2013/06/14

ايناس البدران في حوار مع عبد القادر كعبان

حوار مع الكاتبة ايناس البدران
اعداد عبد القادر كعبان من الجزائر
تعد المبدعة العراقية ايناس البدران إحدى الفاعلات في المجال الأدبي و الثقافي حيث نشرت العديد من البحوث و الدراسات في عدة مجلات و صحف محلية و عربية، كما ترأست منتدى نازك الملائكة الأدبي في الاتحاد العام للأدباء و الكتاب في العراق. صدر لها مجموعة قصصية أولى بعنوان "عيون النمرة" (2003)، أما في الترجمة فلها قصة "العوامة" لاليسن واركن (2000)، أما في الرواية صدر للكاتبة ايناس البدران "حب في زمن الحرب" (2004) و غيرها من أعمالها الأدبية الفريدة من نوعها و التي تستوجب التأمل و الغوص بين سطورها.
 
·       حدثينا عن تجربتك في كتابة القصة  وما تخفيه باكورتك القصصية "عيون النمرة " ؟
لعل الاديب ينطوي بفطرته على مجسّات حسية وشعورية وخيالية لا يتوفر عليها الانسان العادي المشغول بهمومه اليومية وبفضل هذه المجسات  تبدو استثنائيته   وحساسيته في التعبير مغرية وفاتنة للقارئ حين يعبر عن الضمير والوجدان الجمعي وان كان يكتب بذاتية خالصة .
    القصة كانت دوما متنفسي وتميمتي في مواجهة الموت المحدق من كل صوب لتحقيق التوازن النفسي ورؤية اللامرئي والتصالح مع واقعي والعالم الخارجي  .
   ولعل ابرز ما يميز" عيون النمرة "اعتمادي الخيال واللامتوقع للتعبير عبر اللامعقول عما يجري في الحياة من صراعات و تقاطعات ومواقف شخوص تثير الدهشة لأنها لا تجري وفق السياقات والقوانين المبتذلة للحياة الدارجة , فهم يبحثون عن حياة تتعرى من الزيف ,حياة قد تبدو بلا هدف بلا معنى ولكن في قلب العمل العبثي ظاهريا تتكشف حقائق الحياة الجوهرية ..تلك التي لا يعرفها الانسان الا حين يصبح في مواجهة فعلية مع الموت ,الحقيقة التي تخرس ما عداها ,حين يكتشف الانسان قوته وشجاعته الكامنة  الامر الذي يمنحه القدرة على مواجهة الهوان ليستعيد من خلال مواجهة المأساة كل ما هو جوهري .
 
 
·       لماذا اغلب الكاتبات اليوم يحرصن على خوض غمار التجربة الروائية؟
الرواية تقول شيئا لا تقوله الا الرواية ,فهي عالم يتسع لكل شيء وحياة كاملة بكل تفصيلاتها وابعادها كون مادتها قابلة لامتصاص ما يدور وما يمكن ان يحدث او يؤثر في المحيط وبالتالي الاحاطة بعناصر الصراع من جوانبه المتعددة من خلال توظيف السرد او توظيفها في خدمة السرد .
ولان الرواية المعاصرة ايضا تميل لابتلاع جميع الالوان الادبية وابتلاع فنون اخرى مشتقة من السينما والمسرح والتشكيل لذا لا نبعد عن الحقيقة اذا ما عددناها افضل وسيلة للتعبير كما انها تظل حمايتنا ضد النسيان.
ويظل ما يميز اية رواية عن سواها قدرتها على الوصول لأبعد نقطة و تحديد هويتها عبر تمسكها بموروثها وعمقها الميثولوجي وسماتها المحلية وفي مدى انتماء النص لعصره  دونما تفريط بأصوله او بهموم الكاتب الاساسية  .
·       الكتابة كشف للذات وبحث عنها في الوقت ذاته, فإلى أي حد تعكس ذلك نصوصك الابداعية ؟
·       تناولت عبر قصصي التي ضمنتها ثلاث مجاميع قصصية هي "عيون النمرة " و"انعكاسات امرأة " و"حافات الحلم "معاناة الانسان المعاصر الذي يعيش حالة الاغتراب والتشتت , والانتقال من البراءة الى التجربة وتأتي مأساة الحروب لتنقله من السذاجة التي تعد بركة الى الحكمة الراضخة و"للبطل " رحلة لا بد منها من محيط ضيق الى آخر يقوده نحو تجربة النضج وادراك وقائع العالم المادي وصراع الحياة بكل مراراته وتجاربه القاسية احيانا .
·       روايتك الاولى ربطت بين الحب والحرب ، فما سر ذلك ؟
-         لان الحب هو سر الحياة وديمومتها ووجهها العذب ، اما الحرب فهي الجحيم الارضي التي وقودها الناس واحلامهم البسيطة المشروعة ، وحيثما توجد الحرب يجثم الحزن مخلفا الرماد والدخان وحطام البشر ، في مثل هذه الاجواء الجهنمية يأتي الحب طوقا للنجاة وشعاعا للأمل يضيء ببصيصه نفق الحياة المظلم ويمد الانسان بالقوة للنهوض والوقوف على قدميه من جديد . وحيثما وجدت الحرب انبثق الامل حبا بمعناه الكبير الشاسع كسر من اسرار الوجود .
-         ماذا عن تجربة الترجمة؟
بحكم دراستي للأدب الانكليزي وعملي في مجال الترجمة الصحفية لفترة ليست قصيرة ادرك ما للترجمة من اهمية كبيرة في تقريب افكار الشعوب والتفاعل الثقافي وفي احلال الفهم بدلا من سوء الفهم كذلك في ايقاظ كل ثقافة بل كل لغة من اوهام الكهف والمبالغة في الرفع من شأن ارثها ولغتها وإهمال الثقافات الاخرى .
  والترجمة تستوجب الماما باللغتين  الام والمترجم عنها او لها وبالثقافتين الماما جيدا ، كما انها تتطلب تخصصا يتناسب والتوسع المضطرد والتشعب والتعقيد الذي امتد ليشمل كل العلوم والآداب . وفي صميم تكوين عملية الترجمة توجد ارضية قوية تغري المترجم بحمل المنتج الادبي فوق جناحيه وتقليب جمره بأصبعيه فلابد والحالة هذه ان يخلف فيه شيئا من روحه .
  ولا نأتي بجديد اذا قلنا ان اجمل الشعر هو ما تمت ترجمته بقلم شاعر ، وفي كل الاحوال على المترجم التزام جانب الامانة والموضوعية في النقل وأن يكون عمله متماسكا وانسيابيا ليفي برواء الينبوع الاصلي .
-         هل انصفك النقد ؟
-         النقد هو معمل القراءة وهو مقياس صحي موضوعي لفاعلية المكتوب وبلاغته ودرجة الابداع والتجديد فيه و لإستكناه مكانته البنائية ومميزاته الاسلوبية .
والنقد في العراق عموما يشكو خمولا في متابعة وتقييم ما يظهر على الساحة الادبية من نتاجات مميزة غالبا ، كما انه يشكو ضعفا منهجيا لانه متأثر بالنقد الغربي ، وقد يعمد الناقد العربي عموما  الى لي عنق التوجه الادبي وحشره على وفق قوالب معدة سلفا او تطويعه لمناهج نقدية غريبة عنه ناهيك عن ان البعض وهم قلة لحسن الحظ يتعامل مع المنجز على وفق الاهواء والمحسوبيات .   وبالتأكيد هنالك نقاد كبار لهم مشاريعهم الرصينة ودراساتهم الموضوعية .
   اما عن نتاجاتي الادبية فقد تناولها بالبحث والدراسة العديد من النقاد ومنهم الناقد فاضل ثامر ، والاساتذة جاسم عاصي ، وياسين طه حافظ ، وعلي الفواز ، وعلوان السلمان ، وعبد الرضا جبارة ، والدكتور ثائر العذاري ، والدكتور عبد الهادي الفرطوسي ، والاديب الراحل محمد علي الخفاجي ، والروائي الكبير محمد سعدون السباهي ، والناقد ناظم السعود ، وكاظم حسوني ، والدكتور سعد مطر ، وكريم ناجي ، ورزاق ابراهيم حسن ، وجمال جاسم امين ، وغيرهم .
-         كلمة اخيرة ..
-          بودي التأكيد على اهمية الثقافة كونها اداة الحضارة في تجديد ذاتها وبوصفها قيمة رمزية ومعرفية ذات مكانة خاصة في البنية الاجتماعية والسياسية بل كمقياس لدرجة رقي أي مجتمع ، الامر الذي توليه المجتمعات المتقدمة اهتماما كبيرا ، في حين تشير تقارير الامم المتحدة حول التنمية الثقافية الى هبوط ملحوظ في العديد من بلداننا وعدم ايلاء الثقافة الاهتمام الجدي من قبل المؤسسة الثقافية الرسمية والافتقار الى ما يمكن ان يسميه بالاستراتيجية الثقافية التي تعتمد لخلق حراك ثقافي محمود يشمل كل مفاصل المجتمع .
  ان بلداننا غنية بالقامات الابداعية السامقة والاسماء الكبيرة التي نبغت ولمعت في شتى المجالات وتخطت شهرتها الحدود لتنتشر اقليميا وعالميا ، الا ان جلها يعيش في ظروف محبطة ، مما يدل على ان هموم الثقافة والمثقفين هي في آخر اهتمام قائمة السياسيين . الأمر الذي يدفعنا للتذكير دوما بأهمية احتضان المبدع في حياته وعلى كافة الصعد وضرورة تخصيص نسبة من الدخل لإنشاء صندوق للتنمية الثقافية ، واطلاق مشروع تأسيس مجلس وطني للثقافة يعمل على تنظيم الانشطة الثقافية بالتوازي مع انشطة وزارة الثقافة ، وتشريع وتفعيل القوانين الضرورية المنظمة للحياة الثقافية كقانون التفرغ وقانون حماية الملكية الفكرية ورعاية الرواد . مع التذكير بأهمية تكريم ودعم المبدع في حياته وليس بعد مماته عبر بعض الفعاليات والمهرجانات الاستعراضية الشكلية .

ليست هناك تعليقات: