مفتتح نقدي موجز للولوج الى مدونة القاصة مروة سامي الحساني
مهند التكريتي
لكي تأتي بالمفردة التي يشيب الزمن على قارعتها من دون أن تشيب تنزف سندريلا القصة العراقية - كما يحلو للبعض أن يسميها - وعبر رحلتها المرحلية مع الكتابة .. دما ً عبر سرابات الأحلام وأسراب الفراشات حيث يصبح الحلم مبدئا ً لتزامن جوهري يكتسب فيه جسد النص – الكائن الأكثر تفككا ً وتشتتا ً - عناصر وحدته البنائية من خلال تحويره وتعديله حتى يخرج في النهاية إلى الصورة التي لم يكن على وعي منها بها قبل ولادته على حافات الورق الوعائية .
إن الكتابة وفق مفهوم مروة خارطة تخرج من خاصرة الأضواء لتفترس شرفا ً أسطورية لا يطالها الضوء شبيهة بشرف قريبتها رشا فاضل إلا أنها تتميز بمسحة رومانسية حالمة تتوضح فيما تجيد كاتبتنا الرقيقة أن تنسجه باصابعها الرقيقة وهي تناغي أميرها الحاضر الغائب ، الذي تسنم الكثير من نصوصها الجميلة .. بطريقتها التي امتازت بغرائبية التأمل وفنتازية الأنتظار ، حيث تأخذنا في متاهات مدنها الزجاجية التي تسكنها الأحلام وتسافر على أشرعتها سرابات فراشتها المدججة بسخط الأسئلة ، فتتماوج الأحداث في معظمها لترسم لوحة ً تشكيلية ً سلسلة ً أحيانا ً ومركبة ً حد التعقيد أحيانا ً أخر ، لتحل في قلب المتلقي البسيط وتغرس مرساتها به فتظل تحفر فيه حتى تضيق وتترسخ .. حيث يتكور المساء عند مسلات أحلامها فتستوطن الآمال في كيانات أروقة ثرة بالمفردات ، تتعرى أمام جماليات الوصف فيها مسامات العقول ، فيحس القارئ وهو يلوب بين مداراته بأنه أمير من دون امارة- كأميرة الرمال التي تحدثت عنها رشا فاضل في احدى قصصها {الأمارة الوحيدة التي لا ينازع عليها أحد ولا يُستولى على حصة من فيها فهي إمارة للجميع } تنسل فيها الأمنيات لتغيب في لهاث هيستيري في قارورة العقل كأنسياب إخطبوط أخرج الى اليابسة من الماء ، حيث أمواج البحر تعربد بين حنايا الأفكار وتحاول أن تحضنها بأذرعة العشق الذهبية أو تبتلعها في ثقوب جدار شفه الانتظار لتعيد تكوينها وخلقها من جديد .
لقد إختارت كاتبتنا أن تعبر بالذات عن شوارد الذات فتارة تلبسه رداء حبيب مهاجر كما في قصتها الموسومة بـ( الصعود الى قاع الحلم ) علقت بباله ( فتاة ) طالعها ذات مساء، بوسادة الأمنيات وتارة تلبسه رداء الذئب الخائن الذي علق بذهن فتاته المشتاقة إليه وهذا مانتلمسه واضحا ً في قصتها المعنونة بـ ( عزف منفرد على اصابع الوقت ) لتعانق غصة لم تستطع ان تتماهى ووهج حياتها الواقعية وتارة تلبسه رداء الأسير الغائب أو الشهيد المنتظر أن تحل ولادته الثانية من أتون دمعات اشتياق زوجته الملتاعة وغيرها من الشخصيات التي يمكن أن تفصح للقارئ البسيط وغير المتخصص بخبايا المتاهات المسرودة بالعديد من الشفرات التي تم توظيفها بشكل يتمتع به أكثر من غيره وهو يمارس رحلته في الكشف عن خباياها ، فهي مبنية بإطار وصفي متفرد في الشعرية لتسلم نفسها لجميع المستويات بلا تفريق بحيث لا تبقى معلقة لتستقبل وتـُفهمْ من قبل قراء تعودوا على قراءات نوعية متخصصة لفهم خطابها الكامن خلف حواجز تجسيدية تحتمل في تأويلها لأكثر من معنى وبحسب طبيعة مايرونه للمتغير المطروق في تناول جدرانها المترادفة ، المطرزة بصورها المكثفة بتجارب الحياة من خلال تحويل عوالمها السردو- وصفية إلى عوالم تجسيدية خالصة تتحقق على جوانب رؤاها الطاغية في التمثيل الموظف لتعميق الأثر المطروح في بلورة وتعزيز الأفكار المتناولة من خلال تحقيق متواليات هندسية ذات غايات آنية خالصة في محتواها وطبيعة الهدف الموضوعة لأجله .
وإذا كانت غاية الوصف وحسبما وضحه الفارابي هي فيما توحي به من مواقف سلوكية مدفوعة من قبل الكاتب إلى مخيلة المتلقي الخصبة من خلال توضيح لقطاته المتفردة في الوصف المحفز لتداعيات مدروسة في تناسقها التخييلي المشترط لإظهار عقدة النص في إبراز وظيفته الافهامية وتحقيق وظيفته الانفعالية وهذا هو مايميز نصوص مروة
،اذ لم تكن الكتابة عندها في يوم من الأيام ترفا فكريا ً أو سياحة غير مدروسة على زوايا و سطور الورق المعهودة وإنما كانت ومازالت نزفا ًداخليا ً، ومخاضا ً فكريا ً، ويبرز ذلك بوضوح من كون نصوصها المعروضة بصيغها الذاتية القريبة إلى طروحات النصوص الحكائية المبنية على سياق تراصفي تتماهى في محتواها بالوان ( فتاتها البرية ) وبتنافذ رائع بين عوالمها المتصلة في تبني النسيج الواقعي المزاوج لعالم الكاتبة الحلمي من خلال استيعاب الأشياء والرؤى المشكلة لهوية النص المكتوب سواء أكان شعرا ً أو قصة أو رسالة من خلال تشكيله حيزا ً زمكانيا ً واعيا ً تتمظهر فيه الأشياء متلبسة برداء المؤثرات الشيئية وتأثيرات الحركة الهلامية المتماسة وقوانين عالمها الواقعي .. ان تعمق الفضاءات السردية وتعدد ابعادها يقتضي توفير ادوات ومنظورات جمالية لئلا يتحول النص الى محض مغامرة تعوزها الصنعة والإبداع وهذا ما امتلكته بالفعل ، وكذلك فأن هذا الامر يتطلب مهارات ذوقية ومعرفية متخصصة لئلا تتحول المتتاليات الهرمونيكية ( المتناغمة ) الى لعبة شكلية يغلب عليها طابع الالتباس والغموض والارتباك في بعض الاحيان لصعوبة الاشتغال – او كما تنظــّـر قاصتنا عليه بـ((العزف)) على الفضاءات والتهويمات التي تتناسق في طرق اغلبية نصوصها- عليها .
ولاشك بان تعدد طرق الروي التي تتبعها بتعدد المناحي التي تختارها القاصة لشخوصها كان له الدور الأكبر في تمييز كتاباتها وعدم تخندقها في خانات الكتابات المكررة والمنسوخة.الأمر الذي كان بامكانه أن يسقطها في هوة من فوضى تداخلات الخلط الأسلوبي المكرر بلقطات كامرتها المفرداتية و الذي سيكرس الى استثبات لاوضوحية الرؤية النقدية التي قد تتهم بهاعند كتابة نصها الإبداعي
ان الطريقة التي مورست فيها نصوصها اتسمت بالتفرد الشعري الصرف ، الموثق بتناغمية وصفية عالية – قد يعيبها البعض – الا انها شكلت منحنى واضحا لتحطم بعضا ً من أعراف الكتابة التقليدية للأثر السردي المتداول في معظم النصوص القصصية الحديثة مما شكل نوعا ً من الانتقال الى النص الكولاجي الذي يحوي خليطا ً متنافرا ً لمتضادات ومتغيرات مجموعة بحبكة نادرة على شكل رسم تخطيطي في صفحة من دليل سياحي يرتشف منه القارئ نوعا ً من التمتع الانتشائي الذي نظــّر عنه كونديرا في احدى مقالاته .. وهذا اذ يدل على تحرر الوعي المنفتح لقاصتنا من منطق التطور الايدلو- داخلي للنص وبالتالي فانه سيساهم في فتح قلاع جديدة تهدف الى خلق دهشة ما أن يتم تجاوزها حتى يسقط المتلقي في دهشة سردو – وصفية جميلة وهكذا تستمر ولادة نصوصها نصا ً تلو الآخر كدليل على استثمار واسع لمجموعة المفردات الانثوية الحالمة المسبوكة داخل مشغل سردي من نوع خاص ..مشغل ٍ مضمخ بتلوينات برية لكاتبة النص النفسية والذي يحاذي في تطلعاته الشعرو - سردية لغات النثر التأملي والتي قد تصل في بعض مقاطعها الى حدود التشويش الانتقائي المغمس بكثافة تعبيرية واضحة تبدأ من مفردة العنوان المنتقاة لمدونتها الموسومة (ترانيم من زمن الحب الحرب )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق