2013/08/25

لا تسأليه.. شعر: أسامة الزيني



لا تسأليه

شعر/ أسامة الزيني

لا تَقْذِفي فيهِ  المَلامَةَ واعْذُرِيْه



عمَّا مضى مِن عمرِهِ لا تَسْأَلِيْه

سَمِّيْ عليهِ وكبِّرِي في أذْنِهِ


ضُمِّي ارْتِعاشَتَهُ وحِضْنَكِ وَسِّدِيْه

فإذا فَتَحْتِ البابَ فاجري نَحْوَهُ


ما عادَ يَقْوَى للوقوفِ فساعِدِيْه

مُدِّي إلى إبْطَيْهِ كِتْفَكِ ما لَهُ


في الأرضِ مُتَّكَأٌ سِواكِ فَأَوْكِئِيْه

فإذا استَقَرَّ على  جبينِكِ صَدْرُهُ


فامْشِي الهُوَيْنَى للفِراشِ ومَدِّدِيْه

وعلى تَرائِبِهِ براحَتِكِ امْسَحِي


قُوْلِي "نَجَوْتَ فَلا تَخَفْ" أَوْ قَبِّلِيْه

أَدْنِيْ لَهُ شَفَتَيْكِ يَسْتَنْشِقْهُما


لِتَعُوْدَ ذاكرةٌ مَواتٌ والْثُمِيْه

أَنْسِيْهِ مُرًّا ذابَ في شَفَتَيْهِ عُمْـ


ـرًا أَيْقِظِيْهِ فَقَطْ بِشَهْدِكِ ذَكِّرِيْه

قُوْلِيْ أُحِبُّكَ قَدْرَ ما اسْطَعْتِ ابْعَثِيْ


فيهِ الحياةَ فَقطْ حَدِيْثَكِ أَسْمِعِيْه

فَلَعَله ما عادَ يرغبُ في البقا


ءِ وكُلُّ صَوْتٍ فيهِ موتًا ما يُرِيْه

وتَحَسَّسِي تلك الجراحَ بجِسْمِهِ


إنْ شِئْتِِ ساعتَها بِدَمْعِكِ ضَمِّدِيْه

وَدَعِيْ خَناجرَ لم تَزَلْ في ظَهْرِهِ


ما عادَ يَحْتَمِلُُ التَّأَلُّمَ فاتْرُكِيْه

لو كانَ يَعْرفُ غَيْرَ صَدْرِكِ مَلجأً


لأَوَى إليهِ فَمَا لِعَيْنِكِ تَتَّقِيْه

تَخْشَيْنَ أنْ يُشْفَى فَيَرْحَلَ مَرَّةً


أُخْرى؟ لأيْنَ وكُلُّ أرضٍ تَزْدَرِيْه؟

مَنْ قَبْلُ عَلَّمَهُ الرحيلَ سِواكِ يَوْ


مَ تَكَسَّرَتْ أقْلامُهُ ومَضَى يَتِيْه

يَتَكَفَّفُ الأوطانَ لا قَلبٌ يَرِقْ


قُ ولا ظَهِيرٌ للشدائدِ يَرْتَجِيْه

الناسُ يَخْشَوْنَ الغريبَ بِأرضِهِمْ


حتَّى تَحِيَّتُهُ تُرِيْبُ مُراقِبِيْه

الناسُ مَعذورونَ.. مَنْ هذا؟ ومِنْ


أيِّ البلادِ أتى؟ وَضِيْعٌ أَمْ وَجِيْه؟

الناسُ مَعذورونَ.. ماذا يَرْتَجِيْ الـ


ـمَنْفِيُّ في وطنٍ وَلَمْ يَكُ مِنْ بَنِيْه؟

فيْ أرضِ مَدْيَنَ عِشْتُ أرْعَى الحُزْنَ أمْـ


ـضِيْ خَلْفَ ظِلِّيْ في هَجِيْرٍ أَصْطَلِيْه

بينَ الشِّعابِ تَجِيْئُني ذِكرى أَخِيْ


هارونَ.. أُميْ.. اليَمُّ.. والتَّابُوتُ فِيْه

فِرعونُ مَوْتُوْرًا يَسُوْقُ جُنُوْدَهُ


خَلْفِيْ وَيُرْسِلُ فيْ المدائنِ حاشِرِيْه

ما كُنْتُ مِنْ شِيَعِ البلادِ وَلَمْ أَكُنْ


لأُِعِيْرَ قارونَ القَصيدَ فَيَشْتَرِيْه

وَجَريمتي أنِّيْ كَفَرْتُ بِسِحْرِ فرْ


عونَ الذي اسْتَحْيا النساءَ، وساحِرِيْه

أَنِّيْ أَبَيْتُ الذُّلَّ في وطنٍ غَدَا


سِجْنًا تَغُلُّ قيودُهُ مُسْتَضْعَفِيْه

أَسْوارُهُ في كلِّ أُفْقٍ تَحْجِبُ الـْ


آتِيْ على أَسْلاكِها دَمُ هارِبِيْه

أنِّيْ صَرَخْتُ بذلكَ الصوتِ الذيْ


أَحْيا لدَى فرعونَ خَوْفًا يَبْتَلِيْه

أنْ ثَمَّ طفلٌ في المدائنِ لم يَزلْ


حيًّا وأنْ آنَ الأوانُ لِذابِحِيْه

في الليلِ أتْبَعَنِيْ الجنودُ ولم يَكُنْ


ليلٌ لِيَخْلُوَ مِنْ سَرايا صائِلِيْه

حُجَجٌ خَلَتْ وأنا على دَرْبِيْ لِمَجْـ


ـهُوْلٍ أُشاطِرُ فِيْ الدَّّياجِيْ حاطِبِيْه

حُجَجٌ خَلَتْ وأنا غَرِيْبٌ مِنْ وَرا


ئِيْ  الموتُ لا غَدَ لِيْ يَلُوحُ فَأَرْتَئِيْه

حُجَجٌ خَلَتْ وَأَنَا أنامُ على جَبِيْـ


ـنِكِ فِي رُؤايَ وَحِيْنَ أصْحُوْ أَشْتَهِيْه

وَأَشُمُّ عِطْرَكِ أَسْمَعُ الضَّحِكَ.. الكلا


مَ.. أَغِيْبُ في دُنْيا خَيالٍ أَمْتَطِيْه

فَيَهِيْجُ.. يَجْمَحُ بي وأَسْقُطُ ثُمَّ أَرْ


كُضُ ثُمَّ أَسْقُطُ ثُمَّ أَرْكُضُ.. أَرْتَقِيْه

حُجَجٌ خَلَتْ وأنا أُطارِدُ ذلكَ الطْـ


ـطَيْفَ المُراوغَ في سرابٍ أَقْتَفِيْه

مَا هِمْتُ لكِنِّيْ رَضِيْتُ بِكُلِّ شَيْ


ءٍ مِنْكِ حتى الوهمُ عَقْلِيْ يَرْتَضِيْه

في الليلِ مُغْبَرًّا أَعُوْدُ مُمَزَّقَ الْـ


أثْمالِ صَدْري ألْفُ هَمٍّ يَعْتَلِيْه

وَدِمايَ مَوْجٌ.. مَدُّ طُوْفانٍ.. يُصَدْ


دِعُ عَظْمَ رَأْسِيْ وَجْهُ قارونَ السَّفِيْهِ

وَيَداهُ تَنْتَزِعانِ ثَوْبَكِ بَعْدَما


أَفْتَى لَهُ بِزِناكِ شَيْطانٌ فَقِيْه

بِيَدَيْ غَوِيٍّ فَوْقَ مَخْدَعِهِ يُمَزْ


زِقُ كُلَّ شَيْءٍ فِيَّ خِنْزِيْرٌ كَرِيْه

ما عادت الأوهامُ تَنْفَعُني ولا


ذاكَ الخيالُ إِذًا عَشِيَّةَ أَفْتَرِيْه

قارونُ دَنَّسَ كُلَّ شَيْءٍ فيكِ.. دَنْـ


ـنَسَني.. وَلا فِرْعَونَ يَنْهَى مُتْرَفِيْه

وَوَدِتُّ يَوْمَ الخَسْفِ لَوْ أَدْرَكْتُهُ


ورَأَيْتُهُ مَحْواً بِأَعْيُنِ مُعْجَبِيْه

وَسَجَدْتُ حَمْدًا يَوْمَها وَسَجَدْتُّ أُخْـ


ـرَىْ يومَ أَتْبَعَهُ الشَّقِيُّ بِتابِعِيْه

فرعونُ والملأُ الغَبِيُّ وكُلُّ خَوْ


وَانٍ بَنَى حُلمًا على دَمِ مَنْ يَلِيْه

وفَرِحْتُ لكنْ غافَلَتْنِي حَرْبَةٌ


لِلْحُزْنِ.. نَعْشٌ ما يُسابِقُ حامِلِيْه

وجَنازةٌ تَحْسُوْ عَلَيَّ غبارَها


وَمُكَفَّنٌ في الحُسْنِ ليسَ لَهُ شَبِيْه

وأَنا أُصَلِّيْ بالجموعِ عليهِ صَوْ


تٌ ما يقولُ إذا فَرَغْتَ فَأَهْدِنِيْه

مَنْ ذا الذي يومًا تَصَوَّرَ أنهُ


سَيَؤُمُّ جَمْعًا للصلاةِ على أَخيْه

هارونُ ماتَ.. نَعَوْهُ في صُبْحٍ حزيـْ


ـنٍ  لِيْ لأَقْدُمَ لِلْقُبُورِ مُشَيِّعِيْه

هارونُ ماتَ.. وأَظْلَمَتْ حَوْلِيْ الحيا


ةُ عدا ضَرِيْحٍ كُلَّ يَوْمٍ أَغْتَدِيْه

صَبّارةٌ فِيْ القلبِ تُوْلَدُ.. عَيْنُ مُرْ


رٍ في دَمِي انْبَجَسَتْ.. نَحِيْبٌ أَحْتَسِيْه

البيتُ يَهْرَمُ تَرْتَخِي أسْوارُهُ


ويَدُبُّ شَرْخٌ في مآقِي قَاطِنِيْه

في عُشْبِ باحَتِهِ ارْتَمَى طِفلانِ يَسْـ


ـتَبِقانِ  عُصْفُوْرًا تَخَلَّفَ عنْ أَبِيْه

في الليلِ ناما عاقِدَيْنِ يَدَيْهِما


والغَيْمُ مُضْطَرِبٌ بِشَيْءٍ يَعْتَرِيْه

بَرْقٌ أضاءَ صَحَا صَغِيْرٌ في هَزِيْـ


ـمِ الرَّعْدِ يسألُ عن أَخِيْهِ مُغَسِّلِيْه

طِفْلَيْنِ عُدْنَا؛ ميِّتًا وَمُؤَجَّلاً


لكنَّ حُزْنَ البيتِ يَمْلأُ ساكِنِيْه

لَمْ يَبْقَ مِنِّيْ غَيْرُ هذا؛ بعضُ إنـْ


ـسانٍ وبعضُ طفولةٍ وغُبارُ تِيْه

صحراءُ لَمْ تَعْبَأْ بِمَقْدِمِنا ولا


تَبْكِيْ على مَنْ بالدراهمِ تشتريْه

والآنَ عُدْتُ، فأينَ ذاكَ النَّهْرُ؟ أيْـ


ـنَ الناسُ؟ مَنْ مِنْ أهلِنا لَمْ تَفْقِدِيْه؟

الناسُ يَقْتَتِلُوْنَ مِنْ حَوْلِ المعا


بدِ صَوْلجانُ الملكِ يَسْحَرُ ناظِرِيْه

فِرْعَوْنُ ماتَ وألفُ فِرعونٍ أتَوا


حتى الصغارُ غَدَوا فراعِنَةً تَتِيْه

ما عادَ هذا النهرُ يَعْرِفُنِي ولا


أَنَاْ عُدْتُ أَعْرِفُهُ بِرَبِّكِ ذَكِّرِيْه

قُوْلِي له إنِّيْ خَرَجْتُ لأجلِهِ


لا للمعابدِ أو لعرشٍ أبْتَغِيْه

قُوْلِيْ لهُ إنِّيْ طُرِدْتُّ لِوَجْهِهِ


لا لِلْكُنُوْزِ ولا لِمَجْدٍ أَدَّعِيْه

قُوْلِيْ لهُ هارونُ ماتَ وقلبُهُ


مُتَعَلِّقٌ بالناسِ لا بِمُخادِعِيْه

مُسْتَشْهَدًا لسنابلِ الفُقراءِ في


عَيْنَيْهِ لا لِحريقِها أو مُشْعِلِيْه

فإذا بَقِيْتُ إلى غَدٍ رُبَما نَعُوْ


دُ معًا لِنَحْشُرَ في المدائنِ مُخْلِصِيْه

فأنا وأنتِ بَقِيَّةٌ مِنْ طُهْرِهِ


تِرْياقُ عِشْقٍ فابْعَثِيْني وابْعَثِيْه

ولَقَدْ أَتيتُكِ بالبكاءِ مُحَمََّلاً


ولقدْ تَرَكْتُكِ يومَ لمْ تَتَحَمَّلِيْه

بعضُ البكاءِ يُرِيْحُ لكنْ بَعْضُهُ


جَمْرٌ خَشِيْتُ عليكِ أنْ تَتَحَسَّسِيْه

ولَقدْ رَجَعتُ إليكِ لمَّا لَمْ أجِدْ


في الأرضِ لِيْ إلا وِدادَكِ فابْسِطِيْه

ضاقتْ منازلُ بالذي وَدَّعْتِهِ


يومًا بِدمعِكِ ثم عادَ فَأَنْزِلِيْه

وأهانَهُ الغرباءُ في أوطانِهِمْ


وأهانَهُ الأهْلُوْنَ فيكِ، فَأَكْرِمِيْه

ارْقِيْهِ مِنْ آيِ الكتابِ ورَتِّلِيْ


واسْقِيْهِ ماءَكِ في الصَّباحِ وأَطْعِمِيْه

وعَلَى فِراشِكِ دَثِّرِيْ أوْجاعَهُ


وإذا بَكَى قومِي إليهِ وعانِقيْه

وتَأَمَّلِيْهِ ولاطِفِيْهِ وضاحِكِيْـ


ـهِ ودَلِّلِيْهِ وصَادِقِيْهِ وطَمْئِنِيْه

سَمِّي عليهِ وكَبِّرِي في أُذْنِهِ


ضُمِّي ارْتِعاشَتَهُ وحِضْنَكِ وَسِّدِيْه

أَنْسِيْهِ مُرًّا ذابَ في شَفَتَيْهِ عُمْـ


ـرًا، أَيْقِظِيْهِ، فَقَطْ بِشَهْدِكِ ذَكِّرِيْه

قُوْلِيْ أُحِبُّكَ قَدْرَ ما اسْطَعْتِ ابْعَثِيْ


فيهِ الحياةَ فَقطْ حَدِيْثَكِ أَسْمِعِيْه

وعلى تَرائِبِهِ براحَتِكِ امْسَحِي



قُوْلِي "نَجَوْتَ فَلا تَخَفْ" أَوْ قَبِّلِيْه


ليست هناك تعليقات: