محمد نجيب توفيق حسن مطر
كانت
تعرف تماماً ان ما تفعله خطأ يتعدى الحدود ليصبح خطيئة، فكيف تتعرف على شاب وهي
متزوجة، صحيح أنه مجرد اسم على شبكة النت، لا تعرف اسمه و لا فصله ولا شكله مجرد اسم صغير على شبكة الانترنت ارتاحت
لتعبيراته وكتاباته التي كانت تشرح آلامها ومشاكلها مع هذا الزواج الذي صار هماً
كبيراً وواجباً ثقيلاً أصبحت تنوء بحمله، إن هذا الرجل الذي كان يوماً أحلى
أمانيها أصبح أكبر هم في حياتها، وأكبر مسئولية ثقيلة لا تستطيع تحمل تبعاتها،
إنها كل يوم تنام على قهر وغضب شديدين فهو لا يقيم لمشاعرها وزناً ، يأتي من العمل
مكفهر الوجه، مقطب الجبين وكأنه داخل على عدو لا يأمن غدره، يطلب الطعام ويستعجله
ويأكل وكأنه جائع من سنوات مضت، يقضم اللقمات في غضب، ويفترس قطعة اللحم بدون
رحمة، يخرج له صوت أثناء ازدراده الطعام وكأنه معجنة تنوء بحملها، ويشرب فتسمع له
صوتاً مقززاً كأنه مضحة تسحب الماء من أعماق سحيقة، بعد الانتهاء من الطعام، يتناول
قدح الشاي الذي دائما لا يروق له ويقول عنه شاي مسلوق لا طعم له، يستيقظ بعد صلاة
العصر ليبدأ في متابعة البرامج العلمية فقط على قنوات التلفزيون ويستحيل طفلاً
صغيراً يتابع التطورات العلمية في شغف عجيب، ثم يتناول المجلات العلمية الأجنبية
التي تأتي إليه بالمراسلة مجاناً في معظمها يقلب فيها ويمصمص شفتيه في ضيق وينادي
عليها بصوت عالي كأنه ينادي على شخص جالس على القمر، أرأيت الغباء الذيهم فيه،
إنهم يفعلون كذا وكذا وهذا خطأُ عظيم المفروض أن يفعلو كذا وكذا.... وهي لا تفهم
شيئاً مما يقول ولا تعرف حتى الموضوع الذي يتكلم فيه ، فتهز رأسها موافقة وهي لا
تدري ، ثم يدخل إلى غرفته فيفتح الكمبيوتر الخاص به ويبدأ في البحث من جديد عن
الاختراعات الجديدة، وكأن شهيته ما زالت مفتوحة لهضم الكثير من النظريات ،اصلعت
رأسه وابيضت لحيته وكبر كرشه حتى أصبح كالحامل في الشهر التاسع ، تسمع له شخيراً
كفيلاً بإيقاظ أمة من ثباتها في ليل زاد سواده وأظلمت سناؤه، ألفاظه اللائمة
تتدحرج من فمه وكأنه طفل يتعلم الكلام، العصبية الزائدة تلازمه كظله، أنفاسه ثقيلة
تشعر بأنها تسحب كل الأكسيجين في غرفة النوم حتى أنها كانت تقوم بفتح الشباك في
أيام الشتاء الباردة لتصل على قسط جديد منه.
نظرت
إليه وهو نائم وكأنه مقلب من اللحم المهتز فاتح فمه أشعث الرأس تنطلق جذور شعيرات
بيضاء على وجهه الذي يشبه شبه المنحرف، وتقول لنفسها هل هذا هو حبيبها التي كانت تطير
به فرحاً عند رؤيته، ماذا فعلت بهما الأيام ليصبحا على تلك الحال، كانت تحاول
التودد إليه فيردها بعنف لأنه مشغول بالأخبار العلمية التي لا تنتهي إلا وتبدأ من
جديد، اكتشفوا كوكباً جديداً، تصادمت مجرتان على بعد كذا مليار سنة ضوئية ونتج عن
انفجارهما تدمير شديد وتكونت كواكب ونجوم جديدة، اكتشفوا أن الخلية الحلية ترسل
إشارات كهربية بتردد الميكروويف عند ولادتها وعند موتها، كانت كل تلك الأخبار أهم
منها ومن التودد إليها، أهم من الخروج معاً في نزهة يغيران نظام البيت الرتيب.
تركته
في نومه العميق واتجهت في حركة لا إرادية إلى المطبخ لعمل كوب من النسكافييه الذي
ينعشها ، ثم اتجهت إلى غرفتها الخاصة وقامت بتشغيل الحاسب الخاص بها لتدخل على
الانترنت لتجد الآخر على النت ويسألها في لهفة لماذا تأخرت عنه، فتقول له أنت تعرف
أنني متزوجة .. انتظرته حتى ينام، وها أنا معك، فيعطيها من الكلام أفضله ويمدح حسنها
وهو لم يرى منها أي شئ، حتى صوتها رفضت أن يصل إليه، فلقد عرض عليها المحادثة
الصوتية فرفضت فلم تسمع صوته ولم يسمع صوتها، وما زال يتغزل فيها وهي تلتزم الصمت
في انبهار من الأوصاف التي يطلقها عليها، وتعتقد أن صمتها يعفيها من المسئولية فهي
على الأقل لا تتجاوب معه، إلى أن صارحها بأنه يريد مقابلتها، فترد عليه إنني
متزوجة فيقول نعم أعرف وماذا في هذا فأنا متزوج أيضاً وأعاني مثلما تعاني، ومن
حقنا أن ننعم بحياتنا ، زوجتي إمرأة كئيبة ونكدية لا تفهم من الحياة سوى الطبخ و
لا يشد خيالها سوى المسلسلات التافهة، شعرها دائماً ملفوف، وشكله متجعد ربما لم
يلمس الماء من أيام طويلة، لا تجيد سوي المسبكات والمحشيات والمشويات، فكرها سطحي
وتافه، وعندما تضع المساحيق على وجهها، تصبح كالبلياتشو في السيرك، لا تفهم من
الدلال والجمال سوى المساحيق الكثيفة والعطور الثقيلة، متعتها في الحياة الشكوى
والحكايات التافهة في مناقب ومساوئ الجيران والمعارف، مللت من رائحة المطبخ التي
تنبعث من ثيابها، أخبره أنه أحس من كلامها معه أنها المرأة الوحيدة التي تفهمه،
فقالت له وانت الرجل الوحيد الذي يفهمني، فقال لها إذن نتقابل، فسألته في استغراب
كيف ولماذا وما الهدف من اللقاء، قال لها الحياة قصيرة ولابد أن نستمتع بها،
والجسد ملكية خاصة لنا ومن حقنا أن نعطيه لمن نحب ، فهمت مراده واحمر وجهها خجلاً
من الصراحة التي يتحدث بها، استكمل في حماسة : أنا أحببتك بجنون وأريدك، وأنت
تحبيني أليس كذلك فردت دون ان تدري نعم، إذن فليعلن الحب سطوته ولنتقابل في مكان
هادءئ نتعرف على بعضنا ويعطي كل منا للآخر ما يفتقده ونعود إلى حياتنا نعيشها كما
هي لكي لانفسد الأمر على الآخرين، قالت له في دلال دعني أفكر، قال لها في سرعة لا
تفكير سأقابلك في الغد الساعة الثانية عشرة كأنك في السوق وكأني في العمل وسنعود
في الثالثة لنعيش الحياة بروح جديدة ونظرة سعيدة، نظرت في المرآة الموجودة أمامها
وأخذت تتفرس في قسمات وجهها وأجزاء جسدها الذي كاد أن يترهل بعد تلك السنين
العجاف،استكمل في ابتهاج: سنتقابل في محطة مترو الأنفاق محمد نجيب ثم نركب سوياً
إلى العتبة ونستقل السيارة إلى شقتي الجديدة وسأعيدك الساعة الثانية والنصف عصراً
إلى محطة العتبة لتركبي إلى بيتك، سألته في سرعة قبل أن يغلق، كيف أعرفك وتعرفني،
قال ها سأرتدي بدلة زرقاء، وسأضع في جيبي منديل أحمر وسأرفع التليفون المحول عندما
أراكي ترتدين الفستان الأزرق، وتضعين على كتفك شالاً أحمر، ألديك تلك الألوان قالت
في عجل نعم.
انتابتها
فرحة شديدة لكن كان شبح الخيانة ينغص عليها فرحتها، كيف تفعل ذلك وهي التي حافظت
على شرفها قبل الزواج وبعده، كيف تفعل ذلك وهي تخاف الله وتخشى عقابه وتطمع في
جنته، لكن شيطانها غلبها فباتت في سعادة لا توصف وكأنها عروس تزف إلى عريسها.
قامت
من الصباح فأخذت حمامها ثم تزينت كأحلى ما يكون وارتدت ملابس داخليه مثيرة، وفوقها
فوقها الفستان الأزرق ثم وضعت عليه الشال الأحمر وخرجت تمشي وكأنها على وشك السقوط
من شدة خجلها، فهذه أول مرة تقابل فيها رجلاً آخر غير زوجها، ونزلت في المحطة
وجلست على أحد المقاعد متوترة تغالب نازع داخلها يدعوها للهروب، وفجأة رأته من
بعيد، فنظرت إلى الأرض من الخجل وتقدم إليها في ثقة وأمسك التليفون المحمول، ونظر
إليها ورفعت عينيها لتراه، لقد كان ... زوجها.....
ذهبت
إلى بيت أبيها مباشرة وأخبرته أنها وزوجها اتفقا على الطلاق وأنها ستنتظر عنده
لحين إتمام الإجراءات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق