2015/10/12

الإنسان الرقمي قصة بقلم: محمد نجيب مطر



الإنسان الرقمي
محمد نجيب مطر
بحلول عام 2500 تحولت الإنسانية إلى مخلوقات رقمية، يطبع رقم بشعاع الليزر غير المرئي يحدد هويتها وقت ولادتها، وتوضع فيه كل المعلومات عن الشخص من جينها الوراثي، دون أن يدري.
يكفي للإنسان في أي مكان في العالم أن يدخل إلى أي مصلحة أو محل أو مطار فيمكن للماكينات التعرف على رقمه الوراثي وتحديد هويته، والتعامل معع حسب تلك المعلومات.
يتم أخذ مسح رقمي عن خلايا الجسم كل ساعة بصورة روتينية، وبالتالي يمكن التعرف على مقدمات الأمراض واحتمالات الإصابة به قبل ظهوره بمدة طويلة، ومن ثم استدعاء بواسطة أجهزة الاتصال لكي يتم معالجته قبل ظهور المرض.
ليست مطلوباً منك أن تحمل أوراقاً ثبوتية فرقمك الغير مرئي الموجود على جلدك منذ ولادتك يكفي لمعرفة جميع المعلومات الثبوتية المطلوبة منك، وجميع البيانات المستحدثة عن المواطن.
اختفت الدول الوطنية وحل محلها دولة واحد ذات أقاليم مختلفة، تحكم نفسها حكماً ذاتياً من خلال نظام عام يطبق فيه القانون على الجميع دون تمييز.
انتشرت اللغة الانجليزية وأصبحت إلزامية لكل سكان العالم، وأصبحت اللغات المحلية من التاريخ الثقافي للبشرية الذي يجب أن يتخصص فيه كل من أن يعرف عنه.
اندمجت الفنون الوطنية والثقافات المحلية في ثقافة كونية جديدة تؤكد لفكرة الثقافة العامة والأخلاق الرفيعة، اعتنقها العالم كله من أقصاه إلى أقصاه، لتميز سكان الأرض عن غيرهم من الكواكب الأخرى المسكونة في المجرات القريبة والبعيدة. 
تيسرت وسائل مواصلات جديدة قربت البعيد بين أجزاء الأرض ووفرت وسائل اتصال الكترونية سهلة بين الأفراد على الكوكب.
انتشرت الأدوات الذكية وسادت، وحدت كثيراً من حرية الإنسان في التصرف، يكفي أن تضغط على مكان العنوان في السيارة على الخريطة، لتبدأ السيارة في تشغيل نفسها، ثم تنطلق بعد أن توصد الأبواب و لا تسمح بفتحها إلا بعد أن تقف في مكان الانتظار المناسب، وتختار أقصر الطرق والأقل في الكثافة المرورية للوصل إلى العنوان.
حدت الأجهزة الحكومية مع الأجهزة الحكومية الكثير من حرية الإنسان وإرادته، يمكن للسيارة معرفة ما يدور في عقلك وما ينتابك من أوجاع أو هلاوس، فتنطلق بك إلى المنزل أو إلى عيادة الطبيب لفحصك أو حتى إلى المطعم لمجرد إحساسك بالجوع.
النظام يختار المتزوجين من خلال برامج تتيح لهم أن تكون صفاتهم متقاربة، ويضعهم على قائمة الانتظار للإنجاب.
أصبحت صفات المولود يتم اختيارها على حسب الاتفاق مع الأب والأم، و اختيار المميزات الإضافية لأولادهم من حيث الجمال والقوة الجسمانية والمرونة العضلية والقابلية لمقاومة الأمراض، ونسب الذكاء والخيال.
نظراً لارتفاع أثمان هذه الخدمات فقد احتكرها الأغنياء على الكوكب فزادت قوة أبنائهم وجمالهم وذكائهم، بينما حرم الفقراء منها، والأبناء الذين تم اصطفاء صفاتهم يقومون بتوريثها تلقائياً لأبنائهم، ثم يضيفون إليها  صفات جديدة تزيد من قوة الأجيال التالية.
بينما الفقراء يزدادون تخلفاً وانحطاطاً، وتزداد نسب الصفات المتدهورة فيهم، لأنها لا تتطور إلا إلى الأسوأ.
في النهاية تكونت على الكوكب طبقتان، طبقة الأغنياء ذات الصفات المتميزة المتوارثة جيلاً بعد جيل، وقد أطلقوا عليهم اسم الماكرو، والطبقة الثانية التي تتوارث الصفات التي تنتقل بالوراثة وفقط، ودائماً تتركز فيهم الصفات السيئة، وتنتشر بينهم نسب الاعاقة الذهنية والبدنية، وأطلقوا عليها طبقة الميكرو.
استعبدت طبقة الماكرو طبقة الميكرو وتسلطت عليها، كانت طبقة الماكرو تضم طائفة رجال الأعمال والعلماء والاقتصاديين والسياسيين والاعلاميين، وحتى لاعبي الكرة والفنانين والشعراء، بينما ظلت طبقة الميكرو تشغل الوظائف الدنيا من العمالة، فكان منهم أصحاب المهن الوضيعة، مثل عاملي النظافة وسائقي السيارات، والبائعين المترجلين، وأصحاب مهن الخراطة واللحامات وعمال المناجم، أضف إليهم اللصوص والقتلة.
نتيجة زيادة الفارق الرهيب بين الطبقتين، قامت ثورة مسلحة استعملت فيها طبقة الميكرو العنف متسلحين بالحقد والحسد والغل الذي ينهش قلوبهم بسبب الظلم والتعنت الذي يواجهونه.
انقضت طبقة الميكرو على كل شخص من المايكرو، أكلوا بعضهم، واكتفى آخرون بأكل أكبادهم، وقاموا بسجن بعضهم وسمنوهم حتى يأكلوهم وقتما يشاؤون.
بعد أن انتهت طبقة الماكرو، فبدأت طبقة الميكرو في الانقلاب على بعضهم البعض، فصار الأقوى يأكل الأضعف وعادت الدنيا إلى عصر الغاب.

ليست هناك تعليقات: