الثقافة العراقية ...رؤى موضوعية ام
اجتماعية ؟
منذر عبد الحر
المشكلة التي تسود معظم مظاهر الثقافة العراقية ، هي
التعامل مع الحدث او الظاهرة الثقافية على اساس غير موضوعي ، وفي اكثر الاحيان وفق
مبدأ المدح والذم دون الركون الى العمل الابداعي ، او الى المنجز الذي يستحق
الاشارة والتقويم والبحث والدراسة .
ان اقران المنجز الثقافي بالعامل الشخصي يعد من الامراض
المزمنة التي يجب ان نعالج جسد الثقافة العراقية منها، وان نتخلص من الرؤية
الساذجة والنظرة السطحية المنفعلة ونحن نتحدث عن العطاء الابداعي ، والاستكون
ثقافتنا متشنجة بعيدة عن العمق تخضع للأمزجة الشخصية وللنظرة المسبقة والاحكام
الجاهزة ،التي لا تحقق سوى الخذلان وقصور الرؤية وانعدام الاحكام النقدية الدقيقة والابتعاد
عن الموضوعية واخلاقيات التعامل الثقافي الحضاري المتقدم .
مناسبة حديثي عن هذا المرض الشائع ، الرسالة التي
تلقيتها من احد الاصدقاء ، وهو ينتقدني فيها لانني اتحدث بأعجاب ومحبة وموضوعية عن
تجربة مثقف له حضوره الطيب وتجربته التي تميز بها عن أقرانهِ، فكتبت عنه كلمة حق
ورؤية نقدية تستحقها تجربته ، اما الانتقاد الذي جاء بالرسالة لم يكن ثقافيا او
فنيا او رأيا نقديا مختلفا ، بل هو عتاب شديد اللهجة والانفعال ، سببه انني كتبت
عن (فلان) ، وهذا الفلان لا (يحبه) صديقي صاحب الرسالة ، الذي اجبته بكل محبة
وهدوء عن مبررات كتابتي ، رغم انني غير مطالب بذكر هذه المبررات ، لكنني تعاملت
معه كصديق محب ، كما ذكرت له استحقاق (فلان) لاكثر مما كتبت واننا يجب ان نحتفي
ببعضنا البعض لا ان نحبط بعضنا البعض ، وان نبتعد عن الهواجس الشخصية ونحن نكتب عن
تجربة ابداعية نتلمس فيها اشراقات مهمة ومشروعاً ثقافياً جاداً، طبعا هذا الكلام
لم يعجب صديقي صاحب الرسالة ، فشن هذه المرة هجوما علي وعلى شعري وعلى تجربتي ،
وكأن الامر هكذا سباب وشتائم وكلام يلقى عن عوانه، اما انا اكتفيت بالصمت كي لا
انزل الى منطقة حرصت كل حياتي ان اتجنبها .
لا اريد ان ادافع عن نفسي ، وعن كتاباتي، فأنا مؤمن بها
كبير الثقة بكل ما جاء فيها، اما مسعى مرضي اعرف تماما اصوله وجذره، وكنت اتمنى ان
يحاول التخلص منه ، لانه سيقوده الى استنتاجات ورؤى وتعلامات غير دقيقة بعيدة عن
الموضوعية ، وان اعرف بأن اخوننا المصرين حين يتحدث الواحد منهم عن الاخر يصفه
بالكبير والعظيم المتميز ، بينما هو يعرف ضالته وصغره ، اما نحن وللاسف الشديد
فإننا نحاول ان نغمط حق زملائنا، متصورين أننا سنكبر في تصغيرهم، وعكس ذلك هو
الصحيح ، وقد لمست ذلك يوم قرأت قصيدة أعجبت الحاضرين جميعا في احد المهرجانات،
وقد جاءني احد الادباء العرب وقد طلب مني نسخة من القصيدة التي القيتها ثم اجرى
معي حواراً في احدى الصحف اللبنانية، وبعد ان انتهينا تأفف وقال لي بالم: لماذا
حين سألت عنك فلانا من زملائك الشعراء امتعض وقال لي رأيا سلبا، بينما لم تتحدث
بألاحترام ودد عن جميع زملائك ؟
اجبته: لا ادري !!.. فقال بل تدري جيداً، ولكنني فهمت
الان ما يدور في وسطكم الثقافي، ويا للأسف فهو وسط مليء بالعقد والامراض، قلت له،
مدافعا، بل هناك ظروف قاسية يعيشها المثقفون جعلت من بعضهم يتصرفون بمثل هذا
التصرف.
لقد كانت تلك حادثة مر عليها اكثر من عشر سنوات، فما ان
الاوان لنتحدث عن بعضنا البعض بمحبة ودون عقد او امراض؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق