كلام في الرواية (2)
اعداد: خيري عبدالعزيز
الشخصية
الشخصية هي ركن أصيل في
الرواية, فلا رواية بلا شخصية أو شخصيات تقع عليها أحداث, وبالتالي ينتج الصراع
والدراما.. والسؤال هو كيف يخلق الروائي شخصياته؟..
خلق الشخصية
أيخلق الروائي شخصياته من لا
شيء أم يستنسخهم من أناس حقيقيون؟.. الإجابة هي: من كليهما.. فالشخصية الروائية هي
نسيج من الوهم والخيال, وكذلك مما يعرفه الكاتب عن نفسه وعن الناس الذين عايشهم وعرفهم
عن قرب, والجدير بالذكر أن ننوه هنا أنه من أهم مصادر الكاتب في ذلك هي نفسه التي
في الغالب لها أشكال عدة وتطورات مختلفة, فبعض شخصيات الكاتب هي انعكاس لذاته في
مرحلة ما من حياته..
فالشخصيات في الرواية ينبغي ألا
تستمد مباشرة من الحياة, فلا أحد سيكشف للروائي عن كل تجربته السرية ودوافعه ومشاعره
مما يترتب عليه عدم فهم الروائي لسلوك ذلك الشخص فهما تاما اتجاه الأفعال الوهمية
في الرواية, وهنا يتضح لماذا يستقي الكاتب الكثير من شخصياته من جوانب من شخصيته
هو؛ لأن شخصيته -بالنسبة له- هي أكثر الشخصيات فهماً لسلوكها وردود أفعالها, ومع
هذا لابد من دمج هذا الجزء الحقيقي المستقي من شخصية حقيقية مع الوهم لتنتصب
الشخصية الروائية بذاتها, فلا هي حقيقية كل الحقيقة, ولا هي خيالية كل الخيال..
تطور الشخصية:
والأحداث التي تمر بها الشخصية,
وردود أفعال الشخصية حيال تلك الأحداث, ثم تطور الشخصية بناء علي ذلك هو الذي يسبب
متعة القراءة بالنسبة للقارئ. ولكي يستسيغ القارئ الشخصية؛ فيجب أن تبدو دوافعها
وردود أفعالها منطقية بالنسبة له, وهذا لن يتأتي إلا بفهم الكاتب العميق لشخصيته,
وبالتالي لنفسه التي هي المصدر الرئيسي له في استقاء الشخصيات, بمعني أن يفهم فهما
تاما كل دوافعه وسلوكه, ويجعل نفسه في حالة تساءل مستمر لكل ما يمر به "لماذا
قلت ذلك.. لماذا فعلت ذلك.. لماذا أنا حساس من ذلك الأمر.. الخ".
وكما أن الناس في الحياة
مختلفون, فيجب أن تكون شخصيات الروائي مختلفة وجديدة, وأيضا الناس في الواقع
يتغيرون ببطء نتيجة لتجاربهم, وكذلك الشخصيات الروائية ينبغي أن يحدث بها تحولا ما
نتيجة للأحداث التي تمر بها, وأن تتطور في سياق الرواية, وتكتسب مواقف جديدة..
ولهذا فبناء الشخصية يحتاج قدرا
كافيا من "الزمن التأملي" ليرسم الروائي خط تطورها في ذهنه, قبل أن يشرع
في رسمها علي الورق, وإذا شعر الروائي أن احدي شخصياته تفتقر إلي العمق فهذا بسبب
أنه غير متأكد من طبيعتها الحقيقية, خلاصة القول يجب أن يشعر الروائي أثناء
الكتابة أنه في حضور شخصيات وكأنها من لحم ودم..
الوصف البصري للشخصية:
الوصف البصري له دور في رسم
الشخصية وتوضيح أبعادها بالنسبة للقارئ, وهذا الوصف البصري منوط بالكاتب, فمن
الممكن أن يشرح كل شيء ويصف كل دقيقة وصغيرة في السمات الشكلية للشخصية, ومن
الممكن أن يركز علي نقطة بعينها تكشف الكثير من سمات الشخصية.. وبصفة عامة يجب أن
تكشف الشخصية عن نفسها تدريجيا كما يفعل الناس: المظاهر أولا, الصوت,السلوك, ثم
المواقف, ولتبرز الجوانب العميقة للشخصية فيما بعد رغم أن جانبا منها قد يكون
ضمنيا منذ البداية.
وقد تصبح الشخصية أحيانا
حقيقية, بحيث أنها ترفض أن تنصاع إلي ما خططه لها الروائي, وهذا يعني أن الشخصية
أصبحت ذات إرادة خاصة بها, وهذه لحظة رائعة في حياة الروائي, فخلق الشخصيات
الوهمية هو لب الكتابة الروائية, وإمكانات هذا الخلق لا تنضب.
يتبع إن شاء الله
المراجع:
1-
صنعة الرواية "دايانا داو بتفاير"
2-
كتابة الرواية من الحبكة إلي الطباعة "لورانس بلوك"