ثنائيــات....
نايف النوايسة
حَسْنــــاء
سألني أولادي خلال نصف ساعة مئات الأسئلة..
أين دار الحجة حِسْنا؟ ما شكل الدار؟ كم عمر الحجة؟ وكنت أقول لهم: اصبروا عليّ
قليلاً، الدار قريبة، وصلنا الآن..
أوقفت السيارة ونزل الأولاد، وسأل أصغرهم: أين
الباب يا أبي؟ قلت مبتسماً: ها هو الباب.. دخلنا.
مئات عبوات التنك في طريقنا، الجدران معتمة،
الضوء خافت، صوت ضعيف يرحب بنا: يا مرحبا، ادخلوا..
أنا اعرف أين تجلس، أولادي يبحثون.. اقتربنا
من مصدر الصوت.. كل شيء اسود ما عدا بياض عينيها وأسنانها..
قلنا: مرحباً يا خالة حِسْنا.
قالت: أهلاً بكم.
أعطيناها ما كان معنا وانصرفنا..
نظر إلي اصغر الأولاد وهو يبتسم وسأل بخبث: ما
اسمها يا والدي؟
قلت بحزم: حَسْناء.
أطبق علينا صمت مُخرِس، وركبنا السيارة، وقلت:
زوجها شهيد، وابناها شهيدان.. وتفرح حين يأتيها الأطفال.
****
هــروب
طولها
فارع.. ردفاها مهتزان.. ساقاها جميلتان.. مشيتها مثيرة..
لحقها الأول،
فالثاني، فالثالث، فالرابع.. جمهور كبير يلهث وراءها.. كل واحد يسعى ليرى وجهها..
البرقع حائط صلب..
تضايقت جداً..
وقفتْ.. ببطء شديد رفعت برقعها.. كانت العيون المتلصصة تأكلها.. سال لعاب البعض..
والبعض الآخر تقدم خطوة أو خطوتين.. لكن..
قفز إليهم انف
مشروم، وشفة أرنبية، وأسنان متآكلة، وبشرة برشاء..
هرب الجميع..
ضحكتْ ومشتْ
مطمئنة.
****
دِرْبــاس
كان إبراهيم يقود دِرْباس الأعمى حالما نزلا
من الحافلة.. تلفت حوله واحتار أي الطرق يسلك، أإلى اليمين أم الشمال؟ سار على غير
هدى..
إبراهيم
والحيرة تكتنفه: تِهنا يا درباس..
درباس:
في أي طريق نحن يا إبراهيم؟
إبراهيم:
لا ادري..
درباس:
أعدنا إلى موقف الحافلات..
إبراهيم:
وماذا تريد أن تعمل؟
درباس(يضحك):
أعدنا وما عليك! سبحان الله تائه أنت وتجادل..
إبراهيم(مسلّما):
ها نحن نقترب من الموقف..
درباس:
اجعل الشمس على يميني وامشِ ورائي..
إبراهيم يتبع درباس..
الناس من هنا وهناك: أعمى يقود بصيراً
درباس:
نحن نقترب من الباب.. هيا.
إبراهيم يقرع الباب ويدخلان..
****
اِمْجلّــي
لم يبقَ وتد واحد في الأرض التي وصلها اِمْجلّي إلاّ وخلعه..
خافت الناس على ضياع الحدود بين أراضيهم.. شكوه للحاكم..
وقف اِمْجلّي أمام الحاكم بكل شجاعة..
قال الحاكم: لعل فيه اعتلالاً نفسياً؟!
فحصوه طبيا بدقة..
قالوا: مجنون.
قال: أنا عاقل جدا، لكنني لا أحب الحدود..
احتاروا به، أإلى السجن أم المستشفى؟
تركوه، وأعادوا الأوتاد كما كانت..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق