لا تسأليه
شعر/ أسامة الزيني
لا تَقْذِفي فيهِ المَلامَةَ واعْذُرِيْه
|
|
عمَّا مضى مِن عمرِهِ لا تَسْأَلِيْه
|
سَمِّيْ عليهِ وكبِّرِي في أذْنِهِ
|
|
ضُمِّي ارْتِعاشَتَهُ وحِضْنَكِ وَسِّدِيْه
|
فإذا فَتَحْتِ البابَ فاجري نَحْوَهُ
|
|
ما عادَ يَقْوَى للوقوفِ فساعِدِيْه
|
مُدِّي إلى إبْطَيْهِ كِتْفَكِ ما لَهُ
|
|
في الأرضِ مُتَّكَأٌ سِواكِ فَأَوْكِئِيْه
|
فإذا استَقَرَّ على جبينِكِ صَدْرُهُ
|
|
فامْشِي الهُوَيْنَى للفِراشِ ومَدِّدِيْه
|
وعلى تَرائِبِهِ براحَتِكِ امْسَحِي
|
|
قُوْلِي "نَجَوْتَ فَلا تَخَفْ" أَوْ قَبِّلِيْه
|
أَدْنِيْ لَهُ شَفَتَيْكِ يَسْتَنْشِقْهُما
|
|
لِتَعُوْدَ ذاكرةٌ مَواتٌ والْثُمِيْه
|
أَنْسِيْهِ مُرًّا ذابَ في شَفَتَيْهِ عُمْـ
|
|
ـرًا أَيْقِظِيْهِ فَقَطْ بِشَهْدِكِ ذَكِّرِيْه
|
قُوْلِيْ أُحِبُّكَ قَدْرَ ما اسْطَعْتِ ابْعَثِيْ
|
|
فيهِ الحياةَ فَقطْ حَدِيْثَكِ أَسْمِعِيْه
|
فَلَعَله ما عادَ يرغبُ في البقا
|
|
ءِ وكُلُّ صَوْتٍ فيهِ موتًا ما يُرِيْه
|
وتَحَسَّسِي تلك الجراحَ بجِسْمِهِ
|
|
إنْ شِئْتِِ ساعتَها بِدَمْعِكِ ضَمِّدِيْه
|
وَدَعِيْ خَناجرَ لم تَزَلْ في ظَهْرِهِ
|
|
ما عادَ يَحْتَمِلُُ التَّأَلُّمَ فاتْرُكِيْه
|
لو كانَ يَعْرفُ غَيْرَ صَدْرِكِ مَلجأً
|
|
لأَوَى إليهِ فَمَا لِعَيْنِكِ تَتَّقِيْه
|
تَخْشَيْنَ أنْ يُشْفَى فَيَرْحَلَ مَرَّةً
|
|
أُخْرى؟ لأيْنَ وكُلُّ أرضٍ تَزْدَرِيْه؟
|
مَنْ قَبْلُ عَلَّمَهُ الرحيلَ سِواكِ يَوْ
|
|
مَ تَكَسَّرَتْ أقْلامُهُ ومَضَى يَتِيْه
|
يَتَكَفَّفُ الأوطانَ لا قَلبٌ يَرِقْ
|
|
قُ ولا ظَهِيرٌ للشدائدِ يَرْتَجِيْه
|
الناسُ يَخْشَوْنَ الغريبَ بِأرضِهِمْ
|
|
حتَّى تَحِيَّتُهُ تُرِيْبُ مُراقِبِيْه
|
الناسُ مَعذورونَ.. مَنْ هذا؟ ومِنْ
|
|
أيِّ البلادِ أتى؟ وَضِيْعٌ أَمْ وَجِيْه؟
|
الناسُ مَعذورونَ.. ماذا يَرْتَجِيْ الـ
|
|
ـمَنْفِيُّ في وطنٍ وَلَمْ يَكُ مِنْ بَنِيْه؟
|
فيْ أرضِ مَدْيَنَ عِشْتُ أرْعَى الحُزْنَ أمْـ
|
|
ـضِيْ خَلْفَ ظِلِّيْ في هَجِيْرٍ أَصْطَلِيْه
|
بينَ الشِّعابِ تَجِيْئُني ذِكرى أَخِيْ
|
|
هارونَ.. أُميْ.. اليَمُّ.. والتَّابُوتُ فِيْه
|
فِرعونُ مَوْتُوْرًا يَسُوْقُ جُنُوْدَهُ
|
|
خَلْفِيْ وَيُرْسِلُ فيْ المدائنِ حاشِرِيْه
|
ما كُنْتُ مِنْ شِيَعِ البلادِ وَلَمْ أَكُنْ
|
|
لأُِعِيْرَ قارونَ القَصيدَ فَيَشْتَرِيْه
|
وَجَريمتي أنِّيْ كَفَرْتُ بِسِحْرِ فرْ
|
|
عونَ الذي اسْتَحْيا النساءَ، وساحِرِيْه
|
أَنِّيْ أَبَيْتُ الذُّلَّ في وطنٍ غَدَا
|
|
سِجْنًا تَغُلُّ قيودُهُ مُسْتَضْعَفِيْه
|
أَسْوارُهُ في كلِّ أُفْقٍ تَحْجِبُ الـْ
|
|
آتِيْ على أَسْلاكِها دَمُ هارِبِيْه
|
أنِّيْ صَرَخْتُ بذلكَ الصوتِ الذيْ
|
|
أَحْيا لدَى فرعونَ خَوْفًا يَبْتَلِيْه
|
أنْ ثَمَّ طفلٌ في المدائنِ لم يَزلْ
|
|
حيًّا وأنْ آنَ الأوانُ لِذابِحِيْه
|
في الليلِ أتْبَعَنِيْ الجنودُ ولم يَكُنْ
|
|
ليلٌ لِيَخْلُوَ مِنْ سَرايا صائِلِيْه
|
حُجَجٌ خَلَتْ وأنا على دَرْبِيْ لِمَجْـ
|
|
ـهُوْلٍ أُشاطِرُ فِيْ الدَّّياجِيْ حاطِبِيْه
|
حُجَجٌ خَلَتْ وأنا غَرِيْبٌ مِنْ وَرا
|
|
ئِيْ الموتُ
لا غَدَ لِيْ يَلُوحُ فَأَرْتَئِيْه
|
حُجَجٌ خَلَتْ وَأَنَا أنامُ على جَبِيْـ
|
|
ـنِكِ فِي رُؤايَ وَحِيْنَ أصْحُوْ أَشْتَهِيْه
|
وَأَشُمُّ عِطْرَكِ أَسْمَعُ الضَّحِكَ.. الكلا
|
|
مَ.. أَغِيْبُ في دُنْيا خَيالٍ أَمْتَطِيْه
|
فَيَهِيْجُ.. يَجْمَحُ بي وأَسْقُطُ ثُمَّ أَرْ
|
|
كُضُ ثُمَّ أَسْقُطُ ثُمَّ أَرْكُضُ.. أَرْتَقِيْه
|
حُجَجٌ خَلَتْ وأنا أُطارِدُ ذلكَ الطْـ
|
|
ـطَيْفَ المُراوغَ في سرابٍ أَقْتَفِيْه
|
مَا هِمْتُ لكِنِّيْ رَضِيْتُ بِكُلِّ شَيْ
|
|
ءٍ مِنْكِ حتى الوهمُ عَقْلِيْ يَرْتَضِيْه
|
في الليلِ مُغْبَرًّا أَعُوْدُ مُمَزَّقَ الْـ
|
|
أثْمالِ صَدْري ألْفُ هَمٍّ يَعْتَلِيْه
|
وَدِمايَ مَوْجٌ.. مَدُّ طُوْفانٍ.. يُصَدْ
|
|
دِعُ عَظْمَ رَأْسِيْ وَجْهُ قارونَ السَّفِيْهِ
|
وَيَداهُ تَنْتَزِعانِ ثَوْبَكِ بَعْدَما
|
|
أَفْتَى لَهُ بِزِناكِ شَيْطانٌ فَقِيْه
|
بِيَدَيْ غَوِيٍّ فَوْقَ مَخْدَعِهِ يُمَزْ
|
|
زِقُ كُلَّ شَيْءٍ فِيَّ خِنْزِيْرٌ كَرِيْه
|
ما عادت الأوهامُ تَنْفَعُني ولا
|
|
ذاكَ الخيالُ إِذًا عَشِيَّةَ أَفْتَرِيْه
|
قارونُ دَنَّسَ كُلَّ شَيْءٍ فيكِ.. دَنْـ
|
|
ـنَسَني.. وَلا فِرْعَونَ يَنْهَى مُتْرَفِيْه
|
وَوَدِتُّ يَوْمَ الخَسْفِ لَوْ أَدْرَكْتُهُ
|
|
ورَأَيْتُهُ مَحْواً بِأَعْيُنِ مُعْجَبِيْه
|
وَسَجَدْتُ حَمْدًا يَوْمَها وَسَجَدْتُّ أُخْـ
|
|
ـرَىْ يومَ أَتْبَعَهُ الشَّقِيُّ بِتابِعِيْه
|
فرعونُ والملأُ الغَبِيُّ وكُلُّ خَوْ
|
|
وَانٍ بَنَى حُلمًا على دَمِ مَنْ يَلِيْه
|
وفَرِحْتُ لكنْ غافَلَتْنِي حَرْبَةٌ
|
|
لِلْحُزْنِ.. نَعْشٌ ما يُسابِقُ حامِلِيْه
|
وجَنازةٌ تَحْسُوْ عَلَيَّ غبارَها
|
|
وَمُكَفَّنٌ في الحُسْنِ ليسَ لَهُ شَبِيْه
|
وأَنا أُصَلِّيْ بالجموعِ عليهِ صَوْ
|
|
تٌ ما يقولُ إذا فَرَغْتَ فَأَهْدِنِيْه
|
مَنْ ذا الذي يومًا تَصَوَّرَ أنهُ
|
|
سَيَؤُمُّ جَمْعًا للصلاةِ على أَخيْه
|
هارونُ ماتَ.. نَعَوْهُ في صُبْحٍ حزيـْ
|
|
ـنٍ لِيْ
لأَقْدُمَ لِلْقُبُورِ مُشَيِّعِيْه
|
هارونُ ماتَ.. وأَظْلَمَتْ حَوْلِيْ الحيا
|
|
ةُ عدا ضَرِيْحٍ كُلَّ يَوْمٍ أَغْتَدِيْه
|
صَبّارةٌ فِيْ القلبِ تُوْلَدُ.. عَيْنُ مُرْ
|
|
رٍ في دَمِي انْبَجَسَتْ.. نَحِيْبٌ أَحْتَسِيْه
|
البيتُ يَهْرَمُ تَرْتَخِي أسْوارُهُ
|
|
ويَدُبُّ شَرْخٌ في مآقِي قَاطِنِيْه
|
في عُشْبِ باحَتِهِ ارْتَمَى طِفلانِ يَسْـ
|
|
ـتَبِقانِ
عُصْفُوْرًا تَخَلَّفَ عنْ أَبِيْه
|
في الليلِ ناما عاقِدَيْنِ يَدَيْهِما
|
|
والغَيْمُ مُضْطَرِبٌ بِشَيْءٍ يَعْتَرِيْه
|
بَرْقٌ أضاءَ صَحَا صَغِيْرٌ في هَزِيْـ
|
|
ـمِ الرَّعْدِ يسألُ عن أَخِيْهِ مُغَسِّلِيْه
|
طِفْلَيْنِ عُدْنَا؛ ميِّتًا وَمُؤَجَّلاً
|
|
لكنَّ حُزْنَ البيتِ يَمْلأُ ساكِنِيْه
|
لَمْ يَبْقَ مِنِّيْ غَيْرُ هذا؛ بعضُ إنـْ
|
|
ـسانٍ وبعضُ طفولةٍ وغُبارُ تِيْه
|
صحراءُ لَمْ تَعْبَأْ بِمَقْدِمِنا ولا
|
|
تَبْكِيْ على مَنْ بالدراهمِ تشتريْه
|
والآنَ عُدْتُ، فأينَ ذاكَ النَّهْرُ؟ أيْـ
|
|
ـنَ الناسُ؟ مَنْ مِنْ أهلِنا لَمْ تَفْقِدِيْه؟
|
الناسُ يَقْتَتِلُوْنَ مِنْ حَوْلِ المعا
|
|
بدِ صَوْلجانُ الملكِ يَسْحَرُ ناظِرِيْه
|
فِرْعَوْنُ ماتَ وألفُ فِرعونٍ أتَوا
|
|
حتى الصغارُ غَدَوا فراعِنَةً تَتِيْه
|
ما عادَ هذا النهرُ يَعْرِفُنِي ولا
|
|
أَنَاْ عُدْتُ أَعْرِفُهُ بِرَبِّكِ ذَكِّرِيْه
|
قُوْلِي له إنِّيْ خَرَجْتُ لأجلِهِ
|
|
لا للمعابدِ أو لعرشٍ أبْتَغِيْه
|
قُوْلِيْ لهُ إنِّيْ طُرِدْتُّ لِوَجْهِهِ
|
|
لا لِلْكُنُوْزِ ولا لِمَجْدٍ أَدَّعِيْه
|
قُوْلِيْ لهُ هارونُ ماتَ وقلبُهُ
|
|
مُتَعَلِّقٌ بالناسِ لا بِمُخادِعِيْه
|
مُسْتَشْهَدًا لسنابلِ الفُقراءِ في
|
|
عَيْنَيْهِ لا لِحريقِها أو مُشْعِلِيْه
|
فإذا بَقِيْتُ إلى غَدٍ رُبَما نَعُوْ
|
|
دُ معًا لِنَحْشُرَ في المدائنِ مُخْلِصِيْه
|
فأنا وأنتِ بَقِيَّةٌ مِنْ طُهْرِهِ
|
|
تِرْياقُ عِشْقٍ فابْعَثِيْني وابْعَثِيْه
|
ولَقَدْ أَتيتُكِ بالبكاءِ مُحَمََّلاً
|
|
ولقدْ تَرَكْتُكِ يومَ لمْ تَتَحَمَّلِيْه
|
بعضُ البكاءِ يُرِيْحُ لكنْ بَعْضُهُ
|
|
جَمْرٌ خَشِيْتُ عليكِ أنْ تَتَحَسَّسِيْه
|
ولَقدْ رَجَعتُ إليكِ لمَّا لَمْ أجِدْ
|
|
في الأرضِ لِيْ إلا وِدادَكِ فابْسِطِيْه
|
ضاقتْ منازلُ بالذي وَدَّعْتِهِ
|
|
يومًا بِدمعِكِ ثم عادَ فَأَنْزِلِيْه
|
وأهانَهُ الغرباءُ في أوطانِهِمْ
|
|
وأهانَهُ الأهْلُوْنَ فيكِ، فَأَكْرِمِيْه
|
ارْقِيْهِ مِنْ آيِ الكتابِ ورَتِّلِيْ
|
|
واسْقِيْهِ ماءَكِ في الصَّباحِ وأَطْعِمِيْه
|
وعَلَى فِراشِكِ دَثِّرِيْ أوْجاعَهُ
|
|
وإذا بَكَى قومِي إليهِ وعانِقيْه
|
وتَأَمَّلِيْهِ ولاطِفِيْهِ وضاحِكِيْـ
|
|
ـهِ ودَلِّلِيْهِ وصَادِقِيْهِ وطَمْئِنِيْه
|
سَمِّي عليهِ وكَبِّرِي في أُذْنِهِ
|
|
ضُمِّي ارْتِعاشَتَهُ وحِضْنَكِ وَسِّدِيْه
|
أَنْسِيْهِ مُرًّا ذابَ في شَفَتَيْهِ عُمْـ
|
|
ـرًا، أَيْقِظِيْهِ، فَقَطْ بِشَهْدِكِ ذَكِّرِيْه
|
قُوْلِيْ أُحِبُّكَ قَدْرَ ما اسْطَعْتِ ابْعَثِيْ
|
|
فيهِ الحياةَ فَقطْ حَدِيْثَكِ أَسْمِعِيْه
|
وعلى تَرائِبِهِ براحَتِكِ امْسَحِي
|
|
قُوْلِي "نَجَوْتَ فَلا تَخَفْ" أَوْ قَبِّلِيْه
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق