2014/02/28

سندريلا..اليك اعتزاري ! قصة بقلم: أميرة الوصيف

سندريلا..اليك اعتزاري !
قصة / أميرة الوصيف 
عمل فنى  / سارة حسين


أتانى الصباح مهرولاً مُقبلاً رأسي وجبهتى السمراء ,حاضناً عيناى وملامحى ذات الميلاد المصرى والإقامة الإنجليزية .
" ياله من صباح عجيب " , هكذا كنت أتمتم وأغمغم فى هلوسه , لماذا رحل الليل بهذة السرعة المُربكة ؟ , هل أرادنى الله أن أشهد حدثاً مقدساً ؟! , أم أن عباقرة التنمية البشرية ألقوا بكل مالديهم من حبوب للتفاؤل فى الهواء فأزاحت قوتها سواد الليل وعجلت لنا بنور الصباح ؟!
زقزقة العصافير أين أنت من ملكوت شرفتى هذا الصباح ؟ , كنت أتساءل فى توجس وخيفة لا ينفصلان !
وكيف لنور الصبح أن يسطع دون نداءات عصافيرى حنطية اللون ؟
حسناً يكفى نحيباً على تغيبها اليوم , فلم تكن زقزقتها مصدر سعادتى الوحيد , بل كانت تلك السعادة الكاملة يختصرها مشهد جمالى آخر فى الشرفة المقابلة لشرفتى 
كم أعشق تصويب بصرى إلى هناك 
كم أتوق لرؤيتك كل صباح سندريلا الشرق
كم هى ملائكية الروح !
كلما رأيتها ترتشف فنجانها الصباحى أيقنت أن القهوه هى من بحاجة اليها لا العكس !
فسعاد هى المذاق , والقهوه حبوب مطحونة لا تجيد فلسفة الجمال الخاطف !!

هاهى أجراس اليقظه بداخلى تدفعنى دفعاً إلى الشرفة قبل أي عمل آخر, فأى عمل هذا الذى ينافس أولويات رؤيتك ياسعاد ؟ , وأى مهام تلك التى تجعلنى قاطن مدن التأخر عنك ؟ , تلك المدن الداعية للبؤس والجالبة للعويل !

ربما لوجهى علي حق فى أن أجعله مصافحاً للماء صباحاً , وربما لجسدى علي حق فى أن أدخل معه فى رحلة رياضية قصيرة بشوارع لندن اللامعة , لكنى لا أطيق الإحتمال أن أؤدى أشياء ذكرها لا قيمة له بالنظر إلى وقوفى بشرفتى وإستهلال يومى بإبتسامتك الرائقة التى ورغم كل شيء لازالت تزداد إتساعاً !
والآن هاهى شرفتك ذائعة الصيت بقلبي وعالمى الإنسانى , هاهى أحد بيوت الجنة , هاهى نافذة الأنوثة الكاملة , بل هاهى نبراس البصر والبصيرة 

وها أنا أقف بالشرفة عازماً على القاء السلام , وها أنا أضحك من داخلى , وأداعب روحى المتلهفة شوقاً لرؤية سعاد سندريلا عالمى 

ولكن ما الأمر ؟
انها لم تظهر بعد , تُرى ماذا جرى ؟!
أفقدت لندن سحرها الآخاذ الذى يأسرنى أنا على وجه الخصوص ؟!
فمنذ عشرة أعوام وأنا أرى وجهها السينمائي من شرفتى , أراه دون شاشة عرض ولا حراسات , ولا جماهير تتزاحم على مصافحتها !

منذ عشرة سنوات وأنا أراها تسير وحيدة 
منذ عشرة سنوات وأنا أقرأ الحزن بعينيها الآخاذتين 
منذ عشرة سنوات وأنا لم أشهد ببصري زيارة أحدهم لها .
دوماً تتكرر هذة المشاهد بلا ملل , أراها بشرفتها تحتسى فنجانها برقى لا يستهان به 
وتتأمل السحب الكثيفة وتتمتم بعبارات لا أفهمها 
أراها تقف تنظر خلفها وبجانبها فلا تجد أحد 
وتنظر أمامها فترانى أبتسم لها 
فترد الي الابتسامة فقط كى لا تؤذينى معنوياً 
ثم أمارس أنا مهنتى فى تصنع الإنشغال بتصفح صحيفة الجارديان حتى أمنحها تأشيرة الأمان لتفقد ذاتها فى ارتياح ولذة .
فتمسك حينها بمرآتها وتنظر لوجهها بخوف لايهمد , وإذا بى أجد دموعها تتدخل فى حلقات متتابعة من السجال !
أدرك حينها أن أحزانها أعلنت عليها الحرب , وأن سعاد أفجعتها تغيرات وجهها , وأراها تتلمس جسدها بيديها المرتعشتين ,فإذا بها تصاب بعدم إتزان لتحسسها جسد لم تعهد عليه من قبل !!

أمر يقودك إلى الجنون أن تجد أنك أصبحت مغترباً عن ذاتك التى لطالما عاهدتها !
أمر مُحال إحتماله على بشري أن يجد نفسه منبوذاً بعد أن كان رمزاً للمحبة !

لا أصدق أننى رأيتها تبكى ولم أجفف دمعها !
ولا أصدق أننى رأيتها تلازم شرفتها طويلاً ولم أنتزع منها سر الإختفاء 
ولكن ماذا علي أن أفعل , وكلما رأيتها وعزمت على الحديث وجدتها تختبىء خلف مرآتها , وتذرف دمعاً , وتشكو لسحب لندن قساوة البشر قريبهم وبعيدهم !!

ولكنى الآن أقسم بك أيها النور الإلهى المسمى بالصباح أننى سأحدثها للمرة الأولى مذ جاورتها السكن 
سأعتذر اليها نيابة عن الجميع , سأغمرها بالأحاديث الروحانية , سأشدو لها كل ماسبق وكانت تشدو به فى حدائقها الفنية , سأصف لها أرقى ثيابها 
سأعتذر لها نيابة عن الأهل , عن الأصدقاء , بل عن الوطن بأسره !!

الآن ياسعاد سأجفف دمعك , وأعيد إليك مهرك !
لم تخرج سعاد إلى الآن 
لاتزال شرفتها مُظلمة 
لاتزال العصافير متغيبة
ولا أزال أنا عازم على الإعتذار 
سأغمض عيناى للحظات أتخيل حينها مشهد لقائنا سوياً 
سأغمضهما لأرى بخيالى أولاً ماذا يمكننى أن أقول ؟!
أغمضت عينى وإستمدت روحى طاقتها فى الحضور , وأخذت أصرخ " اخرجى ياسعاد .. اخرجى ياسعاد " , لكن بلا جدوى !

ودون مقدمات
رأيت تجمهراً كبيراً بالأسفل 
"ما كل هؤلاء الناس , لم أرى مشهداً كهذا طيلة إقامتى هنا " 
وبينما تصطدم عيناى بشرفة سعاد , فإذا بها منفتحة على آخرها ولكن أين سعاد ؟ , أين شمس صباحى الدافئة ؟!
رأيتها بالأسفل حيث يتجمع سكان البلدة غارقة فى بركة دماء 
رأيتها جثة هامدة يحاصرها أفراد الأمن الإنجليزى , وأبواق الإذاعة , وكاميرات التليفزيون , رأيتها مكبلة بسكرات الموت المفاجىء !
ورأيتنى أبكى بهيستريا تفتقد التعقل والحكمه 
ووسط كواليس مرعبة , وجدتها تصوب بصرها إلى الشرفة , وكأنها تتساءل كيف لهذا أن يحدث ؟
لا أعلم كيف سقطت سعاد 
هل أسقطها صمتى عن الإعتذار ؟!
أم أسقطها صمتها عن الحديث أم من فعل ذلك صمت كلانا ؟
تمنيت أن يكون مارأيته خيال , وأن تكون شُرفتها كاذبة , وأقسمت أن أغمض عيناى ولا أفتحها خوفاً وألماً

ليست هناك تعليقات: