لــبــنــــــان
الوجود والعدم
صدرَ عن دار نعمان للثَّقافة كتابٌ جديدٌ للأديب والباحث ناجي نعمان عنوانُه "لبنان: الوجود والعدم، وتطلُّعات لِمُستقبل"، وهو تتويجٌ لأعمالٍ سابقةٍ للمؤلِّف حولَ هذا الموضوع نُشرَت تباعًا منذ سبعينات القرن الماضي.
يقولُ ناجي نعمان في مَدخل الكتاب الواقع في 320 صفحة من الحجم المتوسِّط الكبير:
"لِلَّذين يَتساءَلون عن وُجود لُبنانَ، أو عَدَمِ وُجوده، من الحَريصين على هذه الأرض-المَلجإ، هذه الأرضِ المقدَّسَة، وإنَّما، المَمْهورةِ أيضًا بأسوإ الأزمان، وأحيانًا، بأسوإ البَشَر، والَّتي علينا أنْ نسعى، جميعًا، لأنْ تُصبحَ وطنًا بحَسَب مُعطَيات العَصر ومُتَطَلِّباته؛ لهؤلاء أُسارعُ فَأُطَمئِن: لُبنانُ موجودٌ، تَسميَةً على الأقلّ، وبالتَّالي، باقٍ عليها. وهو مَوجودٌ جغرافِيَةً وتاريخًا، جَبَلاً على الأقلّ، وقد يَبقى. لكنَّ المَطلوبَ أنْ يَبقى لُبنانُ، ككلٍّ، جغرافِيَةً وتاريخًا وحياةً ومُستقبلاً واعِدًا، بحيث لا يَعودُ في حاجةٍ لا إلى تساؤلٍ عن وجودٍ وعدَم، ولا إلى كِتابٍ وكاتِب.
ويُضيف:
"ما يَهمُّ قيامُ لُبنانَ الوطنِ، لُبنانَ المُحافَظِ عليه من قِبَل أبنائه، كلِّهم، وبحَسَب ما يُمليه العَصرُ، مُتَمَتِّعًا بالقَدْر الأكبر من الحرِّيَّة والسِّيادة والاستِقلال، دولةً ساعِيَةً، دائمًا وأبدًا، لهَناء أبنائها وبَناتها، ولاسيَّما عبرَ تحقيق العدالة، على أفضَل ما تَكون، وتأمينِ الحرِّيَّات، على أوسَع ما تَكون؛ وبكلمةٍ، عبرَ المُواطَنَة، واجباتٍ، ولاسيَّما حقوقًا، وإلى أبعد الآماد والآفاق.
ويُتابع:
"وأمَّا إلى الَّذين يَبحثون، لسببٍ أو لآخَر، عن تَقويض ما بَقِيَ من لُبنانَ الَّذي أََعرفُ اليومَ، وتعرفون - ولستُ بِراضٍ بما هو عليه، ولستم بِراضِين -، أولئك الَّذين يُريدون رَدَّ هذا البلد-المَنارة إلى الوراء أكثر، تحقيقًا لمَطامعَ مُعلَنَةٍ أو خَفِيَّة، ويَسعَون لإعادة عقارب الزَّمن، والحضارةِ معه، إلى ما وراءَ الوراء؛ وأمَّا إلى هؤلاء فأقولُ إنَّ الجغرافيا، بعامَّةٍ، تصنعُ التَّاريخَ، والأرضُ تصنعُ الإنسان، فإنْ غابَ لُبنانيٌّ ما، اليومَ، لحساب لُبنانيٍّ ما آخَر، فإنَّ الأرضَ ستَصنعُ يومًا لبنانيَّ الغد، ولا أرى ذلك الأخيرَ إلاَّ على صورة جغرافِيَة لُبنانَ: صلبًا كجِباله، كريمًا كسَهله، عالِمًا كينابيعه، مُنفَتِحًا كبَحره. فلُبنانُ مَوجودٌ: جغرافيتُه أصمَدُ من تاريخه، وتاريخُه أقوى من أبنائه، وأيَّامُ أبنائه المَجيدة أسمى من أيَّامهم الشَّائِنَة".
والكتابُ بابان: في الباب الأوَّل ثلاثة عشر فصلاً تحكي الوطنَ والمواطنَ والمُواطنة، وتبحثُ في النّظام الهَجين، كما في الأمن بعامَّةٍ، والاقتصاد والتجارة والخدمات والبيئة، والرِّعاية الاجتماعيَّة، والثَّقافة والإعلام، والفساد، وفوضى الدِّراسات والهجرة، وكَذا في علائق لبنان ببلاد العرب والغرب؛ وفي الباب الثَّاني ستَّةُ ملاحِق حول الإنسان وعالمه، ولبنان المشاكل والحلول والقضيَّة الفلسطينيَّة، ولبنان النّظام ومشاريع الانتخابات، وخصوصيَّة لبنان المسيحيَّة، ولبنان الثقافة والإعلام، بالإضافة إلى أدبيَّاتٍ في الوطن والكلمة.
ويختمُ نعمانَُ كتابَه قائِلاً:
"لو أنَّ اللُّبنانيِّين، كلَّ اللُّبنانيِّين، واجَهوا الفِلِسطينيِّين في السَّبعينات من القرن المُنصَرِم، كما واجهَتهم القوى الَّتي وُصِفَت باليمينيَّة أو المسيحيَّة في حينه، وأوقفَتهم عندَ حدودٍ مُعَيَّنَة؛
"ولو أنَّ اللُّبنانيِّين، كلَّ اللُّبنانيِّين، واجَهوا الإسرائيليِّين في السَّبعينات عَينِها، كما واجهَتهم القوى الَّتي وُصِفَت باليساريَّة أو الإسلاميَّة الطَّابَع، ثمَّ كما فعلتِ المقاومةُ الشِّيعيَّةُ الصَّاعدةُ منذُ الثَّمانينات، فطرَدَت هؤلاءِ، ثمَّ هزَمَتهم؛
"ولو أنَّ اللُّبنانيِّين، كلَّ اللُّبنانيِّين، واجَهوا السُّوريِّين، بالكلمة تارةً وبالسِّلاح طَورًا، كما واجهَتهم القوى اليساريَّة، واليمينيَّة، وتلك الشَّرعيَّة، على مَراحِل، ثمَّ بالانتِفاض سِلميًّا، كما في "ربيع لُبنان"، ممَّا أدَّى إلى خروج جيش هؤلاءِ من لُبنان، فإعادةِ العلائق المُمَيَّزة مع "الشَّقيقة الكبرى"؛
"لو أنَّ اللُّبنانيِّين، كلَّ اللُّبنانيِّين، فعَلوا ذلك، يدًا واحدةً، ولَم يَتقاتلوا، أوَّلاً بَعضُهم ضِدَّ البَعض الآخَر، ثمَّ بَعضُ البَعض مع ما تبقَّى من هذا البَعض؛
"لو أنَّ اللُّبنانيِّين، كلَّ اللُّبنانيِّين، كانوا مُوَحَّدين في ما هو مَصيريّ، مُتَباينِين في ما عَدا ذلك، لَحافظوا على حُرِّيَّاتهم، ولَما حاولَ الفِلِسطينيُّ يومًا استِبدالَ فِلِسطينه بلُبنانِهم، أو فكَّرَ الإسرائيليُّ يومًا باجتِياح أرضهم والتَّنكيل بشعبهم، أو سعَتْ سوريا يومًا للوصاية عليهم؛
"لو أنَّ اللُّبنانيِّين، كلَّ اللُّبنانيِّين، كانوا مُوَحَّدين، لكانَ لُبنانُ، اليومَ، واللُّبنانيُّون معه، في مكانٍ آخَرَ بين الأوطان والشُّعوب، ولكانَ هو، حقًّا، مَنارةَ الشَّرق والغرب، ولَكانوا هم، حقًّا أيضًا، من أرقى شعوب العالَم".
***
ونقرأُ في الكتاب أيضًا:
"على اللُّبنانيِّين - كَيما يُؤْثِروا وُجودَ وطنِهم على عَدَمه - أنْ يُواجِهوا التَّحالفَ الإقطاعيَّ الماليَّ، المُتَسَتِّرَ طائِفيًّا، المُتَصارِعَ ظاهِريًّا، المُتعاوِنَ والمُرتَهَنَ خارجيًّا، السَّاعيَ لاستِمرار إضعافِ الدَّولة وتعطيلِها وإقلاق المُواطنين، ويُفَكِّكوه؛ وأنْ يَعمَلوا، بَعدَها، على تثبيت هَيبة دولتِهم، ومَنعَتِها، ورِفعَتِها، لأنَّ الدَّولةَ، القويَّةَ والعادلةَ، وَحدَها، هي الضَّامِنَةُ كرامةَ المُواطن وهناءَه.
***
"يومَ، في لُبنانَ، يَعُدُّ اللُّبنانيُّ الشَّارعَ صَدرَ بيته، يَكونُ مُواطِنٌ؛ ويومَ يُحاسَبُ طبيبٌ على خَطَإٍ ارتكبَه بحقِّ مَريض، وقاضٍ لرشوةٍ أو لتَقصير، ومُحامٍ لعَمَلٍ في غَير مصلحة موكِلِه، ويُقالُ سياسيٌّ، ويُودَعُ "بيتَ خالته" على سرقةٍ وهَدرٍ وإهمالٍ وتحريض، عندَها، وعندَها فقط، تَقومُ في لُبنانَ دولةٌ.
***
"لا يُنسِيَنَّنا ما فَعلَه بعضُ الفِلِسطينيِّين بلُبنانَ وشَعبِه الأرضَ السَّليبَ، والدِّيارَ المقدَّسة، وحقوقَ شَعبٍ ظَليم. ولا يُنسِيَنَّنا ما فَعلَه السُّوريُّون بلُبنانَ وشعبِه أنَّ الحِفاظَ على الجار من الحِفاظ على الدَّار. ولا يُنسِيَنَّنا ما فَعلَه العُرْب، من أمورٍ سلبيَّةٍ، تَدَخُّلاً ومالاً سياسيًّا وميليشيَويًّا، أنَّنا من العَرَب، وقضاياهم قضايانا. ولنَتَذَكَّرَنَّ، دائمًا وأبدًا، أنَّ صداقاتِنا مع العَرَب وعبرَ العاَلَم مُفيدةٌ، وإنَّما الحرصُ واجِبٌ، والعَمالَةُ، لأيٍّ كانَ، عار. فلْنُحَصِّنَنَّ الجبهةَ الوطنيَّة، وليَكُنْ لبنانُ أوَّلاً، قويًّا شامِخًا فاعِلاً، لأبنائه، وللعَرَب، ولكلِّ قضيَّةٍ عادلةٍ في أصقاع العالَم الأربعة!
***
هذا، ولا يَندَرِجُ هذا الكتابُ في إطار سلسلة "الثَّقافة بالمَجَّان" الَّتي أنشأَها ناجي نعمان عامَ 1991، وما زالَ يُشرِفُ عليها، إذ هو مَعروضٌ للمَبيع؛ ولكنَّه يَصبُّ في دَلْوِ المَجَّانيَّة، لأنَّ مُؤَلِّفَه، "مَجنونَ الثَّقافة بالمَجَّان" - وقد قَرَّرَ وَقْفَ حياته وعمله وماله للثَّقافة المَجَّانيَّة - سيُحَوِّلُ كلَّ مَردودٍ يَأتيه من هذا الكتاب لِدَعم صُمود اللُّبنانيِّين، كلِّ اللُّبنانيِّين، في أرض أجدادهم، تمامًا كما حَوَّلَ مَردودَ كُتُبه ومُجلَّداته غير الأدبيَّة السَّابِقة، وسيُحَوِّلُ مَردودَ الآتي منها، لدَعم طباعة كتبٍ مجَّانيَّةٍ جديدةٍ من ضِمن السِّلسلة الآنِفَة الذِّكر.
***
وقد أعلن نَعمان أنَّه، بكتابَه هذا حول لبنان، وبكتابه السَّابق حول المسيحيِّين، "المسيحيُّون خميرةُ المَشرق وخمرتُه"، يُسدلُ السِّتارَ حتَّى إشعارٍ آخرَ عن رؤيته للعالم المُحيط به، لِيَنكَبَّ، من جديدٍ، على النِّتاج الأدبيّ، وله فيه، حاليًّا، خمسةُ أعمالٍ تنتظر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق