2014/05/23

نحو مستقبل أفضل!..بقلم: أحمد طوسون



نحو مستقبل أفضل!
(كلمة أمين عام مؤتمر أدب الطفل بين التراث والحداثة في الجلسة الافتتاحية)
بقلم: أحمد طوسون

في لحظتنا هذه الفارقة في مستقبل وطننا، وربما مستقبل المنطقة، نلتقي هنا لنتدارسَ معاً حول موضوعِ مؤتمرِّنا عن أدبِ الطفلِ بين التراثِ والحداثة.

الحكاية التي عرفنا غوايتها على يد شهرزاد في ألف ليلة وليلة، التي تعد المنبع الأشهر لموروث ألحكي العربي والإنساني وبخاصة في أدب الطفل، والحكاية الجديدة وما يرتبط بها من فنون يحتاجها طفل الانترنت والشبكات الاجتماعية في ظل تطور مذهل لوسائل الاتصال!

ذلك الموروث الضارب في التاريخ يأتي معبقا بزهو صورة الثقافة العربية التي عاشت أوج نجاحاتها حين كان الغرب يعيش في سباته العميق.. بينما تفتحت زهرة الحداثة مع الثورة العلمية التي شهدها الغرب في غياب يكاد يكون كاملا لأوطاننا العربية التي وقعت أسيرة الاستعمار والجهل والسلطة الغاشمة!

وعلى مستوى أدب الطفل وقعنا أسرى القوالب الجامدة التي صدرها لنا التربويون.. ومفاهيمٍ مغلوطةٍ عن أدب الطفل، روجها مثقفون ونقاد هم بالأساس أبعد ما يكونوا عن أدب الطفل وثقافته.. ينظرون باستعلاء نحو الأدب الموجه للطفل.. وتقييده في قوالب جامدة مكبلةٍ لكل محاولةٍ للتجديد والتطور، متناسين أنه الأدب الذي يشكل وعي ووجدان الأجيال التي ستخطو بنا نحو المستقبل.

لعل إشكالية الموروث والتجديد إشكالية مستعصية في الثقافة العربية، يرى البعض أنها بدأت منذ بدايات الدولة الحديثة التي أسسها محمد علي، وأرى مع آخرين أنها حاضرة في ثقافتنا قبل ذلك بكثير، ولم تقتصر على ما هو ثقافي، بل نرى تداعياتها اجتماعيا وسياسيا وبخاصة في فكر الجماعات الراديكالية التي تتخذ من الموروث مرجعيةً منهجية ًمتغافلةً عن السياقِ التاريخي والتطور الإنساني الذي شهده كوكبنا الصغير، بل لا يقتصر الأمر عند هذه الجماعات أحادية الرؤية، الإشكالية الأكبر نجدها عند من يتشدقون لفظاً بمصطلح الحداثة والتجديد إلا أنهم في الواقع ربما كانوا أكثر أصولية وتشددا تجاه الآخر!

لا أريد البعد كثيرا عن موضوع مؤتمرنا الذي أراه يرتبط ارتباطا وثيقا بما يجري حولنا من أحداث منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتى يومنا هذا ونحن على بعد خطوات من إجراء ثاني انتخابات رئاسية بعد الثورة.

 نحن أيضا هنا جئنا لنختار مستقبلنا..

مستقبل الوطن، ومستقبل أطفالنا..

ومستقبل أدب وثقافة الطفل.

وفي ظني أنه الاختيار الأهم.. لأنه الاختيار الذي سيحدد مستقبل هذا الوطن وإلى أين يتجه؟

عانت ثقافة الطفل في الثلاثين عاما الأخيرة كما عانى الوطن في كافة المجالات.. غير جاحدين ما بذل من جهد نخبوي قامت به المؤسسة الثقافية، لكنه في الحقيقة جهدٌ يحتاج إلى مراجعة وتصحيح وتدعيم، المراجعة لأن هذا الجهد مهد لما نشهده ونلمسه من قطيعة تصل إلى حد الصراع ما بين الأجيال لكونه كان نخبوياً على مستوى الوسيط الذي يعمل في مجال ثقافة الطفل، كما كان نخبويا في المتلقي الذي يتوجه إليه من أطفالنا، ولم يُدمج في خطة عمل ما بين كل مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع، وفي الرؤية التي تحكم العمل في مجال ثقافة الطفل.. فلم يراع تفاوت الثقافات وتنوعها الثري في مجتمعنا ما بين طفل العاصمة وطفل القرية وطفل البادية!.. كما لم يراع أبعادا اقتصادية واجتماعية وسياسية تتفاوت، وتقع في ما بين وحدة ثقافتنا وتنوعها.

يخطئ من يعتقد أن العمل في ثقافة الطفل يقتصر على مؤسسات الثقافة والتربية والتعليم والإعلام، أو المؤسسات التقليدية المعروفة بالعمل في مجال ثقافة الطفل، بل يمتد ليشمل كل مؤسسات الدولة الحديثة، كما يخطئ من يعتقد أن أدب وثقافة الطفل بمنأى عن السياسة وتداعياتها!

 إن المشتغلين في ثقافة الطفل يحملون المسئولية الأكبر في تشكيل وعي ووجدان الأجيال المتعاقبة، ويساهمون بصورة أو بأخرى في رسم مستقبل الأوطان وتطلعاتها، كما يتحملون وزر أخطاء أجيال ساهموا فيما ارتكبوه في حق هذا الوطن _بقصد أو بنوايا طيبة_ فلم يرتقِّ للمكانة اللائقة بحضارته العريقة الموغلة في أعماق التاريخ.

في لحظتنا الراهنة الفارقة، الدولة المصرية الجديدة مدعوة أن تنظر إلى المستقبل في خطواتها، غير مكتفية بالنظر تحت قدميها ومواجهة المشكلات الآنية، بل عليها أن تقتحم صراع المستقبل بأفكار جديدة تناسب العصر وتطوره.. فالغد صنيعة للأفكار والمفاهيم التي نصنعها اليوم.. وصراع الهوية صراع ثقافي بالأساس، فلا يجب أن نترك أطفالنا نهبا لمنتج لم نصنعه بأنفسنا، بل صنعه آخرون وفق هوياتهم وثقافاتهم ومصالحهم التي يحاولون الترويج لها عبر كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

وتراثنا الذي كان ملهما للحضارات فوق كوكبنا حتى لحظتنا الراهنة، لا يجب أن يجعلنا نتغافل عن خوض غمار التقدم والحداثة على مستويي الشكل والمضمون، وتمهيد الأرض لبيئة علمية تعيدنا إلى ركب الحضارة الحديثة وتضعنا في المكان اللائق بحضارة كانت تقود العالم في عصور ظلامه.

ولن تقوم الدولة الحديثة التي ننشدها ونتمناها إلا إذا وضعنا الأساس لها من خلال خطة إستراتيجية تجعل من ثقافة الطفل نقطة الانطلاق نحو المستقبل.


ليست هناك تعليقات: