بقلم: مايسة سالم
ليست مجرّد رواية لسارد محترف، ليست كلمات وحروف نقرأها إنما تجد الشخصيات من لحم ودم أمامك، كل شخصية جاءت لتشكو لك، تسرد لها مآسيها، أفراحها، جاءت لتُحكّمك عما حدث لها، تتفاعل مع كل شخصية تريد لو أنك تربت على كتف (حمدى) أو تمسح دموع (زُهرة) أو تشارك الأطفال جريهم وراء (بسطاوى).
- تحدث لنا الكاتب على لسان جميع شخصياته، كأنه ترك لهم حرية التعبير، تشعر حين تقرأ أن كل بطل يسلم السرد للبطل الذي يليه، بعد أن يمهد لتقديمه.
- تجد نهماً في معرفة الشخصيات أكثر وأكثر، ففي كل شخصية؛ والذي يتكرر بعد ذلك ذكرها وحديثها، تزداد معرفتك بالشخصية، في كل جزء من حديثها تكشف لنا عن سر، نراها بشكل مختلف، فعلى سبيل المثال شخصية (علوان) يظهر لنا في أول الرواية رجلاً عابثاً لا يعنيه سوى الخمر والنساء، وفي جزء آخر نتعاطف معه عندما تحيرنا متاهته، ندمه بعد اقتراف المعاصي، فلسفته لمعرفة الحقيقة (حقيقة الحياة).
- الغوص في أجواء القرى، نقلها كما هي، بكل شخوصها وطبيعتها، بأفكار رجالها ونساءها،عاداتها وتقاليدها، بلا تحيز للفضيلة أو الرذيلة، سرد دون قيد أو خشية من نقد، تفاصيل دقيقة عما يكمن في النفس البشرية في كل المواقف.
- جاءت الشخصية المسيحية وعلاقتها بالمسلمين في القرى قريبة من الواقع عكس ما يُقدّم، من طبطبة ومحبة مصطنعة بدافع الترويج للوحدة الوطنية، فالكاتب كأنه (عشّق) الرواية بتلك الشخصيات فجاءت طبيعية دون اصطناع، فأحب المسلم المسيحي وفى الوقت نفسه ثار عليه حين تجاوز حدوده.
- ظننت من أول وهلة أن عنوان (متاهة الأولياء) سأجد في طياته حلقات ذكر وأناساً يتطوحون، ومجاذيب في أضرحة ليس إلا، ولكن فوجئت بمتاهة أولياء من نوع خاص، فلسفة عميقة، ظلال أقرب إلى اليقين، تبحث عن الحقيقة كانت متاهة الإنسان، بحثه عن الحياة والحق والجمال، انتصاره على ضعفه، تحرره وجموحه، الاستسلام للحب. (زُهرة ) أحبت (ميلاد) رغم اختلاف الدين، أحبت فيه الإنسان الذي احتوى مأساتها، بعد أن أصبحت كياناً مهملاً ولعنة لفظها بيت العمدة، وتخلى عنها (السبع) زوجها وراح يثبت رجولته على فراش آخر.
كم تأثرت بهذه الشخصية ولم أكرهها بل تعاطفت معها، انتفضت حين ذهبت وراء ميلاد تحتضن أحزانه، خفت أن يراها أحد.
- كان بودي أن أحكي انطباعي عن كل الشخصيات التي بالرواية، حقاً رواية أكثر من ممتازة.. أضحكتني وأبكتني، انسجمت مع كل أبطالها... وأخيراً شكراً للأستاذ (أدهم العبودى) على هذا الفن الرائع والراقي، الذي قلما وجدناه بهذا الصدق والتكنيك العالي والمتميز، دمت مبدعاً ودام قلمك هادراً بكل جديد ومتميز......... تحياتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق