2013/08/23

"التلميذ" قصة بقلم: محمد نجيب مطر

التلميذ
محمد نجيب مطر
كل ومل من قراءة دروسه، يبدأ بأحد المواد حتى يضيق صدره فيتحول إلى أخرى، المواد الدراسية متعددة ويجب الانتهاء منها ومراجعتها قبل موعد الامتحانات، دائما يهرب عقله إلى فضاءات من الذكريات أو الأفكار فقط حينما يبدأ في قراءة أو استرجاع المعلومات، حاول تنشيط جسده حتى لا يتحايل عليه عقله بالهرب في إغفاءة قد تقصر أو تطول حسب نوع المادة المطلوب قراءتها، إنه يعشق بعض المواد ويقبل عليها طواعية، ولكن بعض المواد الأخرى يتقرب منها فتتأبى عليه فيطاردها وكأنها أنثى تضن على عشيقها بنظرة أو بكلمه تطفئ نيران شوقه.
دخل عليه بعض الرجال مرتدين الملابس المعقمة، تحولت الغرقة التي يجلس فيها إلى غرفة عمليات، وجد نفسه ملقى على منضدة العمليات الجراحية ورأسه حليق، وبدون أن يتحدث إليه أحد أو يلقي له بالاً توجهوا إليه ورأى في يد أحدهم مثقاب كهربي، وعندما هموا بوضع المثقاب في رأسه انتفض سائلاً ماذا يفعلون برأسه؟ أجابه كبيرهم بأنهم سوف يفتحون شقاً رفيعاً في رأسه ويثبتون فيه جسماً دائماً لوضع الشرائح الالكترونية ثم يوصلون أطرافه بنقاط داخل جمجمته، استوضح عن الهدف ومن طلب منهم فعل ذلك، أخبره أحدهم أنها الطريقة الجديدة في التعليم الالكتروني، تثبت قناة اتصال بين العقل وبين شريحة الكترونية، تنقل المعلومات من الشريحة إلى العقل مباشرة دون استخدام الحواس، كل شريحة تحمل مقررات فصل دراسي واحد، ويتم تبديل الشرائح حسب الفصل الدراسي، تعجب من ذلك وتساءل: هل تعني أن المواد التي أدرسها سوف تنتقل كل تفاصيلها من الشريحة إلى عقلي مباشرة دون الحاجة للذهاب إلى المدرسة وحضور الدروس؟ فهز الطبيب رأسه في ضيق وكأنه يقول نعم، ألم يخبروك بهذا في المدرسة او في البيت؟ لم يتذكر أن أحداً أخبره بذلك، ابتسم في سعادة لأنه سيتخلص من عبء ثقيل، فلا مدرسة و لا قراءة و لا واجبات مدرسية، كل العلم سيخزن في عقله مباشرة دون وسيط، ولكن طرأت له فكرة، إذا كان العلم سينسخ في عقول الجميع، فسيصبح كل الطلاب نسخة واحدة، نفس الذكاء ونفس الذاكرة الحديدية، فرد عليه الطبيب وكأنه يقرأ أفكاره وهو يحدد بقلم على رأسه مكان الشق، إن المواد ستنسخ مرة واحدة، ويتم إزالة الشريحة، ولكن عندما يفكر الإنسان في المادة التي يريد تذكرها يبدأ شريط الذكريات في عرض معلوماتها وكأنه يعايشها، فمثلاً لو فكر في دراسة مادة الجغرافيا، تعرض تفاصيلها على المتلقي فيرى مثلاً قارة إفريقيا رأي العين ويتجول فيها ويرى مرتفعاتها ومنخفضاتها وسواحلها ويعرف نشاط سكانها ومدنها، ويسمع لغتها وفنونها، و يذوق أطعمتها إن أراد، ولأن الطلاب قد يختلفون في القدرة على التذكر والفهم، وقد يختلفون في عدد مرات استدعاء المعلومات فسوف يختلفون أيضاً في المستوى، كلما تكرر استدعاء المادة العلمية ثبتت وعند اهمالها لمدة طويلة قد تفقد أجزاء منها، ولهذا لن يتساوى الجميع سيظل هناك فرق بين طالب وآخر، استأذنهم الطالب في سؤال أخير ووعدهم بأنه لن يعطلهم أكثر من ذلك، لماذا تجرى اختبارات والمعلومات مخزنة في عقول الجميع؟ فضحك أحدهم قائلاً : الاختبارات هنا لن تكون قياساً لحفظ المعلومات، فهي متوفره على الحواسب وفي الكتب، بل ستكون لقياس القدرة على توظيفها واستخدامها، ألم تسمع عن الامتحانات التي يدخل فيها الطلاب ومعهم الكتب، سميت قديماً امتحانات الكتاب المفتوح، أما الآن فنحن في عصر الرأس المفتوح، فلو كنت طالباً في كلية الهندسة قسم العمارة، سيعطى لك سؤالاً لتصميم مبنى في مساحة معينة في نقطة معينة على سطح الكرة الأرضية، قوانين التصميم ستكون مخزنة في عقلك، ولكن لك مطلق الحرية في التصميم، مثلاً قد يتم حساب مساحة الحديقة واختيار مكانها حسب شدة واتجاه الريح وهنا ستعود بذاكرتك إلى مادة الجغرافيا، وستحدد حجم النوافذ وعددها حسب عدد الأفراد وهنا ستعود إلى مادة فيزياء الموائع، وسيكون اتجاه الغرف حسب الاضاءة المتوفرة وهنا ستعود إلى مادة الفلك، كما يمكن أن تقوم باختيار مادة البناء حسب تغيرات درجة الحرارة بالنهار والليل وفي الشتاء والصيف، الخلاصة سيقيس الاختبار قدرتك على توظيف المعلومات وربطها وليس ترديدها.
استسلم الطالب سعيداً لما يحدث، وحقنه طبيب التخدير،  وسأله عن اسمه فأجابه فطلب إليه أن يعد من واحد إلى عشرة، فبدأ في العد وصوته يضعف إلى أن وصل للرقم خمسة وغرق في أحلام سعيدة.
استيقظ على صوت أمه وهي تصيح : ادخل لكي تنام في السرير، ألا تشبع من النوم الاختبارات على الأبواب، فتح عينيه فوجد نفسه على كرسي المكتب والكتاب يكاد أن يقع من يده.
 

ليست هناك تعليقات: