ياسر محمود محمد
يشغلني الآن..
لا أجدُ ذلك ضروريًّا الآن. ربما لم يكن ضروريًّا في أي وقتٍ من الأوقات، ولا حتى
الآن.. فقط عليَّ فقط أن أعمل.. أن أكتب.. وما الكتابةُ؟ الكتابةُ حدثُ مهمٌّ
بدرجةٍ ما. لكن هذا الحدث لا يلائمني في الوقت الحالي. لا أهرب منه، ولك إن طقسه
لم يواتِني في هذه اللحظة.. ولا في هذه الغرفة في بيتي الفقير، في مدينة السويس،
تلك المدينة البترولية البائسة –تعوم على محيط لا على بحيرة من البترول- التي تعجز
عن منح مرتادها –فقط ممن هم مثلي- عدة وريقات تسد رمقي والعائلة.. عدة وريقات بأي
لون من النقود.
أريدُ معقولا
بدرجةٍ متعاظمةٍ في معقوليته يلائمُ لا معقولية ما نعيشه، عندي شك بدرجة أو بأخرى
أن حدث الكتابة سيأتي.. لكن متى؟! أعبر الشارع المؤدي إلى تل القلزم من ناحية مطعم
حسن أبو علي، وقبله كنت لاحظتُ ذلك الرجل مقطوع الساقين وكرسيه المتحرك يبيع عدة
مكبات من النرد.. الصفراء والحمراء والخضراء، ويدور بعقلي فجأة خاطر مزعج لأي
كاتب.. هل هذا حدث مهم بدرجة ما لكتابة قصة؟!! لعل بائع الحظ هذا هو آخر ما يبتغيه
أي كاتبٍ.
***
ماذا عن قصة
سميرة التي تحب فلانا ولم يحبها فلان وهربت معه.. وعادت لتتزوجه. لا إنه حدث تافه
كثيرا في قصص السذج من قبلي.. ولا يمكن أن يحملَ على عاتقه قصة من النوع الاحدث
-.........- أود أن أكتبها.
مداد قلمي
عاجز أمام دهشةِ الحياة.. في رمسيس دائما مثلها مثل الأربعين حاليا.. بشر فوق بشر..
أجسادٌ متلاصقة تعبر بجوار بائع الجرائد الوحيد والأخير بجانب المترو (لا.. لا في
الأربعين لا توجد هذه العلامة M مترو)، بائع الجرائد الذي لديه
شرائط DVD لأفلام السبعينات التي أعشقها وربما أعشق بطلاتها
وكذلك لديه جرائد اليوم.. عناوينها مثيرة:
(أرنبٌ يعبرُ
من أمام أعلى نقطةٍ في برج الجزيرة)
(لاعب كرة
يقرر ترشيح نفسه كنادل في مقهى الفيشاوي لا الذي في القاهرة، بل المواجه لمبنى
محافظة السويس)
عدتُ مرة أخرى
إلى قصتي ودار بخلدي شعاري الملهب.. أريدُ معقولا بدرجة لا نهائية في معقوليته
يلائم معقولية ما نحن فيه!
حسنًا.. إنها
عبارة وافية مستوفية، سأجعلها على لسان البطل.. ولكن من البطل؟! لابد أن يلائم هذا
الزمان، إنه بطلٌ مكسور أنفه تحت وطأة قدم جبار تليد، بطل هامشي يحلم بنبيذ أحمر
مع ديك رومي مطهو كما يظهر في أفلام السينما.
قال البطل:
سأعيش!
أجابه البطل
الضد: تحلم!
قال صبي
الحلاق ودوره هامشي: سنرى وسنتفرج.. وقرب قرب واللي ما يشتري يتفرج!
***
الحياة.. فقط
هي الحياة.. الآن وقبل ذلك وربما بعد ذلك.. هي الحياة.. معشوقة كل ما فيها من أسعد
إنسان إلى أشقى بائس.. هي الحياة تمنح رداءها لكل من هب ودب، هي الحياة آخرها قبر
ضيق لكل من فيها، تجدد روحها مع كل شمس، وتلمح سحرها في غسق كل ليلة.. لكن هل
الحياة وحدها تكفيني لكتابة حدث مهم بدرجة ما في قصتي...
لا.. ولا ألف
حياة!!
جمهور الدرجة
الثالثة يشاهد المباراة، ومن الذي يمنعه؟! حقا إن سيناريو الحياة لرائع وبه لقطات
مدهشة...
(الميلاد.
الكينونة الأولى. الدهشة. الألم. الفرح. التعرف على أنثاك. القتل اللذيذ. السرقة.
التعب من المشي في مشوار ماله نهاية...
من يمنعني أنا
من مشاهدة المباراة، "سعاد حسني" تعشقني وأنا أعشقُ امرأة من زمنٍ
مغايرٍ.. وأهيمُ بأخريات. أريدُ لحظة صادقة بطعم أغاني عبدالحليم ومنير وأنغام من
زمني الحاضر بموسيقى صاخبة تغلفها.. لحظة واحدة متوقفة رسمها فان جوخ في لوحة. أو
أكثر من ذلك...)
***
موسم القتل
الجماعي قد أتى، من كباري القاهرة يأتي النداء.. تسير المظاهرة تحت أبراجها
السامقة، ويعلو صوت العشوائيات "اصحي يا مصر الليل طويل.. بكره هايجي الدور ع
النيل" ترتطم بجنبات الشارع الواسع، وتمضي المظاهرة، عربات الأمن تمر بينها
لتدهس أي شريد!
طلاب دار
العلوم يصرخون ويعلنون رفضهم لكل مطلب لا يتضمن رفع الحصار عن بلدنا والزج بالمارق
كلينتون إلى ماخور ماكر على شواربه شرف أمة من النساء.
***
"أريدُ
معقولاً بحجم اللامعقول" سيرددها البطل، أنا أرثي لهذا البطل وأعشقه.. بطل
قصتي، ولذلك لن أكتبها؛ لأن بطلها لن يستطيع مقاومة سحر التشبه بأبطال قصص القرن
الفائت.. القرن العشرين..
سأجعل منه
بطلا لحدث مهم بدرجةٍ ما في خيالي.. بطلا من هذا الزمان..
الأربعين – السويس
ت:
01229720299
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق