2014/01/09

مقتطف من رواية اتفاقية الساعة للدكتورة سوسن أمين

  اتفاقية الساعة 
د. سوسن أمين
تكالبت الذكريات على رأسي من كل زمان ومكان فلا أدري ءأنا هنا أم هناك.. فالراقد واحد والهزيمة واحدة والأحباط فاق كل منغصات الأمل اللاهثة تبحث عن بارقة تدثر بها. صوت الجميع في أذني متزامن وحديث نفسي ،ماجد ،ميج، دنيال و..و..و.. حتى أمي ، إذا ما تفوهت قام صوتها يصفعني .

 أشعر بأحدهم في الشرفة.. يدخل خِلسةً.. يختبئ في ظلام الغرفة.
- ضربت الهوك ؟ نهارك أسود يا جبل عتاقة .

العاصفة زئيرها يسلمنى للموت..جسدى ما بين الحمى و الرَّعدة.
- هيا اذهب إليها إن استطعت أن تغمض عينيك و في حضنك حية.

 دوماً مغيب الوهم  في شروق الحقيقة .
- ما هي در كات خا ؟..ما هي وحدة خا ؟ .

 رفضي بإصرار خفض الضريبة.
- انطق يا ابن .. ما هذا المبنى؟.

 ثواني القرار أشعلت فتيل الخطة.
- يريدون قتلى ..لابد من رحيلي لفرنسا.. هناك إيلي.

القتل شئ صعب وضياع الحب أكثر صعوبة .
- أرجو ألا تتخلى عنى..أريد مشترياً بسرعة.

بصورته المشوشة يغازل عقلي والسكين في يده يريد فصل معصمي.
- نصف فرخه شاعون يد .. قطعة حلوى شاعون يد .

لو فهمت إشارته المعادة وأعملت فيها عقلي..إلا أننى بحمقى ظننته يهذي .. هذا الوتد رغم نحوله واصفرار وجهه أراد مساعدتي..عفوا أيها الشقيق أنا غبي.
-   قطعة لحم شاعون يد .. قطعة جبن شاعون  يد.

ورباط البيادة سلاح المعركة والواحد وعشرون سقطت محترقة.. أرض لله واسعة ولا  يحلو لها السقوط إلا هنا.
-      نصف فرخه شاعون يد .. قطعة حلوى شاعون يد.

لتأتي صرختي بشعة مدوية لكنها أنسب موسيقى  تصويرية لتلك العملية الانتحارية تاركاً ورائها المسكين غارقاً في كم هائل من دمائي الحارة.                                                                                                                                                                 
- الشهرة شي بغيض..عندما قتل حضر المصورون .. إنهم بلا أخلاق..  مجرد سرقة ليس إلا..

تبدين فائقة الجمال في لون الشفق الدامي كما شعرك وشفتاك.                                                                                                   - أرأيت أننى أستطيع الدوران ..أرجوك لا تجعلنا نهبط الآن .. انظر للجبل هناك.

ماجد .. أصعد إليك؟
-  ماذا تقصد ؟ 
أحترس أنه ورائك .
ـــــ من تقصد ؟ .
قاتلك ..
-  هل تقصد ؟.

توهجها تحت شمس إبريل عاد بي للوراء لأبعد من ست .
-  انسَ الأمر .

بالوسادة على وجهي القرد عاد يريد المحاولة.. ميج و رمزي  شاعون  يد .. عقرب و حية شاعون  يد .
-  كابتن ..الدواء  .

أضع يدي على موطن الداء فتنزف جراح قلبي ..أحاول غلق مقلتيَّ  دون رؤى تتداعى ترسم في ذهني صورة لا أريد لها البقاء في ذاكرة أيامي.
- كابتن.. الآن .
- أيهم؟ .
- تلك.
- بنى سويف ؟ .
- أشك .

الظهور المفاجئ للنجمة الزرقاء المتلصصة رسَّخ في ذهني ضرورة المجازفة ..انحنائي على شكل نصف دائرة جعلني في لمح البصر معها في مواجهة ..  للاشتباك أجبرتني الساقطة.
- كابتن.. الدواء  .

أفيق على طلقات في أذني و العرق البارد يغرقني ..سيكتب هذا في سجلك القتالي يا صغيرة.. يبدو أننا سنتلازم من العمر فترة .
- كابتن حازم ..الدواء .

ë    ë    ë

حدثني قلبي بكارثة..سقوط الأسنان في الحلم مصيبة.. بالرغم من إسهابي معها في الحديث علّى أنسى يوماً من بدايته كل ساعاته مقبضة ثقلها على رقبتي يكاد يفصلها منذ داهمني منظرها وتراجعت متقهقرة متخلية عن مكان نواله ليس بالأمور الهينة ..أول مرة أراها كاملة .. صدمة لحيائي وعيناي المدافعتان عن براءتهما مرة بالإغماض ، ومرة بالهرب لأقصى الحجرة ، ومرة بتلمس الطريق إلى اللاعودة وهى في انهماكها تنهال عليه بداية من العورة مؤكدة لنا بسخرية أنه لا يمكن اقتحامه إلا هكذا غير عابئة بهمهمات المحيطين وضحكاتهم المكتومة ..لجرأتها رأتها بشعة أقرب للرجال منها إلى أنثى بحجمها الضئيل بالنسبة  لضخامته المفرطة كانا كفيل  تفتك به هِرَّة .. دوار الدنيا من حولي أجبرني على المغادرة تلمساً لبعض الهواء وبعض العزلة. أول مرة نراها لغيابه.. لعبقريته في الشرح ومظهره كلهن  يهمن به لولا خاتمه الذهبي حاجز الصد الرسمي لأحلامهن وآمالهن ومع ذلك لا يكاد  ينجو  من بعض التنهدات والتعليقات وأحيانا المغازلة الصريحة فالدكتور بهاء عزت غريم شباب الدفعة و قاهرهم  بخيلائه وأناقته المبالغ فيها ..لطبيعتها الشعبية ترد عليهم وداد بسخرية..
- لم يجدوا في الورد عيب..

وها هن كلهن اليوم لا يتوقفن عن.. أين هو؟..أين هو؟.
على الباب الخارجي علمت من عم جابر أنها زوجته ترك لها مكانه لتنعم بالمشرحة قبل امتحان الدكتوراه في الجراحة.. يريدها الأولى.
متى تنتهي هذه السنة؟  نواح ضميري وتأريق ليلي و عزوفي عن الدنيا وما فيها..تمزيق أجساد من لا أقارب لهم وامتهانهم وكأنهم دمى وإن كان بلا دماء أو ألم إلا أنه لا يرضيني..فهم رغم الموت الذي غيبهم عن دنيانا إلا أنهم في نظري مازالوا نبضاً حياً وأدمي..ترى  من كانوا ومن أوصلهم إلى هنا..ترى ما الحال لو كنت أنا الراقدة على تلك الطاولة..ومع ذلك فلست مبرأة فمثلهم جميعا أقتني هيكلا كاملا وأعطيه اسما ساخرا.. وبالطبع  أحيانا أتهكم عليه أنا وهم أثناء محاولة حفظه عظمة عظمة .
رأسي تكاد تسقط عني.اتصال الدراسة عامين كاملين شيء مهلك و غيرإنساني . في محاولتها التسرية عن أعصابي المحطمة تمازحني  ضاحكة ونحن في طريقنا إلى الشقة.
- عادى يا هدى ما الضرر في رؤية ميت عارٍ اعتبريها ثقافة مبكرة.
- يا سيسيل لو كان عندك في كلية الهندسة ما أرى لتركتها.
- أنسي الأمر وتعالي نفكر فيما سأرتدي في  خطبة نانسى.

راهنتني أننا سوف نجد أمها عندنا ككل يوم في تلك الساعة لشرب القهوة فخالتي لا تزور أحداً لأنها الكبرى. عند وصولنا كانت تقف واجمة فبالرغم من صوت المذيع والبشرى  كانت ترتجف وجلة وكأنها  غير مصدقة  أنه لم تسقط لنا طائرة .

ليأتِ الليل مجلياً ما أخفى عنا في ليلة الخامس من يونية . لم يتثنى لنا دخول معركة حقيقية والطائرات احترقت في أماكنها ولم ترتفع عن الأرض قيد أنملة  ليحجب بعدها سرب من الهوان عن أعيننا الرؤية . عمي في رقدته الأبدية لا يكف عن هز رأسه أسفاً وهي في ندائها الباكي علية تكاد  تفطَّر قلب الحجر إن  تسمع لها ليتحول في النهاية إلى صراخ هستيري ظل يزلزلنا.
- ابني..ابني ..من يطمئنني عليه ويخبرني ماذا جرى.

ليست هناك تعليقات: