نجلاء محرم
(كيف يخطر ببال أحدٍ أن يحرمنى إياك أيها الحبيب؟
تذكرت لقائى الأول بك حين سمعته يهذى ويحض على هدمك!)
كان لقاءً مبهرا..
لقاءٌ تأخر.. لكنه حين جاء جاء مبهرا..
***
فى يوم شتوى غائم.. حملتها الحافلةُ وزملاءَها إليه..
العصر كان قد مر.. أو يوشك..
والسماء مغطاة بطبقات تحتها طبقات فوقها طبقات من الغيوم.. جعلت الوقت يبدو وكأن الليل يوشك أن يحل..
اللون الرمادى ينذر ببرودة قارسة تنتظرهم خارج الحافلة..
ويبزغ هو شيئا فشيئا..
تشق قمته الأفق الرمادى..
بوعى ابنة الثامنة تدرك مدى ضخامته.. هو أضخم كثيرا كثيرا مما تصورت.. وأعظم مما قرأت عنه فى مجلة "المعرفة" التى يقضى شقيقها جُلَّ وقته فى تصفحها.. وبعض وقته فى شرح شئ من محتواها للصغيرة كثيرة الأسئلة..
تقترب الحافلة فيبدو وكأنه يتعمد أن يسد الأفق أمامها..
يزداد شموخا..
تدور العجلات صاعدة الربوة التى يجثم عليها.. ثم تتوقف..
كحبات خرز ملونة يتدحرج الأطفال خارجها..
الأسنان تصطك والأجساد ترتعش..
يدها فى يد معلمها.. يجريان صاعدين نحوه..
عيناها لا تحيدان عنه..
مهابة لا حدود لها ملأت القلب وفاضت..
فوق قمته المدببة تبدو السماء قاتمة.. بعيدة.. عالية ..
لا تدرى لماذا وَقَرَ فى نفسها أن السماء ترفع نفسها عن عمد خشية أن تغضبه بمس قمته..
وتساءلت هل كان يمكن أن تكون السماء أكثر قربا لو كان الهرم أقل ارتفاعا؟
يدها فى يد المعلم.. يعدوان فى الطريق الصاعدة نحوه..
رياح الشتاء العنيفة الباردة تبطئ سرعتهما.. لكنهما لا يتوقفان..
يضحكان حين تستقوى الرياح عليهما وتنجح فى صدهما لثوانٍ..
كلما صعدا.. يظهر جزءٌ كان مختفيا.. لينكشف الجسده المهيب تباعا من الأعلى للأسفل..
حبات الخرز تكاد تتدحرج خلفا.. لكنها تجاهد.. تفتح أذرعها وتغمض عيونها وتباعد سوقها وتخفض رؤوسها علَّهَا تقدر على رياح الشتاء حارسة مقبرة الملك..
باستمرار الخَطْوِ الصاعد ينكشف الجسد كاملا..
من قاعدته لقمته..
انتابها صمت لم يكن من شيمها..
سكنها هدوءٌ ما كان يُرْصَدُ فى تصرفاتها.. هدوءٌ أقرب للجمود..
لم تجرِ مع زملائها.. لم تضحك.. لم تلعب..
فقط.. سارت حتى وصلت إليه..
لم تتجاوز قامتها ارتفاع الحجر الذى وقفت بجواره إلا قليلا!
مدت أناملها لتلمسه.. ثم سارت وأنامل يمناها تتحسس باقى الأحجار واحدا تلو الآخر..
انتابتها رغبة جارفة فى البكاء جعلتها تتحاشى الآخرين أكثر وأكثر..
انفرطت بضع دمعات دافئات على الخدين الباردين..
لم تفهم لماذا تفتت قلبها تحت وطأة هيبته..
ولم يكن لها سابق عهد بالخضوع والتسليم والإكبار والـ"حب"..
لم تدرك أنها وقعت فى أسر هذا العظيم..
وأنه قد سكن جوارحَها عشقٌ مازال فتيا كيوم اللقاء الأول!
أكتوبر 2008
هناك تعليقان (2):
ضعيفة
إنها النهاية ما أضعفت النص بعد سياق جيد
إرسال تعليق