2015/09/24

حَديث ُعيد الأضْحَى بقلم د / محمد مبارك البندارى



حَديث ُعيد الأضْحَى 

بقلم د / محمد مبارك البندارى


العيد في الإسلام ليس احتفالاً فرديًّا، كما أنّه لا يكتمل بفرح أفرادٍ دون أفراد، بل هو فرح الأمّة جميعًا؛ ففلسفة العيد في الإسلام أنّ الفرحة تعمّ الأمّة لأن الله وفّقهم لأداء ركنٍ من أركان الإسلام ، فعيد الفطر يعقب أداء فريضة الصوم ، وعيد الأضحى يعقب أداء بعض المسلمين ركن الحج ، لمن استطاع إليه سبيلا ، فالعيد في الإسلام شعيرةٌ ساميةٌ متكاملة، وموفيةٌ لحاجات الروح والجسد؛ فالعيد يأتي متوِّجًا لشعائر عظيمة جليلة مما شرعه الله في رمضان وأشهر الحج من أنواع العبادات العظيمة، فتلك مبتغيات الروح: " قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ " (يونس/ 58)،
وفى التكبير المطلق  من بداية رؤية هلال  ذى الحجة تهيئة للنفس ، وإعلان للفرحة بالعمل الصالح في أفضل أيام ،  وفى المقيّد – أيضًا – عقب الصَّلوات من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيّام التَّشريق ، وتبدو التَّهيئة أكثر في جواز الزِّيادة في التَّكبير كما نصّ الشافعى في " الأمّ "
بقوله : " أحبّ أن تكون زيادته الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرةً وأصيلا ،لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر. واحتجوا له بأن النبي - صلى الله عليه وسلم -قاله على الصفا .
 وأما الحاجَات الجسدية والميول النّفسية المندفعة نحو الّلهو والتّرفيه والّلعب، ففي العيد ما يوفِّي ذلك؛ ولذا حُرّم في الإسلام صيام أيَام العيد،  وكان البديل الأسمَى لهذه الأعياد التى قامت على فرحة المناوشَات والاقتتال في الجاهليَّة  ، فيما يُعرف بأيَّام العرب ، وآخرها يوم بُعاث  ، فرحَة تقوم على فعل الطَّاعة والامتثال لأوامرِ الله – عزّ وجلّ -  ، فقد ثبتَ عن أنس – رضى الله عنه - قال: "  قدِمَ رسولُ الله المدينةَ ولهم يومان يلعبُون فيهما، فقال: "قد أبدَلكم الله خيرًا منهما: يوم الأضحى ، ويوم الفطر".
ولذَا جاءت الشّريعة الغرّاء مؤكدةً أن يكون الفرح والابتهاج للجميعِ، بداية بأحقّ النّاس وهما الوالدان، وانتهاءً بغيرهما ممن نرتبط به بعلاقةِ رحمٍ أو صحبةٍ أو جيرةٍ .
ومما يوضّح ذلك التعاضد والتكافل في عيد الأضحى  ما يتوفر من الأضاحي، ولن يتمكن أيُّ نظام في العالم من توفير الطعام بهذا الشّمول والتّوقيت ، وهذه الجودة في اختيار الأضَاحى والتكامل للفقراء كما تحققه وحقّقته الشريعة الإسلامية الغرَّاء .



فمن الأعمال الجليلة في هذه الأيام  ذبح الأضاحي تقرباً لله ، فإنه: "- صلى الله عليه وسلم - ضحّى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صِفَاحِهِما" ، وأمره الله بقوله : " فصلّ لربّك وانحر " ( الكوثر / 2 ) قال المفسِّرون : صلِّ صلاة عيد الأضحى ، ثم انحر الأضحية ،  وظلّ – صلى الله عليه وسلم – يضحِّى عشر سنوات حتّى توفى - صلى الله عليه وسلم - .
وليس الهدف من الأضحية إطعام الفقراء فقط ، بل هناك حكم أخرى منها : إسالة الدماء من باب التعبّد لله تعالى : " قل إنّ صلاتى ونسكِى ومحياى ومماتِى لله ربّ العالمين " ( الأنعام / 162) ، نسكى أى  ذبحى ، فالأضحية شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة ، والله يقول : " ومن يعظّم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب " ( الحج / 32 )  .
وإحياء سنة إبراهيم خليل الرحمن – عليه الصلاة والسلام - ، والطرد والرجم  للشيطان لئلا يتمكّن من الإنسان ، كما لم يتمكن من إبراهيم الخليل وآل بيته الأطهار في هذا اليوم الأغرّ .
وفى التّاريخ أن بعض الخلفاء ضحّوا بالزنادقة والملحدين الذين يخرّبون في مجتمعاتهم الإسلامية تقربًا إلى الله ، فخالد القسرى  خطب الناس  يوم العيد ، فقال في خطبته تلك : أيها الناس ، ضحّوا يقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ت 105هـــ ، إنّه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ، ولم يكلّم موسى تكليمًا ، تعالى الله عما يقول الجعد علوًا كبيرًا ، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، حيث خرج به موثقاً في يوم عيد الأضحى  .
 فالعيد فرح ورحمة ومودة وتواصل، وما زال التاريخ يسطِّر مواقف النبلاء في عالمنا الإسلامى ، ومصرنا خاصة  ممن لا تكتمل فرحتهم إلا بتوفير حاجات من حولهم من الفقراء والمحتاجين، فراحوا يطعمونهم ويكسونهم ويغدقون عليهم، ففى الدولة الفاطميّة والأيوبيّة وما تلاهما تكون الموائد في الأعياد على قارعة الطريق ، وتوزّع الهدايا والعطايا على الفقراء والمحتاجين ، وما زلنا إلى يومنا هذا نُعرف في مصر بــ " هديّة العيد " ، وتُعطى للصغار خاصّة ، وغالبًا ما تكون الأوراق النّقدية جديدة وجذّابة ، وكلّ هذا من منطلق ديننا الحَنيف ، فالعيد موسم الفضلِ والرحمةِ ، وبهما يكون الفرح ويظهر السّرور، قال العلماء: "إظهار السُّرور في الأعيادِ من شعار الدّين" .
ومن لوازم العيد ومقتضياته  في مصرنا الحبيبة الاجتماع  في البيوت ، والساحات  والمتنزّهات ، وانتشار الزينة في الشوارع والطرقات ، والتلذذ بالمطاعم والمشارب،  والتوسعة على الأهل والجيران والشّعوب، والانسلاخ من الثّارات والإحن والضغائن ، تحقيقًا للحمة المجتمعيّة .

ليست هناك تعليقات: