بقلم: غادة هيكل
مياة
الزير باردة برغم حر الصيف الشديد ، وهى
تقبع تحت عشة سقفها من الجريد الناشف الذى تدلى خوصه حتى وقع أرضا ، السيدة التى
وهبته للطريق عقيم ، وضعته كى يشرب منه
الشارد والوارد وعلى حمالته التى بنيت من الطوب ودهنت ببعض الطين حتى يبس ، لونتها
ببعض الجير الأبيض وجعلت أحد المارة يكتب عليها ، ندعوكم لقراءة الفاتحة لصاحبة
هذا السبيل ، بنية الحمل والولادة ، مر عليه صبى صغير متشرد ، وعندما قرأها وقف امامها
طويلا وقال: لو تركت عنوانها لذهبت إليها وقلت لها أن الولد الذى أرسله لك الرب
دون عناء الحمل والولادة ، ثم انصرف يطرق الأبواب يطلب صدقة تشبع جوعه ، ثم مر رجل
على السبيل ، وعندما اغترف منه شربة ماء وشعر بالإرتواء ، جلس بجوار الزير يطلب من
رطوبة جسمه بعض الهواء البارد ، وعندما
قرا المكتوب ، انتشى و شرد لحظات يفكر ثم
همس لنفسه لو كان زوجها فحلا لروى أرضها بالأطفال ، آه لو أعرف عنوانها فأذهب لها
كى أروي أرضها بما تريد ، واخذته سنة من نوم وغاب فى انتشائه حتى ابتلت ثيابه بماء
الزير الذى يتساقط من الشاربين ، وعندما استيقظ كان ماؤه قد اختلط بماء الزير
والوحل على ألارض فنبتت حشيشة خضراء بجوار الزير ، نظر إليها ومضى وعلى وجهه
ابتسامة رضا .
ثم مرت امرأة تحمل طفلا وتجّر اثنين ، تنهر
الكبير ليتقدم ، وتمسك بيدالصغير حتى لا يتأخر
، ، عندما رأت الزير وكأن النجاة قد اتتها فكم بكى الصغار فى هذا الحر رغبة
فى شربة ماء والطريق طويل من البيت وحتى بيت أهلها الذى تقصده غاضبة من زوجها ،
جلست المرأة تحت العشه ، وأمسكت بالماء تسقى أولادها وتروى عطشها وتمسح بقايا
الدمع على وجهها ، انتعشت لبرودة الماء وصمت الأطفال ، ونسمة الهواء التى لفحت
وجهها ، تذكرت أيامها ألاولى فى بيت زوجها والسعادة التى كانت تملؤها والجسد
الممشوق الذى تتخايل به ، ويترك زوجها يلهث وراءها ، ثم نظرت إلى أطفالها ، الذين
كبلوها بقيودهم وطلباتهم وجعلوا من ايامها جحيما مع زوجها فلا هى تستطيع ارضاءه
ولا هو يتحمل ما ألت إليه ، ثم لمحت ما دوّن على حاملة الزير وخطر لها أن لو كان هناك عنوان لذهبت إلى تلك
المرأة ووهبت لها أحد أطفالها وتركته عندها هبة من الله لها دون عناء ، لعلها ترضى ، ولعل زوجها يرضى ، وتعود لها
السعادة التى فقدتها ، وبعد أن ارتاحت وشعرت بقوتها تعود لها ، وابتسامة أطفالها
تجعل منهم أقمارا يشع ضوؤها بالنهار ، ضمتهم لحضنها وشعرت بحركة غريبة فى بطنها
تنقبض وتنبسط فرحة بتلك الضمة وكانهم مازالو فى الرحم ، ثم خطر لها سؤال توجهت به
إلى السماء ، لماذا جعلتنى أرنبة ألد كلما ضاجعنى زوجى ، وحرمتها هى ، ثم انتبهت
إلى ضحكات أطفالها ، وعرفت لماذا سميت
سلسبيل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق