من خلال قصصه القصيرة جدا
د. جميل حمداوي
توطئــــة:
يعد
المبدع المغربي نور الدين كرماط من أهم
الكتاب الذين يكتبون القصة القصيرة والقصة
القصيرة جدا، فقد ألف مجموعة من الأعمال السردية كمجموعته القصصية القصيرة
جدا(لاوجود لقبلة يتيمة)، ومجموعته القصصة الثانية ( سكر أحمر)، ومجموعته ( حديقة
الحيوان)[1] التي تندرج ضمن جنس القصة القصيرة جدا، وهي
موجهة إلى الأطفال بشكل أساسي.
هذا،
وقد كان نور الدين كرماط سباقا إلى كتابة
قصص قصيرة جدا خاصة بالأطفال، على حد علمنا،
على مستوى الوطن العربي، على الرغم من وجود قصص طفلية قصيرة جدا، تتضمنها
بعض الأضمومات الإبداعية الأخرى ، سواء أكانت مغربية أم عربية، كأضمومة ( حب
على طريقة الكبار) لعز الدين الماعزي التي نشرت سنة 2006م. كما تحضر هذه
الخاصية الطفلية في إبداعات أخرى، سيما النسائية منها، مثل: السعدية باحدة،
والزهرة رميج، وأمينة القضيوي، وأمنة برواضي، وغيرهن...
وما
يهمنا في هذه الدراسة هو التوقف عند مكونات الصورة في مجموعة (حديقة الحرية)
لنور الدين كرماط ، بغية دراستها في ضوء بلاغة الصورة الروائية، كما طرحها أستاذنا
الدكتور محمد أنقار في كتابه (صورة المغرب في
الرواية الإسبانية)[2]،
بغية استكشاف بنياتها الدلالية والتركيبية والفنية والجمالية، والبحث عن وظائفها
المباشرة وغير المباشرة.
@ مفهوم الصورة السردية أو الصورة
الروائية:
ترتبط الصورة
الروائية أو الصورة السردية الموسعة بالباحث المغربي محمد أنقار، كما يبدو ذلك
جليا في كتابه ( صورة المغرب في الرواية الاستعمارية الإسبانية)[3]،
حيث يعرفها بأنها تصوير لغوي وفني وجمالي وتخييلي، تعبر عن الخلق والابتكار
والإبداع الإنساني. والآتي، أنها تتشكل من سياقات عدة : نصية، وذهنية، وأجناسية،
ونوعية، ولغوية، وبلاغية. بمعنى أن الصورة ، سواء أكانت جزئية أم كلية، هي تعبير
لغوي وتخييلي وبلاغي. كما أنها مجموعة من القواعد التجنيسية والنوعية، وطاقة لغوية
وبلاغية، تتجاوز البلاغة التزيينية التي ترتبط بالشعر إلى بلاغة سردية موسعة . وفي
هذا الصدد، يقول محمد أنقار:" إن كل هذه الحدود اللغوية والدلالية والجمالية
لا تنفي اشتراك الصورة الروائية مع مطلق الصور في ثوابت الحسية، والطابع الخيالي،
والتموضع بين الواقع الخارجي وذهن المتلقي.
فالطابع الحسي مبدأ
أساسي في الصورة. ولكنه لا يمثل جوهرها ولا الوظيفة المنوطة بها، لأن اللجوء إلى
التعبير الحسي وسيلة من وسائل تأثير الصورة، وأداة لتمكين تلك الوظيفة وتقويتها في
النفس.بهذا تكون الحسية هي المعطى الأساس الذي يستعيره الفنان من العالم المحسوس
لينجز منه صورة مشكلة لغويا.
إن الصورة بهذا
المعنى هي نتاج ثري لفعالية الخيال الذي لا يعني نقل العالم أو نسخه، وإنما إعادة
التشكيل، واكتشاف العلاقات الكافية بين الظواهر، والجمع بين العناصر المتضادة أو
المتباعدة في وحدة. وإذا فهمنا هذه الحقيقة جيدا أدركنا أن المحتوى الحسي للصورة
ليس من قبيل النسخ للمدركات السابقة، وإنما هو إعادة تشكيل لها، وطريقة فريدة في
تركيبها، إلى الدرجة التي تجعل الصورة قادرة على أن تجمع الإحساسات المتباينة،
وتمزجها وتؤلف بينها في علاقات لا توجد خارج حدود الصورة (...) وعلى هذا الأساس
يمكن القول: إن الصورة الفنية لا تثير في ذهن المتلقي صورا بصرية فحسب، بل تثير صورا
لها صلة بكل الإحساسات الممكنة التي يتكون منها نسيج الإدراك الإنساني ذاته.
تلك إذن [4]هي
الحدود العامة للصورة الروائية، فهي في هذا السياق نقل لغوي لمعطيات الواقع، وهي
تقليد وتشكيل وتركيب وتنظيم في وحدة، وهي هيئة وشكل ونوع وصفة. وهي ذات مظهر عقلي
ووظيفة تمثيلية، ثرية في قوالبها ثراء
فنون الرسم والحفر والتصوير الشمسي، موغلة في امتداداتها إيغال الرموز والصور
النفسية والاجتماعية والأنتروبولوجية والإثنية، جمالية في وظائفها مثلما هي سائر
صور البلاغة ومحسناتها، ثم هي حسية، وقبل كل ذلك، هي إفراز خيالي."[5]
وعليه، فهناك من
الباحثين من يتعامل مع الصورة على أنها مرآة عاكسة للذات أو الواقع أو لنفسها.
وهناك من يتعامل معها على أنها فن تخييلي جمالي وإبداع إنساني من جهة، ومرتبط
بالمتخيل وعملية التخييل اللغوي والبلاغي من جهة أخرى. وهناك من يتعامل مع الصورة
من الناحية السيميائية والمرئية والبصرية. وهناك من يتعامل معها في ضوء الصورة
الروائية أو الصورة البلاغية الموسعة، كما هو شأن الدكتور محمد أنقار ومريديه من
حلقة تطوان (محمد مشبال، وجميل حمداوي، ومصطفى الورياغلي، وشرف الدين ماجدولين،
وعبد الرحيم الإدريسي، ومحمد العناز، والبشير البقالي، وعبد الحفيظ البختي، وخالد
أقلعي...).
هذا، وتنبني منهجية محمد أنقار على مجموعة من الخطوات تشكل ما يسمى بمعيار
الصورة الروائية أو ما يسمى أيضا بالتصوير اللغوي. وهذه الخطوات هي: السياق النصي،
والمستوى الذهني، وقواعد الجنس، والطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية. أي: يعتمد
الباحث على مجموعة من السياقات التحليلية التي ترد فيها الصورة السردية الموسعة أو
الصورة الروائية أو التصوير اللغوي، وهي: السياق النصي، والسياق الذهني، والسياق
الأجناسي، والسياق اللغوي، والسياق البلاغي. ولابد أن ينطلق الباحث، حين تحليله
للصورة السردية الموسعة، من السياق النصي بدراسة المكونات الثابتة، مثل: مكون
الأحداث، ومكون الشخصيات، ومكون الفضاء، ومكون الوصف، ومكون اللغة، ومكون الرؤية
السردية. وفي الوقت نفسه، يدرس السمات الثانوية التي تحضر وتغيب، مثل: سمة
الواقعية ، أو سمة العجائبية، أو سمة الخرافة، أو سمة التوتر، أو سمة الدينامية،
وهلم جرا...
وبعد ذلك، ينتقل إلى دراسة المستوى الأجناسي الذي يعنى بدراسة مكونات الجنس
الأدبي داخل الصورة، واستكشاف مكونات النوع . ويعني هذا ربط الصورة الروائية
بسياقها الجنسي والنوعي ، باستخلاص قواعدها التجنيسية وسماتها النوعية. "
وحقيقة الأمر أنه مثلما تمتاح الصورة الشعرية من معين الشعر، وتجسم ماهيته
المتوترة، وتئن تحت وطأة غموضه، وتمرح وفق إيقاع موسيقاه،وتسرح عبر متاهات رموزه،
فإن الصورة الروائية تخفق بدورها في فضاء الجنس الروائي، وتتفاعل مع باقي مكوناته،
وتواكب تفتحه على الأجناس الأخرى. ولا تني أبدا عن مسايرة إلتواءات العقدة
وامتدادات المتن برمته. ولا عن تشكلها وتجسدها للمتلقي في آلاف الأوضاع والأحجام
والمواقف والألوان. ثم لا يهم بعد ذلك إن اتسمت بالشفافية، أو قدمت في صيغة
مباشرة."[6]
ولا يكتفي الدارس بهذا فحسب، بل لابد أن يهتم بالسياق الذهني الذي يعبر عن
عملية التفاعل التي تتم بين المتلقي والصورة، بملء فراغاتها وفجواتها عبر فعل
التأويل والتقييم. .بمعنى أن الصورة الروائية" تمثل ذهني وتجربة يتلذذ بها
المتلقي المساهم في فعل القراءة بدوره الحاسم، وجدله الثري مع خطاطات النص ومظاهره
الجزئية وبياناته ومعلوماته وجوانبه المتفاعلة والمنعكسة على بعضها البعض. وحقيقة
هذه الصورة، من منظور التلقي، لا تكمن في تشكيل التوافقات بين العناصر، بل في،
طريقة التشكيل نفسها. ومن هنا نرى أن كل تحديد صارم للصور الروائية لا يمكن تحققه
إلا بالكشف عن مجموع الطرائق التي يمارسها الوعي لتمثل الصور من خلال العناصر
الجمالية المقترحة من لدن المبدع في كل متن روائي."[7]
ولن يتحقق ذلك التفاعل الذهني إلا بمراعاة الصورة الكلية العامة.
و"إذا كانت الصورة الجزئية تتسم بالحضور الفعلي داخل النص، فإن الصورة الكلية
توجد دائما في خالة غياب، يستحضرها المتلقي بعد إطلاعه الكلي على المتن، اعتمادا
على مجموعة من مرتكزات القراءة وقوانينها.
تتسم الصورة الكلية بالتجريد والضمنية. وهي مكون وتكوين في آن واحد، من حيث
اشتراكها، من ناحية في البناء، واحتياجها من ناحية ثانية، للدخول في ترابط مع سائر
المكونات التي تحقق بدورها، كيانها الذاتي، بمعزل ظاهري عن الصورة الكلية. إلا أن
علاقة الصورة الكلية بالجزئية تتجاوز نطاق الاحتياج والتساند لترقى إلى مستوى
التجانس المتكامل. بحيث لا توجد صورة كلية بدون صور جزئية. كما أن هذه تعطي صورة
كلية."[8]
أما السياق اللغوي، فيحيلنا على التصوير اللغوي، واستجلاء المكون اللغوي،
ودراسة الأساليب وخصائص الكتابة التصويرية على مستوى التعبير والتشكل اللغوي،
بالتوقف- مثلا - عند الأصوات والمقاطع والكلمات والجمل والتعابير . في حين، يهتم
السياق البلاغي بالتوقف عند الصور السردية الكبرى لدراستها وتأويلها، وتبيان
خصائصها الفنية والجمالية، بعيدا كل البعد عن بلاغة الشعر. بمعنى " أن الصورة
الروائية، من حيث هي مظهر أسلوبي، تعبير نسقي عن التماثل البلاغي المتجذر في
السياق الكلي للمتن. ومن هنا افتراقها عن الصور البلاغية التزيينية التي قد تندرج
في إطار السرد.إلا أنها تظل فيه في وضعية افتقار إلى سمات التكوين الروائي."[9]
وعليه، لا يمكن للنقد العربي أن يكون نقدا حقيقيا ، في مقاربة النصوص
السردية والقصصية، إلا بتمثل معيار الصورة
الروائية أو بلاغة الصورة السردية الموسعة، باتباع مجموعة من الخطوات المنهجية ،
مثل: قواعد الجنس، والطاقة اللغوية، والطاقة البلاغية، والسياق الذهني، والسياق
النصي.
@ السيــــاق
الجنســــي والنوعــــي:
تندرج
نصوص نور الدين كرماط في ما يسمى – الآن- بجنس القصة القصيرة جدا. وبالتالي، تتميز
هذه النصوص بمجموعة من الأركان والمكونات الثابتة التي يمكن حصرها في قصر الحجم،
والنزعة القصصية، وفعلية الجملة، والتراكب، والإدهاش، والإضمار، والتكثيف...
لكن
قصص نور الدين كرماط ليست كلها من نوع القص القصير جدا، فهناك قصص تقترب من الأقصوصة
أو القصة القصيرة؛ بسبب طولها المتفاوت الذي يتعدى حجم القصة القصيرة جدا الذي لا
ينبغي له تجاوز خمسة أسطر أو نصف صفحة. وإذا
أخذنا، على سبيل المثال، قصة (إرادة من فولاذ)، فهي أقصوصة تتجاوز حجم
القصة القصيرة جدا:
"
اتفق عمر مع صديقه المفضل زيد الرسام الموهوب على رسم لوحات فنية رائعة قصد المشاركة في مسابقة
المسرح المدرسي.يقوم عمر بأدء دور الفارس المغوار الذي لا يهزم.على أن يساعده زيد برسم
مناظر معبرة.
حفظ
عمر جميع حواراته، و أتقن دوره إتقانا جيدا.
هاتف
صديقه زيد ليأتيه باللوحات،ثم بعث إليه برسائل نصية و لا مجيب.كان زيد يتلذذ
بالورطة التي أراد أن يوقع عمر فيها .
كانت
نفسه الشريرة تردد :لن تشارك في المسابقة يا ساكن الكوخ الخرب.و إن شاركت لن تفوز
بالمراتب الثلاث الأولى.. ستكون من المتخلفين. ستؤدي مسرحية فاشلة بلا مناظر،
ستطردك لجنة التحكيم شر طردة،ستعود إلى كوخك القَذِر بائسا حقيرا . سيهزأ منك
الجمهور .سأحطمك هذه المرة.عندما أدرك عمر بأن صديقه المفضل قد غدر به و خان صداقتهما.
فكر
في الانسحاب.
إلا
أن نفسه القوية شجعته على الاستمرار.تسلح بالايمان و الإرادة و العزيمة .أخذ
الأقلام و الأوراق فأبدع أجمل المناظر في ظرف و جيز...
لما
انتهت العروض المسرحية منحته اللجنة جائزتين:
عن أحسن دور،
و
عن أفضل المناظر.[10]"
وهكذا،
يلاحظ أن هذا النص عبارة عن أقصوصة. ومن ثم، فهي لاتمت بصلة إلى القصة القصيرة جدا
التي تستلزم بعض الأسطر المكثفة فقط، وخاتمة مفاجئة ، وقفلة محيرة للأذهان. لذا،
مازال المبدع نور الدين كرماط لا يميز ، في هذه المجموعة بالذات، بين
الأقصوصة والقصة القصيرة جدا.
@السيــــاق النصــــي:
يقصد
بالسياق النصي تلك المكونات التي تتضمنها القصة القصيرة جدا، مثل: مكون الأحداث،
ومكون الشخصيات، ومكون الفضاء، ومكون الرؤية، ومكون اللغة والأسلوب.
فعلى
مستوى صورة الموضوع، تتسم قصص نور الدين كرماط ببعدها الإنساني والأخلاقي والتربوي
والديني والجمالي... لذا، فهو يدعو، في قصصه، إلى العمل، والجد، والمثابرة، ومحبة
الآخر، واحترام الغير، وأداء الواجبات الدينية، واحترام البيئة، والرفق بالطيور
والحيوان، وتقديم النصح، وتوقير العالم و المعلم والمتعلم...وفي الوقت نفسه، ينبذ الحقد
والكراهية والحسد والغدر والخيانة والخداع والمكر...، ويرفض أيضا التواكل والكسل والتهاون
والخمول ، كما يبدو ذلك جليا في قصة (صداقة كالبحر):
"
لم يخطر على بالها يوما أن تحسد صديقاتها الثلاث،
إذ
امتلأ قلبها نارا مشتعل سعيرها،رغم حبهن و احترامهن لها
في
حضورها و غيابها.كانت تظن أنهن السبب في احتلالها المراتب الأخيرة.لكنها نسيت
استسلامها قبل الامتحان للتكاسل، و الإهمال، وتهافتها على اللعب المتواصل داخل
المنزل، و خارجه،و انهماكها الدائم على الأنترنت فيما لا يفيد.فكرت في الانتقام
منهن.سرقت محافظهن، أرادت أن تحرقها.ولكنها عندما فتحتها لتطلع على محتوياتها، وجد
ت هدايا من صديقاتها
مهدااااااااااااااة
إليها."[11]
تتضمن
هذه القصة القصيرة جدا مجموعة من القيم الحميدة والفضائل الإنسانية التربوية
والأخلاقية الرفيعة، مثل: الدعوة إلى العمل الجدي، ونبذ التهاون والكسل والتماطل
والتسويف، والنصح بالابتعاد عن الحسد والحقد، والحث على الحب والصداقة والأخوة
والإنسانية.
هذا، وتراعي
قصص نور الدين كرماط ما يسمى بالحبكة السردية التي تتكون من الاستهلال ، والعقدة،
والصراع، والحل، والنهاية. ومن ثم، فهو يستهل قصصه ببدايات متنوعة ومختلفة،
كالبداية المضمرة في قصة (لحن الخلود) :
"...
فلما توهج الصيف أقبل الغراب بآلاته الموسيقية
يزعج
الحمام.
وعندما
ثبت الشتاء أوتاده في الغابة
سمع
الغراب يئن ويتألم.
فأنشدت الحمامة البيضاء،
زمن
العمل راح
ومن
اجتهد
نال
الفلاح.[12]"
يوظف
الكاتب، في هذه القصة الرمزية، مقدمة مضمرة مبدوءة بنقط الحذف الثلاث. كما يطعم
الكاتب قصته بالنشيد والمثل والحكاية التراثية. والآتي، أن هذه القصيصة تنتهي
بخاتمة تعليمية هادفة، ذات مغزى أخلاقي يتمثل في الحث على العمل الجاد والمفيد.
وإليكم
قصيصة أخرى بدايتها حدثية ، ونهايتها قفلة ساخرة ومفارقة:
"
أراد أن يفخر بنفسه أمام رفقائه، فدعاهم إلى منزله بغية مراجعة الدروس، لأن
موعد الامتحان على الأبواب.فتحت الخادمة لهم الباب. تظاهر بالحديث مع مدرب الأشبال
لكرة القدم، كأنه يرفض عرض اللعب مع الفريق المحلي، والمدرب يتوسل إليه ليقبل
العرض المغري...أطال الكلام، ورفاقه واقفون واجمون، لم يشر إليهم حتى بالجلوس،
انصرفوا.
سمع
ضحكاتهم، أطل من النافذة، فرأى عمال الاتصالات يصلحون الهاتف المقطوع."[13]
إلى
جانب القيم التي تتضمنها القصة ، مثل: الحث على العمل، والابتعاد عن الغرور، ونبذ
النفاق، نجد حبكة سردية تبدأ بمقدمة حدثية، ونلفي عقدة الاضطراب التي تتمثل في
التكبر والغرور والعجرفة، ناهيك عن إهمال الأصدقاء، والإحالة على صراع الذات مع
نفسها، والانتهاء بحدث السخرية من هذا المتكبر الزائف.
ويلاحظ
أن الكاتب يوظف جملا فعلية دالة على الحركة والحدث والتوتر الدرامي، خاصة الجمل
البسيطة ذات المحمول الواحد. كما تتسم جمله ، خاصة تلك التي توظف في القصص
التراثية ، بخاصية التوازن والائتلاف الإيقاعي والسجعي، كما يظهر ذلك بينا في (المقامة
النونية)[14].
وتتأرجح
الشخصيات بين الكائنات البشرية والحيوانات، كما تتنوع وتتعدد الفضاءات والأمكنة
السردية، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على انتقال الكاتب من عالم الواقع والألفة
إلى عالم الغرابة والفانطاستيك، باستعمال لغة واقعية تقريرية مباشرة من جهة، ولغة
رمزية تتخطى العوالم الكائنة المنحطة، بالانعراج نحو عوالم التخييل والافتراض من
جهة أخرى. كما يغلب، على قصص الأضمومة، ما يسمى بالرؤية العالمة المطلقة أو الرؤية
من الخلف، مع وجود قصة واحدة ذات رؤية داخلية مؤطرة بالرؤية الخلفية، كما يبدو ذلك
واضحا في قصة (قصة خطيرة جدا)[15]. ولا
ننسى أيضا تداخل السرد والحوار في هذه القصيصات، ويعبر ذلك عن تداخل الراوي مع
الشخصيات الحقيقية (البشر) أو العوامل الرمزية (الحيوانات).
@السيـــاق الذهنــــي:
تعبر
قصيصات نور الدين كرماط على علاقة تفاعلية بين السارد والمتلقي، قد تكون تلك
العلاقة صريحة ومباشرة، وقد تكون مضمرة ومبطنة فنيا وجماليا. ويعني هذا أن قصص
الكاتب تتسم بخاصية الإضمار والحذف والإيجاز، حيث ينهي الكاتب قصصه بمجموعة من
الفراغات والبياضات ونقط الحذف. والهدف من ذلك هو جذب المتلقي ليملأ تلك المساحات
الفارغة، ويسد تلك الفجوات النصية المثقوبة، ويرمم ثغراتها الإبداعية الصامتة
بتأويلاته الذهنية المفتوحة ، كما يبدو ذلك جليا في قصة (رائحة الكمون):
"
في غياهب البحر وجهت السمكة فوهة المصورة العتيقة نحو السماء.
بعد
هنيهة استبدلت الراية الممزقة، بواحدة ناصعة.
وضع
الحوت أبو مطرقة مكافأة مالية في جيبها،
ثم
عرض عليها نصف مليون مرجانة مقابل آلتها العجيبة.
استخرجت
الصور
واااااو!!لقد
وجدوا...[16]
"
تنتهي
هذه القصة بنقط الحذف الثلاث لدفع المتلقي إلى ممارسة طاقته التخييلية لتأويل هذه
القصة، في ضوء ما يملكه من معرفة خلفية مسبقة، وما قد اكتسبه - سابقا- من ملكات
أدبية وطاقة ذهنية وسياقية.
@السيــــاق اللغــــوي:
يستخدم
الكاتب لغة طفولية ذات حقول مرجعية مختلفة ومتنوعة سياقيا ودلاليا ، حيث يحضر حقل
الذات، وحقل الواقع، وحقل الطبيعة، وحقل القيم، وحقل الوطن، وحقل التربية، وحقل
السخرية، وحقل الأسر، وحقل الحرية، وحقل الحلم، وحقل الغرابة، وحقل الطفولة...
ومن جهة
أخرى، يعتمد الكاتب على التهجين كتابة وأسلبة وصياغة، فتمتزج الأساليب واللغات
والخطابات داخل القصيصات، كما تمتزج الكتابة التراثية بالكتابة المعاصرة تأصيلا
وإبداعا وتجريبا. فقد وظف الكاتب قوالب سردية تراثية على مستوى الحكي، وهجن المتن
السردي من خلال التأرجح بين الماضي والحاضر، كما يتجلى ذلك واضحا في هذه القصيصة :
"قال
راوي الرواة، وسارد السراد، بديع الزمان الهمذاني، أخبرنا عيسى بن هشام بن أبي
الفتح الإسكندري، عن الحريري، قال: حدثنا الكاتب المغربي قال:
عندما
توج بالدكتوراه بميزة جيد جدا، وعلى منصة التتويج تذكر صورة من علمه الحروف، وغرس
فيه حب التفوق والتميز.فقرر أن يزوره ويقبل يديه.
ولما
رأى المربي الكبير الجليل تلميذه العجيب النجيب، والعبرات تترقرق في مقلتيهما، نهض
من كرسيه رافعا قبعته."[17]
ترتكز
هذه القصة القصيرة جدا على تعدد السراد، فهناك بديع الزمان الهمذاني، وأبو الفتح
الإسكندري، والحريري، والكاتب المغربي، وسارد القصة.ويعني هذا أن هناك بوليفونية
على مستوى السرد، ويوجد كذلك تهجين سردي من خلال الجمع بين الكتابة التراثية
والمعاصرة، والانتقال من الماضي نحو الحاضر، وتنويع الخطابات والأجناس الأدبية،
فهناك - إذاً- خطاب المقامة وخطاب القصة. ومن ثم، ينوع الكاتب لغته الإبداعية،
ويهجن أساليبه السردية، ويضمن قصته القصيرة جدا سجلات لغوية مختلفة، وأهمها: سجل
الحديث النبوي ، وسجل المقامة، وسجل القصة، وسجل الخبر...
ويتجلى
التهجين اللغوي والأسلوبي، بشكل واضح، في قصة (المقامة النونية)[18]
التي يوظف فيها الكاتب جنس المقامة ، و
التضمين التراثي، والميتاسرد، وصيغة ( كان يا ماكان في قديم الزمان)، مع توظيف
المحسنات البديعية بكثرة، كالجناس، والتوازي، والتتابع، والطباق، والتضمين...بيد
أن ما يلاحظ على هذه القصة أنها طويلة شيئا ما، وهي بعيدة كل البعد عن القصة
القصير جدا.
ويحضر
التهجين كذلك في قصة ( الفراشة مهجة) [19] من
خلال توظيف قالب (كان يا ماكان) ، واستعمال الأدب الرمزي على غرار ابن المقفع في
كتابه (كليلة ودمنة) ، ويتجلى ذلك في نقل القصص على لسان الحيوانات لتحقيق غايات
تربوية هادفة، وتقديم دروس وعبر أخلاقية وسلوكية متنوعة.
@السيـــــاق البلاغـــــي:
تستند
الصورة السردية ، في مجموعة (حديقة الحرية)، إلى مجموعة من الصور البلاغية ، مثل:
صورة المجاز، وصورة الاستعارة، وصورة التشبيه، وصورة المفارقة، وصورة السخرية ،
وصورة الكروتيسك (التقبيح)، وصورة الإحالة، وصورة الترميز، وصورة التناص، كما يبدو
ذلك جليا في هذه القصة الجامعة لهذه الصور السردية كلها:
"وقع
أطفالهم بابتسامات مشروخة على هدايا مصهورة تسيل دما نازفا، وجراحا مقبورة.
ألقيت
على سنابل الزيتون والزيزفون. فاندثرت جدائل النخل كأشلاء ممزقة، كانت تبحث عن شبر
أمان في وطن مغتصب، وفي نيويورك جرموا رجلا قتل سمكة صغيرة جدا.[20]"
تتأرجح
صور القصيصة بين المأساة والمفارقة الساخرة ، ويعبر هذا عن اختلال المقاييس
المنطقية والأخلاقية والقانونية والتشريعية، وتردي القيم الإنسانية في زمن القوة
والبطش، و زمن الاعتداء على الحق الإنساني.
هذا، ويستعين
الكاتب بعدة صور لغوية وأسلوبية في بناء مجموعته القصصية القصيرة جدا، حيث وظف الصورة
الفانطاستيكية القائمة على التغريب، والتخييل، واختراق الواقع نحو المحتمل والممكن
الخارق ، كما يبدو ذلك واضحا في قصة (حلم كألوان الطيف) التي ينبذ فيها
الكاتب الغش. وفي المقابل، يدعو فيها إلى
العمل والجد والاعتماد على النفس. وفي هذا الصدد، تقول القصة:
"
جهز قصاصات صغيرة جدا، دبج فيها دروس
المقرر
كلها،أخفاها
تحت حذائه .غدا سينقل جميع الأجوبة بكل يسر وسهولة في غفلة من المراقبَينِ. عند ما
اشتد سواد الليل استلقى على سريره. انسلت القصاصات الصغيرة بشق الأنفس، أخذت تلتحم
مع بعضها البعض، سمع حشرجة فلم يبال بالأمر. استمر في نومه العميق. تحولت القصاصات
إلى وحش مرعب ومخيف.تسيل روح الانتقام والبطش من لسانه و عينيه .
أمسك الوحش بيديه الغليظتين عنق التلميذ
الغشاش،
فانفجر قلبه رعبا، وثغره صراخا.اجتمع حوله أفراد أسرته، والعرق يتصبب من
جسده كله.
عندما
أدرك أنه رأى حلما مفزعا.صاح: لن أغش في
الامتحان، لن أغش في الامتحان، سأعتمد ...
سأعتمد
عــلـى
ن
ف
س
ي.[21]"
تستند
هذه الصورة الفانطاستيكية إلى التغريب، والخروج من واقع الألفة إلى عالم الغرابة،
بغية الثورة على الكائن والسائد، واستشراف الممكن والأفضل، وإدانة الغش غير
المشروع، واستبداله بالعمل الجاد، والسهر على العمل النافع، والتسلح بالمثابرة
الهادفة والبناءة.
كما
وظف الكاتب، في هذه القصيصة نفسها، الصورة الحلمية التي تتحول إلى كوابيس لاشعورية
مزعجة ، تعكس معاناة الحالم مع واقعه الحقيقي.كما يعبر هذا الحلم عن صراع الهو مع
الأنا الأعلى وسلطة المجتمع، أو صراع الضمير مع السلوك الشائن، أو صراع الظاهر مع
الباطن، أوصراع الشعور مع اللاشعور.
وتتضمن
مجموعة الكاتب أيضا مجموعة من الصور الميتاسردية التي يفضح فيها الراوي لعبة السرد،
ويستجلي غواية الكتابة ، كما يتجلى ذلك بينا في قصة (قصة خطيرة جدا):
"
سأتحفكم بقصة خطيرة جدا، عنوانها أخطر عنوان في الوطن العربي، بل في العالم
كله.
ارتعد
مسؤولو المؤسسة خوفا وذعرا، تابع التلميذ قراءة نصه المرعب: موضوعها أخطر موضوع في
الوطن العربي، بل في العالم كله.
كادت
قلوبهم أن تخرج من أقفاصها، نظروا إلى معلم التلميذ نظرات كلها انتقام ووعيد، لأنه
لم يراجع قصة تلميذه، وسمح له بالمشاركة بقصة ستدخلهم السجن لاشك في ذلك..
ختم
التلميذ قصته بصوت متقطع قائلا:
لكنني
لم
أكتبها
بعد
فانفرجت
أساريرهم بابتسامات عريضة، ووقفوا يشجعون صاحب أخطر قصة في العالم كله.[22]"
تتميز
هذه القصيصة بالصورة الميتاسردية أو ما يسمى بالقصة داخل القصة، فضلا عن استخدام
النهاية المفاجئة والمدهشة التي تساهم في إرباك المتلقي ذهنيا، وتخييب أفق انتظاره
على مستوى التلقي والتقبل.
وتكثر
الصور الرمزية التي ترد على لسان الحيوانات لضرب الأمثال، وتقديم الدروس والعبر التعليمية،
كما يتبين ذلك في قصة (الموت غما):
"
شفقت الغزالة لحال هذا القرد الأكول النطاط
الذي
يقتفي أثرها.
قالـ
لاتتعب نفسك سأبلغك بتفاصيل
أخباري
كل يوم...
شكرها
لأنه رقي إلى حارس بوابة العرين...
سرقت
طرائد الأسد
فأدخل
السجن."[23]
تنقل
لنا هذه القصة عوالم الغابة بكل مكوناتها البيئية والحيوانية، وهي في الحقيقة تعبير
عن صراع القوة، والإحالة على فوضى الغاب . وتتماثل هذه القصيصة مع العالم الواقعي
في تناقضاته الجدلية والبشرية والقيمية. وتحضر صورة التشخيص، بشكل لافت للانتباه،
في قصة (فيديو كليب سردي)، إلى جانب صورتي السخرية والمفارقة اللتين تغلفان
العنوان:
"
لما خرجت آخر كلمة من فيه...أسدل الستار
زمجرت
البلابل والفراشات، وصاحت...ثم قذفت بالأوراق نحو المنصة، وهي تصرخ:
أين
المهرج؟
أين
المهرج؟[24]"
تتداخل
الصورة الدرامية مع صورة التشخيص والأنسنة، بهدف تقديم مشهد الثورة والاحتجاج
والصراخ ضد المهرج الذي أوقف الفرجة دون استئذان الجمهور.
@ السيــــاق
البصــــري:
يستعين
نور الدين كرماط بمجموعة من الصور المرئية والأيقونية لتعضيد نصوصه القصصية القصيرة
جدا الموجهة إلى الأطفال؛ لأن الهدف هو التوجيه والتبليغ والإفادة من جهة،
والتسلية والترفيه والإمتاع من جهة أخرى. لذلك، تحضر مجموعة من اللوحات التشكيلية
الموازية التي تندرج ضمن الاتجاه الانطباعي، مثل: لوحة شاطئ البحر، أو التي تنتمي إلى الاتجاه الواقعي ، مثل: لوحة
البيدر، أو تمثل الاتجاه الوحشي كصورة الشخص المقزز...
هذا،
ويعتمد الكاتب أيضا على خاصية التقطيع البصري، عندما يقطع الكلمات أو الدوال
اللغوية إلى حروف ممتدة مكررة، أو تشذيرها إلى حروف متتابعة تشكل دلالة سيميائية
مركبة كما في هذه القصة:
""
جهز قصاصات صغيرة جدا، دبج فيها دروس
المقرر
كلها،أخفاها
تحت حذائه .غدا سينقل جميع الأجوبة بكل يسر وسهولة في غفلة من المراقبَينِ. عند ما
اشتد سواد الليل استلقى على سريره. انسلت القصاصات الصغيرة بشق الأنفس، أخذت تلتحم
مع بعضها البعض، سمع حشرجة فلم يبال بالأمر. استمر في نومه العميق. تحولت القصاصات
إلى وحش مرعب ومخيف.تسيل روح الانتقام والبطش من لسانه و عينيه .
أمسك الوحش بيديه الغليظتين عنق التلميذ
الغشاش،
فانفجر قلبه رعبا، وثغره صراخا.اجتمع حوله أفراد أسرته، والعرق يتصبب من
جسده كله.
عندما
أدرك أنه رأى حلما مفزعا.صاح: لن أغش في
الامتحان، لن أغش في الامتحان، سأعتمد ...
سأعتمد
عــلـى
ن
ف
س
ي.[25]"
تنتهي
هذه القصة بتقطيع الخاتمة وتشذيرها إلى مجموعة من الحروف الدالة على المفتاح
البؤري الذي يتمثل في ضرورة الاعتماد على النفس.
تركيـــب
خلاصة
القول، تتسم مجموعة (حديقة الحرية ) لنور الدين كرماط بالجمع بين القصيصة
والأقصوصة. أي: لايحترم الكاتب ، في بعض
الأحيان، مقومات القصة القصيرة جدا على مستوى التحبيك والتخطيب. وبالتالي، تتضمن
الأضمومة مجموعة من الصور السردية التي تتميز بمجموعة من الخاصيات، مثل: الخاصية
الطفلية، وخاصية التهجين، وخاصية الفانطاستيك، والخاصية الحلمية، والخاصية
التراثية، وخاصية التناص، وخاصية الميتاسرد، وخاصية التضمين، والخاصية
البوليفونية، وخاصية تعدد الأجناس والخطابات السردية...
ومن
ثم، تعج المجموعة بمجموعة من القيم الإنسانية النبيلة ( الحب، والعمل، والاجتهاد،
والإيمان، والوطنية، والسعادة، والخير...)، والقيم الفنية والجمالية المتنوعة على
مستوى اللغة والأسلوب.
ويكفي
المبدع فخرا أنه كان من السباقين إلى تناول أدب الأطفال في قصصه القصيرة جدا في
وطننا العربي.
[1] - نور الدين كرماط: حديقة الحرية، مطابع الرباط نت،
الرباط، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2013م.
[2] - د. محمد أنقار: صورة المغرب في
الرواية الإسبانية، مكتبة الإدريسي، تطوان،المغرب، الطبعة الأولى سنة
1994م.
[3] - د. محمد أنقار: صورة
المغرب في الرواية الإسبانية، المرجع المذكور سابقا.
[4] - تكتب إذن في الحقيقة (إذاً)،
فالأولى تدخل على الفعل المضارع فتنصبه، والثانية استنتاجية ليس إلا.
[5] - د. محمد أنقار: نفسه، ص:15.
[6] - محمد أنقار: نفسه، ص:18.
[7] - محمد أنقار: نفسه، ص:45.
[8] - محمد أنقار: نفسه، ص:29.
[9] - محمد أنقار: نفسه، ص:45.
[10] - نور الدين كرماط: حديقة الحرية، ص:13.
[11] -
نور
الدين كرماط: نفسه،ص:11.
[12] -
نور الدين كرماط: نفسه، ص:91.
[13] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:24.
[14] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:30.
[15] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:67.
[16] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:89.
[17] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:28.
[18] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:30-31.
[19] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:74-75.
[20] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:26.
[21] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:18.
[22] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:67.
[23] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:87.
[24] - نور الدين كرماط: نفسه، ص:85.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق