حاورها: عبد القادر كعبان/الجزائر
الدكتورة هيفاء
السنعوسي كاتبة ومبدعة متفردة في الوسطين
الكويتي والعربي وهي باحثة وأستاذة في
الأدب والتحليل النفسي في جامعة الكويت، وكذلك كاتبة في العديد من المجالات
الأدبية كالقصة والمسرح وبصفة خاصة مسرح المونودراما. قدمت الدكتورة هيفاء
السنعوسي العديد من الندوات الأدبية والمحاضرات والورش العلاجية
في البلدان العربية وفي أوربا وأمريكا حول كتاباتها الأدبية وحول أبحاثها العلمية
في تطوير الشخصية والعلاج النفسي بالفنون الأدبية، وكانت آخر دراساتها العلمية في
مجال المسرح الانعكاسي وفي المونودراما العلاجية بصفة خاصة، ومن هنا حاورتها عن
حياتها الأدبية والأكاديمية في سياق الحوار التالي:
بعيدا عن
الساحة الأدبية والأكاديمية: من هي هيفاء السنعوسي؟
في البدء اسمح لي أن أشكرك على تواصلك معي وطلبك الحوار، وإنه من دواعي سروري
التواصل مع النقاد والمبدعين في وطننا العربي بشكل عام، وفي الجزائر بشكل خاص، ثم
أقول جوابًا على سؤالك بأنني امرأة مسالمة محبة لله عز وجل، ومحبة للناس في الله
،تعشق الحروف التي تقدم قيمًا انسانية في هذا الكون الشاسع، وتعشق القراءة
والكتابة منذ الطفولة، وتؤمن بأن لكل انسان رسالة انسانية ذات قيمة سامية ونبيلة
ولابد أن يوصلها للناس. كبرت وكبر معي شغفي بالعلم والمعرفة، متصلة جدًا بالبحث
العلمي المبتكر حتى هذه اللحظة، وبلا شك أعتز بكوني مسلمة، وفخورة بأنني إبنة رجل
عظيم مسالم وطيب للغاية يرحمه الله، وابنة لأم كانت معجزة أخلاقية حافظة للقرآن
وخلقها القرآن يرحمها الله، وأخيرا أعتز بأمومتي وبكياني الأسري كزوجة لرجل رائع
يحفظه الله.
أي شيء دفعك
لخوض تجربة كتابة القصة تحديدا؟
لأنني مؤمنة بأن الحياة قصة، والقصة حياة، وبالتالي فإنّ القصة هي عنصر مهم
في مكونات تركيبتنا الاجتماعية والعقلية والإبداعية. والعمل الأدبي يفرض نفسه علي،
فأنا لا أفتعل الكتابة ، إنها لحظات الإلهام التي تختطفني وأجدني أكتب فتخرج في
صورة قصة أو مسرحية أو ربما ومضة قصصية. بدأت القصة معي منذ الطفولة حيث عشقتُ
قراءة القصص لكبار الكتّاب العرب والغربيين، وبدأت كتابة القصة وأنا صغيرة، كنت
بالسنة الرابعة في المرحلة الإبتدائية وكانت بالطبع كتابات بسيطة جدًا تتلائم وسني
آنذاك. وينبغي أن أذكر هنا اسم المفكر الكبير الأديب الدكتور مصطفى محمود يرحمه
الله. فهو أول من شجعني على نشر أولى مجموعة قصصية بالعربية بعنوان (ضجيج) ودعم
ظهورها بكتابة تقديم لها قدمني به إلى القارىء العربي، وكم أنا فخورة بذلك
التقديم. وقد تم نشر المجموعة ضمن سلسلة قطاع الثقافة بدار أخبار اليوم بمصرعام2004. وأريد أن اوضح هنا أن ما يلفت
انتباهي في الناس هو تحركاتهم بالحياة وفقا لأبعادهم النفسية التي تمثل ألوانا
مختلفة، ولذلك يرى معظم النقاد أن كتاباتي القصصية لها بريق نفسي عميق.
بمن تأثرت من
الأسماء الأدبية في بداياتك القصصية؟
أحببت كثيرًا من الكتاب في الوطن العربي وفي العالم الغربي، وقرأت لهم منذ
الصغر ولكنني لم أتأثر بهم، كانت لي هويتي الخاصة في الكتابة، هويتي المبنية على
قناعاتي الفكرية وأبعادي الشعورية والنفسية في علاقتي مع الناس في حياتي العامة.
فنحن جميعا نعيش قصصا في حياتنا ونشاهد قصصًا من الواقع الذي نعيشه، وهؤلاء الناس
هم الأبطال الذين أتأثر بهم، وأتفاعل معهم في كتاباتي.
لك العديد من
المجاميع القصصية: "ضجيج"، "رحيل البحر"، "إنهم يرتدون
الأقنعة!"، "فضاءات الحب"، " شهرزان" وكذلك الكتابات
المسرحية: "نقوش على وجه امرأة"، وكتابك الأخير مسرحيات مونودرامية
" وجوه لاتعرف الضوء" في العام 2015
كيف تقيمين هذه التجربة اليوم؟
سؤال جميل ولكنني لا أستطيع الإجابة عليه، فليس لي الحق في تقييم تجربتي
الكتابية القصصية والمسرحية، أقدم كتاباتي للقارئ والناقد وهو من يقيمها، ولكنني
أقول بأنني نشرتُ ما كان مقنعا بالنسبة لي على الوجهة الفكرية والإبداعية، و مازلت
في طريق الكتابة، فهي نبع انساني إبداعي لايتوقف إلا بموت صاحبه. وهناك رسائل
انسانية كثيرة تضمنتها كتاباتي القصصية والمسرحية، وأنا على قناعة بها وهي تعكس
رؤيتي للعالم وللمشاهد الانسانية فيه، وماتزال بعض الرسائل مخبوءة في الكتابات
الأخرى التي سأنشرها مستقبلا إن شاء الله.
ما الحيز
الذي تشغله المرأة في قصص هيفاء السنعوسي إجمالا؟
المرأة والرجل هما عنصران مكملان لبعضهما البعض في الحياة، وبالتالي فهما
متواجدان في كتاباتي بشكل عادل، وبالمناسبة أنا لست ضد الرجل كما جرى العُرف في
معظم كتابات الأديبات العربيات شعرا ونثرا، وإنما أرى وجود علاقة تناغمية جميلة
بين الرجل والمرأة في وطننا العربي، والحالات الشاذة الواقعة في اضطهاد الرجل
للمرأة هي حالات محدودة وموجودة في كل بقاع العالم، وبالتالي ليس من المنطقي تشويه
صورة الرجل العربي والتي صدّرتها بعض الكتابات العربية النسوية للغرب بطريقة
جائرة. فأنا على قناعة بأن الانسان قد يكون سويا نفسيا أو قد يكون مختلا نفسيا ممت
ينعكس على حياته الاجتماعية ، بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة. نحن نحتاج لإعادة
تقييم لهذه النظرة القديمة القائمة على صراع المرأة والرجل، فهذه الاشكالية انتهى
عصرها وأصبحت مفتعلة في وقتنا الحالي، ولكنها للأسف ما تزال تتردد في كتابات بعض
الأديبات.
ماذا عن
تجربتك في كتابة قصص الأطفال؟
كانت تجربة واحدة فقط منذ سنوات، ولا أخفي بأنني كتبتها في لحظة إلهام وحب
لابنتي الشاعرة والفنانة التشكيلية رزان
أحمد العوده ، التي قالت لي وهي طفلة بالابتدائية: "كم أتمنى أن تكتبي
قصة للأطفال". وهي عاشقة للقراءة والكتابة مثلي، وبالتالي جاءتني لحظة
الالهام وكتبت قصة للأطفال تحمل عنوان: "الآنسة رزان وطبيب الأسنان".
وكانت المحاولة الأولى والأخيرة.
أنت قريبة من
المشهد الإبداعي الكويتي كونك أديبة. ما رأيك بهذا المشهد لاسيما النسوي منه؟
الكتابة في العالم العربي وليس الكويت فقط ، أخذت في الآونة الأخيرة طابع
الموضة تحت هوس الشهرة، فمثلما انتشرت عندنا في وسائل التواصل الاجتماعي
كالانستغرام بصفة خاصة موجات مصممات الأزياء وفنانات التجميل ومسوقات الدعاية
التجارية، انتشرت أيضا موجة الكاتبات والبعض منهم نشر كتابات رديئة للغاية بهدف الشهرة
التي أصبحت مرضا يفتك بعالمنا العربي، ولكن هذا لا يعني عدم وجود كاتبات كويتيات
متميزات على المستوى الانساني والابداعي، مع وجود نساء تيار"عدائية
الرجل" اللاتي مازلن يكتبن في نفس الاشكالية المستهلكة! وهذا ما يجعلني أتساءل
عن مصداقية اضطهاد الرجل للمرأة في عالمنا العربي، في ظل ظهور المرأة بمواقع حساسة
جدا في الدولة.. فعندنا في الكويت على سبيل المثال نساء في البرلمان تم انتخابهن
من المجتمع الكويتي، ولدينا وزيرات لحقائب وزارية مهمة كوزارة التربية والتعليم
ووزارة الصحة وغيرها من وزارات ومؤسسات الدولة، وهن أستاذات في الجامعة تقلدن منصب
عميدات كليات، ووصلت المرأة لمرحلة إدارة
جامعة الكويت، وكذلك دخلن سلك الشرطة، وإدارة التحقيقات ومباحث الدولة، وحماية
الشخصيات والاطفاء، وأصبحن وكيلات نيابة وغيرها من المهن التي كانت في يد الرجل،
فأين الاشكالية مع الرجل هنا؟ في ظل موجة انفتاح قيادي ومهني مبهر للمرأة على
مستوى كبير ولافت للانتباه منذ عشرات السنين.
استعنت
بالمسرح كجنس أدبي لممارسة العلاج النفسي، فكيف تم ذلك؟
نعم لي نظريتي العلمية الخاصة في مسار المسرح العلاجي وأسميتها "المسرح
الانعكاسي العلاجي" وطبقتها بصفة خاصة في مسرح المونودراما وهو البحث الأول
على مستوى العالم أجمع في مجال العلاج النفسي في مسرح البطل الواحد ما يمسى مسرح
المونودراما، لأنه أساسا مسرح ثقافي نخبوي، ولكنني طورته في مسار البحث العلمي
ليكون مسرحا علاجيا ، وكذلك في مجال تطوير الشخصية وتأهيلها.
لك تجربة
فريدة في كتابة النص المسرحي المونودرامي، فما هي خصائصه وآلياته من وجهة نظرك؟
نعم فخورة بتجربتي هذه على المستوين الإبداعي ككتابة أدبية وعلى المستوى
العلمي كدراسة في الأدب العلاجي، فأنت كما تعرف أن مسرح المونودراما من أصعب وأعقد
الفنون كتابة، وكذلك أصعبها أداءً، وهذه ليست مقولتي وإنما مقولة كبار النقاد في
العالمين الغربي والعربي حول مسرح المونودراما، وهو كما يراه الجميع مسرح النخبة
حيث البطل الواحد. وقد بدأتُ الكتابة فيه في العام 2009 ثم نشرت مجموعتي الأخيرة
"وجوه لا تعرف الضوء" وهو عبارة عن مسرحيات مونودرامية، وتم إصدار
الكتاب في احتفالية توقيع كبيرة بجامعة الكويت، وقدمتُ عرضا لمسرحية مونودرامية من
الكتاب تحمل عنوان: "ضباب لا يحجب الرؤية" وكانت أداء وإخراج الممثل المسرحي المصري المبدع عمرو
قابيل، ولاقى العرض نجاحا كبيرا جدا. وهناك بالمناسبة عرض لثلاث نصوص من الكتاب
بإذن الله تعالى ستكون في منتصف شهر ديسمبر إن شاء الله على مسرح مكتبة الاسكندرية
بمدينة الاسكندرية مقدمة من فنانين مسرحين محترفين من مؤسسة فنانين مصريين بمصر.
ماذا عن
جائزة الدكتورة هيفاء السنعوسي في مجال كتابة النص المونودرامي؟
جاءت الجائزة في دورتها الأولى في العام 2011 وانطلقت من باب تشجيعي للكتابة
في مسرح المونودراما. أردت أن يشق المبدعون معي طريق عالم المونودراما الجميل،
وألا يستصعبوا كتابته، والجائزة الآن في دورتها الخامسة ، ويرأس لجنة التحكيم لهذا
العام أستاذ أكاديمي معروف ومتخصص بالمسرح
وناقد محترف ومبدع من أحد الأقطار العربية. وهو من سيعلن أسماء الفائزين في الدورة
الحالية خلال الشهور القادمة إن شاء الله،
وكانت الجائزة في السنوات السابقة مقصورة على المبدعين الكويتيين، وقد فتحتها
هذا العام في خطوة تطويرية جديدة لتشمل كل
المبدعين العرب بناء على عشرات الرسائل الواردة من مبدعي وطننا العربي، واستجبت
لطلبهم دعما للإبداع المونودرامي العربي ، وقد تقدم لها حتى هذه اللحظة مبدعون من
الكويت ومصر والأردن وسوريا والجزائر والمغرب والعراق وغيرها من الدول.
كونك
أكاديمية كيف استطعت المزج بين الأدب والعلاج النفسي وتطوير الشخصية في آن واحد؟ وهل
يمكن أن تحدثينا عن دراستك العلمية في مجال المسرح الانعكاسي ؟
سؤال مهم وجوهري والجواب هو أنه اجتمعت عندي نقطتان هما أولا :عشقي للحروف
الأدبية وبالتالي عشق الكتابة القصصية والمسرحية، ثانيا: عشقي للبحث العلمي
المبتكر وشغفي بالمعرفة، وهذا يتغذى من كوني أستاذة في جامعة الكويت، وعملى
الأكاديمي مرتبط بالبحث العلمي، وللأسف الجمع بين الأدب والعلاج النفسي يكاد يكون
نادرًا في وطننا العربي، فلا توجد مؤتمرات أو ندوات علمية تقدم هذا النوع من
المواضيع ، ولذلك أتجه لأمريكا وأوربا، وهم يهتمون جدًا بعلاقة الفنون والأدب
بالطب النفسي. أما فيما يتعلق بمصطلح المسرح الانعكاسي العلاجي فهو دراسة علمية
خاصة بي ومسمى جديد في حقل الأدب العلاجي ومنطلق من تجربتي لمسرح المونودراما ليس
كفن إبداعي فقط وإنما أيضا كفن علاجي، وهو تجربة جديدة في الحقل العلمي في العلاقة
بين الأدب والطب.
هل سنقرأ
للدكتورة هيفاء السنعوسي رواية في التجريب الأدبي العلاجي مستقبلا؟
ربما.. فكما وضحتُ سابقا لحظة الإلهام هي التي تختطف الكاتب لعالم الكتابة
الجميل، ولأنني لا أفتعل الكتابة، وإنما هي تفرض نفسها علي فأكتب، فأنا لا أحدد
مساري في الكتابة. ولكنني لا أنكر أنني مازلت منسجمة في عالم المونودراما ومنجذبة
له لكونه عالمًا ساحرًا يغوص في أعماق نفسية الأبطال ، ولكونه يغذي عقليتي العلمية
المرتبطة بأبحاثي ودراساتي العلمية في مجال الفنون الأدبية العلاجية.
ما هو جديدك
حاليا؟
ستنطلق في الشهور القادمة إن شاء الله أنشطة ثقافية وعلمية في الكويت من منطلق
كوني كاتبة وباحثة أكاديمية، وستكون الأنشطة في مجال الفنون الأدبية العلاجية، وفي
علاقة الأدب بالطب. وستكون في صورة ندوات وعروض مونودرامية داخل وخارج الكويت.
تلقيت بعض الدعوات الرسمية لإلقاء محاضرات حول أبحاثي وكذلك لتقديم تجاربي الأدبية،
وسألبي بعضها على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى المؤتمرات العالمية في أمريكا
وأوربا إن شاء الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق