2014/05/10

"جدران فاترة " قصة قصيرة بقلم: سمر إبراهيم



جدران فاترة
سمر إبراهيم
جاءت الساعة الخامسة والنصف، أغلقت مجموعة الملفات المفتوحة أمامي على سطح الكومبيوتر، فانغلقت الواحد تلو الآخر دون أن تظهر رسالة: "هل تريد حفظ التغييرات التي أجريتها على الملف؟".
          تعجبت هل حفظت آخر تغيير أجريته. تذكرت أنني لم أكتب اليوم كلمة واحدة، فتحت الملفات الساعة التاسعة تمامًا، وظللت إلى الآن أنظر إلى الجهاز فقط، يوم ضائع من أيام العمل اليومي، قلت لنفسي:"لابد من تعويض هذا اليوم". أغلقت جهاز الكومبيوتر وضوء الكهرباء بغرفتي، وخرجت إلى الشارع المؤدي إلى بيتي. لا أرى شيئًا من حولي، لا أفكر في شيء، ساهمة، شاردة في لا شيء.
          ظللت أمشي، أين بيتي، لم أتذكر، قلت لنفسي:"سأحاول التذكر". وتابعت السير، ركزت في الطريق، أريد أن أعرف أين بيتي، ولكن لا فائدة، هذا الشارع الذي أسير فيه أعرفه جيدًا لكن ما اسمه، وهل هو قريب من البيت؟ لم أفلح في الإجابة. ضحكت، وقلت لنفسي:"سأتذكر الآن".
          لم تكن المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، ولهذا لم ينتابني القلق، ولكن كل مرة كانت لا تتعدى بعض ثوان، أما اليوم فقد مرت حوالي 10 دقائق تقريبًا.
          وقفت، كنت بجوار فندق شيزا، وفجأة ظهرت أمامي في الجهة المقابلة فتاة صغيرة تشير لي أن آتي، عبرت الشارع إلى الجهة المقابلة، واقتربت من الفتاة، ابتسمت وأشارت إلى العمارة التي تقف بمقابلها، وسمعت صوتها الهامس يقول لي: إنك تسكنين هنا.
          ربتت على وجهها، وشكرتها، وصعدت إلى شقتي وأخرجت المفتاح، ودخلت. نظرت مليًا إلى الشقة، وكأني أراها لأول مرة، شقة تتكون من حجرة واحدة، تبدو الفوضى بها في كل مكان، سألت نفسي: أهذه شقتي؟ حقًّا معي الفتاح، ولكنني أشعر أنها ليست هي.
          نظرت إلى الجدران، جدران بيضاء، فاترة، جامدة، ليست هناك صورة واحدة معلقة عليها تخصني، تذكرت أن عمري الآن قد تعدى الأربعين وليس لدي صورة واحدة تنتمي إلى أي عام من أعوام عمري الماضية. نظرت أمامي فرأيت صورتي في المرآة، قلت لنفسي: "اختلف شكلي كثيرًا عما سبق، ظهرت عليه آثار الزمن".
          بدأت المرآة تبهت أمامي، واختفت صورتي، وإذ بالفتاة الصغيرة التي دلتني على الطريق إلى بيتي، تظهر في المرآة وهي تقع باندفاع على أرضية الغرفة، بمسافة متر تقريبًا، وخلفها يد ضخمة بأصابع مضببة. نظرت إليها بشفقة، تمنيت أن أحضنها وأربت عليها، دققت النظر إليها، عرفتها.

ليست هناك تعليقات: