في بيتنا دستور
الشربيني المهندس
.. سلم النزول من علي شجرة الفقر كان رجلا أم ورقة مع أغنيه هـو حلم يراود الكثير من البسطاء بعد أن عض أجيالا من المصريين ..
.. دستور يا أسيادنا مستأذنا في الدخول .. تلفت يمنة ويسرة ثم إلي الخلف وأنا أحاول أن الفت انتباهه أن يكون ذلك بقدمه اليمني ، مع مسح قدميه بالدواسة الجلد أمام الباب للتخلص من آثار مياه المجاري الطافحة باستمرار بالشارع .. اختفت معظم حروف كلمة مرحبا من علي سطح الدواسة .. تراجع الرجل للخلف يتفحص الأوراق التي يحتضنها وهز رأسه ثم استدار ليهبط دركات السلم القليلة .. قبل وصوله للدرجة المكسورة استوقفته ..
_ ما الذي حدث يا أستاذنا ..؟
_ ما تقوله يا سيدي غير موجود في الأوراق ..
.. كانت الإشاعات قد سرت بين جنبات الحي وداخل غرف النوم وذلك بعد هروب عم عبده بعربة الفول خوفا علي سوسه من الانتشار بأوراق الدستور الجديد .. وأغلق المخبز الإفرنجي الوحيد أبوابه بعد ظهور الخلافات حول الرغيف الشرعي .. وأغلقت مدرسة البنات أبوابها بعد حملة زواج الصغيرات وخوفا من خطفهن .. ولم تتوقف المظاهرات المطالبة بسقوط الدستور إلا بعد ظهور التشققات والتصدع بالبيت الأبيض الكائن بشارع السلام وإخلاء السكان منه ..
__ تفضل يا أستاذ بالدخول كيفما شئت فالضرورات تبيح المحظورات
.. كانت زيارة الرجل ومعه مسودة الدستور الجديد - والتي احتضنها بعناية كبيرة – بعـد اتصالات مكثفة بالإدارة المحلية لمحافظتنا .. وقد هز الشوق أفراد العائلة والذين اجتمعوا لأول مرة علي معرفة شئ ما .. وكان ذلك أيضا مع توسط وبالحاح من ابن عمي بالمجلس المحلي وعضو اللجنة التأسيسية للدستور وجاري بالدور العلوي ، والذي أكمل دراسته بكلية الحقوق أثناء العمل .. شاركنا بجدية ابن الخالة وجارنا بالدور الأول علوي ، وهو بالمناسبة يعمل مع سكرتير السيد المحافظ ويطلق لحيته وعضو المجلس المنحل ويسبقنا إلي الصلاة بالمسجد يوم الجمعة .. وكان أكثرنا حركة للاستحواذ علي نسخة هو الصول بالداخلية وزوج أختي التي تسكن بالدور الأرضي المرتفع .. وكانت الزيارة بحجرة الصالون بشقتها في وجود ممثلي العائلة .. جلس الأستاذ علي الأريكة .. جفف حبات عرق لصقت بجبهته .. وضع ساقا فوق الأخرى .. ارتشف حبات الشاي الأخضر .. مفيدة هي لأصحاب الضغط العالي والسكر كما تقول قناة الناس الحلوين الفضائية .. سألته لماذا كنت تتلفت للخلف وما سر هذا العرق ..
- كنت أخفي النسخة تحت الشلته من أقمشة قديمة علي مقعد متهالك متروك في احد أركان الحجرة بمنزلنا في انتظار بائع الروبابيكيا .. وعندما عدت لآخذه وجدت مكانة مكتبة جديدة .. ظننت أن مرسي ابني الأكبر قد اشتراها وسأسأله عند عودتي ..
- ثم ماذا يا أستاذ اعترف ..رد الصول يستحثه علي مواصلة الحكاية
- في طريقي إليكم عبرت المزلقان قبل قدوم القطار وإذا بصرخات تتعالي والقطار ينطلق بعيدا وسيارة محطمة تجمع حولها الأهالي ، وعدت لأستكشف الخبر ولم أفم شيئا فالبعض يتحولق والآخر يبكي ، ومنهم من يطالب بحضور سيارة الإسعاف ..
تشرئب الأعناق حوله فيعيد تبديل ساقا فوق الأخرى .. يشم غلاف الدستور .. يستكمل .. وضعت الدستور علي السيارة حتي استطيع المساعدة في استخراج المصابين ومن كان حيا .. وبين ذهول الناس خرج الركاب جميعا من وسط حطام السيارة ولم يصب أي منهم بخدش واحد وتعالت الزغاريد .. وأسرعت الخطي وأنا لا أصدق ما حدث ..
حانت مني التفاته والرجل يزيح الدستور قليلا إلي ركن المنضدة ، فلاحظت تنوع المشروبات وعلبة شيكولاته تتوسط المنضدة مع قطع من البسكويت والحلوي .. من أين لأختي بهذه الرفاهية وهل هناك حوافز كبيرة بالداخلية ..
عاد الرجل بظهره للخلف وقد ران الصمت علي المكان ، إلا من فترات تناول المشروبات .. دوري في الحديث وفرصة ذهبية .. جلست ..أعرف أنه ليس موقف خطبة ومواعظ ..ماذا تريد العائلة ..أحفظ حكم ومواقف تاريخية ، ولكني أدرك أن علي الرجل أن يكون حريصا ودقيقا فيما يصدر عنه ، وأن يزن كلماته ، قبل أن يطلقها إلى الطرف السامع، لأن الكلمات، كما قيل، كالرصاصات سواء بسواء، إذا ما انطلقت صار من المستحيل أن تعود إلى النقطة التي بدأت منها .. روادتني ابتسامة المثقف الواعي عن السهم ينطلق ولا يعود .. والزمن يمضي ولا يتوقف .. والصدفة تأتي مرة واحدة .. مع دخان السجاير المنطلق في جو الحجرة كانت الإشارات من الأقارب من تحت لتحت .. هاهي الفرصة سانحة لتحقيق المعجزة في بيتنا فماذا أطلب .. دارت عيناي تستشف أشياء من وجوه الحاضرين .. وفاض قلبي بكلام صالح ولكنني استعجل الكلام المفيد .. ها .. وجدتها ..
..أن تمطر السماء ذهبا .. هززت رأسي فساعتها سوف تتحكم الرياح في الذهب وسيحصل الجيران علي كمية من الذهب .. أعرف مطامعهم سيبيعون الدهب برخص التراب لشراء اللحم والفاكهة .. عبده ذو اللحية البيضاء يريد الزواج من وراء ظهر زوجته .. لن أشاركه في هذه الحكاية ودعاء الأبناء عليه ..
أشار الرجل بيده علامة عدم الموافقة .. نظرات الدهشة تسبقني فأنا لم أنطق بكلمة بعد .. هل يعرف ما أفكر فيه .. تجاهلته لكنه سارع بالقول ..
- من الأفضل أن نغير اسم الشارع .. - نسميه (وول ستريت) أي شارع المال بالأمريكاني .. قالها ابن عمي الذي يجيد الانكليزية من أيام تعلمها في سبعة أيام والفخر يدغدغ مشاعره
واستغرقني التفكير .. هل نطالب بظهور البترول في بيتنا .. طبعا سنبني سور لحماية حقنا .. وكيف سنقسم الأرباح .. ؟
انتفضت واقفا .. أنا المدير .. هذا حلمي .. النظرات المذعورة أعادتني إلي رشدي .. جلست أحكي لهم ما أفكر فيه وكيف نطالب بالنص بعدم التعدي علي الملكية الخاصة بالدستور وقد اختلطت رائحة المجاري بدوائر الدخان المتصاعد إلي سقف الحجرة ينافس نظرات الجميع المتعلقة به ..
.. سلم النزول من علي شجرة الفقر كان رجلا أم ورقة مع أغنيه هـو حلم يراود الكثير من البسطاء بعد أن عض أجيالا من المصريين ..
.. دستور يا أسيادنا مستأذنا في الدخول .. تلفت يمنة ويسرة ثم إلي الخلف وأنا أحاول أن الفت انتباهه أن يكون ذلك بقدمه اليمني ، مع مسح قدميه بالدواسة الجلد أمام الباب للتخلص من آثار مياه المجاري الطافحة باستمرار بالشارع .. اختفت معظم حروف كلمة مرحبا من علي سطح الدواسة .. تراجع الرجل للخلف يتفحص الأوراق التي يحتضنها وهز رأسه ثم استدار ليهبط دركات السلم القليلة .. قبل وصوله للدرجة المكسورة استوقفته ..
_ ما الذي حدث يا أستاذنا ..؟
_ ما تقوله يا سيدي غير موجود في الأوراق ..
.. كانت الإشاعات قد سرت بين جنبات الحي وداخل غرف النوم وذلك بعد هروب عم عبده بعربة الفول خوفا علي سوسه من الانتشار بأوراق الدستور الجديد .. وأغلق المخبز الإفرنجي الوحيد أبوابه بعد ظهور الخلافات حول الرغيف الشرعي .. وأغلقت مدرسة البنات أبوابها بعد حملة زواج الصغيرات وخوفا من خطفهن .. ولم تتوقف المظاهرات المطالبة بسقوط الدستور إلا بعد ظهور التشققات والتصدع بالبيت الأبيض الكائن بشارع السلام وإخلاء السكان منه ..
__ تفضل يا أستاذ بالدخول كيفما شئت فالضرورات تبيح المحظورات
.. كانت زيارة الرجل ومعه مسودة الدستور الجديد - والتي احتضنها بعناية كبيرة – بعـد اتصالات مكثفة بالإدارة المحلية لمحافظتنا .. وقد هز الشوق أفراد العائلة والذين اجتمعوا لأول مرة علي معرفة شئ ما .. وكان ذلك أيضا مع توسط وبالحاح من ابن عمي بالمجلس المحلي وعضو اللجنة التأسيسية للدستور وجاري بالدور العلوي ، والذي أكمل دراسته بكلية الحقوق أثناء العمل .. شاركنا بجدية ابن الخالة وجارنا بالدور الأول علوي ، وهو بالمناسبة يعمل مع سكرتير السيد المحافظ ويطلق لحيته وعضو المجلس المنحل ويسبقنا إلي الصلاة بالمسجد يوم الجمعة .. وكان أكثرنا حركة للاستحواذ علي نسخة هو الصول بالداخلية وزوج أختي التي تسكن بالدور الأرضي المرتفع .. وكانت الزيارة بحجرة الصالون بشقتها في وجود ممثلي العائلة .. جلس الأستاذ علي الأريكة .. جفف حبات عرق لصقت بجبهته .. وضع ساقا فوق الأخرى .. ارتشف حبات الشاي الأخضر .. مفيدة هي لأصحاب الضغط العالي والسكر كما تقول قناة الناس الحلوين الفضائية .. سألته لماذا كنت تتلفت للخلف وما سر هذا العرق ..
- كنت أخفي النسخة تحت الشلته من أقمشة قديمة علي مقعد متهالك متروك في احد أركان الحجرة بمنزلنا في انتظار بائع الروبابيكيا .. وعندما عدت لآخذه وجدت مكانة مكتبة جديدة .. ظننت أن مرسي ابني الأكبر قد اشتراها وسأسأله عند عودتي ..
- ثم ماذا يا أستاذ اعترف ..رد الصول يستحثه علي مواصلة الحكاية
- في طريقي إليكم عبرت المزلقان قبل قدوم القطار وإذا بصرخات تتعالي والقطار ينطلق بعيدا وسيارة محطمة تجمع حولها الأهالي ، وعدت لأستكشف الخبر ولم أفم شيئا فالبعض يتحولق والآخر يبكي ، ومنهم من يطالب بحضور سيارة الإسعاف ..
تشرئب الأعناق حوله فيعيد تبديل ساقا فوق الأخرى .. يشم غلاف الدستور .. يستكمل .. وضعت الدستور علي السيارة حتي استطيع المساعدة في استخراج المصابين ومن كان حيا .. وبين ذهول الناس خرج الركاب جميعا من وسط حطام السيارة ولم يصب أي منهم بخدش واحد وتعالت الزغاريد .. وأسرعت الخطي وأنا لا أصدق ما حدث ..
حانت مني التفاته والرجل يزيح الدستور قليلا إلي ركن المنضدة ، فلاحظت تنوع المشروبات وعلبة شيكولاته تتوسط المنضدة مع قطع من البسكويت والحلوي .. من أين لأختي بهذه الرفاهية وهل هناك حوافز كبيرة بالداخلية ..
عاد الرجل بظهره للخلف وقد ران الصمت علي المكان ، إلا من فترات تناول المشروبات .. دوري في الحديث وفرصة ذهبية .. جلست ..أعرف أنه ليس موقف خطبة ومواعظ ..ماذا تريد العائلة ..أحفظ حكم ومواقف تاريخية ، ولكني أدرك أن علي الرجل أن يكون حريصا ودقيقا فيما يصدر عنه ، وأن يزن كلماته ، قبل أن يطلقها إلى الطرف السامع، لأن الكلمات، كما قيل، كالرصاصات سواء بسواء، إذا ما انطلقت صار من المستحيل أن تعود إلى النقطة التي بدأت منها .. روادتني ابتسامة المثقف الواعي عن السهم ينطلق ولا يعود .. والزمن يمضي ولا يتوقف .. والصدفة تأتي مرة واحدة .. مع دخان السجاير المنطلق في جو الحجرة كانت الإشارات من الأقارب من تحت لتحت .. هاهي الفرصة سانحة لتحقيق المعجزة في بيتنا فماذا أطلب .. دارت عيناي تستشف أشياء من وجوه الحاضرين .. وفاض قلبي بكلام صالح ولكنني استعجل الكلام المفيد .. ها .. وجدتها ..
..أن تمطر السماء ذهبا .. هززت رأسي فساعتها سوف تتحكم الرياح في الذهب وسيحصل الجيران علي كمية من الذهب .. أعرف مطامعهم سيبيعون الدهب برخص التراب لشراء اللحم والفاكهة .. عبده ذو اللحية البيضاء يريد الزواج من وراء ظهر زوجته .. لن أشاركه في هذه الحكاية ودعاء الأبناء عليه ..
أشار الرجل بيده علامة عدم الموافقة .. نظرات الدهشة تسبقني فأنا لم أنطق بكلمة بعد .. هل يعرف ما أفكر فيه .. تجاهلته لكنه سارع بالقول ..
- من الأفضل أن نغير اسم الشارع .. - نسميه (وول ستريت) أي شارع المال بالأمريكاني .. قالها ابن عمي الذي يجيد الانكليزية من أيام تعلمها في سبعة أيام والفخر يدغدغ مشاعره
واستغرقني التفكير .. هل نطالب بظهور البترول في بيتنا .. طبعا سنبني سور لحماية حقنا .. وكيف سنقسم الأرباح .. ؟
انتفضت واقفا .. أنا المدير .. هذا حلمي .. النظرات المذعورة أعادتني إلي رشدي .. جلست أحكي لهم ما أفكر فيه وكيف نطالب بالنص بعدم التعدي علي الملكية الخاصة بالدستور وقد اختلطت رائحة المجاري بدوائر الدخان المتصاعد إلي سقف الحجرة ينافس نظرات الجميع المتعلقة به ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق