هل بُنِى المسجد الأقصى مكان هيكل سليمان ؟
بقلم د / محمد مبارك البندارى
من الفينة إلى الأخرى يدخل الصهاينة
المسجد الأقصى ، ويقومون بالاعتقال والامتهان للمصلين والركّع السجود ، عقب زيارة
لمتطرف دينى أو جماعة دينية متطرفة لساحة الأقصى ، بدعوى أن المسجد الأقصى تحته
هيكل سليمان !
واقتحام باحات المسجد لم تتوقف منذ احتلال
القدس الشرقية 1967م ، فقد بدأت الاعتداءات على المسجد الأقصى فى
عام 1967م عندما اقتحم الجنرال موردخاى
غور ورفع العلم الإسرائيلى على المسجد ، وصادر مفاتيح المسجد ، وأغلقه لمدة أسبوع كامل
، وفى عام 1969م تعرّض الجناح الشرقى لحريق مفتعل ، وفى
عام 2000 م سبتمبر اقتحم أرييل شارون وجمع
من المتطرفين باحات المسجد الأقصى لتندلع شرارة مواجهة دموية بين الفلسطينيين
والإسرائيليين لفترات طويلة على إثر هذا الاقتحام ، وفى عام 2007 م اقتحم المستوطنون ساحات الحرم ، وردّدوا
هتافات ضد العرب ، وفى عام 2013 م اعتدى
ضابط إسرائيلى على فلسطينية وركل القرآن الكريم بقدمه ،
وفى مطلع مارس أصيب حوالى 60 فلسطينيًا بالاختناق جرَّاء إلقاء القنابل على
المصلّين ، واقتحم الإسرائيليون باحات المسجد بأكثر من 20جنديًّا ، ومثلهم من المحتلين في عام 2014 م
، ومنذ أيام بدأت المواجهات مرة أخرى ، إثر اقتحام الجنود للمسجد الأقصى .
وهذه الاعتداءات المتكررة - والتى لم تتوقف - سببها اعتقاد اليهود أنّهم
أحقّ بالمسجد الأقصى على الأقل من الناحية التّاريخيّة ، فقد بُنى على "
الهيكل " – كما يزعمون - ، وهذا النقاش المحموم بيننا واليهود حول صاحب الحقّ
التاريخىّ في هذه البقعة المباركة " بيت المقدس " منذ أمدٍ بعيد ، ورغم
أنّ اليهود يعلمون علم اليقين أنّ العرب العماليق سكنوا هذه المنطقة قبل اليهود ،
إلا أنهم يحاولون بشتَّى الطُّرق أن يثبتوا أحقيَّتهم التَّاريخية في هذه الأرض
المباركة .
فمذ
فتح عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – بيت المقدس ، وبنى المسجد ، واليهود يزعمون أن المسجد بُنى على هيكل سليمان
، ويقومون منذ احتلالهم لفلسطين في العصر الحديث بالحفر تحتَ المسجد الأقصى لعلَّهم
يجدون أحجارًا تعود إلى عصر نبىّ الله سليمان – عليه السلام - ، والغريب أنهم مذ
أكثر من نصفِ قرن لم يجدوا شيئا يقوّى زعمهم الباطل .
والمسجد الأقصى بُنى مسجدًا منذ القدم
فقد سئل - صلى الله عليه وسلم - : أىُّ المساجد بُنى أولًا ؟ فقال : " المسجد
الحرام " ، قيل : ثم أىّ ؟ قال : " المسجد الأقصى " ، قيل : كم كان
بينهما ؟ قال : أربعون" .
وسُمّى بالأقصى لبعد ما بينه وبين المسجد الحرام ، وكلمة الأقصى
أى الأبعد ، وكان أبعد مسجد عن أهل مكّة
في الأرض يعظَّم بالزِّيارة ، ويبدو أنّ الأربعين عامًا بعد رفع الخليل وإسماعيل
عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم ، وبناه يعقوب – عليه السلام – لبنى
إسرائيل يصلّون فيه لله ، ويوحّدون فيه الله ، وإسرائيل هو يعقوب - عليه السلام -
، ومع اختلاف المُسمَّى والإشارة إلى المكان فلا ضَير أن يكون المسجد في عُرفهم
مؤخرًا اسمه " هيكلا " لكن كما بيّن نبينا – صلى الله عليه وسلم - أنه
كان مسجدًا ، وسيظلُّ بإذن الله مسجدًا إلى يوم الدين .
والمسجد الأقصى أحقّ الناس بإدارته وعبادة الله
فيه " المسلمُون " عبر كلّ زمان ، فإذا ضَلّوا نُزعت منهم قيادته ، كما
فُعل مع بنى إسرائيل ، فالمسلمُون الآن هم أولى النّاس به .
لأَنَّ المسلمين هم ورثة جميع الأنبياء
قال - صلى الله عليه وسلم - : " أنا أولى بأخى موسى منهم " ، وقال
: " أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة " .
وفى الصحيحين : " الأنبياء إخوة
لعلَّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد " .
وأمَّا مسألة الحقّ التاريخى فإنّ
المسلمين لا يقرّون أحدًا على أرضٍ كان عليها يومًا من الأيام بعد فتحهم لها ، من
منطلق " إنَّ الأرض لله يورثها من يشاء " ( الأعراف / 128 ) ، ويضمَنون كل حقوق المواطنة لمن يعيش معهم ،
كما فعل النبى- صلى الله عليه وسلم - في المدينة مع اليهود .
والممعن النظر في تاريخ بنى إسرائيل يجد
أنهم تعرَّضوا لأزماتٍ معروفة ؛ بسبب شخصيَّتهم التى جُبلت على نقضِ العهود ، وادّعاء
الأفضليّة المطلقة ، وعدم حبّ الخير للناس أجمعين ؛ لذا لن تجد يهوديًّا يدعوك للدخول
في ديانته ، وهذه الأزمات كانت تنتهى بإخراجهم من الشام عندما يضلُّوا عن الطَّريق
الحقّ ، والأعداء يدنسون المسجد الأقصى وربما يهدمونه ، ولما يتبدل الجيل ، ويأتى
من يستحق الدخول إلى بيت المقدس يعودون إلى الجهاد فينصرهم الله ويعزّهم ، ولعل من
أزهر عصور ملكهم عصر نبى الله داود – عليه السلام – ومن هنا بدأت عنايتهم بالمسجد
الأقصى وتم تجديده في عهد داود وسليمان عليهما السلام ، من هنا ادّعوا أحقيتهم في
المسجد أو كما يسمّونه " هيكل سليمان " ، والعجب العجاب أنَّهم آذوا نبىّ
الله سليمان وادّعوا أنّه عَبَد الأصنام في آخر حياته – حاشاه عليه السلام - ، وقد
أبطل القرآن هذه الفرية قال تعالى : " وما كفر سليمانُ ولكن الشياطين كفروا
" ( البقرة / 102 ) .
إذن من أحقّ الناس بوراثة سليمان ، من افترى
عليه أم من برّأه من الشِّرك ؟
وقد علا اليهود مرة ثانية فقتلوا يحيى وزكريا – عليهما السلام – ، وهمّوا بقتل المسيح عيسى بن مريم – عليه السلام
– ورفعه الله إليه ، فسلّط الله – عز وجل – الرّومان عليهم بعد حوالى 40 سنة من
رفع المسيح عيسى بن مريم ، تقريبا سنة 70
ميلادية – على أصحّ الأقوال أن المسيح رفع في بداية الثلاثين من عمره - ، فحوّلوا
المسجد الأقصى إلى اسطبل للخيول ، وظلّ تحت أيدى الرّومان حتى فتحه أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب – رضى الله عنه - وتسلّم بنفسه مفاتيح المدينة في حدثٍ تاريخىٍّ
معروف .
فأعاد - رضى الله عنه - بناء المسجد ،
وأمر بتنظيفه وظلَّ تحت أيدى المسلمين منذ ذلك الوقت ، ورغم كلّ ما مرّ ويمرُّ به
المسجد الأقصى من بعد وقرب عن حَظيرة المسلمين
إلا أنَّ قيادته كانتْ للمسلمين فهم أولى النَّاس به بعدما قاموا بتنظيفهِ
وتعظيمهِ ، بخلاف اليهودِ الذين تركوه
وهربوا منذ آلاف السنين .
وبهذا يبطلُ زعمهم بأنّ المسجد الأقصى
الحالى بناه عمر بن الخطاب – رضى الله عنه - ولا علاقة له بالمسجد الأقصى الذى كان في زمن
أنبياء بنى إسرائيل ، وهم بذلك يريدون الاستيلاء على المسجد الأقصى ، وشغل النّاس
بمكانٍ آخر .
والأحداث الأخيرة تُظهر أنَّ اليهود عندما
يجدون الفرصة سانحة ينقضّون على المسجد الأقصى يحرقون ويقتلون ويهدمون لأنّهم
متيقّنون لن يردعهم أحد ؛ بسبب انشغالنا
بالظروف الحالية ، وهم يروّجون لأحقيتهم التَّاريخية في الهيكلِ المزعوم ، نسأل
الله – عز وجل – أن يرزق المرابطين حول الأقصى
الإيمان والثبات وأن يُلقى في قلوب أعدائنا الرعب فلا يجترئون على حرماتنا
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق