2013/08/28

عن تمثال دى ليسبس ومقتنيات متحف هيئة قناة السويس ببورسعيد.. بقلم: قاسم مسعد عليوة



عن تمثال دى ليسبس
ومقتنيات متحف هيئة قناة السويس ببورسعيد
قاسم مسعد عليوة
     بأوجز وأوضح عبارة أقول، وأناواثق مما أقول، إن بورسعيد كلها ترفض خروج تمثال دى ليسبس إلى أى مكان آخر داخل مصر أو خارجها، وليس معنى أن الوطنيين بالمدينة يرفضون إعادة تنصيبه مرة أخرى بالقاعدة التى نسف من فوقها فور انتهاء حرب 1956م. أن يسمح بخروجه منها. ربما اختلف أهالى بورسعيد بين رافض لإعادة التمثال إلى القاعدة (أغلبية) وبين مؤيد لهذه الإعادة (أقلية)، لكن الجميع يرفض رفضًا مطلقـًا خروج هذا التمثال من بورسعيد، باعتبار أن تنصيبه ونسفه حدثان، على تقابلهما، يمثلان جزءًا من تاريخ بورسعيد ونضالها الوطنى.
     وأعجب لإعادة ترديد هذه النغمة من وقت لآخر خصوصـًا أن الأمر كان قد حسم بوعود من رئيس الهيئة ومحافظ المدينة، بعدم إخراج التمثال من بورسعيد..
     وقد اقترحنا أكثر من مكان بديل لهذا التمثال داخل بورسعيد من بينها متحف بورسعيد القومى ومتحف بورسعيد الحربى، و آخرها حديقة التاريخ التى لا تبعد عن ممشى دى ليسبس إلا بخطوات، علىأن تحيط به مجسمات للشخصيات الوطنية البورسعيدية وأبطال المقاومة الشعبية، ومنهم من قاموا بنسفه عام 1956م.
     دافعنا إلى هذا الاقتراح مجموعة من الأسباب، منها ما هو جغرافى وسياحى وتاريخى، فالحديقة شديدة القرب من موقعه القديم (مجرد أشبار كما أسلفنا)، وهى تطل على قناة السويس والميناء السياحى الشمالى، وهى مقامة على قطعة أرض ظلت محل نزاع بين هيئة قناة السويس والإدارة المحلية، وكانت هذه الأرض قد ضمت فندق وكازينو بالاس وحديقة واصف، وفى ذلك الفندق حلت شخصيات تاريخية وطنية وأجنبية، ولصق الحد الشرقى لجديقة واصف كان تمثال الجندى المجهول الاسترالى والنيوزلندى، وصخرة كان مكتوبا عليها اسم البطل جواد على حسنى شهيد الغدر الفرنسى إبان حرب 1956م.
     وفوق هذا وذاك فإنه روعى فى تصميم الحديقة، التى نطالب بنقل تمثال دى ليسبس إليها ضمن تماثيل ومجسمات للشخصيات الوطنية البورسعيدية، أن تعكس التاريخ بصورة رمزية، والأسئلة التى تطرح نفسها هنا هى: لماذا الرمزية التجريدية التى عليها هذه الحديق الآن؟، وهل إن وضعنا فيها هذه التماثيل نكون قد خرجنا بها عن رمزيتها؟.. ومادامت هى حديقة للتاريخ، فلماذا لا تكون اسمًا على مسمى؟
~* ~
     يبدو أن هناك اتجاهـًا لتجريد المدينة من مقوماتها التاريخية وسلبها إرثها الثقافى، فقد نـُشر أن لجنة تقوم حاليًا بجرد مقتنيات متحف هيئة قناة ببورسعيد الذى أصفه بالغامض، وبدلاً من فك غموضه وتطويره وفتحه للجمهورالعام من مصريين وأجانب، أشيع أن الجرد بغرض نقل المقتنيات إلى متحف الهيئة بالإسماعيلية؛ فهل يصح هذا ومكان هذا المتحف هو بالضبط مكان احتفالات الخديو اسماعيل بافتتاح قناة السويس أمام الملاحة العالمية فى السابع عشر من نوفمير عام 1869م؟!.. هل يصح والمبنى المقام به ذو تراث معمارى فريد، له قيمته المعمارية والتاريخية؟! 
     لقد بنى مقر هذا المتحف فى موقعه التاريخى هذا على النمط اليونانى، واستخدم لفترة كبيت للراهبات، وبعد سنوات من إخلاء الراهبات له قامت هيئة قناة السويس بترميمه وجعلت منه متحفـًا يخصها، وهذا أمر حمدناه للهيئة، إلا أن المتحف ظل مغلقـًا بالـ"ضبَّة والمفتاح" أمام الجمهور العام، وظل أمره غامضًا غموضَا تاما حتى على المقيمين فى محيطه، وزاد الطين بله أن زحف السوق والباعة الجائلون على رصيفه دونما متابعة من مسئولى هيئة قناة السويس أو الحى (حى الشرق) أو المحافظة.
      الأمر الأشد غرابة هو أن مقتنيات هذا المتحف (الغامض)، بل إن مقتنيات هيئة قناة السويس التاريخية كلها، حسب تصريح طارق إبراهيم مدير آثار بورسعيد، غير مسجلة كآثار(!)؛ وأن محاولات إدراجها ضمن الآثار المعترف بها قد فشلت(!)
     لماذا لم تسجل؟.. وما هو الطرف الذى أفشل محاولات إداراجها ضمن الآثار المعترف بها؟
     سؤالان لابد من الإجابة عليهما لأننا أمام كارثة بكل المقاييس. هى كارثة فعلية وليست افتراضية، لكونها تعنى أن كل ما بحوزة هيئة قناة السويس يخصها وحدها، وأنه لا ولاية للجهات المعنية بالآثار المصرية عليها، فلا تشرف عليها ولا تصونها ولا تحميها، وتترك كل هذا لهيئة قناة السويس. قد يكون هذا واقعًا مفروضًا وقت أن كانت شركة قناة السويس العالمية تدير شئون القناة بحكم الامتيازين الشهيرين اللذين سلبا من مصر حقوقـًا كثيرة، لكن بعد تأميمها وتحويلها إلى هيئة مصرية فالأمر يجب أن يختلف. 
       وفى كل الأحوال لابد من ايقاف تجريد المدينة من إرثها الثقافى المجسد هنا فى مقتنيات قناة السويس التاريخية وإبطال محاولات نقله إلى خارجها.
     المسألة ليس بسيطة ولا هينة، ومطلوب تدخل المسئولين فى أعلى المستويات لوضع إجابة مرضية عليها، والمستويات التى أعنيها هى المحافظة، وزارة الآثار، وزارة الثقافة، وأضع رئيس مجلس الوزراء فى موضع المسئولية كذلك.
 27 أغسطس 2013م.
قاسم مسعد عليوة

ليست هناك تعليقات: