدة لكسب المال".
وأضاف: "لقد شهدت مصر تقييدا للديمقراطية وحاول كل من اليسار والتيار الإسلامي والتيارات الليبرالية الإجابة عن سؤال المستقبل كل بمرجعيته للوقوف كحائط صد في مواجهة حالة التردي التي شملت الدولة بمختلف مؤسساتها، وعلى رأسها مسألة تردي التعليم. لقد تم عقد صفقات مزاوجة السلطة بالمال، وصعد نجم جمال مبارك من أجل تمرير صفقة التوريث، وفي هذا الشأن ظهرت قوى شبابية وقوى مدنية وأخرى إسلامية لرفض الفكرة.
لقد كان لتزوير الانتخابات والتضييق على الإسلاميين وانحطاط المؤسسة الأمنية ووضع أغلب الملفات المهمة في يد جهاز مباحث أمن الدولة ما جعل سقوط النظام حقيقة لا تقبل الجدل خاصة بعد انقضاء الشطر الثاني من يوم 28 يناير 2011 حيث انهارت منظومة الأمن كلية، وخلت الشوارع من الشرطة، ووجد الناس بلدهم بلا أمن فنشأت اللجان الشعبية".
وأوضح "أن الفوز حدث لسببن أساسيين، الأول: هو قدرة بعض الفصائل على التنظيم الدقيق لأمورها وهو ما وجدناه عند الأخوان المسلمين، الثاني: هو الطبيعة البسيطة للمواطن المصري في القرى والنجوع وهوامش المدن الذي يرى البسطاء فيها أن الإخوان والسلفيين هم أقرب للتقوى فمنحوهم أصوتهم".
وطرح الفيل مشكلة صعود الإسلاميين في ثلاث عناصر، الأول: أن فعل التمرد أو الرفض لا يحتاج إلى جهد كبير، وفي المقابل فإن المشروعات الاقتصادية بحاجة إلى معرفة كاملة بحقائق وتفصيلات لا يدركها سوى المتخصصين. فهل لدى التيار الإسلامي القدرة للتصدي لهذا الملف؟ الثاني: اكتسب تيار الأخوان المسلمين بعض الدربة على فهم فكرة الجدل والحوار ووضع احتمالات لقضايا شائكة تتغلغل في المجتمع المصري ومع اشتراكهم المرتقب في وضع سياسة البلاد هل يمكنهم قراءة الأوضاع الإقليمية والعربية والعالمية واكتشاف مسارات المستقبل وفض وعقد التحالفات المختلفة؟
الثالث: لا يزال قطاع كبير من يمين التيار الديني يغلب عليه مناقشة قضايا فرعية كحجاب المرأة ومعنى الاختلاط وضرورات السياحة ورفض الفن وتهميش الثقافة أو صبغها بصبغة محددة، وهم في ذلك يتبنون خطابا متشددا يجعل من الصعب الموافقة عما به ناهيك عن وجود ما يقارب 12 مليون قبطي لهم حقوق المواطنة الكاملة. فهل لدى التيار الإسلامي القدرة على معالجة هذه القضايا الأساسية؟
وأكد الفيل أن الانتصار الذي حققه التيار الإسلامي سيوضع على المحك لتبيان قدرة هذا الفصيل على تحقيق وفرة اقتصادية وإصلاح سياسي حقيقي ومقاومة جذرية للفساد وإدراك فن التحالفات والعلاقات الدولية بحيث لا نخسر أرضا كنا كسبناها على مدار تاريخ طويل. لا يمكن صنع قطيعة مع الماضي كلية، ولكن بالضرورة يمكن تجسير طرق للمستقبل بتحسين شروط الحاضر وهو أمر ممكن. أما الشيء الأساسي الذي يضمن نجاح التيار الإسلامي مستقبلا وعلى المدى الطويل، فهو القدرة على قبول التنوع والاختلاف وإجراء تفهمات واسعة بشأن الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر، وعدم القبول بتهميش الثقافة والأدب والفن لأن هذه العناصر رمانة ميزان للوضعية المصرية في عالمها العربي.
• يستحقون الرثاء لا التهنئة
أكد الشاعر والروائي صبحي موسى أن المشكلة ليس في فوز الإخوان أو غيرهم بالبرلمان، فقواعد الديمقراطية تقتضي أن نحترم صوت الناخبين مهما كانت اختياراتهم مخالفة لما نحبه ونراه، لكن المشكلة في وضع العربة أمام الحصان.
وأوضح رؤيته قائلا "وضع العربة أمام الحصان، هذا ما أراده لنا المجلس العسكري منذ اللحظة الأولى لتوليه إدارة شئون البلاد، فمن البديهي في البلدان حديثة العهد بالانفتاح على التجربة الديمقراطية أن يكون هناك دستور يتوافق الجميع على العمل وفقاً لآلياته، دستور يحكم قواعد اللعبة السياسية، دستور متكامل وشرعي ومعلن كي يعرف الجميع الخطوة القادمة، لا أن ننساق في طريق ثم ما نلبث أن نفاجأ بإعلان دستوري يقول إن علينا العودة إلى الخلف للبدء من جديد، وأن علينا أن نجرب في كل مرة فكرة جديدة لا علاقة لها بقواعد الديمقراطية، وكأن مصير بلد بحجم مصر وثقلها أصبح محل تجريب لاختبارات فاشلة تلو اختبارات أكثر فشلاً.
وأضاف صبحي موسى: "المدهش أن الثورة المصرية على وشك بلوغ عامها الأول، وأننا نعيش أجواء انتخابات يبذل فيها كل فصيل فوق طاقته للفوز بها، لكننا حتى الآن لا نعرف إن كان نظام الحكم الذي سنسير فيه برلماني أم رئاسي، ولا نعرف ما هو مصير كل ذلك الجهد المبذول في الشارع من كل القوى السياسية، وهل سترضى التيارات الدينية التي بذلت كل غال ونفيس من أجل الفوز بالبرلمان أن تكون منزوعة الصلاحيات، ولماذا، إذا كنا لا نرى أهمية لنواب الشعب، دفعنا بالجميع في سباق محموم لا نعرف إلى أين سينتهي، ولماذا إهدار كل هذا المال العام من أجل انتخابات لا جدوى ولا أهمية ولا طائل من ورائها.
العديد من الأسئلة المرجأة لحين انتهاء العملية الانتخابية، والتي لن تنتهي إلا قبيل عيد الثورة (25 يناير)، وهي أسئلة أشبه بقنابل موقوتة لن ينزع فتيلها دون مزيد من الدماء، والمرشحون الأوائل لها هذه المرة هم التيارات الدينية المتباهية الآن باكتساحها لبقية القوى السياسية، فمع وصولها ستصبح ذات الشرعية الحقيقية في البلاد، لكنها شرعية مع إيقاف التنفيذ حسبما يخطط لها العسكر، في حين أن مديري البلاد بدءاً من العسكر وحتى حكومة الإنقاذ لا شرعية لهم، وذلك بالقياس على الأقل لمن وقفت الجماهير بالساعات في الطوابير لاختيارهم، فهل يمكن أن ينصاع الشرعيون لغير الشرعيين، وهل يمكن أن تكون قرارات الأقل شرعية سارية على صاحب الأغلبية، وهل يمكن أن يكون الجنزوري صاحب صلاحيات رئاسية دون الولاء لنواب الشعب المنتخبين بشكل شرعي؟"
وقال موسى: "لا أعتقد أن الإخوان يمثلون لي ولا لغيري بعبعاً، لأنهم فصيل من الشعب المصري، وإن كنت أختلف معهم فكرياً ومنهجياً وتقديراً للأولويات، لكن ذلك لا يعني أن الطريق ممهدة تماماً لهم ولا لغيرهم من التيارات الدينية في الشارع المصري، فالذين صوتوا لهم ولغيرهم يفهمون الله على نحو مختلف عما يفهمه الوهابيون والسلفيون، ومن ثم فأمامهم العديد من الاختبارات القاسية، كالفارق بين النظرية والواقع، والمسافة بين ما يريده منهم الناس وما يريدونه هم من الناس، فضلاً عن أمراض خمسين عاماً من التخلف والجهل وعدم التحقق وانعدام الفرص، وإذا أضفنا على كاهل الإخوان بوصفهم الآن التيار الديني الوسطى وجود شريك لهم أكثر تعصباً ومزايدة وأقل خبرة في العمل السياسي وحتى الاجتماعي وهو السلفيون، يصبح أمام الإخوان معضلة تاريخية، وفي ظني أن الإخوان ليس أمامهم سوى أن يتعاملوا مع بقية التيارات والقوى في المجتمع المصري بوصفهم الأخ الأكبر، الأخ الذي يقدم مصلحة الآخرين على مصلحته، والذي يضع الآخرين بجانبه في الصورة ولا ينحيهم عنها، فهذا قدرهم، وقد انتهي بالنسبة لهم عصر المراهقة السياسية، وبدأ عهد المسئولية التي تبدل الطبائع من قوة إلى لين، ولنا أن نراجع في هذا ما قاله العقاد في كتابه عن "عبقرية عمر"، وكيف حولته المسئولية من القوة إلى اللين، وكيف اختار ألا يعهد بالخلافة إلى رجل تقي كعلي ابن أبي طالب قائلاً: (والله لو وليتها للأجلح لحملن الناس جادة الكتاب)، لذا فأنا أرى أن التيارات الدينية مقبلة على اختبار قوى من كل الجهات، بدءاً من مواجهة العسكر وصولاً إلى كيفية الموائمة بين ما يقولونه للناس وما يميليه الواقع عليهم، وهي في مجملها اختبارات عصيبة تدعو المرء أن يشفق عليهم قبل أن يهنأهم نجاحهم الساحق".
• الفقر والعلمانيون الكفرة
أكد الشاعر والكاتب حمدي عابدين أن النظر للمشهد الانتخابي في جولته الأولي على اعتبار أنه التجربة الديمقراطية الأولي لشعب ظل لسنوات طويلة مهمشا ومتهما بالقصور وعدم الرشاد وغير مؤهل للاختيار الصحيح وتولي أمره بنفسه يؤكد أن المصريين نجحوا بامتياز في اجتياز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخهم مع الديمقراطية بما سبقها من مزاعم حول الانفلات الأمني وما سيصاحبها من ترويع وقتل.
وقال: "ما نزول المصريين بالملايين إلى اللجان الانتخابية واختيارهم من اختاروه إلا نتيجة لمجموعة من المقدمات أولها الحرب الدينية التي سبقت الانتخابات، والتي دارت رحاها في عديد من المساجد ضد دعاة الدولة المدنية فضلا عن كثير من الشعارات التي انطلقت في ميدان التحرير علي لسان البعض ضد (العلمانيين الكفرة دعاتها بما يعني أن تخلع أمك الحجاب). ولا بد في هذه الحالة أن تضع في اعتبارك أن المصريين شعب متدين بطبعه يميلون لتصديق ما يقال لهم دون تمحيص أو بحث أو اختبار, ويجب أن نضع في الاعتبار أن هناك أرضية كبيرة من الأمية تصل إلى 25% من السكان تدعم ذلك، زد عليها غطاء من جهل وسطحية جعله النظام السابق ضمن أولى أولوياته للسيطرة على الشعب وتسهيل مهمة توريث الحكم. فضلا عن فقر يصل حسب تقديرات المجالس القومية المتخصصة في مصر إلى أن 46% من المصريين لا يحصلون على الطعام الكافي ويعانون من سوء التغذية، وتتفاوت نسبة الفقر ما بين المحافظات الحضرية (6.6%) والمناطق الريفية (41.4%). ووفقًا لأحدث تقرير عن "خريطة الفقر" التي أصدرتها وزارة التنمية الاقتصادية فقد بلغ عدد القرى الأكثر فقرًا 1141 قرية".
وأشار عابدين إلى أن أحدث تقرير صادر عن التنمية البشرية بالوطن العربي لعام 2010 أن نسبة الفقر في مصر - التي يقارب سكانها ثمانين مليونا - تبلغ 41%. ويتبين من خريطة الفقر التي تضمنها التقرير أن أكثر من مليون أسرة فقيرة تعيش في الألف قرية الأكثر فقرًا، ويبلغ إجمالي عدد سكانها خمسة ملايين نسمة يمثلون 46% من إجمالي سكان هذه القرى. وتصل نسبة الفقراء في هذه القرى إلي نحو 54% من إجمالي سكان الريف الفقراء في مصر، ونحو 42% من إجمالي السكان في الجمهورية, كما أن ثلاث محافظات بالوجه القبلي (أسيوط والمنيا وسوهاج) تضم 794 قرية يشكل فيها الفقراء 82% من إجمالي عدد الفقراء بالألف قرية الأكثر فقرًا.
وفي ضوء ذلك قال عابدين: "لنضع إذن ما سلف من أرقام ضمن مشهد انتخابي تنافسي به كثير من الأطراف التي تسعي لانتهاز فرصة تاريخية للوثوب على الحكم, فهل يمكن لهذه الأطراف أن تفلت من يدها ما سعت لتحقيقه عبر تحالفات فاضحة وتغاضي عن كثير من الدماء والقفز علي الكثير من الاستحقاقات للوصول إلي السيطرة عبر صناديق انتخابات يدخلها المصريون لأول مرة أملا في التغيير وتحقيق نوع من العيش الكريم يدخلونها وفي رقابهم معلق سيف فقر وجهل وأمية تجعلهم يقعون تحت سيطرة الرشا الانتخابية متمثلة في عبوات الزيت والرز وغيرها من أطعمة هم في مسيس الحاجة لها راحت تقدمها لهم أطراف ضخت في عقولهم مستغلة أمية وجهل البعض دعاوي ومزاعم غير صحيحة اتهمت بها منافسين سعيا للحصول علي ما تصبو إليه. الغريب في الأمر أن أطراف كثيرة شاركت في التنافس علي مقاعد مجلس الشعب لا أستثني منها الأطراف الإسلامية ارتكبت مخالفات فاضحة مثل الدعاية أمام المقار الانتخابية وتوصيل الناخبين عبر وسائل مواصلات يملكونها بما يتيح لهم التأثير علي إرادة الناخبين, هذه الأساليب استخدمها النظام السابق وكان أكثرها فجاجة البطاقة الدوارة وهذه الأخرى لم تتخل عنها الأحزاب الإسلامية وجميعها أثبتته منظمات المجتمع المصري المدني التي راقبت الانتخابات بالوثائق المختلفة وسجلته في وثائق فلميه. وقد كان من نتائج تلك المخالفات الكثير من المطالبات بإبطال نتائج الانتخابات في عدة دوائر مازالت رهن المحكمة الإدارية وهي جميعها جاءت سبباً لتلك المخالفات الفاضحة التي شابت الجولة الأولي.
المهم هنا هو أن هذه الجولة وما شابها من ممارسات لم تكن بريئة, أو مثالية أو حتى طبيعية جاءت في مصلحة الأحزاب الإسلامية التي ظهرت بعيدة عن حسن ظن المصريين بها, بعدما استخدمت نفس أساليب النظام الفاسد السابق في التزوير والتحايل ولعل القبض على إحدى المنقبات داخل لجنة انتخابية وبحوزتها 15 بطاقة رقم قومي صوتت بها جميعا أبلغ دليل على أن الإسلاميين استخدموا أساليب غير نزيهة في الحصول على الأغلبية في الجولة الأولي من انتخابات أراها غير بريئة بدءا من قرار الإعلان عنها حتى جلوس نوابها على مقاعد ملوثة بدماء شهداء راحت تلعنهم تحت القبة.
• حرب دينية
ووضع الكاتب رمزي زكريا قراءته لفوز الإسلاميين في عدد من النقاط أولها أن التنظيم الجيد لهذه التيارات وقدراتها المادية الكبيرة هذا بعكس التيارات الليبرالية الناشئة، وثانيها التغيب الفكري لغالبية الشعب المصري وسيطرة النزعة الدينية على الكثيرين، وثالثها النظام السابق الذي همش كل القوى السياسية وجعل بجانيه فقط التيارات الدينية كفزاعة لمن يريد أو يفكر في التخلص منه والدليل أنه أشعرنا بذلك عندما سمح للإخوان بحصد 88 مقعدا في مجلس الشعب في الانتخابات السابقة، ورابعها الوقت الراهن الذي لعب لصالح هذه التيارات من حيث ضعف الرقابة على الدعاية الدينية وتطلع الناس إلى الاستقرار بعد أن عاشوا فزاعة الفوضى والناس ترى أن الاستقرار لن يأتي إلا عن طريق جماعة منظمة، وأخيرا إيهام الناس أن الانتخابات ما هي إلا حرب دينية لا بد أن يختار فيها المسلم مسلما والمسيحي مسيحيا مما أدى إلى انحياز الناخبين المسلمين إلى المرشحين المسلمين وخير من يمثل هذه الشريحة هي التيارات الدينية.
• الإسلامي في البرلمان
وقالت الكاتبة والروائية انتصار عبدالمنعم لكي نقرأ الفوز الكبير للتيار الإسلامي الذي يمثله الأخوان والتيار السلفي في الانتخابات البرلمانية لا بد لنا من البحث أولا عن أسباب الفوز، وعما إذا كان هذا الفوز دليلا على الالتزام الديني للشارع الذي انتخبهم. أولا، جاء هذا الفوز الكبير نتيجة المشاركة الكبيرة للناخبين وذلك لعدة عوامل منها ما هو قهري مثل التخوف من الغرامة المالية التي أشيع في أوساط البسطاء أنهم سيدفعونها لو لم يذهبوا. ثم جاء الدور المنظم للإخوان والسلفيين في إرشاد هؤلاء البسطاء إلى الرموز التي تمثل "المسلمين" وتدخل الجنة مثل الميزان والبرواز والسماعة دون ذكر أسماء المرشحين وذلك لمعرفتهم أن هؤلاء لا يعرفون القراءة والكتابة، فما كان منهم إلا أن ذهبوا إلى اللجان يبحثون عن الرمز لا الاسم.
وثانيا، جاء التصويت للتيار الإسلامي نتيجة الدعاية السلبية والمنظمة في الحديث عن المنافسين الذين أشيع عنهم أنهم يريدون دولة مدنية بلا دين. فجاء التصويت للإسلاميين كرد فعل ومكيدة في غيرهم من رجال الحزب الوطني ودعاة مدنية الدولة.
وهذا يشبه ما حدث في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 حين حصد الأخوان المسلمون وحدهم 88 مقعدا وهم في خانة المحظور وفي وقت اشتداد التضييق الأمني عليهم، وبقراءة لهذا النجاح وقتها فقد اختار الناخب جماعة الاخوان انتقاما من رجال الحزب الوطني والنظام وكرد فعل لحملات الاعتقالات والتعذيب التي طالت المدنيين في كل مكان. وفي انتخابات بعد الثورة ظهر أمام الأخوان منافس آخر وهو التيار السلفي والتياران استخدما الدين كواجهة انتخابية ضد رجال النظام السابق ومنافسيهم بصفة عامة.
وتخلص انتصار إلى أن الفوز الكبير للتيار الإسلامي لم يأت نتيجة الورع الديني والالتزام بسلوكياته. بل جاء نتيجة غش وتدليس على الشعب من كل الأطراف، فالأخوان استدعوا تاريخهم في سجون النظام ليستدروا عطف المواطن البسيط، وليثبتوا أحقيتهم في الحصول على أصوات الناخبين والمشاركة في الحكم دون غيرهم. والتيار السلفي خوف البسطاء من العري والخمر والرذيلة لو جاء غيرهم إلى مجلس الشعب، أي استخدموا الدين كدعاية للحصول على مكسب دنيوي. ليس المهم الآن أنهم فازوا بأغلبية المقاعد ولكن ماذا هم فاعلون للمواطن البسيط الذي صوت لهم منتظرا منهم جنة أرضية لا تتجاوز رغيف خبز صالح لبني الإنسان وأنبوبة غاز دون أن يفقد روحه؟ أم سينشغلون بمصادرة الكتب وتكسير التماثيل وفرض السواد على الشعب؟
• مقدمات تؤدي للنتائج
أما القاص والروائي أحمد طوسون فقد رأى أن فوز التيار الإسلامي جاء منسجما مع مقدمات سابقة على العملية الانتخابية وممارسات تمت أثناءها. وأوضح "تتمثل المقدمات في قانون انتخابي يخالف المعايير الدولية لضمان نزاهة الانتخابات وبالتالي صرنا أمام دوائر متسعة لا يستطيع تغطية الدعاية الانتخابية فيها إلا أصحاب المال وبالتالي بتنا أمام متنافسين رئيسيين هما التيارات الإسلامية وتيار الكتلة المصرية الذي يدعمه ساويرس بينما غاب عن الترشح الشخصيات الوطنية الأخرى - ومنها شباب الثورة - التي لا تتمتع بذلك النفوذ المادي الكبير، كما تقلص دور العصبيات والقبلية لأن أغلبها ارتبط برموز انتمت للحزب الوطني المنحل وأغلب هذه الرموز واجهت رفضا لدورها في إفساد الحياة السياسية حتى من عصبياتها وتحتاج هذه العصبيات والقبليات إلى المزيد من الوقت لتخرج رموزا جديدة قادرة على دخول الصراع الانتخابي.
أما ثاني هذه المقدمات فيتمثل في انهيار منظومة الأحزاب التقليدية الكبرى كالوفد والتجمع والناصري وامتلاك الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية لقواعد بشرية كبيرة في كل الدوائر، بينما عجزت باقي الأحزاب والكتل في مجاراتهم، ثالث هذه المقدمات وأهمها غياب الدور الاجتماعي عن الأحزاب المدنية بينما ارتبط تواجد جماعة الأخوان في الشارع المصري بالدور الخدمي الاجتماعي الذي يجعلهم قريبين من المواطن البسيط وجاراهم في ذات النهج التيار السلفي.. رابع هذه المقدمات ارتباك المرحلة الانتقالية الذي حدث بتعمد فيما أظن مما أدى إلى تخوف الكثيرين من مستقبل الوطن وأصبحوا ينظرون بنظرة ارتياب إلى الدعوة لاعتصام أو مليونية جديدة، واستطاعت جماعة الأخوان في خطابها الإعلامي أن تلعب على هذا الوتر عند المواطنين البسطاء وبخاصة في المليونيات الأخيرة التي سبقت المرحلة الأولى من الانتخابات، خامس هذه المقدمات غياب الدور الإعلامي والثقافي في التوعية الانتخابية واكتفائه بحوارات النخب وعدم نزوله إلى الحواري والأزقة والقرى في ندوات كبيرة لنشر الوعي بالحقوق الأساسية وما يحدث في هذا الإطار نمطي وروتيني ولا يتناسب مع ما تمتلكه المؤسستان الإعلامية والثقافية من إمكانيات..آخر هذه المقدمات لعب التيارات الإسلامية عبر التاريخ على وتر الدين وبالتالي ترسخ في ذهن كثير من العامة أن هؤلاء يمثلون الإسلام بينما غيرهم يقفون في الجهة المقابلة بخلاف تنامي الخطاب الطائفي في الشارع المصري قبيل وأثناء الثورة وحتى الآن.
وأضاف طوسون "أهم الممارسات يمكن إيجازها في المخالفات التي ارتكبها التيار الإسلامي وأهمها في نظري حشد غير الراغبين في المشاركة من الأميين وربات البيوت والبسطاء تحت وطأة تهديدهم بالغرامة التي ستوقع عليهم، وخطورة هذا الحشد أنهم حصلوا بموجبه على عدد هائل من الأصوات التي لم تكن لها إرادة في المشاركة وليس عنها خلفية عن المرشحين وكانت تستسلم لهم لمجرد الخلاص من تبعية غيابهم عن الإدلاء بأصواتهم. أيضا الممارسة الإعلامية للفضائيات الخاصة التي أحيانا تعاملت مع التيار الإسلامي كما تعامل التلفزيون المصري معه في انتخابات 95 وأدى إلى نتيجة عكسية وإلى تعاطف كثير من البسطاء معهم.. أيضا من أهم الممارسات التي حدثت أثناء العملية الانتخابية عدم قيام اللجنة العليا للانتخابات بدورها تجاه المخالفات التي حدثت أثناء فترة الصمت الانتخابي وأثناء العملية الانتخابية، كما أن عدم وجود ممثلين للأحزاب بنفس عدد ممثلين التيارات الإسلامية داخل وخارج اللجان أثر بصورة غير مباشرة على الناخبين وأحيانا أثر على إدلاء المواطنين بأصواتهم داخل اللجان.
لكن الأهم في نظر طوسون أن فوز التيار الديني سيضعنا أمام إشكالية كبرى تتمثل في أننا سنجد أنفسنا أمام مؤسسة شرعية منتخبة (البرلمان بمجلسيه)، وأمام ثوار ضحوا بأرواحهم من أجل هذا الوطن ولم يجد الوطن مكانا لهم تحت قبة برلمانه.
• الشخصية المصرية
وكشق الناقد والباحث الأكاديمي د. نادر عبدالخالق عن أن الصراع الحقيقي يكمن في الأيديولوجية النفسية للشخصية المصرية المعاصرة التي تواجه تحديا اجتماعيا وسياسيا كبيرا في هذه المرحلة، وقال: "يمكن تحديد نوع هذه الأيدلوجية وحصرها في العاطفة والعقيدة والطموح، فالعاطفة تتمثل في عملية الخوف من المغامرة السياسية غير المحسوبة، والعقيدة هى الإطار الذي لا تريد الشخصية مغادرته كحصن نفسي وأمان روحي، والطموح لا يبعد عن فكرة التطور والانتقال نحو مرحلة سياسية تعبيرية جديدة مختلفة تضمن ثبات الموقف وعدم الرجوع للخلف مرة أخرى، هذه الأفكار وغيرها كانت وراء انحسار الصوت الانتخابي في دائرة العقيدة دون المغامرة في محاولة التجريب التي قد تفرض أنماطا مختلفة من الفكر الذي يتعارض مع روح الشخصية المصرية المعاصرة التي تخشى بدورها الخسارة السياسية أو الدخول في حسابات أخرى بعيدة عن المنطق".
وأشار عبدالخالق إلى أن هذا يدل على أن الشخصية المصرية مازالت في طورها الأول من الممارسات الديمقراطية الحقيقية، وأنها تنطلق في تعبيرها بحرص شديد ووعى نفسي عقائدي، ومن ناحية أخرى فإن التيارات السياسية الأخرى المتصارعة مثل الليبرالية والتحررية والسلفية وحتى التقليدية التي تتوهم أنها تحمل فكرا ومنطقا مختلفا، لم تكن على مستوى التمثيل القريب من تكوين الشخصية والعقلية المصرية التي تخشى المغامرة، فرأينا وسمعنا في وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت تحذيرات وتهديدات وأفكارا تمثل دعاية سلبية متناقضة تدل على عدم الوعي لدى هذه التيارات بالشخصية المصرية وتكوينها الداخلي، حيث أن الوسطية والاعتدال والتوازن سمات عامة في النسيج المصري بكل طوائفه، حتى وإن بدا غير ذلك في بعض الأوقات، وليس أدل على ذلك سوى الموقف الأخير في هذه الانتخابات نفسها والذي ظهر في عملية الاندفاع الكبير نحو صناديق الاقتراع، وقد أخذ مظهرا حضاريا لم يكن متوقعا في مثل هذه الظروف الصعبة وفى ظل انحسار الأمن.
لهذه الأسباب وغيرها اندفع الناخب المصري نحو العقيدة الدينية والعاطفة والطموح الذي يأمل أن يحقق فلسفة وفكر التيار الإسلامي المتمثل في الإخوان المسلمين، وليس معنى هذا أن الشخصية المصرية تبحث عن الإسلام السياسي أو أنها تتشكل حسب الاندفاعات التأثيرية الدينية، بقدر ما هي تدرك تماما فراغ التيارات المتصارعة الأخرى، وتدرك عملية التدرج في بلوغ الديمقراطية وبلوغ المرحلة الجديدة من الحرية الشخصية والحرية الاجتماعية والسياسية، ومن يبحث في مراحل التكوين الأنثربولوجي للطبقات المصرية على مدار تاريخها المعاصر يمكنه أن يقف على هذه الملامح العامة فى الشخصية المصرية، مما يعنى أن الفوز الكبير للتيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في هذه المرحلة والذي اعتقد أنه سيمتد إلى بقية المراحل بشكل أو بآخر يرجع إلى الخوف وعدم الثقة من التيارات المتصارعة الأخرى وفراغ منهجها وفكرها وغرابته على العقلية الاجتماعية البسيطة التي تمثل الشريحة العظمى في البلاد، ويرجع كذلك إلى أن الدين يمثل في المجتمعات المصرية ملاذا أمناٌ وحصنا روحيا ونفسيا.
• البلطجة والتزوير
وأوضح الكاتب والمحامي أحمد عبدالباقي أن أحدا لم يكن يتوقع هذا الفوز الكبير للإخوان ويليهم السلفيين، والمفاجأة الكبرى أن جميع البلطجية ومثيرى الشغب لم يظهروا ولم يتواجدوا داخل الانتخابات ما هذه الصدفة التي رأيناها أين البلطجية؟ في خلال أربعة وعشرين ساعة تم السيطرة عليهم، كل هذا جعلنا نشك في صفقات بين الإخوان والمجلس العسكري، أن يترك الإخوان ميدان التحرير في مقابل إتمام الانتخابات في موعدها وحمايتها وتدعيمها، جعلنا نشم رائحة صفقات وعود قد تكون قد تمت بين الإخوان والمجلس.
ورأى عبدالباقي أن الأمر قد يكون لعبة من المجلس ليتم تصفية الإخوان مثلما تمت تصفية الحزب الوطني، فكثير من الشعب لن يرضى بهذه الغلبة التي أخذها الإخوان. فأين باقي الأحزاب إن انفرد الإخوان بالمجلس وماذا لو خرجت علينا حالات من التزوير، هل ستكون كل الانتخابات مزورة، وسيكون مصير الإخوان مثل إخوانهم في الحزب الوطني، إن التجاوزات التي رأيناها في الانتخابات كفيلة بأن تلغى هذه الانتخابات المشكوك فى صحتها وشرعيتها .. فلماذا صوت العاملون بالخارج مع أنهم في الأصل لم يصوتوا لصالح الدستور ويشاركوا بالرأي فيه.
كان المجلس يحذر من أي استخدام للشعارات الدينية، واستعمل الإخوان الشعارات الدينية علنا ولم يوقفهم أحدا. كان الإخوان يقومون بالدعاية أمام اللجان مع أن المجلس منع الدعاية قبل الانتخابات بـ 24 ساعة، وكنا نرى الإخوان أمام اللجان يؤثرون على الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالحهم مستغلين بذلك جهل وأمية العديد من الناخبين، ولا أنسى منظر صبحي صالح عندما استفز الناخبات، فمعظم الناخبين قد خرجوا ليس حبا في الانتخابات ولا المرشحين ولكن خوف من غرامة الـ 500 جنيه، والتي لا يستطيع الكثير منهم سدادها. وهنا هو السر الثاني فى اكتساح الإخوان، فماذا لو لم يخرج هؤلاء الناس إلى الانتخابات؟
وقال عبدالباقي: "وجدنا صورة حية وانتهاكا مصورا لشخص من الإخوان يؤثر على سيدتين من غالبية الشعب الجميل الذي لا يعلم شيئا مما يدور حوله وهذا الانتهاك كفيل بإلغاء الانتخابات في هذه الدائرة، إن تأثير الإخوان على الناخبين من رشاوى من زيت وسكر ولحوم جعل أصوات الناس تذهب إليهم. فلا يعقل ان جورج إسحاق مؤسس حركه كفاية الرجل الذي حارب مبارك علنا لم ينجح؟
إن هناك الكثير من علامات الاستفهام تجعلنا نشك في تلك الانتخابات. البعض يقول إن التنظيم الجيد للإخوان هو السبب في ذلك. والبعض الآخر يقول إن ضعف الأحزاب الأخرى هي السبب. والبعض الآخر يشكك في نزاهة تلك الانتخابات، لكن يبقى السؤال لماذا التخوف من سيطرة الإخوان على مجلس الشعب؟ ماذا هم صانعون بهذا المجلس؟ هل سيصنعون دستورا خاصا بهم؟ هل سيقومون بتفصيل دستور على مقاسهم مع الضمانات الكافية؟ لكن الجميع نسى أن هناك أكثر من 80 مليون مصري سيصوتون على الدستور الجديد، أي أن هناك متنفسا للحرية لصنع القرار، الجميع نسى أن هناك ميدانا للتحرير، إن فسد الإخوان أو غيرهم سنغيرهم ونلحقهم بالفاسدين السابقين، فالذين أسقطوا مبارك قادرون على إسقاط من هم أقوى منه، مع العلم أن سقطة مبارك كانت الأقوى حتى الآن.
هناك تعليق واحد:
مطلع التحقيق غير مهني، وغير محايد، ويتعارض مع أبسط شروط الأمانة الصحافية المنصفة، فإصدار الأحكام الشاملة المسبقة، والعمل علي الاستقطاب الشامل، وإهدار الناحية العلمية في التعامل مع الأمور، وصبغ جميع التيار الإسلامي بإدانة شاملة دون تمايز أو قراءة صحيحة، أو نصب ميزان يزن العيون والحسنات، يجعلني أهدر مقدمة وأجزاء كثيرة من متن التحقيق ونتائجه جملة وتفصيلا.
لا أحد سادتي وصيا علي الشعب المصري الذي خرج بمحض إرادته بالملايين ليختار هذا الفصيل أو ذاك، وليس صحيحا أن تلك الملايين تفتقد الوعي والقراءة السليمة للواقع المنظور، هذا التعالى علي رؤية الشعب يؤكد ما قاله قائل: أن انصار الديمقراطية ممن يصيحون بها صباح مساء ثم لا يرضون بتائجها، باعتبار الشعب هو صاحب البوصلة وهو الفارز الحقيقي بين مختلف التيارات والآراء، هم أشبه بمن يقول الدين لنا والوطن لنا فقط.
ولم ينجو هذا التحقيق من براثن الإغواء، والإرهاب الفكري، بقول قائله: (مؤكدين علي الحيادية)، ونسأله أين تلك الحيادية، وما ظواهرها تلك؟ خاصة وأن هناك موقف مسبق منذ الحرف الأول، يقوم علي الإقصاء ونفي الآخر.
وأقدم مثالا واحدا للخوف من الإطالة، وهذا المثال يتضمن نكات مبكية، أو أصفها بنكتة الإنتخابات البارعة، من نوعية ما طرحه تحليل شبيه سابق: (الشارع المصري يسوده القلق من صعود الإسلاميين)، وهنا في التحقيق: (وهو الأمر الذي تلقته الكثير من الأوساط ليست فقط الثقافية والاقتصادية والسياسية والنسائية ولكن أيضا في أوساط عامة الناس بترقب حذر وقلق شديد!)، ومثل القول في التحقيق: (فكثير من الشعب لن يرضى بهذه الغلبة التي أخذها الإخوان)، ولاحظ معي التناقض العجيب بين (فكثير من الشعب) لن يرضي (بهذه الغلبة)، أي الملايين من الناخبين كانوا يصوتون للإخوان ويقولون في أنفسهم أنا قلق منهم، ولا أرضي بغلبتهم، لهذا أقوم الآن باختيارهم!، وأري في ذلك خفة أفرزها الغضب المشبوب لكون النتائج علي غير ما يريده قائل مثل هذه النكات، كما أري فيها استخفاف بعقل القارئ، حيث يفترض أن الشارع المصري وأوساط عامة الناس، شيء غير الشعب المصري والأخير كان السبب في نجاح التيار الإسلامي، فالشعب المصري وعامة الناس الذين اختاروا بالملايين هذا الفصيل في حالة قلق وهو غاضب من نجاح هذا الفصيل !!، هل يعقل هذا؟!
يا سادتى الكرام ليس لدينا عصا سحرية نضرب بها يمينا فيزول العلمانيين، أو نطرق بها يسارا فيزول الإسلاميين، ويجب التعاون والتلاقي والبحث عن المساحة المشتركة، دون إقصاء أو تخوين، هذا السكين المغروس في روح الثورة المصرية.
لا أتفق مع بنود طرحت بهذا التحقيق – سوي في أجزاء منه خاصة لتصريحات المثقف المستنير القاص سمير الفيل، وأيضا وعي الروائي صبحي موسي ومطالعته الذكية للمشهد السياسي المصري، وتحليل د. نادر عبد الخالق الذي يتلمس الموضوعية في ثنايا بحثه عن الحقائق- لأنه في الأساس وفي مجمله يلتف علي إرادة شعبية لها ما أرادت، وهي القائمة بتثبيت ما أختارته أوبالتصويب. وأدعو المخالف أن يمارس ممارسة شريفة، بإيضاح ما يريد لهيئة الناخبين، وللشعب المصري الكريم، ويثبت جدارته بتمثيل هذا الشعب المصري العظيم، ومن ناحية أخري علي الناجحين من شتي الأطياف ممارسة أدوارهم الصحيحة في هذا الظرف الدقيق والصعب للعبور بالوطن إلي بر الأمان، من منطلق التنوع في إطار الوحدة التي تلتمس الصالح العام، وليس الثأر للرأي، وتغليبه علي الآخر بكل سبيل كما في هذا التحقيق.
أرجو من المثقف الفاضل: أحمد طوسون (ونثق بإنصافه) نشر تعليقي، إتاحة لكافة الآراء وهو صاحب تلك المدونة المعروفة المشهود لها بالتنوع والنجاح.
خالد جوده أحمد
إرسال تعليق