2015/10/05

هاني القط يكتب : من ذا الذي لا يحب جمال عبدالناصر؟!



هاني القط يكتب :
من ذا الذي لا يحب جمال عبدالناصر؟!
رواية تقف متفردة بنكهة تخصها وهي تشرع أبوابها على التأويل، تمزج الحقيقي بالفانتازي داخل إطار محكم، حكاية لها خمسة عشر فصلاً تبدأ على لسان الراوي العليم وتختتم به موجز الكراهية، بعد تنويه ضروري بأن الرواية تقف على شفير ما بين الحلم والواقع، لتهرب من عيون الرقيب في منعطفات الحكي كي تبوح بالمسكوت عنه دون خوفٍ من بطش.
مع السطر الأول يُدفع القارئ لفتح الباب صوب واقعية سحرية خاصة. تحملها لغة غاية في السلاسة والعمق في آن، محاذرة الانجرار لشعرية لا تناسب روح النص بل كان يمكن أن تفسده، تقع الرواية في مائتين وخمس وثلاثين صفحة، يمكن أن تقرأها دفعة واحدة، فما أن تبدأ حتى تجد نفسك قد تورطت في عالم لن تهدأ حتى يغلق أبوابه مع كلمة تمت، ليبقى مذاقه في حلقك وروحك طويلاً طويلا.
تبدأ الرواية في صبيحة يوم غير عادي، حيث نهض جمال عبدالناصر من قبره بمنطقة كبري القبة، قلقًا بعد انتظار طويل لقيامة لم يأذن الخالق بها بعد، وعلى إثر جدل ساخر يتهكم على حياة لم يشأ أحد من الأموات أن يخبرنا بتفاصيلها بعد رحيله، يستخدم الراوي العليم ذكاءه ليقفز على حقائق غائبة بحس تهكمي يجعل المستحيل مقبولاً ببساطة وسلاسة، سخرية ماكرة ومرح مخلوط بأسى الوجود وتبعات الغياب، روح جمال عبدالناصر لم تذهب إلى الشيخ الشعراوي لكن الشيخ هو من استدعاها في عقله الباطني لذلك كان رفض الحارس لخروج جمال عبدالناصر مقنعًا، فلو انفتحت أبواب الحرية لكل الموتى، لخلت القبور وسادت الفوضى في العالمين المتخاصمين، لقد كان الحارس رحيمًا محبًا لرجل قيل عنه وفي حقه ما يعجز العقل على تدبر تلك الهوة سواء بصورة بيضاء أو أخرى لطخها سواد الليل. فجأة تقفز في عقل الحارس ثغرة قانونية يمكن بها اجتياز بوابات العالم الآخر والانطلاق إلى ما نسميه حياة، وبعد حوار يتكئ على فنتازيا ساحرة وساخرة في آن، نجد جمال عبدالناصر يلقي بنفسه في سيارة أجرة حيث مطار القاهرة، وسط دهشة السائق من ذلك التطابق بين زبونه وبين رئيس لم تنس العقول صورته، وبذكاء مبطن بمكر الراوي العليم نسمع في مذياع سيارة الأجرة جملة على لسان الرئيس محمد مرسي يتغزل فيها بثورة يوليو ويصفها بأنها كانت لحظة فارقة في تاريخ مصر المعاصر دعمها الشعب والتف حول قادتها وحول أهدافها الستة! وسط سخرية من سائق سيارة الأجرة على كلام الرئيس الذي يؤمن بعكس ما يصرح به لشعبه.
فجأة يطير بنا الراوي العليم بقفزة إلى قلب الحكاية، فنجد أنفسنا متخفين مع جمال عبدالناصر على خطوط الطيران العماني، متجهين صوب مسقط لمقابلة الشخص الذي لا يحب جمال عبدالناصر، وهو رجل من عائلة الفقي التي تُكن لثورة يوليو ولشخص جمال عبدالناصر كل أسباب الكراهية، وقد اتكأ اختيار العائلة على حقائق تطلبت مجهودًا بحثيًا شاقًا ودقيقًا جانبه الصواب بشدة. ليفتح بطل الرواية بسيوني سلطان الفقي باب شقته رقم 18 في منطقة الحمرا فيجد جمال عبدالناصر بشحمه ولحمه فيشهق شهقة المصدوم ويسقط مغشيًا عليه.
إن كانت الرواية بناءً بآجر كما تقول إزبيل الليندي، فقد شيدت هذه الرواية بنسق يخصها وفق خريطة سردية دلفت بالقارئ عبر طرقاتها صوب مرام كشف مسارا تاريخيا حوكم بقسوة على مدار ما يقرب من اثنتين وأربعين سنة وأكثر، قُلبت فيها الحقائق وطمست إنجازات صنعتها ثورة يوليو ليأتي الربيع العربي كاشفا لحقائق ظلت مطمورة في خزائن الصمت عمدًا، حقائق أقر بها الأعداء كما أسلفنا الذكر، وفي حجرات على جوانب ذلك البناء يكشف الراوي العليم المجتمع العماني معريًا سلبياته وهي جسارة من الكاتب ودلالة على صحة ذلك المجتمع الذي لا يخاف الكشف.
الرواية تتكون من خمسة عشر فصلاً، يديرها الكاتب بميزان حساس، يستخدم أحيانًا السخرية ممزوجة بفنتازيا خاصة، وأحيانًا ما يتكئ على الواقع في الكثير من الأحداث كي لا يظن القارئ أن الرواية وشخوصها تحلّق في فضاء بلا أرض.
لا يمكن وصف تلك الرواية بأنها رواية أصوات، رغم أن أبطالها يبوحون بمواجيدهم ويرسمون خريطة الأحداث كاشفين عما يعتمر في صدورهم من حب وبغض وكفر وإيمان، كذلك لا يمكن تسميتها برواية الرواي العليم، ربما هي مزيج من الاثنين أرغم الكاتب بأن يخطها بذلك الشكل للوصول إلى الهدف من أقصر الطرق.
في صالة تحرير جريدة المساء، المكان الرئيسي للأحداث وتمعن معي اسم الجريدة -المساء- وصالة الجريدة – التحرير- يجتمع فيها مصريان وتونسي وسوداني وموظفة عمانية ومدير ليس ببعيد عنهم، وهنا توظيف ذكي للأمكنة ولشخصيات الأبطال، وكأن الكاتب يضعهم وسط مرايا تكشف كل ما يختمر في ذات كل شخصية. لتبدأ ذواتهم في البوح.
لقد كان للبطل المحجوب خلف تيه غيبوبته والذي عرته أصوات الناعمين بوعي الحياة أن يجلي لنا صفات تلك النوعية التي لم ولن تحب رجلا ظل وفيًا لمبادئ إنسانية راقية، فحتى جار ابن بسيوني سلطان وجد أنه يقف على أعتاب باب محبة أبيه دون أن يدخل، بسبب إصرار أبيه على قطع علاقته بصاحبه «محسن» فقط لأنه صوت في الانتخابات لحمدين صباحي وكذلك لإبعاده قسرا عن خطيبته داليا لأن أباها ناصري الهوى! ما أتعس أن يكبل الرجال بنير الماضي دون أن يتجاوزوه أو أن يفكروا فيه بعمق.
من خلال تتبع مسار السرد نفاجأ بأن من يكن لجمال عبدالناصر كل هذه الكراهية مزورًا لشهادته فهو ليس خرّيج جامعة الأزهر كما يدّعي، كما أنه كان عضوًا سابقًا بجماعة الإخوان، بل تعدى ذلك إلى الجانب الأخلاقي حيث كان شاهداً على زواج رئيس التحرير بامرأة في السرّ، وأنه يظهر عكس ما يبطن، يتحدث عن الدين ويسعى لزواج متعة لا يقره مذهبه، يكره العُمانيين ويهبهم ابتسامة تليق بوجهه الماكر.
هذه الرواية كاشفة عن لحظة فارقة في تاريخ أمتنا العربية، لحظة الفوران العربي الذي أعقبته عدة إخفاقات بددت جزءًا من الأمل المنشود، يحمد للرواية أنها تحدثت بروية وبكثير من الوعي، فمزجت عدة بيئات بحوار منفتح على العديد من اللهجات العامية – المصرية/التونسية/العُمانية/السودانية – كما أنها صهرت الكثير من التقاطعات في طريق واحد، غايته التدبر فيما حدث، وتأمل نتائج التداعيات التي لحقت.

هناك تعليق واحد:

أوباها حسين يقول...

أنا لا أحبّه لأنّه ورّط العرب في متاهات الحروب والعداء ...كان الجولان لسوريا قبل 67 النّكسة والضّفّة للأردن وسيناء وغزّة لمصر عندها استعمل جمال النّعرة العربيّة في وحدته الخيّاليّة التي تكنّ العداء للملكيّات معتمدا على الشيّوعيّين حماة إسرائيل الحقيقيّين وأعداء العرب والمسلمين ...لقد أرسا قاادة من جيوشه لمحارب دوّل ملكيّة ...كفى من تمجيد شخصيّات عربيّة أساءت للملوك ..