بقلم: د.محمد
مبارك البندارى
إسرائيلُ هو يعقوب - عليه
السلام - وهى كلمة عبرانية تعنى " عبدالله أو صفوة الله " ، وللأسف
الشديد اتّخذت الصّهيونية العالميّة من اسم نبى الله يعقوب دلالة على هذا الكيان
الصهيونى الغاصب ، الذى غرسه الغرب في
المنطقة ؛ بيد أنَّه نباتٌ عديم الفَائدة ، يغزُو حقُول الشَّرق الأوسط نظرًا
لغيابِ الفلَّاحِين .
ويبقَى سؤال يتكرَّر
دائمًا ويلحّ في تكراره المسؤُوم : من أين أتَى هذا النَّبت عديم الفائدة في بيئةٍ
لا تُلائمه ؟
الفيروس والبكتريا ؟ كلّ هذا هراء !
لكن هذه النبتة عديمة
الفائدة توطَّنت وذهبتْ إلى أكثر من ذلك فقد تمكّنت في بيئتنا بقوّة غَيرها ، ...
غيرها اللدّون يؤمنون عكس ما يؤمن به هذا النبات عديم الفائدة ، فيقولون في المسيح
– وحاشاه – مسيح كذّاب ودجّال .
كان هذا النبات عديم الفائدة لا قوّة له حتى تعلّق بأقدام غيره ، وغدا هذا الغير
اليوم يلحس أقدام إسرائيل ، وأصبحتْ الفئة القليلة تتحكّم في مصير العالم ، يرفعون
دُولًا ويضعونهَا كما يشاءون .
وأما عن أسباب ظهور
هذا النبات عديم الفائدة ونموّه فى قلب
وطننا العربى بالذّات ، فلم يكن بمحضِ الصّدفة ، وإنَّمَا هو نتيجة تراكمات عديدة
، فوجود إسرائيل في المنطقةِ ليس مجرّد صدفة ، إنّه مثل وجود الأعشابِ البريّة في المزرعةِ المهملةِ
عمل غير طبيعى يحدثُ في العالمِ بصُورةٍ تلقائيّةٍ ، ومزرعةُ الفكر المهملة في الشَّرق
الأوسَط لا بدّ أنْ تغزوهَا الطَّحالب والصُّهيونيّة .
ولم يكن وعد " بلفور"
ليعى أخطار زرع هذا الكيان في المنطقة على
مصالحه المستقبليّة ، بل نظر فقط إلى مصالحه السّياسية على مدى القريب ، والخلاص
من " الجيتو اليهودى " في أوربا لتصبح خالية من هذا السرطان الذى يهدّد
مجتمعاتها ، ولكن سرعان ما تناوبتْ الدّول
على تغذيَة هذا النبات عَديم الفائدة ، فزرعتهُ إنجلترا ، ومن أوائل من اعترف به
الاتّحاد السوفيتى ، وأهدته فرنسا مفاعل ديمونة ، وناصرته وتناصره أمريكا ، منذ أن
فتحنا أعيننا يوم 16 مايو 1984م على صوت بغيض يعلن قيام أول دولة " أوربية " في أراضينا منذ عصر صلاح الدين .
بيد أنَّ مفكرى وساسة
العالم الغربىّ لا يعرفون مطامع صهيون جيّدًا ، فهى لا تتوقف عند العالم الإسلامىّ
وحده ، بل تتطلّع إلى أوربا ، وأمريكا ، وهو شئ أصبح لا يحتاج إلى دليل حتّى أقلام
الكتّاب والمفكّرين الأوربيين والأمريكيين الأحرار تتحدّث عن ذلك ليل نهار .
وذلك لأنّهم أعدّوا
العدّة ، وأخذوا في أسبابها منذ أنْ أصبحَ من عملائهم المستهلكين أمثال : ترومان ،
وتشرشل ، وأيزنهاور ، وأديناور !
بل أكثر من ذلك كتّاب
اليهود أنفسهم يبشّرون بذلك ، وأن يعُود عرش سليمان وداود ، ويؤلّفون الكتب والرّوايات
، ويقعّدون قواعد الفلسفات ، الشَّاذة والمنكرة ، ويعرضُون ذلك في وسائلِ الإعلامِ
التى يُسيطرون عليها من مسرح وسينما ... إلخ ، وبالطَّبع أكثر أبطالها وبطولاتها
منهم .
بل إنّ الأزمة
الاقتصادية التى عصفت بالعالم 2011م ، ومفاتيح البنوك بأيديهم ، حقّا إنهم ( قَوَارِين
) هذا العصر المادىّ الذَّميم .
وإسرائيل ذلك النبت
عديم الفائدة يسعى قادتها إلى تدميرِ بقائها بإعلانهم الحرب دائمًا، ومحاولاتهم
للتمدّد عبر أراض جديدة يحتلّونها ، لأنّ القانون العظيم الذى لا يمكن تغيير مجراه
، يجعل الأهداف النهائيّة لأىّ عنصر شرّير أنْ يدمّر نفسه في نهاية المطاف ، فالسّرطان
يدمّر الجسد لكى يدمّر نفسه ، والنّار تأكلُ الخشب لكى تتحوّل إلى رماد ، والمبادئ
الرّديئة تأكلُ الإنسان لكى تموت بالجوع على
أشلاءِ جثَّته .
فمشكلة الصّهيونى في
منطقتنا بل في العالم أنّه لا يريد الأرض ، بل يريد شخصية الأرض أى شكلها العربى
والسياسى على وجه التّحديد ، يريد شكلًا يقول له على الدَّوام : أنت صهيونى إذن
أنت أحقّ بقيادة العالم والسيطرة عليه وسلب أرضه وقتله كلما طالب بحقّه ، لا لشئ
سوى لأنك تختلف عن جميعِ النَّاس ، فأنتَ مُختار ومفضَّل على جميعِ البشرِ ، هنا يُصبح
الصُّهيونىّ مشكلة تهدّد العالم بأسْرِه ، وليستْ المنطقة فقط – كما توهّم الغرب
عند زَرْعِهَا – لأنّه يحتاجُ إلى دولةٍ لا حدودَ لها بدل قطعة أرضٍ تكفيه ، وحينئذٍ يضطر إلى الصّدام
مع العَالم ، ويكون لزامًا على العَالم الصِّدام معه .
إنّها مهزلةُ الصّراع
في منطقتِنا بين فلسفةِ الصّهيونية البلهاء التى تَتبنَّى مناهج غير إنسَانيّة ،
وبين مواطن المَنطقة العربيّة صَاحب الأرض والتّاريخ الذى لم تُتح له قطّ فرصة الدّفاع
عن إنسانيّته .
فالأزمةُ الحقيقيّة
بيننا وإسرائيل الصّهيونية العنصُريّة أزمة
فِكر وعَقيدة ؛ لأنّها لا تَملك ما تفاوض عليه ، وتطمع في اغتصاب المزيد من الأرضِ
، وليست على استعدادٍ لردّ الحقّ إلى أهله ، وللأسفِ الشديد تُحاولُ إقناع العالم
أنَّ الخلافَ معها خلاف على الحدود بين الأراضى ، وليس خلافًا على الحدود بين النّاس
، وبَنَت إسرائيل ما يسمى بالجدار العازل ، والنتيجة أنّ العالم يحثّنا على تسويّة
خلاف الحدود مع إسرائيل ، وكأنّ فلسطين أصبحت دولة مستقلة عاصمتها القدس الشّريف والخلاف
على الحدُود ، يريد العالم منّا أن نَرسم خطًّا فاصِلًا على الخريطةِ ، وينسى
العالم أنَّ إسرائيل تُريد حدودًا بين الإنسانِ
الصّهيونىّ وغيره ، فالجميع عَبيد في مَملكتِه التى لا حدُود لها.
وهذه الفلسفةُ العقيمةُ ، ومهما كانتْ تمثّل من
أيدلوجيا دينيّة ، ومهمَا حاولتْ أن تفرض هويّتها على فلسطين ، فإنّها فلسفة فَقيرةٌ
ومَريضَةٌ ، وتَحمل موتهَا في صَمِيمهَا،
ذلك أنَّ الحربَ المُشتعلة في القدسِ ليسَ من أجلِ أرضِ فلسطين ، ولكنّها
حربٌ من أجلِ شخصيَّة الشّعب الذى كان يَحرثُ تلك الأرض .
إنّ مصرَ تدافعُ عن
أرض فلسطين التى اغتصبها نظام نازى ، وعندما عرضت الأرض مقابل السلام ، أى
الاعتراف بوجود هذه الدّولة مقابل السّلام ، كانت تريد عودة السلام للمنطقة ، وكبت
جماح الشّخصية الصّهيونيّة ، فمصر تريد العدالة ، وتُحاول عبر الدبلوماسيّة أن
تستعيد أرضنا المحتلة عبر كسب الرّأى العام العالمىّ لكى تسود العدالة على أرض
فلسطين المغتصبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق