2013/08/14

"بصرك اليوم حديد" قصة بقلم: ليلى الشعيني



 بصرك اليوم حديد
 ليلى الشعيني 

عين جافة ’وعين مبتلة ببعض الندى’وعين منكسرة على أسرارها’ وعين تبتلع النظرات كما العمر يبتلع الأيام.
كان المنزل واسعاً..فضفاضاً ممتلئ بكل ما لذ وغلا وعمّت الراحة ألوانه’إلا المودّة كانت الضيف الغائب حتى الحضور أتوا وقد تركوها داخل قمقم ناعسة غير مبالية بصولاتهم نحو جارهم الشاب.
القهوة المرة كانت سيدة الموقف’ والسواد كان كــ كبير العائلة الجميع يبجل وقاره ويعطونه من الاحترام ما يفيض عن حاجته.
همست إحداهن لمن تجاورها في الجلوس على كرسيي المذهب..
_ لعنه الله في كل وقت’ أذكر أن زوجي ذات مرة قصده في مبلغ من المال فأدعى الفقر.
واستها الأخرى مدعية الحب والمؤازرة
_ قبح الله وجهه’ وماذا فعل زوجك هل جمع المبلغ الذي احتاجه.
أكاد من غرفتي هنا أستمع إلي حديثهن بمُره ومُره..ليس به أي جملة تفك أسر الطعم البشع الذي ألقاه مع وقع كل حرف في أذني.
وضعوا أبيض القماش مع ماء وعطر..
_عفوا ما الذي تفعلونه هل ستضعوا علي جسدي ذلك العطر الرخيص.خسئتم أجمعين..أنا اعترض.
لم اشعر إلا بكف كان مستقره على وجهي دونما استطاعة مني علي الرد بكف مماثل..
رجل يشبهني في طولي..بل في نحافتي..كلا بل في وسامتي ..نعم أنا وسيم.
_ من أنت يا شبيهي
نظر إلي وكأنه يحتقر كونه يشبهني ثم شهق بالصبر وزفر بكراهيتي..مع نظرة غاضبه لم أستطع فك شفرتها.
_ ماذا تعلم عن نفسك حتى تجعلني أتجرأ وأخبرك عني؟
أعلم أنه سؤال ماكر يريد جواباً ماكراً أيضاً..ولكني اعلم جيداً من أنا.
_ أنا فلان..قلت أنا فقال ( لا أهتم لاسمك )
_أنا لدي قلت فقال ( لا أهتم بما لديك )
_ فماذا تريد إذن؟
لم أعلم أني لا شئ بالنسبة إليه’ أو أن ذكرياتي التي تمر أمام عيني الآن بسرعة ريح صفصف لا تساوي شئ له..عجيب فعله كما أرى أن طبعه أيضاً كريه’يكفي أنني أقرأ حروف الكراهية علي وجهه.
قال وقد ثبّت قدمه في الأرض..
_يكفيك وقتاً تودع فيه تلك الذكريات قبل أن أردك إلي رداً جميلاً
تغيرت الحلول أمامي وتكاثرت المشكلات’ انحدر من صلبي فتاة رمادية القلب لا تفضح إيجابياتي بل تدفنها في أرض مقفرة ’ترفض حتى السام من الحشرات التواجد بها.
دق هاتفها علي نغمة مقيتة لطالما نهيتها عن وضعها كرنين..
_ألو...
تمايعت وتلونت بعينها الحياة’ لكنها لم تبرح مجلسها مع الشياطين’ولم تنهي فعلها بالبكاء علي الخبر’اصطادت بعض الكلمات الضعيفة وغردتها كمالك الحزين بصوت متآكل...
_مات أبي!! صرخت صرخة مدوية قبل أن تغلق الخط متصنعة الضياع في موانئ الحزن’أعادت ملئ كأسها بأغنية مرحه قامت ترقص على صداها برفقتهم’ صرخت أناديها أن تجرعي بعض الحزن على من أغدق عليكي ووضع قلبه تحت قدميك الملوثة بالبراءة..لم تسمعني!
هناك شبيه لي مازال يراقبني بكراهيته..لكنه الآن يضحك بملء قلبه وكأنه يلقني درساً.
قلبي يصفق ويهلل لحبٍ ضاقت به الدنيا إلا بأحضاني ’ بكت طويلاً عندما غبت عنها لرحلة طارئة’حبيبتي التي طالما بجلت حضوري وحفظت غيابي’ عروس قلبي وحورية حياتي.
انعطفت قدمي تجاه صوتها القادم من مدفأة مشاعرنا في شتاء الغياب’ يغفو في بحر من النشوى’تصدح شارة شبقها معلنة لذة تجري من تحتها كما بحيرة صغيرة.
_ أحبكَ..قالت بغنج يفوق نعومة الأفاعي
لكن الكلمات دارت وبصقت في وجهي ثم استدارت لتدخل أذن غيري’تُرى أحلم ما أعيشه أم خيال يبزغ مع قلب السُكر الذي يطيح بعقلي في حسرة وملل.
دق هاتفها في أسى يحيل رسائل الشوق إلي دائرة النسيان..تلك كانت نغمتي التي وضعتها إشارة لي.
_ألو..قالت متناعسة.
انفرجت شفتا عينها لحظات ثم نظرت إلى صديق كان لي يوماً’ وعشيق كان لها دوماً دونما علم مني.
_حسناً سأفعل.
أغلقت في وجه الحياة خبر موتي ’ وأكملت ري رغبتها معه.تساءل ما الخبر فقالت..
_ نستطيع الآن أن نتزوج كما حلمنا دوماً..سأرث الكثير وليذهب هو إلى الجحيم.
أردت أن أبطش بهما ثأراً لقلبي وعيني التي رأت’بل وثأراً لقلبي الذي ضمهما يوماً فما وجدت إلا هباء,ضاعت القوة عند قدم روحي التي رحلت.

سأغتسل وأتنشق الورود واضع بعضاً من رائحة عطري الفرنسي علّني أفيق من تلك الأحلام.
_الموت ليس حلماً لكنه الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنين.

قال شبيهي وكأنه شامت بي’نظرته لا تريحني ولا تجيبني بل فقط تنقلني من عالم إلي أخر في لمحة بصر.
ليلة أطول من أيام السعادة التي أغدقتها علي الأقرباء مني’ناكرو السعادة أكتشفهم واحداً تلو الآخر وقد عشت عمراً عنهم في غفلة.

ضريح كبير حاطت به بيوت العنكبوت’وكأن للعناكب قلب حتى تترك ذلك المكان الموحش’إنها مثلنا تماماً بعضها يسكن أعالي السقف والأخر ينسج خيوطه فوق أي ابتسامة ويعيد تخريب قلبها.
دارت حلقة تفكيري كما كرة في الفضاء تعلو وتهبط عسى أن تجد لها مستقراً تهدأ به وتشغل حيزاً من فراغه..
في غفلة مني انسلّت من بين أضلعي ..بيدها فرشاة عريضة وجردل من لون قان  تهدهد خطوتها الأولى لتحفز الأخرى على المسير.
_أمي!؟
ملابسها السود لم تبهت..أنفها الأفطس لم يتغير..وجع السنين المختبئ تحت تجاعيدها أصبح أكثر جرأة من أن يظل متواري عن نظري ظل قلبي متعلقاً بها يرّجف من هول مفاجأته.
_أمي ..عانقيني أحتاج ضمتك لتهدئ من نار تيهتي وشرودي..أعيديني من موتتي الصغرى ورافقيني إن كانت موتتي كبرى.
لم ترد على استغاثتي ولم تفك ضفائر الأحجية العجيبة التي تتقاذفني مع الذهول كما الطابة الحائرة.
بعثرت الألوان فوق الشاهد فانسدلت حروفها حتى توسدت اسمي فأضاء فعلمت أني يقيناً قد مت.
لمعت الأنوار فسافر بريقها إلي حدود السماء المفتوحة ونعقت أبواق السيارات في غضب..وهمهمت الأفواه فسرّت بعض كلامها والبعض الأخر حجبته داخل محفظتي ليكون لهم ذكرى.
علي حرارة الجمر كان يسير رجل الشرطة ويزيح أفواجاً من الناس قد إلتفو حولي في ليل استضاف عرسي وأرسل للقدر دعوات مفتوحة للسهر بجانبي.
قال الطبيب
_ جرعة كوكايين زائدة ..

وأنفتحت بعدها أبواب السماء.

ليست هناك تعليقات: