ماسـكــجنـا MASKAGNA يعنى " السلام
عليكم " بالنوبي
عن دار المصرى للنشر
الغلاف الرائع للفنان : عبد الرحمن الصواف
وهو لفتاة نوبية سمراء البشرة جميلة الملامح ضفائر كثيرة
تنساب من تحت طرحتها وابتسامة ساحرة تظهر أسنانا بيضاءا جذابة ، والفتاة تنظر لك بعينين
سوداوين طيبتين وهى تحمل سلة من الخوص بحميمية وسعادة
فى خلفية الغلاف الملونة بيوت النوبة المميزة وكلمة
ماسكاجنا باللغة العربية وأسفلها MASKAGNA يعنى "السلام عليكم
" بالنوبى
الكتاب يحتوى على إهداء غاية فى البساطة وغاية فى العمق هو ( لمن له التحية )
ثم المقدمة التى تبدأ بسؤال يعطيك المزيد من الفضول
لمعرفة أصل وفصل النوبة كما يعطيك دفعة قوية لمتابعة القراءة بشغف والسؤال هو:
يعنى أيه أسوان؟ ( أسوان مش كل النوبة ، والنوبة مش أسوان )
ثم (21) فصل جميعهم
فى غاية الروعة والبساطة والتلقائية والخصوصية .. وتلك الصفات هى بالفعل
صفات أهل النوبة عثمان و إدريس وبكر.. تلك
الأسماء النوبية الشهيرة التى توشك على الانقراض.. و نعناع الجنينة والشمندورة
وبلاد الذهب تلك الأغنيات النوبية الرائعة .
الكتاب يقع فى 260 صفحة
لكنك لا تشعر بالإطالة أو الملل بل على العكس تماما أنت تتمنى أن يستمر معك
الكلام ولا ينتهى بسرعة؛ لكن مؤلفة الكتاب "هبة عثمان " سرعان ما تتركك
دون أن تروى عطشك للمزيد .
محافظة أسوان بالنسبة لهبة أو لكل نوبى ليست مجرد محافظة
عادية أو مدينة تحول أسمها من سونو (فى العصر الفرعونى )، إلى سين ( فى العصر
البطلمى ) ، وأسماها النوبيين (سوان ) ، ثم عرفناها جميعا بأسوان ، أم أن إسم
النوبة له حكاية أخرى ؟ هل هى مجرد لغة لا تكتب ؟ هل هى مجرد مكان به آثار كثيرة
وجنسيات ووجوه سمراء كثيرة ؟
هل هى نعناع الجنينة والشمندورة وبلاد الدهب و محمد منير وأحمد منيب ومحمد حمام
وحسن عبد المجيد وعادل باطا ..على فكرة الشمندورة
طلعت مش بتاعة محمد منير من الأصل ، دى بتاعة المطرب النوبى عبد الله باطا
أبو عادل باطا ! لكننا نشكر بالطبع منير لما يجدده ويحضره لنا من تراث الأغانى
الشهيرة للنوبة حيث أننا فى القاهرة أو باقى محافظاتها الساحلية لن يرضينا ولا يطربنا لأغانى النوبة سوى منير
بصراحة كده ؟ نرجع مرة أخرى نتساءل هل النوبة مجرد حضارة وعادات و أسلوب فريد فى
الحياة تعيشه فئة شديدة الخصوصية على أرض مصر ؟
كل تلك الأسئلة تطرحها المؤلفة وتجيب عليها
تباعا بذلك الحس الساخر الذى يبدو جليا فى العمل حيث يعطيك البسمة والسخرية وخفة
الظل فى جرعة واحدة ! مما يجعل القارىء فى ألفة وود مع الكاتبة والكلام والحكاية
وبينما هو فى هذه الحالة يتملكه الشجن ببراعة لما آل إليه حال النوبة وما يشعر به
أهلها المُهجَرين . وهذا هو ما غاية الكاتبة وما تريده فى قرارة نفسها ..
تتحدث هبة عثمان فى كتابها كمن تلهث من الركض السريع
..إنها تريد أن تقول كل شىء يجول فى خاطرها وبداخل قلبها وعقلها وجسدها المنتمين
جميعهم للنوبة لكنها فى ذات الوقت لا تملك الوقت ولا المعلومات الكافية الشافية
لكل هذا ! لأن هبة من ذلك الجيل الأسوانى الجديد الذى يضرب شبابه جيل فى شعره
ويلبس ماركات ويسمع راب كمان وأيضا يعيش بالقاهرة
؛ لكنه يظل طوال الوقت محتفظا بأصالته وانفراده ومحدش غيره ينفع يلبس
الطاقية الأسوانى ، ومرسوم على وشه هدوء وطيبة وابتسامة من منيرية تشرح قلبك رغم
الهم .. ده كلام هبة عثمان شخصيا.
اتخذت "هبة
" قرارها أن تبحث عن أصل وفصل وجوهر النوبة وأن تسافر وتركب القطارات
والحافلات والدواب لو تطلب الأمر ذلك وأن تعود لتصول وتجول بضواحى القاهرة مُفتشة
عن قهاوى وأندية وأماكن تجمع النوبيين ..إنها تريد أن تلقاهم ..تناقشهم ..تُخرج
المكنون فيهم لتعرف وتعرفنا سر النوبة .
وتنجح هبة فى مسعاها فتسافر
وتقابل وتعود وتلتقى وتسأل و تكتب ، جلست هبة فى أندية وقهاوى نوبية أهمها قهوة
الانشراح بحى عابدين وهى أشهر مكان لتجمع النوبيين بس محمد منير ما بيقعدش هناك !
طبعا يا هبة هوه فاضى للكلام ده ! يا سيدتى منير كان وسيظل خير سفير للنوبة
وتراثها سيبوه فى حاله بقى .
قابلت "هبة عثمان" النوبيين من كل حدب وصوب
بالمحروسة ؛ وأيضا استخدمت التكنولوجيا الحديثة من كمبيوتر وإنترنت ومواقع
اجتماعية مثل الفيس بوك وتويتر للتواصل مع كل ماهو نوبى .. بشر أماكن ، أكلات ، أفراح ، أطراح ، فلكلور وملابس وعادات
وتقاليد وغناء . والحقيقة كان " بكار" الابن الشرعى للدكتورة منى أبو
النصر بداية للتمثيل المشرف للنوبة وأسوان وبداية مبشرة لفهم عادات وأسلوب
النوبيين فى المعيشة ولو بطريقة كارتونية ساخرة
..
عبثت هبة
بالكوامن فاخرجت لنا فحواها وأصولها وجذورها وأخذتنا إلى ممالك النوبة القديمة
(كرمة – نبتة – مروى ) وفترات قوتها وأوقات ضعفها وسقوطها فى العصور القديمة ثم
التهجير لأهالى النوبة والذى تم على ثلاث مراحل و نهاية القرى النوبية بالغرق تحت
بحيرة ناصر جراء بناء السد العالى فى العصر الحديث .
النوبة شعب كامل ترك وطنه ، ولم يجد تعويضا أو حتى دعما
ماديا او معنويا . ولغتها ظلمت بعدم الانتشار وغياب المصدر الذى يمكن عن طريقه
تدريسها حيث أنها لغة شفاهية !
المهم فى كتاب هبة عثمان (ماسكجنا ) أنه الآن يعد مصدراً
أدبياً رائعاً للتعريف ببعض المعلومات الجيدة والرائعة واللطيفة والحزينة عن
النوبة التى تبعثر بعض منها فى بلاد الله ..لكن تبقى النوبة فى نفوس وقلوب أبنائها
.. مهما طال البعاد . وأفيالجو .. يعنى
(أقعدوا بالعافية ) .
nada_em@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق