2015/09/15

مجلة «جذور»في عددها:37 احتفاء بقضايا التراث الأندلسي والسردية وتـمظهراتـها



مجلة «جذور»في عددها:37
احتفاء بقضايا التراث الأندلسي والسردية وتـمظهراتـها  
د.محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــــة
-جامعة عنابة-الجزائر
        دأب  النادي الأدبي الثقافي بجدة في المملكة العربية السعودية،منذ فترة طويلة  تربو عن أربعين عاماً،على إصدار مجموعة من الدوريات المتميزة،من بينها فصلية«جذور»المحكمة،التي تُعنى بالتراث، وقضاياه، ولا يختلف اثنان في أن النادي الأدبي الثقافي بجدة هو واحد من أهم النوادي الأدبية الثقافية في منطقة الخليج العربي، يتميز أعضاؤه بالنشاط،والحيوية،حيث أضاء هذا النادي الأدبي المتميز بجدة،  سماء الفكر، والإبداع الأدبي، و المعرفة ،وفتح  دروباً للنقاش، والحوار الأدبي العميق، والرصين،على مدى أكثر من أربعة عقود.
                 وقد جاء العدد الجديد  من مجلة«جذور»المحكمة،والذي حمل رقم:37 ،وهو خاص بشهر شعبان1435هـ-يونيه2014م،  حافلاً بالعديد من الدراسات الأكاديمية المتميزة،والقيمة، التي تصب في باب التراث،مما يعبر عن توجهات المجلة التراثية،حيث نجد وصفاً لها بعنوان: «تأصيل وتعريف»في الصفحات الأولى لها،يؤكد على أنها فضاء معرفي يهتم بالتراث في كل مجالاته، وآفاقه،وهي تسهم في استنطاق تراثنا الخالد،والانفتاح على المناهج، والنظريات الحديثة،وتنفتح على جميع الحقول المعرفية،والفكرية،والعلمية،والأدبية،والتاريخية،واللغوية في ثقافتنا، وحضارتنا العربية الإسلامية،وتعرف بالكتب، والرسائل العلمية المختصة بالتراث(عروض ومراجعات)،وتقف على رموز الثقافة المعنيين بالتراث من المعاصرين وقفات تحية، واعتبار.     
           افتتاحية العدد كتبها الدكتور عبد الرحمن رجاء الله السلمي؛رئيس تحرير المجلة  ،وقدم من خلالها عرضاً عن الأبحاث التي حواها العدد:37من مجلة جذور، وقد افتتحها بقوله:«اعتنى علماء العربية القدماء بمسألة المنهج في معالجة قضاياها اعتناءً كبيراً،فاهتموا بدراسة نسق نظامها أصولاً،وجذوراً،وجذوعاً،وتركيباً،وقواعد نظم،ومعاني،ودلالات،وتركوا مؤلفات وتصانيف لغوية وفرة في موضوعاتها المختلفة نحواً،وبلاغة،ومعجماً،وإبداعاً أدبياً ثراً،«فالعين»،و«الكتاب»،و«التصريف»،و«البيان والتبيين»،و«المقتضب»،و«الكامل»،و«الشعر والشعراء»،و«أدب الكاتب»،و«العقد الفريد»،و«الخصائص»،و«اللمع»،و«المحتسب»،و«المقاييس»،و«الصاحبي»،و«المجمل»،و«الصحاح»، و«التاج»،و«العمدة»،و«الأسرار»، و«درة الغواص»،و«المفصل»،و«اللباب»،و«الدلائل»،و«البحر المحيط»،و«اللسان»،و«التبيان»،و«المزهر» ،و«الصناعتين»،وغيرها من المصادر تندرج ضمن مسار التأصيل للدرس التراثي لغة،وبلاغة،وإبداعاً،ونقداً،في اتحاد تام، وتكامل عجيب بين النظر العلمي اللغوي،والتذوق الفني البلاغي.
                  وتطور الاهتمام بالإبداع التراثي العربي بأنواعه،وأنماطه التعبيرية المتنوعة شرحاً،وتفسيراً،وتأويلاً،وتطبيقاً،ومراجعة،ونقداً،أو نقضاً،في توجه منهجي قوي يجمع بين الفن،والذوق،والتقعيد العلمي.فتعددت المدارس والاتجاهات الفكرية التي أسست مناهج متقدمة في دراسة التراث سواء في الشرق العربي،أو في الغرب الإسلامي.وكان من نتائج هذا التطور ظهور توجهات جديدة في الفهم،وبزوغ أعلام أفذاذ في الاجتهاد والفكر. فـ«الأصول»،و«السراج»،و«المغني»،و«الإيضاح»،و«المروج»،و«المسالك»،و«الألفية»،و«الأجرومية»،و«الشروح» ،و«الحواشي»،و«الهوامش»،مصنفات تعكس السيرورة التطورية للاهتمام بالتراث،ومناهجه،وإبداعاته استيعاباً وتطبيقاً.
                   والعدد الجديد من مجلة«جذور» يندرج ضمن الخط العلمي للبحث التراثي دراسةً،وتحقيقاً،وترجمة،وهو يشتمل على عشر مقالات متكاملة تغطي مجالات اللغة،والبلاغة،والنقد،باعتبارها اجتهادات في فهم جوانب هذا التراث الضخم... ».   
             بعد افتتاحية العدد نلفي مقالاً  للدكتور محمد أمين من جامعة مولاي إسماعيل بالمغرب، خصصه للحديث عن«قراءة النص التراثي:سؤال المنهج ومنطق الخطاب»،حيث إنه يسعى-كما ذكر- إلى مساءلة نظريات قراءة النص التراثي من منطلق أن طبيعة النص وفرضيات القراءة،وهدف الدراسة تتداخل كلها في اختيار المنهج الملائم.ولذلك سنحاول رسم معالم المنهج الذي يسمح بالكشف عن المنطق الداخلي الذي ينبني عليه النص التراثي،وتحديد الخطاب الفكري العام الذي ينتمي إليه.
                ناقش الدكتور محمد أمين في الشق الأول من البحث جملة من الدلالات والمعاني التي تتعلق بمفهومي التراث،والمنهج،وقدم في الجزء الثاني من البحث مقارنة بين المقاربة الخارجية التي تنطلق من فرضية وجود أصول أجنبية للنص التراثي،والمقاربة التي تسعى إلى الوصول إلى المنطق الداخلي المتحكم في تحديد الموضوعات،والمسائل التي يعالجها النص المدروس،وعرض لقضية من قضايا التراث النحوي،وأوضح أهمية المنهج المقترح في إبراز النسق النظري الذي اعتمده النحاة،وأهمية اعتماد المقاربة المقارنة في تمييز الأصول عن الفروع،والأسس عن الإضافات في النظر النحوي.
                 أما الجزء الثالث والأخير من مقاله فخصصه لبحث العلاقة بين تحليل منطق النص،وتحليل الخطاب الذي ينتمي إليه النص،وانطلق من اعتبار أن الهدف من تحليل النصوص التراثية هو كشف المنظومة الفكرية التي أفرزتها.
                  وقام الدكتور مبارك حنون من جامعة قطر،بترجمة مقال كتبه جيرار تروبو،بعنوان: «مفهوم الجذر عند النحاة العرب القدماء»،وكتب الباحث في قضايا المصطلح العربي جمال والزين من المغرب الأقصى دراسة تطرق فيها إلى«مصطلح الصيغة في الصرف العربي قديماً وحديثاً»،حيث افتتح مقاله بالقول: «تعد الصيغة أكثر المصطلحات الصرفية تداولاً في كتب الصرف قديماً،وحديثاً.إلا أنه مع كثرة تداولها لازمها غموض كبير نجم من تداخلها مع عدد من المصطلحات التي زاحمتها في الاستعمال كالبناء،والوزن،والهيئة،والمثال.هذا التداخل يثير في ذهن الباحث جملة من الأسئلة من قبيل:هل يتعلق الأمر بضرب من التضخم المصطلحي؟أم بتطور تاريخي لهذا المصطلح؟أم هو مجرد اختلاف بين الدارسين في توظيف مصطلحات متقاربة للدلالة على معنى واحد؟بعبارة أخرى:هل هذه المصطلحات مجرد مترادفات،أم بينها حدود معينة؟
             إن تحديد مصطلح الصيغة تحديداً دقيقاً يُميزه عما يُشاركه من مصطلحات يتطلب الوقوف عند دلالته المعجمية،والاصطلاحية،وتتبع استعماله في مظانه،وهذا أمر لا ندعي تحقيقه في هذه المحاولة،وإنما سنكتفي في هذه المقالة بالوقوف عند بعض النصوص،والأعمال التي تناولت مصطلح الصيغة قديماً وحديثاً». 
       وجاء مقال الباحث حسن محمد علي أزروال؛وهو أستاذ متخصص في التعليمية يُدرس بالمعهد الجهوي بمهن التربية في المغرب الأقصى، بعنوان: «العطف على اسم إن».  
         وقد اشتمل العدد:37 من مجلة جذور على مجموعة من المراجعات والدراسات الأكاديمية القيمة، حيث درس الباحث مسعود بودوخة«جدل التداول والتخييل في خطاب البلاغة العربية»،وناقش الدكتور الحسين أخليفة من المغرب الأقصى«جدل النقدي والفقهي في وساطة القاضي الجرجاني»،وقد خلص الدكتور الحسين أخليفة من خلال دراسته المتميزة لكتاب(الوساطة) للقاضي الجرجاني،إلى أنه- بعد رصد ملامح الخطاب النقدي في كتاب: (الوساطة)للقاضي الجرجاني،والوقوف على منهجه فيه،وتبين دور القضاء في بلورته-إلى أن الكتاب يعد بحق ينبوعاً من الينابيع الصافية للتراث النقدي،لامناص من فحص قسماته المنهجية،واستقصاء وجوهه النظرية،فهو يمثل علامة فارقة في تاريخ النقد العربي،تجسدت في ملمحين اثنين؛يرتبط أولهما بما يطرحه صاحبه فيه من أسئلة،وقضايا كبرى،شكلت ولا تزال الفكر النقدي العربي قديمه وحديثه،ويتصل الثاني برؤيته المنهجية التي تقوم على الهدوء،والاتزان،والاعتدال،والتوسط،بعيداً عن الصخب،والافتعال،والانفعال،و الاعتساف،و التمحل،وذلك في الوقت الذي انشغل الناس بالمتنبي أيما انشغال.واختصموا في شعره،واختلفوا فيه اختلافاً بين من يؤيد،ويدافع،ومن يعارض،ويهاجم،فتوقدت العواطف،والمشاعر،وتبلد العقل،والمنطق في أحايين كثيرة....
           وكرس الباحث رابح طبجون مقاله للحديث عن«السردية وتمظهراتها في الخطاب الشعري»،في حين تطرق محمد مسالتي،إلى موضوع:«شعرية التناص في مرثية ابن الرومي للبصرة»،وجعل الباحث الجزائري محمد سيف الإسلام بوفـــلاقــة بحثه لتقديم دراسة تحليلية في كتاب:«الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب»،وقد قسم دراسته المطولة إلى مجموعة من الأقسام:
القسم الأول: لسان الدين  بن الخطيب:حياته وآثاره،وقد استهله بالقول: «       تعددت الأسفار،والدراسات التي تطرقت إلى حياة ابن الخطيب،ولعل ابن الخطيب  كان في طليعة علماء الأندلس الذين حظوا باهتمام كبير من لدن مختلف الباحثين،والدارسين القدماء،والمعاصرين المشارقة،والمغاربة على السواء،وهذا الأمر يعود إلى جملة من الأسباب، قد يكون في مقدمتها موسوعية،و غزارة إنتاج ابن الخطيب،فالرجل   خاض في شتى أصناف المعرفة،وهو شخصية متعددة الجوانب فهو الشاعر،والمؤرخ البارع،والأديب،والصوفي،والفيلسوف،والوزير،والسياسي، و هذا ما ينجم عنه صعوبة حصر جميع ما كُتب عنه.
    إن ابن الخطيب يعتبر أحد كبار العلماء الموسوعيين،ويؤكد عدد كبير من المؤرخين،والدارسين على أنه أعظم شخصية ظهرت بالأندلس في القرن الثامن،وقد كان عبقرية متعددة النواحي.
             كان ابن الخطيب»يمثل بعبقريته،وقوة نفسه،وأصالة تفكيره،وروعة بيانه،وجزالة شعره أعظم ما تمخضت عنه الأندلس الكبرى من قبل   تلك النماذج العلمية،والأدبية الباهرة،التي يزدان بها تاريخ التفكير الأندلسي».
         وفي القسم الثاني ناقش الباحث محمد سيف الإسلام بوفلاقة من الجزائر مجموعة من القضايا المتصلة بكتاب» الإحاطة في أخبار غرناطة»،من بينها التعريف بالكتاب:بواعث تأليفه،مصادره،منهجه،أسلوبه،وقد استهل هذا القسم بالإشارة إلى أن كتاب الإحاطة،يعد من أهم الكتب الأدبية، و التاريخية في الأندلس، وهو من أشهر مؤلفات ابن الخطيب، تناول فيه أخبار هذه المدينة الشهيرة عاصمة بني الأحمر (633-897هـ)، تاريخيا، وأدبيا، وجغرافيا، وسياسيا، واجتماعيا، منذ الفتح الإسلامي لايبيرية (إسبانية والبرتغال حالياً)سنة 92هـ، حتى عصر المؤلف (دولة بني الأحمر)، منتهيا منه إلى عهد السلطان الغني بالله محمد الخامس ثامن ملوك بني الأحمر، حيث وزر له مرتين،وهو دراسة متميزة لسيرة أعلام غرناطة،ومن وفد عليها، ويتألف  من خمسة عشر سفرا...    إن كتاب :(الإحاطة في أخبار غرناطة)يصف أدق وصف التاريخ السياسي،والأدبي،والاجتماعي لمدينة غرناطة في الحقبة التي عاش فيها لسان الدين بن الخطيب،ويتحدث فيه بإسهاب عن المراحل السابقة،كما يسلط الأضواء على أمور دقيقة تتصل بالطبيعة،والأرض، وسماتها،ومدينة غرناطة،وجنانها،وأنهارها،ويرصد فيه ابن الخطيب تاريخ المدينة،ويصفها وصفاً دقيقاً شافياً،ووافياً في بلاغة،وبراعة،فضلاً عن كونه يحوي ترجمات وافية للأعلام القدامى،والمعاصرين لابن الخطيب،فهو كتاب أدب،وفن،وتاريخ،وسياسة،ولم يخل  من تقويمات جغرافية،واقتصادية،واجتماعية، إضافة إلى أنه يعتبر معجماً من المعاجم النفيسة التي تحوي تراجم ضافية للعلماء من شتى الأصناف.
            وفي القسم الأخير من المجلة نقرأ مقالاً أكاديمياً متميزاً للباحث الجزائري حبيب بوزوادة من جامعة معسكر،بعنوان: «القراءة الاستشراقية للموروث الأدبي بين الموضوعية والإنصاف» ،نبه في ختامه الباحث بوزوادة إلى أن الاستشراق قبل أن يكون حالة معرفية تثاقفية،فإنه يمثل استجابة لحاجة إنسانية،فالإنسان مفطور على التطلع إلى غيره،وكسر الحواجز بينه،وبين الآخرين...،ولهذا تختلف دوافع الاستشراق،وتتباين قراءاته،وتتعدد مدارسه،وتتضارب نتائجه،فمنها ما يكون في خدمة أجندات سياسية،وإمبريالية بعيدة كل البعد عن روح العلم ومعناه،ومنها ما يكون شريف الغاية،نبيل المقصد،وهم الأقلية إلى حد الآن،وقد عانى التراث العربي من الصنف الأول معاناة كبيرة،بسبب الإساءات المتعمدة،والتشويه الممنهج لتراثنا الأدبي،وديننا الإسلامي،بالإضافة إلى ضعف الدارس الغربي في اللغة العربية،وضعف أكبر في فهم أسرارها،ودقائقها،وروحها،مما يجعل النتائج-غالباً-مغلوطة،وغير صحيحة.

ليست هناك تعليقات: