محمد نجيب مطر
كان الفني سمير من الجيل القديم الذي تخرج من
المدارس الثانوية الصناعية في نهاية الخمسينات، وكان متمكناً في دوائر التحكم
والسيطرة في الدوائر الكهربية، وكانت خبرته داخلية لا يعلم بها الكثيرون إلا رئيسه
المهندس الشاب الذي قد يكون من عمر أولاده ولكن لوائح العمل تجعل هذا المهندس
رئيساً لهذا الفني الكبير، وكان المهندس يعامله بكل احترام ويطلب منه العمل بطريقة
مؤدبه لا تجرح مشاعره، ولهذا أحبه الفني وقدره ووقره أمام بقية زملائه ومرؤسيه،
وقد قامت الشركة التي يعمل فيها باستيراد ماكينات طباعة حديثة من اليابان، وبعثت
الشركة الموردة مهندسين يابانيين للإشراف على تركيب وتشغيل هذه المطبعة، وفي أثناء
عملية التسليم حدثت مشكلة أربكت الخبراء اليابانيين، فقد كان خط سحب الأوراق لا
يعمل بصورة جيدة دائماً، فأحياناً يسحب الأوراق بصورة عادية وأحياناً لا يتم السحب
بالسرعة المطلوبة فتتراكم الأوراق فوق بعضها البعض، فيعيد الخبراء فك هذا الجزء
ويعيدون تركيبه بكل دقة واهتمام ولكن بلا جدوى واستمر هذا المسلسل أسبوعاً حتى
أحبط الخبراء وبدأوا في كتابة تقارير عن المشكلة إلى شركتهم لتجد لهم حلاً، فاقترح عليهم أحد المهندسين الاستعانة بالفني
سمير وعند حضوره التجربة الفاشلة لخط الطباعة، تقدم إلى الجزء الذي يحدث به التكدس
ثم مد يده، ثم نظر يميناً ثم يساراً ثم ابتسم، فعلم رئيسه أن الفني قد توصل للحل،
كان الجو متوتراً وخصوصاً بعد حضور رئيس مجلس إدارة الشركة وصبه جام غضبه على
الشركة الموردة وتهديده بدفع غرامة تأخير كما ينص العقد على ذلك، طلب الفني سمير
من الجميع أن يمهلوه خمس دقائق واستأذن منهم أن يخرجوا ويخلو المطبعة، نظر الجميع
إليه في استياء، نظر المهندس إليه في حب وشفقة فغمز له بعينه، فابتسم وخرج وهو
مطمئن، وبعد خمس دقائق بالضبط فتح باب المطبعة وسمح لهم بالدخول ثم أغلق الباب من
خلفهم، كان شكله يشبه الحواة الذين يستخرجون الكتكوت من جيوبهم، فأشار إليهم فإذا
الماكينة تسحب الأوراق في دقة وسرعة عالية، نظر الجميع بدهشة وسألوه ماذا فعل فقال
لهم لقد قمت بإجراء بعض التضبيطات ووجدت قطعة ورقة صغيرة محشورة وأراهم قطعة صغيرة
من الورق في يده، وقام الخبراء بتشغيل الماكينة ثم تشغيلها عدة مرات وسارت الأمور
على ما يرام وانتهت المشكلة فأثنوا على هذا الفني الرائع، وانصرفوا وهم متعجبون.
خرج الجميع من المطبعة وظل بها المهندس ينظر
إليه في ريبة، وبدأ المهندس الكلام فقال له إنك تكذب فالورقة التي أريتنا إياها
كانت منتظمة القطع، وذلك القطع المنتظم لا تقطعه الماكينة بل تقطعه اليد، وبقية
الورقة التقطتها من سلة المهملات تكمل هذه الورقة تماماً أنت قطعت الورقة بيدك
ورميت ببقيتها في سلة المهملات، ثم ادعيت أنك وجدت هذه الورقة محشورة أليس كذلك،
ضحك الفني سمير حتى كاد أن يقع وقال نعم، سأله : والمشكلة الحقيقية ؟ قال سأخبرك
على شرط أن تطلب لي ساندوتش فول وآخر
طعمية وكوب من الشاي، وبعد أن انتهى من الأكل وشرب الشاي قال : لقد كان الباب مفتوحاً وكانت النافذة المقابلة
له مفتوحة أيضاً فتكون تيار هواء متعامد على خط سحب الأوراق التي تعمل بشفط
الهواء، فقمت بغلق النافذة وغلق الباب فانقطع تيار الهواء فانتظم سحب الأوراق
بواسطة شفط الهواء، ثم ركض وركض وراءه المهندس ليضربه وهما يتضاحكان.
وفي الطريق جرى وراءه أحدهم وأخبره أن الماكينة
تعطلت مرة أخرى بعدما فتحوا النافذة لأن الجو في المطبعة شديد الحرارة، فرد عليه
الفني قائلاً : الهوى مالوش دوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق