بقلم: عبد القادر كعبان
لا
تزال عاداتنا الخاطئة و تقاليدنا السيئة تساهم بشكل كبير في تفشي ظاهرة
العنوسة حتى أن شباب اليوم أصبح يواجه عوائق كبيرة في حصوله على أدنى فرصة
عمل إضافة الى أزمة السكن التي تعد بدورها سببا رئيسيا في عزوف هؤلاء عن
الزواج في الآونة الأخيرة.
نظرة
المجتمع العربي الى ضحية شبح العنوسة مؤسفة حقا فهي تعتبرها شخصا ناقصا
يدعو للشفقة، ملاذه الوحيد البحث عن بصيص أمل يخلصه من مشاكل الحياة
الروتينية على عكس الرجل الذي ينظر اليه بنظرات الإشفاق و الرحمة.
تتحدى
الكاتبة هيفاء بيطار هذه الظاهرة في ثنايا روايتها الموسومة "نساء بأقفال"
من خلال تقديم نماذج نسائية تجاوزن السن المناسب للزواج ليصبحن في نهاية
المطاف مجرد ضحايا في مجتمعنا الشرقي. تنطلق الرواية من حكاية مؤثرة عن
شخصية نادية التي تشتغل في سلك التعليم و لم يحالفها الحظ كبنات جنسها في
أن تجد رجلا يلبسها ثوب الأمان و يحسسها بأنها إنسان له الحق في التمتع
بملذات الحياة.
برعت
الكاتبة في رسم ملامح هذه "العانس" التي وجدت نفسها تقف مكبلة اليدين أمام
تعاليم الأسرة التقليدية، فشاءت الأقدار أن تتمرد هذه البطلة على قيود
المجتمع الذي لا يرحم لتجد نفسها تنساق وراء شهوتها التي أوقعتها في آخر
المطاف بين أيادي رجال مروا بحياتها بدء من طبيب الأشعة الذي يتعامل معها كسلعة رخيصة، حتى مصفف الشعر الذي تمر علاقتها معه بآلية و فتور. نادية
التي تقع ضحية مشاعر ملتبسة بين الإحساس بالذنب و التمتع بلذة اكتشاف جسد
الرجل الذي يرمي بها في شباك الضياع. هذه البطلة كمثيلاتها لم تجد ملاذا في
حياتها إلا من خلال علاقات غير شرعية لأنها وجدت نفسها مجردة من أبسط
مقومات وجودها الإنساني.
نادية
البطلة من خلال صفحات الرواية لم تعد هي نفسها الإنسانة بل تحولت الى ذروة
الإشارة لنقد مجتمع يضيع و يتلاشى بحكم قيوده و تقاليده البالية. تسعى هذه
الشخصية لجمع صديقات مررن على نفس الطريق لتعلن تحررها من أقفال شبح
العنوسة بممارسة الجنس عن طريق غير شرعي، مما يحول الجلسة الى فسحة بوح
تناوبتها ضحايا هذه الظاهرة التي فرضتها أسباب كثيرة لتنتهي الحكاية بسرد
تجاربهن
الجنسية بمرارة و يأس شديد.
من يتصفح هذه الرواية التي تعتبر مرآة عاكسة لشبح العنوسة سيجد نفسه أمام جملة نساء محبطات يعانين ألم الوحدة كشخصية
هنادي دكتورة علم النفس، هي الأخرى التي قدمت دراسة معمقة عن موضوع
العنوسة في الوطن العربي كظاهرة نفسية خطيرة، وشددت على الإلتفاتة لهذه
الشريحة من النساء مركزة على الإحصائيات و الأرقام العلمية مما دفع المشرف
على مشروعها العلمي
الدكتور ناصر إلى رفض الأطروحة لحجة أنها لاتحمل خصائص البحث العلمي
الصحيح. يتملك الحزن هنادي وتشعر بالخيبة حيال نساء عانسات وضعن ثقتهن بها
كاشفين أعماقهن والخراب الذي أحدثه المجتمع بمصيرهن فتتوالى إلى ذهنها صور
هالة المخلصة الجمركية التي يجبرها الحرمان على مضاجعة شاب يعمل لديها
واستهلاكه كسلعة تشبع الغريزة، وأمل التي تنهي جحيم حياتها بقرار الانتحار،
وجولي المتحررة من أعباء مجتمعها التائهة بحريتها دون أن تجد الحب بعد نبذ
المجتمع لها. تتسلم الدكتورة هنادي دعوة لحضور مؤتمر عن العنوسة وبعد أن
سكنتها أرواح نسائها المقفلات،
تتوحد معهن و تقرر المشاركة في المؤتمر مقدمة مداخلة لتكون صفعة على وجوه
جميع الحاضرين معلنة حقيقة الألم الذي تعانيه نساء فاتهن قطار الزواج فحكم
عليهم المجتمع بالموت البطيء.أجد
أن قلم الروائية هيفاء بيطار عرف كيف يلامس الجرح الدفين لضحايا العنوسة
بل تعدى ذلك من خلال رسمه لملامح نسائية بصور مخيفة، عبر مشاهد سينمائية لا
يمكن أن تفارق ذهن المتلقي و لو للحظات.
في الأخير هذه الظاهرة أكبر من كونها قضية اشباع شهوة جنسية، إنها قضية حساسة تستحق التفكير للخروج بحلول ناجعة لما
وصلت اليه هذه الشريحة اليوم التي تعد ركيزة المجتمع و عماد مستقبله و يجب
الإقتداء بسنة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "إذا جاءكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض و فساد كبير".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق