مقتطف من رواية اتفاقية الساعة
د.سوسن أمين
أسير الإجهاد والألم..أفكار تطحن رأسي ..تبايُن اللون بين بشرتهم وملابسهم البيضاء يشتتني ..
دمعي المحبوس من بقايا كرامة يناشدني ليتهم يخلوا عنى لكن دون جدوى
فالكل يحاول مواساتي.
- إصابة بسيطة ..اطمئن يا
بطل..هوَّن عليك الحرب لم تنتهي.
همٌّ يُبكَّي وآخر أكبر يدمر
عقلي.. هل نحن طيبون إلى هذه الدرجة؟ أم أنه الحب الذي يعمي..غضب يملأ صدري ..
حطام أحترق كحبيبتي .. فالمصاب واحد والعزاء ألغي فلا عزاء إلا للمعتوهين من أمثالكم وأمثالي من صاغوا الوهم حلما وعاشوا الحلم حقيقة فلما
انتبهوا وجدوه طوفاناً هادراً ساقهم أمامه
بلا تروَّي.
-كابتن حازم ..الدواء.
ë ë ë
أفتقده بشدة خاصاً في تلك الأيام الغاية في القسوة
ليس على أسرتنا وحدها بل على مصر بأكملها .. بغيابه بت المسؤول عنهم خالتي وأختيه وهدى ..
تلمس أخباره لم يشفى غليلي و لم يمكنني من
طمأنتهم وطمأنتي فكل الاحتمالات سيئة.
- أطمئن يا أخي بخير والله.. لا تقلق يا عم جلال .
- حقيقي يا رفعت .
- عيب.. وهل كذبت يوما؟ لولا تدمير الممرات لكان الآن بيننا - كارثة.
- قل مهزلة..
القاعدة في فايد تحولت لمقبرة في ساعة
زمن.. أكثر من 70 % من سلاحنا الجوى انتهى .. حوالي مائتي طائرة دمرت كلها على الأرض لم يبقى غير حوالي خمس وثلاثين لو كانت اشتبكت
كل منها بما هو مخطط لها لكن للأسف الشديد أكثر من مائة وخمسين طيار على أعلى
مستوى لم يطلعوا طلعة واحدة.
- للأسف بعد البعثات والتدريبات والمهارات القتالية.لا شك خدعنا.
- أبعد حشد قواتهم
على حدود سوريا وغلق خليج العقبة وترحيل القوات
الدولية تقول خدعنا.. أنا راجع فايد .. عندما أعود يكون بيننا إن شاء الله..تخيل يمكن يكون
الوحيد الذي حارب فينا ..أسقط لهم ميراج في السكة.
- وأنت لا تقل عنه.
- نحن جميعا كنا مؤهلين
للنصر .. 220 طيار على الجبهة المصرية و ثمانية على الجبهة
السورية .. يا جلال النصر كان فعلا قريباً جدا ومنتظراً لا محالة بل وكنا
نستحقه بجدارة.. يوم 26 مايو استطعت
أنا وحازم الوصول لعمق الأراضي المحتلة بالقرب من حيفا
لأننا كنا نستطيع الطيران على 40 ألف قدم
عكس الميراج التي لم تصل أبدا إلى هذا المدى وكذلك منصات صواريخهم لم تكن
تستطيع التصويب إلى أكثر من30 ألف قدم فطمأننا ذلك تماما.. إذن لو كنا بدأنا لكنا
الآن في عمق إسرائيل.لكن بالرغم من كل هذه الكفاءة لم ينجو منها إلا ما
ذهب للسودان لقاعدة (دراو) أو (وادي سيدنا) أو لقاعدة (طبرق ) في ليبيا.
- هل كنا لا نعرف بقوتهم .. ولكن أين
مخابراتنا.
- اتضح أن
المعلومات التي جاءتنا أغلبها غير صحيح قالوا مائتين ونصفهم في الصيانة وإعادة التشغيل وهم في الحقيقة أربع مائة طائرة.
- إذن فعلا هناك خدعة .
- جائز..كلغز الإشارة السلكية التي لم نستطع استقبالها من جبل الجيوش
وجبل زعنون الكاشف لجنوب فلسطين..كان المفروض عندما تتحرك
طائراتهم نعرف في ساعتها.. لكن كل شئ تم بسرعة.
- وها نحن يا للحسرة نحلل لماذا انهزمنا ويبدو أننا سوف نظل هكذا
سنين عدة.
ë ë ë
- كابتن .. الدواء
.
- ما الأخبار ؟ آي
الأيام نحن ؟ .
- الجمعة .
أدر ظهري لأبكى من
كانتا قوسا الإغلاق حولي ونجمتا حياتي..نفس
الاسم وقدر العشق.. حبي وأملي .. صورتهما لا تفارقني ..من الذي وأد حلمهما وأرسلهما
إلى تلال الغياب و كبلهما أن تنطلقا وأغلق السماء من دونهما ودوني
وصف الأشلاء
على الممرات المدمرة في عرض جنائزي .
- أحقا يا كابتن ..ميراج .
- أصابتها إصابة مباشرة أفقدتها السيطرة فهوت ككرة مشتعلة.
- أليست الميج 17 استطلاعية .
- ومقاتلة خفيفة بها صواريخ وقذائف موجهة وقدرتها
القتالية عالية جدا على الارتفاعات المنخفضة.
- بطل حقيقي .
- لا بطل ولا شيء
.. هذا ما كان مفروض أن يحدث مع كل زملائي لولا..
- نعم .. خسارة .
- وأي خسارة..
دكتور خليل أريد العودة ..خمسة أيام وأنا هنا.
- فيم العجلة..
الحرب انتهت.
- لا تقول هذا ..
قل بدأت وعلينا أن نتفادى ضياع الباقي
من كرامتنا..
- أرجوك اهدأ لم
أكن أقصد.. أعني هناك وقت..لا تغضب.. سنرى بعد الأشعة .
- أرجوك غداً .
- لا بأس وإن كنا سنفتقدك كثيراً .
- وأنتم أكثر..
يبدو أن هناك شيئاً أكبر مما يقال يربطنا
.
- أكثر مما يروينا.
ـــــ هو أيضا من سمح بتقسيمنا ..خطيئة أخرى .. لا تنسى .
ـــــ ولكننا سنظل وطن واحد وللأبد أخوة .
ــــــ لابد أن أراك قريبا في القاهرة..
ë ë ë
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق