2015/09/06

في عددها المزدوج:47-48 مجلة«دراسات أندلسية» تناقش قضايا الأدب الأندلسي والأدب المقارن



  في عددها المزدوج:47-48
مجلة«دراسات أندلسية» تناقش قضايا الأدب الأندلسي
 والأدب المقارن
د.محمد سيف الإسلام بـــوفـلاقــة
-جامعة عنابة-الجزائر
       ناقشت مجلة«دراسات أندلسية»في عددها المزدوج:47-48،جملة من القضايا الفكرية المتسقة،والعميقة،والمترابطة، والتي تتصل بالأدب الأندلسي،والأدب المقارن، وهي مجلة علمية محكمة في الدراسات المتعلقة بإسبانيا الإسلامية، تصدر في تونس،مؤسسها ومديرها الباحث المتميز الدكتور جمعة شيخة،وتتكون هيئة تحرير المجلة من مجموعة من الأساتذة والباحثين المتميزين،من مختلف الدول العربية، والغربية،نذكر من بينهم:الدكتور محمد اليعلاوي من تونس،والدكتور توفيق بكار من تونس،والدكتور سعد بوفلاقة من الجزائر،والدكتور فرانسيسكو فرنكو سانشث من إسبانيا،والدكتور مصطفى الغديري من المغرب الأقصى،والدكتور عبد الواحد ذنون طه من العراق،والدكتورة نورة محمد عبد العزيز التويجري من المملكة العربية السعودية،والدكتور يونس شنوان من الأردن،والدكتور سلامة محمد البلوي من الشارقة في الإمارات العربية المتحدة.  
                ولعل أبرز ما تميز به العدد المزدوج:47-48 من مجلة دراسات أندلسية،    هو الاحتفاء بمختلف القضايا العلمية والفكرية التي تندرج في إطار الأدب الأندلسي،والأدب المقارن،و نظرية الأدب، التي هي « مجموعة من الآراء والأفكار القوية، والمتسقة، والعميقة، والمترابطة،والمستندة إلى نظرية في المعرفة، أو فلسفة محددة،والتي تهتم بالبحث في نشأة الأدب وطبيعته ،ووظيفته،وهي تدرس الظاهرة الأدبية بعامة من هذه الزوايا في سبيل استنباط وتأصيل مفاهيم عامة تبين حقيقة الأدب وآثاره،لذا فإن كثيراً من الآراء التي تدور حول الأدب، أو جانب منه لا ترقى إلى مستوى النظرية، لأنها لا تستند إلى فلسفة محددة أو تفتقد إلى القوة والاتساق،غير أن العمق والقوة والاتساق والاستناد إلى فلسفة أو نظرية في المعرفة لا يعني بحال أن أية نظرية أدبية خالية من الثغرات أو نقاط الضعف،فكل نشاط ثقافي مرتبط بمرحلته الاجتماعية والحضارية،وكل نشاط في نظرية الأدب مرتبط أيضاً بالوضع التاريخي والأدبي الذي استند إليه في استنباط آرائه وأفكاره»(ينظر:د.شكري عزيز الماضي:في نظرية الأدب،دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع،بيروت،لبنان،ط:01، 1414هـ/1993م،ص:12-13).
               أما الأدب المقارن، فقد تعددت وتنوعت مفاهيمه بتنوع وتعدد المدارس، وتباينت من قطر إلى آخر،فحسب مفهوم المدرسة الفرنسية، والتي ظهر بها هذا العلم أول مرة،سنة:1827م،فهو ذلك العلم  الذي«يبحث ويقارن بين العلاقات المتشابهة بين الآداب المختلفة في لغات مختلفة،أي أن مجاله أدبي بحت، ولا يحاول الربط بين الأدب وبين الفنون والعلوم الإنسانية التطبيقية الأخرى.في حين يعرفه الأمريكيون بأنه البحث والمقارنة بين العلاقات المتشابهة بين الآداب المختلفة بعضها والبعض الآخر، وبين الآداب وبقية أنماط الفكر البشري من فنون وعلوم،إذ يعتبرون التفكير البشري كلاً متكاملاً ومتداخلاً، ولا يمكن فصل الإنتاج الأدبي عن غيره من أنماط الإنتاج الفكري الأخرى من علوم وفنون، وعلى هذا فهم يعقدون مقارنات بين الاتجاهات الأدبية والاتجاهات الفنية، وبخاصة الموسيقى والغناء على سبيل المثال» (ينظر د.بديع محمد جمعة:دراسات في الأدب المقارن، ص:13- 14).
               ووفقاً لرؤية المدرسة السلافية،وكما وصف جيرمونسكي الأدب المقارن،فهو ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تطورات الآداب القومية، وذلك في إطار أدب عالمي موحد بين الشرق والغرب، ومصدر انطلاقه وحدة السياق التاريخي الذي تتطور منه آداب مختلف الشعوب، و المبادئ السامية التي تشمل التعاون والأخوة بين الشعوب في مسيرة عملية التقدم والتطور التاريخيين،فيما يخص مختلف القضايا الثقافية، وعلى وجه الخصوص الأدبية منها، والتعريف الدقيق الذي حدد من خلاله أصحاب المدرسة الفرنسية الوظيفة الرئيسة التي ينهض بها الأدب المقارن هو أنه« يدرس مواطن التلاقي بين آداب اللغات المختلفة، وصلاتها الكثيرة المعقدة في حاضرها وماضيها، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير وتأثر،أياً كانت مظاهر هذا التأثير والتأثر،سواء تعلقت بالأصول الفنية العامة للأجناس الأدبية،أو التيارات الفكرية، أو اتصلت بطبيعة الموضوعات والمواقف والأشخاص التي تعالج أو تُحاكى في الأدب» (ينظر:د.محمد غنيمي هلال:الأدب المقارن،ص: 09).
             المقال الأول في المجلة كتبه الدكتور التونسي محمد اليعلاوي،وهو عميد سابق لكلية الآداب بالجامعة التونسية،ووزير سابق للثقافة،حيث تطرق إلى موضوع:«الحداد على المميت بالأندلس»،ورصد الدكتور جمعة شيخة في بحثه:«الأندلس من خلال رواية مدينة بلا يوم لمحمد سعيد برغل»،ومن أهم ما جاء في وصف الدكتور جمعة شيخة لهذه الرواية:«إن هذه الرواية هي انطلاق لعقل مكبل،وانفجار لجسد مكبوت اتخذ من قرطبة وعاءً سكب فيه كل ما في الجسد من كبت،وحرمان،وكل ما في النفس من قلق،وحيرة،وكل ما في الضمير من تمزق،وعذاب،وكل ما في الجوانح من لوعة،وأسى،واستعمل الكاتب لذلك:
أ-خيالاً مجنحاً:يطير بك في عالم الخيال من بلاد الغال إلى دجلة العراق،ونجد الجزيرة،وقيروان إفريقية،ونيل مصر،وفاس المغرب.
ب-لغة زئبقية:تحاول أن تمسكها فتنفلت بين يديك بخفي إشارتها،وقوة تلميحاتها،وغموض عباراتها.
ج-لغة رمزية:تمتزج فيها قهقهة المتألمين بنحيب الضاحكين،وأريج القذورات بدنس العطر.
د-لغة ساحرة تضحكك وتبكيك في نفس الوقت،ولا تدري في كثير من الأحيان أتبكي مما يُضحكك،أم تضحك مما يُبكيك.
   إن رواية(مدينة بلا يوم) هي تراث أنطقه الواقع،وواقع تسرب إليه التراث،كل ذلك بنظرة سوداوية قائمة من عين لا ترى إلا البرك القذرة،وأنف لا يشم إلا الروائح النتنة،وحُق لمحمد سعد برغل هذه النظرة الحالكة المتشائمة،إنه معري اليوم،تقمص شخصية معري الأمس،فتكلم بالمجاز،وجعل من قرطبة الماضي أنبوب اختبار ليفحص فيه مجموعة من الجراثيم الخطرة تنهك جسم المجتمع العربي من أقصاه إلى أدناه... ».       
                    وكتب الدكتور الطاهر الهمامي-رحمه الله-،مقالاً هاماً حلل فيه حائية ابن عمار في الاستعطاف ،وأبرز الباحث الدكتور الربعي بن سلامة من جامعة قسنطينة«الانهيار السياسي والاقتصادي والتفكك الاجتماعي للأندلس الإسلامية في عهد الطوائف»،وقد نبه في مستهل دراسته إلى أن بعض الدراسات التي تناولت التاريخ الأدبي الأندلسي توحي بأن حياة المجتمع الأندلسي،كانت حياة رغد،ورخاء،وبأن الأندلسيين كانوا يتمتعون بكثير من مقومات الحياة السعيدة،فالأندلس مشهورة بجمال طبيعتها،وكثرة مياهها،وخصوبة أراضيها،ووفرة خيراتها المادية التي لا تنقطع،وإذا كانت هذه الصورة تمثل الجانب المشرق من حياة الأندلسيين،في بعض الأحيان،فإنها،دون شك،لا تمثل حياة كل الأندلسيين،ولا تصدق على جميع مراحل تاريخهم،لأن حياتهم لم تكن كلها حياة سهلة ميسورة،ولم تكن الأندلس كلها مسرحاً لمجالس اللهو والطرب،وإنما عرف الأندلسيون الكثير من الشدائد،واحتضنت ربوع الأندلس الكثير من المآسي أيضاً....
               وقدم الدكتور أحمد آيت بلعيد من المغرب الأقصى تعريفاً بكتاب«مجادلة النصارى»لمحمد الأنصاري،وخصص محمد سيف الإسلام بوفلاقة من الجزائر مقاله لدراسة كتاب: «الأندلس العربية إسلام الحضارة وثقافة التسامح»،حيث جاء في مستهل بحثه:«  تحتل الأندلس العربية موقعاً متميزاً في العطاء الحضاري الإنساني، والعالمي،فمما لا يشوبه ريب، ولا يخامره شك أن دولة الإسلام في الأندلس قد أرست دعائم حضارة باذخة،تعايشت فيها الأجناس والأديان، وتثاقفت فيها اللغات والثقافات، وانصهرت فيها الطاقات على تنوعها،فأثمرت مجتمعاً حياً،متفاعلاً،مبدعاً تحققت للإنسان فيه،كإنسان كرامته، وكفلت له حريته وحقوقه، وثمن سعيه وعطاؤه،ولعل أبرز جوانب هذه الحضارة قيمة وإشراقا،ما يتعلق بمسألة التسامح الذي ساد الأندلس الإسلامية تجاه النصارى واليهود، الذين كانوا يشكلون شريحة هامة من شرائح المجتمع الأندلسي،فقد عاش اليهودي والنصراني إلى جنب المسلم،حياة ملؤها التآزر والتعاطف والتراحم والمشاركة الفاعلة المثمرة،وليس من شك في أن إثارة هذا الموضوع الذي يكتسي طابعاً حضارياً، والذي يتصل بمسألة التعايش بين الشعوب والديانات المختلفة، والحوار الحضاري والثقافي بين شتى الأمم والأعراق له ما يبرره،  فالحوار بين الثقافات والديانات المختلفة كان من المواضيع المحترمة في المجتمع الأندلسي الذي لم يعرف التعصب  الديني إلا في حالات استثنائية قليلة وشاذة، فقد كانت بعض التجارب مريرة ومؤسفة ومأساوية. ولكنها لا تنطوي تحت حكم أو تندرج تحت مبدأ. وتزداد أهمية هذا الموضوع خاصة عندما نعلم بأن العالم المعاصر يسعى لتأسيس نظام جديد،كما أن الإسلام والمسلمين يتعرضون لحملات شعواء ترمي إلى تشويه صورتهم، وتقديم نظرة خاطئة عن ممارساتهم، بالإضافة إلى رواج بعض النظريات التي تسعى إلى التنكر لهذا العطاء الحضاري الإنساني الفريد من نوعه، وهذا ما يُلقي على الباحثين والكتّاب مسؤولية الكشف عن العوامل التي جمعت بين الشعوب ووحدت أهدافهم ورؤاهم، والتنقيب عن الأسس والمرتكزات التي أفرزت قاعدة صلبة لحوار الحضارات عبر مراحل التاريخ...» .
         وذكر محمد سيف الإسلام بوفلاقة عندما تطرق إلى الكتاب، أن دراسة الباحثة الكوبية الدكتورة ماريا روزا مينوكال،الموسومة ب:«الأندلس العربية:إسلام الحضارة وثقافة التسامح»،تقدم شهادة حية عن التسامح، والتعايش، والحوار الحضاري النبيل الذي ساد الحضارة الأندلسية،فالباحثة تقدم لنا عبر صفحات هذا السفر الشائق رصداً شاملاً لتاريخ الأندلس العربية«من منظور يغاير ما دأبت عليه خطاباتنا التاريخية عن الأندلس وعن إسلامها، وعروبتها، وثقافاتها، ولغاتها.إنه منظور تصر عليه المؤلفة، وهو يتشكل من نظرة الغرب(نوع من الغرب الذي لا يصادر الآخر،و لا ينساق وراء بعض التعميمات المختزلة للثقافة العربية الأندلسية،بل يعترف بها وبمنجزاتها الإنسانية)، ومن نظرة الحاضر، وضرورة الاستفادة من دروس الماضي الثقافية القائمة على التلاقح والتعايش في إطار ثقافة كانت تجمع بدون غضاضة بين المتعارضات،بل ترفعها إلى مصاف التعبير. وهذا ما سيشكل الإرث المشترك النابع من اتساع الفكر وامتداده ليدرج الآخر المختلف.إنه إرث يجب الوعي به وتغذيته في الحاضر والمستقبل.
  إن هذا الكتاب الذي يحمل تصوراً آخر للتاريخ،التاريخ بوصفه بحثاً في الظواهر الحية والمأمولة، وليس بوصفه بحثاً في الظواهر الزائلة،لهو صرخة مدوية في وجه العالم الهمجي المعاصر الذي تلفه الأحادية والأصوليات من كل نوع، وتغلفه الأفكار الإيديولوجية الجاهزة.
              وقد درست الدكتورة فوزية الصفار الزاوق من تونس«رواية الرباط المقدس لتوفيق الحكيم في علاقتها برواية تاييس لأناتول فرانس في ضوء منهج الأدب المقارن»،وقد حددت دوافع البحث،في قولها: «ما الذي دفعنا إلى القيام بهذه الدراسة المتعلقة بتوفيق الحكيم(ت:1987م)،وروايته(الرباط المقدس) ؛لاشيء يدفعنا إلى ذلك بادئ الأمر،سوى أن هذا الكتاب،حسب علمنا،لم يأخذ حظه من الدرس على ماله من أهمية،في رأينا،بل لعله أهمل إهمالاً كاملاً في جل الدراسات النقدية،وقد يستوجب هذا الموضوع دراسة مفردة.والأمر الثابت كذلك أن هذا الكتاب لم يُترجم إلى لغة أجنبية،وذلك خلافاً لما حصل لجل آثار الحكيم الأدبية.كل ذلك دفعنا إلى أن نتعرف قضية هذا الكتاب،أي فلسفة شكلته في الإبداع الأدبي.والحق أن عنوانه هو أول ما لفتنا إليه،إنه يدل على لقاء بين شخصين بلغا طور القداسة،فتساءلنا من هما؟وكيف حصل بينهما هذا الرباط المقدس يا تُرى؟
               وما إن شرعنا في قراءة النص العربي لتوفيق الحكيم بعنوان الرباط المقدس،حتى أدركنا أنه نص له صلة وثيقة بنص أجنبي عنوانه تاييس للكاتب الفرنسي الشهير أناتول فرانس....  ».
                 لقد اعتبرت الدكتورة فوزية الصفار الزاوق في ختام دراساتها إننا مع إناتول فرانس،وتوفيق الحكيم في صلب قضية الأدب المقارن،وعلم التناص،نص الحكيم هو النص الثاني،وهو سليل نصوص سابقة،تغذى بها صاحبها،واستفاد منها،وغيرها،ووسمها بطابعه الخاص،وهويته الذاتية.أنشأ منها نصاً جديداً سنته الأدبية مخالفة للسنة الأدبية السابقة،وقضيته الفكرية مخالفة لقضية النص السابق،أي نص أناتول فرانس.والقضايا القائمة في النص الثاني،أي نص توفيق الحكيم،وإن كان منطلقها النص الأول،فقد جاءت ملتزمة بقضايا عصرها،ولعل هذا ما يجعل النصين المتقابلين يلتقيان في صيغتهما الفنية،وعمق العواطف الإنسانية.
             ومن بين المقالات التي حواها القسم الثاني من المجلة مقال« التحليل اللغوي الأسلوبي لجزء من بائية ابن خفاجة»لسعد بوفلاقة من الجزائر،ومقال: « دور الأندلس في نشر الإسلام في حوض البحر المتوسط جزيرة كريت نموذجاً»،وكما نجد بحثاً للدكتورة قرصاف عمار قراجة عن« شجرة كراهية الإسلام في الغرب»،وغيره من الأبحاث المتميزة،والجادة التي حفل بها العدد المزدوج47-48 من مجلة دراسات أندلسية.

ليست هناك تعليقات: