2016/05/29

الإبداع بالإلهام لا بالإرغام .. قراءة للشربيني المهندس

الإبداع بالإلهام لا بالإرغام .. 
بقلم: الشربيني المهندس

تبدو مسألة خصائص النص وأفق الأنتظار للمتلقي في غاية الأهمية ، من حيث التراكم المعرفي والرؤي المختلفة .. وزمن التلقي أو التجربة المسبقة ، وكذلك التوافق أو التعارض بين اللغة المكتوبة واللغة اليومية أو العالم المتخيل والواقع المعيش ..وكيف ساهم ذلك في قراءة محمد عباس يعيش الحلم بالجائزة مثلا ،مع ابداع النص ومشاركة المتلقي وما يتضمنه من تناغم مع مع أوساط مختلفة من المتلقين .. مع المعهود من جنس العمل الأدبي ومحاولة تبني نمطا جديدا في الصياغة والأسلوب أو فن الطبخ كما يقول ياوس ساخرا أو الدهشة الجمالية كما يري البعض .. هكذا جاءت المجموعة القصصبة الجديدة (فاطمة تعيش الحلم) للأديب محمد عباس وهو في طريقه إلي منبع الشمس ، رغم الوهم والضحكات ،متلمسا أفق الانتظار للقارئ وباحثا عن الحقيقة حول أحداث وموضوعات اجتماعية بسيطة مما نشاهده في حياتنا اليومية محاولا دمجها داخل النصوص وهو واع بعملية الانتقاء ، وعيا خفيا كون النص نمذجة الواقع .. مع أشياء لا تحدث مرتين وضع الإنسان في بؤبؤ عينه الأدبيه محدثا انقساما في التلقي مع مصادر الصراع القائم في النصوص ، من حيث التوتر القائم بين السنن الاجتماعية والثقافية للقارئ والنص وبين الاختلافات في الأفكار والتأويلات بدءا من العنوان الرئيس وعناوين القصص .. وسواء تم تناول النصوص باعتبارها موضوعا مستقلا أو من خلال إعادة تأسيس العمل الفني من خلال أفعال قصدية تهدف إلي تقييمه ، مع التباين لدلالة النص الأدبي ،وطابع العمل الفني وكفاءة التلقي ،والسياق الحاف بالمتلقي ،وحيث التفاعل التبادلي ينتج عن حقيقة وجود فجوات بالنص ، وضرورة ملئها كدوافع للتواصل متجنبا ضجر القارئ او سلبيته ، نستطيع القول وهكذا يكتب محمد عباس القصة والرواية بابداع متميز.. النص الأدبي مثله مثل القطعة الموسيقيه لا يمكن إدراكه بكامله دفعة واحدة ،ولكن من خلال قراءة متتابعة أو ما يسمي وجهة النظر الدالة . من قصة الاستهلال بعنوان اللغز تبدأ قصدية المؤلف مع القارئ ،مع جملة شده منصور من شروده .. بينما بدأت القصة الثانية فاطمة تعيش الحلم بجملة استهلالية (القت فاطمة بناظريها عبر النافذة إلي الطريق .. ولايتركك بل يدخل إلي الحدث وزفة العروسين .. وواقعا كان حتي الأمس حلما .. في قصة تراتيل الإنتقام هرول مبتعدا قدر الإمكان عن هذا البيت .. وهنا سؤال المجموعة القصصية المستمر عن اللغز وجدلية الحياة والموت وحلم فاطمة ومن ثم الانتقام ليستمر القارئ في الاشتراك في المعزوفة .. تنتهي قصة اللغز والمحاولات ما تزال جارية لندخل الي قصة فاطمة والحلم والتي تنتهي مع شرود فاطمة وعودتها باحثة عنه لنصطدم بتراتيل الانتقام التي تنتهي وهو يتجه إلي الباب .. فتحه وخرج .. ليجد نفسه تحت الصفر .. القصة التالية وقد أخذ يستنشق الهواء والتراب وهو يهوي .. ويسمع في نهاية القصة من يقول هناك عجوز سقط هنا ، لنستشعر اللغز من جديد ، وهواجس الدكتور وهو يدخل المقبرة ، ونفكر في تراتيل الإنتقام وغرائبية التراتيل ونهاية لا يتوقعها الكثير منا ، ونجاح الكاتب في ربط النص والمتلقي .. أن القصة القصيرة المحكمة هى سلسلة من المشاهد الموصوفة لقاء الدكتور والتربي .. ومن خلف الباب الموارب تلمح فاطمة النسوة يملأن صحن الدار .. والمشهد الذي رآه في غرفة النوم .. تنشأ خلالها حالة مسببة تدفع القارئ للمتابعة وما تتطلب من شخصية حاسمة ذات صفة مسيطرة تحاول أن تحل نوعا من المشكلة .. وتأتي المفارقة والتربي يسأل الدكتور ألم يقل لك الكمبيوتر ..؟ ونطقت هي حروف اسمه كما لم تنطقها من قبل .. وتتحقق الدهشة وهو/الدكتور يري الجسد الذي كان ساكنا منذ شهور يتحرك .. وهي / فاطمة تري وجهها مشقوقا (نصفين) في المرآة المشقوقة .. ويبدا الحوار الهامس بين النص والمتلقي من خلال المفارقة والدهشة وأسلوب واضح في المجموعة القصصية .. ربما يحاول البعض التعديل لكنه لن يترك القصص ، مع الأحداث التى تتعرض لبعض العوائق والتصعيدات/ العقدة،حتى تصل إلى نتيجة قرار تلك الشخصية النهائى فيما يعرف بلحظة التنوير أو الحل فى أسلوب يمتاز بالتركيز والتكثيف الدلالى.. وتكمن أهمية القصة القصيرة فى أنها شكل أدبى فنى قادر على طرح أعقد الرؤى وأخصب القضايا والقراءات ذاتية وغيرية ونفسية واجتماعية، وبصورة دقيقة واعية من خلال علاقة الحدث بالواقع وما ينجم عنه من صراع وما تمتاز به من تركيز وتكثيف فى استخدام الدلالات اللغوية المناسبة لطبيعة الحدث وأحوال الشخصية وخصائص القص وحركية الحوار والسرد ومظاهر الخيال والحقيقة وغير ذلك من القضايا التى تتوغل هذا الفن الأدبى المتميز. ليتحقق مظهر القص وعناصره المتعددة: الحدث والشخصية والحبكة والحوار والسرد والعقدة والحل والزمان والمكان، ثم المظهر الانطباعى/ وحدة الانطباع الذى تحققه القصة القصيرة فى العادة، لعدم تعدد الأحداث وتنوع الشخوص فيها ، ولتركيزها على أزمة واحدة. باغته صوت منصور التربي هل تشعر أنك ستصل إلي شئ ..؟ عاد يغرز نظراته في بؤبؤ عينيه .. العينان فيهما دهشة سرمدية لا تغيب .قال له لا أعرف هل ستفهم أم لا أن العلم فتح الأبواب . ونوع من الحيل الفنية في قصة الحلم كان المونولوج هو السيد .. مع التراتيل ونقطة ضوء تائهة وعجوز يجلس خلف طاولة عجوز مثله وما زالت البسمة الحانية تكسو وجهه وقد تحول الحنو في نظرته الي تساؤل دون ان ينبس بحرف تكلم يا بني .. ليأتي هنا دور اللغـة الوصفية والإمساك بتلاليب القارئ ليشارك في الالتفات إلي الأفكار وقد ينفعل أو يختلف ونهاية لا تناسب فكرة الانتقام التقليديه .. لكنه الفن .. شوقي بدر يقول .. العنوان هو أول دوال النص والبداية الحقيقية لمراحل التأويل فيه أو هكذا يجب أن يكون، وهو أحد العناصر الرئيسية للعتبات في النص الإبداعي. قد يكون عنوان المجموعة فاطمة تعيش الحلم واضح الدلالة لكنه يحتاج للأسئلة عن ماهية فاطمة والحلم وكيفية التعايش ..والعتبات هي كل ما يحيط بالنص ويغلفه من عنوان وغلاف وإهداء وكلمة ناشر ومقدمة. ويعتبر العنوان هو أيضا كما قيل عنه رأس النص ومفتاحه الأساسي ونقطة الإرسال الأولي، ومن ثم فهو يرتبط بباقي جسم النص، ويمنحه بذور النمو والتطور، وفي ذلك يقول إمبرتو إيكو: "الوحدة الدلالية نص مضمر والنص توسيع لتلك الوحدة الدلالية"." هكذا استطاع الأديب السكندري محمد عباس علي تحقيق عناصر القصة القصيرة بنجاح من قصة الاستهلال (اللغز) وغرابتها والتناغم بين شخصيتي الدكتور الباحث وخياله والتربي (منصور )صاحب الواقع وسؤال الحيرة والدهشة وجدلية الحياة والموت شكلا ومضمونا ، ليحكي عن فاطمة والمرآة المشطورة والحلم عبر النافذة والواقع وحمامة سلام قبل الانتقال إلي تراتيل الانتقام والمفارقة وسط الظلمة من تحت الصفر .. تتنوع الاستهلالات والنهايات ولغة مناسبة وشخصية مختلفة حتي يصل إلي قصة المنطقة الخطرة وهل هو ( منصور) آخرودوائر الحيرة والخوف وجرح قديم قد يتكرر الآن .. الحجارة تغزو القطار .. هل تذكرون اللغز .. ماذا نتوقع من المنطقة الخطرة .. السلاح / الحجارة قد تحل اللغز وهل له علاقة بحمير القرية .. الظلمة تتمدد ثم يتبدد الخوف مع المقاومة ورسالة النهاية حين ينطلق القطار في طريقه دون خوف .. والفوز بجائزة الطيب صالح في القصة القصيرة عن مجموعته القصصية " فاطمة تعيش الحلم " تقول د آسيا علي عن أسباب فوزه أهمها قدرة كاتبها علي إقناع القارئ بواقعية أحداثه مهما حوت تفاصيلها من الغرابة واللامعقولية يمتلك محمد عباس لغة وصفية رفيعة ،عندما يصف مشاهد الصراع النفسي .. ومحمد عباس أديب صاحب تجربة متفردة برغم تجنبه الأضواء فهو يبدع في صمت دون ضجيج ويطبع أعماله لمحبيه ولمحبي الإبداع الحقيقي. الطيب صالح هذا العام وفي القصة القصيرة تجد طريقها إلي مبدع حقيقي ، وإنسان جميل ومبدع رائع في رسالة واضحة للجميع ، أن الإبداع الحقيقي لا يموت بصمت المنغمسين ،والغارقين في أضواء المركزية والشللية ، بل يبقي وينمو ويزهر .

ليست هناك تعليقات: