2013/09/01

لجنة الخمسين .. بقلم: قاسم مسعد عليوة



لجنة الخمسين
قاسم مسعد عليوة

    
كم من مكاتبة وكم من مذكرة احتجاجية دفع بها اتحاد كتاب مصر، صوب مجلس النواب، وصوب من كانوا يمسكون بأزِمَّة الحكم، لتمثيل المثقفين قى الفعاليات والمجالس واللجان القومية المختلفة، لعل أهمها على الإطلاق اللجنة التأسيسية التى أنيط بها وضع دستور البلاد الجديد، دستور 2012م، لكن ما من أذن أصغت، وما من عقل أنصت.
     دائما كان الرفض، بل الإمعان فى الرفض، هو رد الفعل، الذى لا رد فعل سواه، حيال هذا المطلب شديد المنطقية. الآن تغير الوضع، وصار للمثقفين ممثلون ـ بنسب محترمة ـ فى لجنة الخمسين، وفى اللجنة الاحتياطية كذلك.   
     هكذا دارت الأيام بقوة الشعب الذى أبى إلا أن يفرض إرادته يوم 30 يونيه 2013م. ويعيد الحق إلى نصابه.
     ربما كانت لى بعض تحفظات على عدد من الأسماء المشتركة فى اللجنة من غير المصنفين فى التشكيل كمثقفين (أدباء وفنانين وكتاب)، منها على سبيل المثال اسم ذلك الشخص الذى شارك من حكموا البلاد بعد ثورة 25 يناير2011م. فغمروا شوارعها بالدماء، لكن مما يهون الأمر أنها أسماء قليلة للغاية.
     موقف المنتصرين لوضع دستور جديد (جملةوتفصيلاً) موقف منطقى، وكنتُ ومازلتُ أحسب نفسى واحدًا منهم، فهل نسينا أن إسقاط دستور 2012م. كان واحدًا من أهم مطالب ثورة 30 يونيه 2013م. هل كنا نتنادى بتعديل مادة، أو عدد من المواد، أم كان الإسقاط الكلى هو المطلب البارز؟.. لقد ثار الشعب على أمور كثيرة من أبرزها استئثار فصيل سياسى واحد بوضع الدستور الذى حل محل دستور1971م. لذا أتوقع إضافات وتعديلات سيتم إدخالها على هذا الدستور تفوق بكثبر ماقامت به لجنة العشرة.
     وعلى ذكر لجنة العشرة، فأنا مع الرأى القائل بأن دورها تال لدور لجنة الخمسين وليس سابقـًا عليه كما حدث. لقد حددت هذه اللجنة المصغرة ما ينبغى تعديله، أى أنها أطـَّرَت دور لجنة الخمسين، ولو نظريًا، فى حين أنها لا تخرج عن كونها لجنة فنية، بينما لجنة الخمسين الجامعة لممثلين عن أغلب أطياف الشعب، لجنة سياسية التكوين والغرض. العكس كان هو الأجدى، فتقوم لجنة الخمسين بوضع تصوراتها وتحدد المواد المطلوب إضافتها والمواد المطلوب حذفها أو تعديلها، وتسلم ما انتهت إليه للجنة العشرة باعتبارها لجنة خبيرة لتقوم بمهمة الصياغة القانونية والفنيةقبل الطرح على الشعب من خلال الحوار المجتمعى أو عملية الاستفتاء. 
     ومع هذا، وبالرغم منه، فأنا مثل كثيرين متفائل بتشكيل لجنة الخمسين. متفائل دون إغراق أو شطط، ولو طـُلبَ منى تحديد نسبة لتفاؤلى هذا، لقلت إننى متفائل بنسبة 70%، وهى نسبة غير هينة، وفى حدودها أتوقع أداءً يترجم أمانى الشعب وطموحاته ترجمة معقولة، مثلما أتوقع من المناهضين لهذه الأمانى هجومًا وشوشرة وتشويهًا.
     وأحسب أننا لسنا بحاجة إلى تأكيد مراقبتنا لهذا الأداء، ليس فقط لأن مبدأ المراقبة أداة رئيسة من أدوات الديموقراطية المعاصرة،  وإنما لكون الدستور هو العقد الذى يحدد العلاقة بيننا وبين حكامنا، ومن ثم فإن التدليس فيه من شأنه أن يصيبنا ويصيب مصرنا فى مقتل، لذا سنراقب أداء لجنة الخمسين وفيهم أصدقاء وزملاء أعزاء، فإن أصابوا أشدنا بهم، وإن أخفقوا حاسبناهم.
     وفى كل الأحوال لن نقبل، نحن جموع الشعب، إلا بالدستور الذى يعمل على تنمية البلاد، ويعزز الحياة الديموقراطية فيها، ويقيم موازين العدل بكل مسمياته بلا ميل أو زيع أو  اعوجاج؛ دستور مدنى، يرسخ لمبدأ المواطنة، خالٍ من الصياغات الهشة والتعبيرات المطاطة، يقضى على التمييز، يحترم حقوق المرأة والأقليات ويرعى حقوق الطفل؛ دستور يحمى قناة السويس مثلما يحمى نهر النيل، يحول دون سيطرة حزبٍ أو فصيلٍ على مقدرات البلاد؛ دستور يحمى الهوية ويعمق للتعددية، يرفع من شأن الحريات إلى أعلى سقف، ويدفع إلى الابتكار والإبداع إلى أقصى مدى.
     والمسئولية الكبرى، والتحدى الأعظم، إنما يقعان على كواهل أعضاء اللجنة من المثقفين.
الأول من سبتمبر2013م.
قاسم مسعد عليوة


ليست هناك تعليقات: